تخطي إلى المحتوى

الظلاميون والنورانيون

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $6.00
السعر الأصلي $6.00 - السعر الأصلي $6.00
السعر الأصلي $6.00
السعر الحالي $4.80
$4.80 - $4.80
السعر الحالي $4.80
كلمتان حلتا اليوم في المجتمعات العربية والإسلامية،محل كلمتين سادتا حينا من الزمن ثم بادتا،وهما كلمتا الرجعية والتقدمية تابع الدكتور البوطي الانتقادات الحادة التي يوجهها من ينعتون أنفسهم بالمتنورين لكثير من الظلاميين ،ونقب عما يكون في دخائلها من البراهين والأدلة العلمية،فلم يجد شيئا يستحق الذكر ينتقد الدكتور البوطي في هذا الكتاب الجديد دعاوى الذين يدعون أنفسهم بالمتنورين ويفند أقاويلهم،ويبين خلفياتها الفكرية ومراميها البعيدة ويوضح أن من يدعون بالظلاميين قدموا للأمة ماتفخر به وكان لهم أساس راسخ في العلم والتاريخ والفكر،لكن شاءت الإرادة الاستعمارية أن ترفع من شأن البعض الذين ترى أنهم يخدمون أهدافها أغراضها وطمست ذكر آخرين. ويستنكر الدكتور البوطي أن يقسم المجتمع الإنساني العاقل إلى فئتين الأولى محكوم لها بالاستنارة حكما ماضيا غير قابل للنظر والاستئناف وأخرى ظلامية أيضا حكما مبرما،وهذا نهج خارج على وحدة الأمة، منهمك في العمل على تفتيتها يستجر لذلك ضبابية الفكر لاعقلانية القرار وأصحاب هذه الأمنية يخاصمون العقل ويفرون من الحوار ، ويعادون كل صيحة لاتكون صدى لرغائبهم وأحلامهم .

المؤلف
التصنيف الموضوعي
200 الصفحات
17x24 القياس
2016 سنة الطبع
9789933101695 ISBN
0.3 kg الوزن

بين يدي هذا الكتاب مهما تشاغبت المشكلات الفكرية، وتكاثرت الأوهام التي ترتدي كسوة العلم فتَلْبِس الحق بالباطل، ومهما تنوعت الخُطط الرامية إلى فصل الدين الحق عن قرارات العلم وحقائقه، فإني لن أزداد إلا يقيناً بأن السبيل الأجدى إلى معالجة ذلك كله إنما هو الحوار. ومعنى الحوار معروف لا حاجة لأحد إلى إعادة التعريف به.. إنه إذا تم وجهاً لوجه، لا عن طريق الرسائل وتوسيط «المواقع» يبرز فرق ما بين الجادّ في الاحتكام إليه، والمتستّر به المتصنع له، ثم إنه يستنطق العلم بقراره الذي لا محيد عنه، فيمتاز بذلك المحق من المبطل، ويستبين زغل البحث من ضوابط العلم. غير أن في الناس من يركنون في تصوراتهم إلى ما يشتهون، ثم إنهم يضيفون عليها شعارات العلم ومصطلحاته، ثم يخاصمون من يخالفونهم فيها، على البعد، دون احتكام إلى حوار، ودون إصغاء إلى تصورات الآخرين ودلائلها. فإذا طولبوا بالدليل أو اتُّهموا بالمجانفة عن موازين البحث والنظر، اختصروا مسافة الانتصار لأفكارهم والاتهام بالزيغ لمخالفيهم، باستنطاق الألفاظ نيابة عنهم في الانتصار لرؤاهم وفي التسخيف لأفكار مخالفيهم. إنهما كلمتان يلجأ إليهما كل من يريد أن يريح ذهنه من البحث والجدال وأن ينتهي من أقصر طريق إلى القرار الذي يريد: كلمة «ظلاميين» يُقذَف بها المخالفون والمجادلون، وإذا هم قد غدوا بسحرها تائهين يتطوحون في ظلمات الجهل.. وكلمة «متنورين» يرسمون منها ألقاً «فسفورياً» على وجوههم، وإذا هم قد أصبحوا بسحرها الفعال سادة العلم والبحث وقادة المنطق والنظر!.. هاتان الكلمتان حلَّتا اليوم في أكثر مجتمعاتنا العربية الإسلامية، محلّ كلمتين سادتا في الأوساط حيناً من الزمن، ثم إنهما ذبلتا فانمحقتا وبادتا، هما كلمتا «الرجعية» و«التقدمية»، كانتا، هما أيضاً، اختصاراً على ألسن أصحابهما لرحلة الحوار والبحث، وكانتا سلّم الكسالى إلى التفوق والتسامي على الآخرين. غير أن كل شيء يتطور، كما هو معلوم، ومن ثم فقد كان لا بد أن تتطور كلمتا «الرجعية» و«التقدمية» لتحلّ محلهما كلمتا «الظلامية» و«الاستنارة» ثم يتحول المصدر إلى نسبة، فيقال «ظلاميون» و«متنورون». لقد تابعت كثيراً من الانتقادات الحادّة التي وجهها من ينعتون أنفسهم بالمتنورين لكثير من «الظلاميين» من أمثالي، وأخذت أنقب عمّا قد يكون في دخائلها من أدلة وبراهين علمية، لأعود منها بفائدة إلى نفسي، فلا والله لا أذكر أنني قد عدت منها مرة بأي شيء من ذلك. قلت لأحدهم، مراسلاً له من بعد (إذ أنّى لي أن أجالسه من قرب): هلا تكرمت عليّ بلقاء ساعة، عسى أن أنال قبساً من نوارنيتك أبدّدُ به ظلامية أفكاري، فقد عزّ عليّ المنال الذي تتمتع به، ولم ينجدني العلم الذي لا أملك في كل الأحوال رفيقاً في دربي سواه، بالوصول إلى هذا النور الذي قفزتَ إليه؟... فلم أفز من رجائي بطائل. ومنذ أسابيع أصغيت إلى حديث إذاعي يتناول حياة طه حسين، وينشر طرفاً من تاريخه الغابر من جديد، وأصغيت إلى المتحدث أو المتحدثة، لا أذكر، فسمعته ينعت الأكذوبة التي واجه بها طه حسين التاريخ العربي ومؤرخيه، بالنور والنورانية وبقية اشتقاقات الكلمة، ثم أخذ يرمي ردود العلماء عليه، من الأزهر وغيره، بالظلام والظلامية. لقد تلمست أي سند من برهان علمي يذكره المتحدث دليلاً على نورانية طه حسين فيما أدلى به، أو دليلاً على ظلامية الردود التي توجهت إليه من جمهرة العلماء آنذاك، ولكن المتحدثة أو المتحدث لم يعرج على شيء من ذلك. لقد كان الحكم له بالقرار النوراني، من المتنورين مغنياً عن العلم وموازينه، كما كان الحكم على منتقديه بالظلاميين، فوق قرار العلم وحكمه أيضاً!!.. غير أنا مهما شئنا أن نوافق من يسمون أنفسهم «المتنورين»، في إسكات العلم أمام القرارات التي يدلون بها، فلا بدّ أن يلاحقنا سؤال ملحّ يقول: متى؟ وفي أي ساعة؟ وفي أي محكمة صدر القرار القاضي بتقسيم المجتمع إلى فئتين «ظلامية» و«نورانية»، ثم كان الحصول على شهادة النورانية من حظ واحد منهما بعينه، على حين باء الثاني بسُبَّة الظلام وسواده؟ في أي محكمة وبأي موجب صدر الحكم على التاريخ العربي بالظلامية وعلى المؤرخين العرب بالظلاميين، ولا نعلم لذلك موجباً إلا أن التاريخ قرر جاهلية الشعر الجاهلي؟ وفي أي محكمة وبأي موجب صدرت الشهادة للسربون بالنورانية والاستنارة، ولا نعلم لذلك موجباً إلا ما أملاه على طه حسين من ضرورة تكذيب التاريخ فيما قرر، وتكذيب المؤرخين فيما سجلوه على لسانه، ومن المعلوم أن السربون لم يكن له في ذلك إلا قصد التشكيك بالوحي القرآني المنزل على رسول الله. أما المدافعون عن التاريخ وصدقه، من علماء الأزهر وغيرهم، فقد حكم عليهم بالجريمة التي حكم بسببها على التاريخ ذاته، إنها الجريمة التي استلزمت سمو القرآن عن التهمة الكاذبة التي ألصقت به، فباؤوا جميعاً بنعت الظلامية والحكم عليهم بالظلاميين. ولست أدري فيم يصرّ أناس اليوم على إلقاء شباك الفتنة إلى أغوار تاريخ بعيد يناهز القرن الكامل، ليستجرّوا به إلينا أحداثاً طواها الدهر ونسيها الجيل الجديد اليوم، ثم ليقحموا مشاعر الناس ضمن تلك التيارات التي تصارعت آنذاك، ثم همدت فخمدت فنسيها أو تناساها الناس؟ لقد انقضى الحدث بذيوله العلمية والفكرية كلها، وإنما بقيت منه العبرة التي لا تنسى والدرس الذي لا يستهان به. والذهاب إلى تخويل المحكمة التي عهد إليها تقسيم المجتمع العربي الإسلامي إلى متنورين وظلاميين، واقتحام التاريخ والتوغل فيه، لإخضاعه وإخضاع رجاله أيضاً لهذا التقسيم، تحكُّم عجيب بناصية الكون، ومحاكمة لم يُسبق إليها لسلطان العلم والعقل. * * * بقي أن أذيل هذه المقدمة بالرد الذي وجهته لذلك الحديث الإذاعي، الذي حاول صاحبه أن ينشر تاريخاً أغمض عينه منذ دهر ونام، ليستجره عنوة إلى محكمة «النور والظلام» اليوم ويستنطق المحكمة بما يستحقه رجال ذلك التاريخ من الانغماس في الظلام أو التألق بالنور والضياء. ولسوف أجعل من هذا الرد الذي سأضعه أمامك الآن، مدخل استنطاق لكل من العلم والدين والأخلاق بموقفه من هذه المحكمة وأحكامها، ومدخل استنطاقٍ للدعائم الثلاث للمجتمع الإنساني أياً كان وفي أي عصر وجد. إليك الآن نص الرد الذي نشرته: * * * أن تتعارض الأفكار وأن تتفرق الاجتهادات، في ظل ظليل من حرية البحث والنظر، أمرٌ يقرّه العقل، وربما استدعاه سبيل البحث عن الحقيقة. ولا معنى للمجادلة التي أمر بها القرآن ودعا إليها ذوي الأفكار المتخالفة، إن لم يكن أساسُها والباعثُ عليها حريةَ النظر والفكر. وأن يتجاذب ذوو الوجهات المختلفة الحججَ والبراهينَ، كلٌّ يشدُّها إلى وجهة نظره، ثم يتفرقوا عن أفكارهم المختلفة، دون أن تجمعهم براهينهم العقلية على وفاق، أمرٌ لا مندوحة عنه في الجملة، فقد كان الخلاف - ولا يزال - ظاهرةً مصاحبة لسير المجتمعات الإنسانية، في طريق البحث عن الحقيقة. أما هذا الذي تصرّ عليه فئة من الناس اليوم، من مسابقة أصول البحث وموازين المنطق، ابتغاء إغلاق السبل في وجهها، ثم الإدلاء - في غيبوبة منها - بقرار يقسم المجتمع الإنساني الناطق، أي العاقل، إلى فئتين متخاصمتين، أما الأولى منهما فمحكوم عليها باسم الظلاميين، وأما الأخرى فمحكوم لها باسم المستنيرين أو النورانيين، حكماً ماضياً غير قابل لنظر ولا لاستئناف.. أقول: أما هذا الذي تصرّ عليه فئة من الناس اليوم، فهو نهج خارج على وحدة الأمة، منهمك في العمل على تفتيتها، يستجرّ لذلك ضبابية الفكر ولا عقلانية القرار. أصحاب هذه الأمنية يخاصمون العقل ويَفرون من الحوار، ويُعادون كل صيحة لا تكون صدى لرغائبهم وأحلامهم.. والمجتمع فيما تهواه نفوسهم نور وظلام. أما النور فهو ما تقع عليه أبصارهم مما يحلو لهم ولو كان ظلاماً دامساً، وأما الظلام فهو ما يبصره الآخرون نوراً، ولو كان الشمسَ المشرقةَ في رابعة النهار!. وعلى المجتمع - في نظرهم - أن يُؤْثر الاستسلام لما يجرّونه إليه من العمل على تهديم بنيانه وتآكل لُحمته، بعيداً عن حماية المنطق ومعونة العقل، شارداً عن أسباب التلاقي على الحق والاجتماع على كلمة سواء. إنه نمط غريب من الناس!... استولدوا من رعوناتهم وعصبياتهم حناظِلَ حقد يزرعونها في تُربة المجتمع، ثم إنهم يجعلون من الصراع الذي ينفخون في أُواره بُركاناً يهدد انفجارُه بتشظي المجتمع وتغييب موازين الحق والباطل عنه!. فذلك مشروع نورانيتهم. ولا يخالفهم في التجاوب مع مشروعهم هذا إلا الظلاميون!.. * * * إن الأمر الذي يجب أن يسترعي اهتمام أمتنا جمعاء (بقطع النظر عن اختلاف فئاتها في المذاهب والأفكار) أمام هذا الخطر الجديد، الذي يهدد البقية الباقية من ميراث وحدتها وتضامنها، حقيقةٌ يجب ألاَّ تغيب عن البال، وهي أن سياج المجتمع في كل عصر وبالنسبة إلى أي أمة، هو ذلك النسيج الذي يتكون من سَدى العقل ولُحمة المنطق.. إنه الأداة التي لا مندوحة عن التعامل معها لكل من تصله بالمجتمع رابطة العضوية فيه. إنه الميزان الوحيد الذي يميز الحق من الباطل، والذي يميز ظلام الليل من ضياء النهار، وربما تعددت الرُّؤَى واختلفت وجهات النظر، ولكن السياج الجامع يظل هو المحور، فمن أصرّ على أن يقفز فوق هذا السياج مُؤْثِراً طيَّه عن التحكيم، شارداً وراء سوره، فقد جعل من مزاجه الشخصي القانونَ البديل الذي يصرّ على أن يقود به الأمة، بل العالم كله. غير أن صاحب هذا الإصرار لن يقود بهذا القانون البديل في النهاية إلا نفسه، ولن يشترك معه في حديث النور والظلام وشطره المجتمعَ المتآلف إلى هذين النقيضين إلا مزاجُه. أما الإنسان من حيث هو إنسان، أي بقطع النظر عن معتقده ومذهبه في الحياة، فلسوف يظل قانونه (ما دام عاقلاً) الاحتكامَ إلى النسيج الذي لا بديل عنه، المؤلفِ من سدى المنطق ولُحْمة العقل.. إنه السبيل الوحيد إلى معرفة الفرق بين بزوغ الفجر بضياء النهار وإقبال الغروبِ بفلُول الظلام.. وهل تتحقق الاستنارة إلا بنور، وهل يسود الظلام إلا عند غياب ذلك النور؟!.. إنها بَدَهية يعرفها الناس كلهم، ويتعامل بها العالَم أجمع. ومن شذ عن اتباع الحقائق البدهية، فلن يجد في طريقه إلا ظلَّه، ولن يُؤنسه معه في غُربته إلا مزاجُه. سمعت بالأمس واحداً من هؤلاء المزاجيين يتحدث عن طه حسين وفكره، ليقف عند أبرز ما شذّ به عن ذاكرة التاريخ العربي وعقلِه، وهو دعوى أن الشعر الذي يسميه التاريخ العربي جاهلياً، لم يكن في حقيقته إلا إسلامياً صاغه تيار الأدب الإسلامي، وليشهد له مقابلَ هذه الأكذوبة على التاريخ بأنه كان نُورانياً مستنيراً، وبأن الذين أثبتوا بالبراهين العلمية خطأه ظلاميون. لقد غاب عن هذا النوراني المتحدثِ عن طه حسين، أن قراره الذي أمضاه في حقه لم يشترك معه فيه إلاّ مزاجُه وصَحبُه المزاجيون. أما الناس الذين لا يزالون يتعاملون مع سَدى ولُحمة العقل والمنطق، فيعلمون الحقيقة التي لم تَعُد تخفى على أحد، وهي أن طه حسين إنما أراد أن ينتقم من الأزهر بالزَّيْف الذي أودعه في رسالته، إذ كان معبّأً بالحقد عليه منذ أول عهده بالدراسة فيه.. وقد علم أستاذه الفرنسي كيف يستثمر حقده ذاك بدوره، لا على الأزهر فقط، بل على القرآن وربّانيته. إن الإنسان، من حيث هو إنسان، أي من حيث هو إنسان ناطق، يدرك اليوم هذه الحقيقة تماماً، أياً كان دينُه وأياً كان مذهبُه.. وآيةُ ذلك أنك تستعرض ثقافةَ ناشئةِ هذا العصر، فتجدها خالية عن أي متابعة لفكر طه حسين.. قل لي: كم هم الذين قرؤوا شيئاً من مؤلفات طه حسين من ناشئة هذا العصر، بل كم هم الذين سمعوا بأسمائها؟ كم هم الذين قرؤوا شيئاً من (حديث الأربعاء) أو شيئاً من كتابه (في منزل الوحي).. بل سل دور النشر وباعة الكتب عن سر غياب فكر طه حسين وأمثاله كتوفيق الحكيم وحسين هيكل والمازني وعلي عبد الرازق عن ساحة الثقافة المعاصرة، على الرغم من مرور عهدٍ ازدهرت فيه أفكارُهم أيّما ازدهار؟.. إن مما لا ريب فيه أن نسيج المعرفة هو المسؤولُ عن ذلك.. إذ إن الناس، كلَّهم أو جلَّهم، كانوا، ولا يزالون، يحكّمون في رحلتهم الثقافية كلاً من العقل والمنطق، فهو المسؤول عن اندثار ذلك الذي ليس لي أن أنعته بالنوراني أو الظلامي، بعد أن تولى الحكمَ عليه نسيجُ المنطق والعقل.. لقد باد اليوم بعد أن ساد بالأمس. وإنما ساد حينئذ بفعل الاستعمار البريطاني في مصر، والاستجابةِ المزاجية له، وباد اليوم بقرار من عقلانية الإنسان وتعاملهِ مع موازين المنطق. لماذا اندثرت أفكار طه حسين وأَسْدل الزمنُ سِتراً على مؤلفاته؟ لماذا لم تخلّدها من بعده أبواقُ الإعلام التي ظلت توجه إليها الأنظار؟ لماذا لم يؤدِّ اللقبُ الذي اصطنعته له الجهات المعنيَّةُ: (عميد الأدب العربي) الدورَ المطلوبَ لبقاء أفكاره متألقةً من بعده في أذهان الناس، مهيمنةً على المجتمعات العربية والإسلامية؟ ومصطفى صادق الرافعي، ذاك الذي أصر الاستعمار البريطاني وأشياعه على بقاء اسمه وأدبه المتميز وثقافته المستوعبة لتاريخ الأدب العربي، مغموراً مطوياً عن أكثر ساحات الثقافة والبحث، لماذا يتألق كل ذلك منه اليوم؟ ولماذا غدت مؤلفاته من بعده أشبه بالقوت الذي لا مفرّ من الاحتياج إليه؟ أمَا إن الأول لم يغيَّب فكرُه أو اسمُه اليوم عن الأذهان بتسليط نعت الظلام أو الظلامية عليه، ولا الثاني علا بين الناس اليوم ذكره وانتشر فكره بتوجيه أشعة النور أو النورانية عليه؛ وإنما هو الميزان الذي صحِب تاريخَ الإنسان منذ نشأته.. ميزانُ العقلِ الذي أودعه الله في ذاته، والمنطق الذي بهداه يُستعمل العقل، وبضوابطه تُتّقى مزالق الوقوع في شبهاته. * * * قديماً قال الحكماء: هما راحتان، إحداهما مُسْعدة والثانية مُشْقية. أما المسعدة فراحة الجسم من الآلام والأعباء. وأما المُشقِية فراحةُ الفكر من التأمل والتفكير.. ويبدو أن الذين يستبدلون بالمحاكمة والتفكير الاستراحةَ تحت إطلاق شعار الظلاميين آناً والمستنيرين آناً آخر، لا يدركون هذا الذي قاله الحكماء، وإنما يطيب لهم أن يرددوا مع الآخر قوله: والعيش خير في ظلا ل النُّوك ممن عاش كدّا[(1)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة كلها، ما علمت منها وما لم أعلم. والصلاة والسلام على محمد النبي الأمي وآله أجمعين. أسألك اللهم أن تلهمني الرشد، وأن تقيني فتنة النفس والهوى، وأن تمنَّ عليّ بنعمة الإخلاص لوجهك الكريم. ?

كلمتان حلتا اليوم في المجتمعات العربية والإسلامية،محل كلمتين سادتا حينا من الزمن ثم بادتا،وهما كلمتا الرجعية والتقدمية تابع الدكتور البوطي الانتقادات الحادة التي يوجهها من ينعتون أنفسهم بالمتنورين لكثير من الظلاميين ،ونقب عما يكون في دخائلها من البراهين والأدلة العلمية،فلم يجد شيئا يستحق الذكر ينتقد الدكتور البوطي في هذا الكتاب الجديد دعاوى الذين يدعون أنفسهم بالمتنورين ويفند أقاويلهم،ويبين خلفياتها الفكرية ومراميها البعيدة ويوضح أن من يدعون بالظلاميين قدموا للأمة ماتفخر به وكان لهم أساس راسخ في العلم والتاريخ والفكر،لكن شاءت الإرادة الاستعمارية أن ترفع من شأن البعض الذين ترى أنهم يخدمون أهدافها أغراضها وطمست ذكر آخرين. ويستنكر الدكتور البوطي أن يقسم المجتمع الإنساني العاقل إلى فئتين الأولى محكوم لها بالاستنارة حكما ماضيا غير قابل للنظر والاستئناف وأخرى ظلامية أيضا حكما مبرما،وهذا نهج خارج على وحدة الأمة، منهمك في العمل على تفتيتها يستجر لذلك ضبابية الفكر لاعقلانية القرار وأصحاب هذه الأمنية يخاصمون العقل ويفرون من الحوار ، ويعادون كل صيحة لاتكون صدى لرغائبهم وأحلامهم .