"مرحبا، أنا آينشتاين، هل يمكنك اصطحابي إلى المنزل من فضلك؟"كانت هذه هي كلمات عالم الفيزياء العبقري ألبرت آينشتاين لأحد أصحاب المتاجر في يوم ما أثناء فترة عمله كمحاضر في جامعة "برينستون" في نيوجيرسي. طلب آينشتاين ذلك الطلب، لأنه كان دائم الشرود والنسيان، لا يعرف قيادة السيارة، وربما عنوان المنزل أيضا، ولا يهتم بمعرفة تلك التفاصيل الحياتية.
ويذكر والتر إيزاكسون في كتابه "آينشتاين - حياته وعالمه" العديد من المواقف الحياتية التي أبرزت نسيان آينشتاين، على الرغم من ذكائه الذي رأى الكون بمنظور مختلف. من بين تلك المواقف، أنه في يوم ما عام 1900، أصر والده عليه أن يذهب للعيش معهما في ميلانو، وسافر بالفعل، لكنه نسي في زيوريخ ملابس نومه، وفرشاة أسنانه، ومشط شعره.
آينشتاين عالم الفيزياء العبقري الذي غير مفهومنا للكون عبر نظرياته التي كشفت لنا عن نسيج "الزمكان"، وجعلنا ندرك الزمن بصورة لم يفكر بها البشر من قبل، اشتُهر بنسيانه وشروده أيضا، بل إن النسيان والشرود كانا يميزانه.
في السيرة الذاتية لكثير من العباقرة، نجد أن الشرود والنسيان كانا جزءا لا يتجزأ من حياتهم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحياتهم اليومية. وهذا يقودنا إلى سؤال مهم، ألا وهو: هل النسيان دليل على العبقرية أم المرض؟
حسنا، تلك قصة طويلة، لنبدأ من طريقة تشكل الذاكرة. قبل ذلك، أخبرني ثلاث معلومات درستها في حصة العلوم الثالثة عندما كنت بالصف الخامس. فكر قليلا. لا تتذكر؟ لا بأس، سأُخبرك لاحقا بالسبب.
تخيّل معي أن الدماغ مثل المصفاة، يستقبل المعلومات، ويفسرها، ثم يخزن بعضا منها، وبذلك يمكنه استرجاعها عند الحاجة من أجل استخدامها في المستقبل. لكن، لماذا يحتفظ ببعض المعلومات بينما يتجاهل بقيتها؟ ببساطة، هذا يعود إلى كيفية عمل المصفاة أو بالأحرى آلية عمل الدماغ وطريقة تعامله مع الذكريات.
تمر الذاكرة بمراحل أساسية عدة حتى تبقى في الدماغ، تبدأ بالسجل الحسي، الذي يتضمن حصول الدماغ على المعلومات من البيئة المحيطة عبر الإشارات السمعية والبصرية، تستمر عملية السجل الحسي لثوانٍ معدودة، ولكي تنتقل تلك المعلومات إلى المرحلة التالية، يلزم الانتباه.
هل كنت تبحث عن الجوال بينما هو بالفعل في يدك الأخرى تتحدث إلى صديقك؟ يا إلهي!
إذا كنت مررت بهذا الموقف، فهذا لأن الانتباه كان غائبا في مرحلة السجل الحسي، ولم تنتقل المعلومات (الجوال الذي في يدك) إلى المرحلة التالية، وهي مرحلة تكوين الذاكرة القصيرة المدى، التي تخزن المعلومات بصورة مؤقتة، لكن إذا لم تكرر المعلومة في هذه المرحلة، قد تذهب بلا عودة، لذلك هناك الذاكرة العاملة، وهي تحتفظ بالمعلومات بهدف معالجتها، تمهيدا لنقلها إلى الذاكرة الطويلة المدى، مجرد أن تصل المعلومات إلى تلك المرحلة؛ فهي تستقر هناك إلى أجل غير مسمى.
وليست كل المعلومات التي درستها في الصف الخامس تصل إلى مرحلة الذاكرة الطويلة المدى. وهذا ما اجتهد العلماء في تفسيره. بالعكس، إن غالبية المعلومات التي تلقيتها في أثناء الحصة، تاهت بسرعة.
ان معدل نسيان المعلومات لوغاريتمي وليس خطيا
عالم النفس الألماني هيرمان إبنغهاوس
في أواخر القرن التاسع عشر، بينما كان العالم منهمكا بالثورة الصناعية، كان عالم النفس الألماني هيرمان إبنغهاوس مشغولًا في دراساته وأبحاثه عن الذاكرة والنسيان، ولأن التجربة الذاتية تكشف الكثير للعلماء، راح إبنغهاوس يحفظ 169 قائمة لمقاطع عديمة المعنى، يتكون كل مقطع من 3 حروف، بعد ذلك أعاد حفظ تلك القوائم بعد فترة انقطاع تراوحت بين 21 دقيقة إلى 31 يوما.
لاحظ إبنغهاوس أن النسيان كان سريعا بعد حفظ القوائم في المرة الأولى، لكن بعد مرور بعض الوقت، صار معدل النسيان بطيئا، وخرج من تلك التجربة بـ"منحنى النسيان"، واستنتج أن معدل نسيان المعلومات لوغاريتمي وليس خطيا. لاحظ إبنغهاوس شيئا آخر شيقا، ألا وهو المعرفة اللاواعية، وهذا يعني أنه عاد لحفظ المقاطع نفسها بعد 5 أو 6 سنوات، سيتذكرها أقوى من نظيره الذي يحفظها للمرة الأولى.
وتقترح الأبحاث نظريتين للنسيان: نظرية التلف، وهي تعني تدهور الذاكرة إذا لم تتكرر ذكرى معينة. أما عن النظرية الأخرى؛ فهي نظرية التداخل، وتستنتج أن المعلومات الجديدة التي يتلقاها الدماغ، تحل محل المعلومات القديمة. لكن، على الرغم من أن النسيان قد يمثل مشكلة لبعض الناس، إلا أن هذه العملية ضرورية.
وبينما كان يظن علماء الأعصاب حتى خمسينات القرن الماضي أن النسيان إشارة إلى خلل ما في أعصاب الدماغ، أثبتت الأبحاث أن هذا غير صحيح، وإنما النسيان يعبر عن مرونة الذاكرة. ويساعد الدماغ في تعزيز عملية اتخاذ القرار، وذلك عبر تجاهل المعلومات غير المهمة والقديمة، فاحتواء الدماغ على ذكريات كثيرة، يصعّب عملية اتخاذ القرار. من جانب آخر، الاحتفاظ بالمعلومات القيّمة.
إن النسيان يمنع الإفراط في التفكير في الأحداث السابقة، ويحد من تأثيرات المعلومات القديمة على عملية صنع القرار الموجه للذاكرة، مما يعزز مرونة الذاكرة
الدكتور بول فرانكلاند، عالم في الأعصاب والصحة العقلية
وهذا ما كشفت عنه دراسة أجراها الدكتور بول فرانكلاند، عالم في الأعصاب والصحة العقلية وزميله؛ إذ وجدا أن النسيان يمنع الإفراط في التفكير في الأحداث السابقة، ويحد من تأثيرات المعلومات القديمة على عملية صنع القرار الموجه للذاكرة، مما يعزز مرونة الذاكرة. بالتالي، هدف الذاكرة ليس نقل المعلومات عبر الزمان، لكن، تحسين عملية اتخاذ القرار عبر التمسك بما هو مهم والتخلي عن الأشياء غير المهمة. ونشر العلماء ما توصلوا إليه في دورية "نورون" (Neuron) في يناير/كانون الثاني للعام 2017.
في هذا الصدد، تواصلنا مع الدكتور بول فرانكلاند الذي قال لـ"المجلة" عبر البريد الإلكتروني: "نعم، لقد أوردت دراسة عام 2017 بأن بعض أشكال النسيان قد تكون مفيدة بطريقتين. الطريقة الأولى هي فقدان الذاكرة التفصيلية، مما يسمح للفرد برؤية الغابة، وليس الأشجار إذا جاز التعبير. الطريقة الثانية التي قد يكون فيها النسيان مفيدا هي أنه يسمح لنا بتجاهل المعلومات القديمة".
ويضيف فرانكلاند: "بالطبع لن يكون هذا مفيدا في حالة عدم تغير أي شيء في بيئتنا المحلية. حيث كل شيء ثابت. لكن في العالم الحقيقي، تتغير الأمور طوال الوقت، وما كان من المفيد تذكره في لحظة ما قد يصبح أقل أهمية مع مرور الوقت".
ويوضح فرانكلاند لـ"المجلة" أن نسيان التفاصيل أحيانا يسمح برؤية "الصورة الكبرى" بشكل أفضل، وهذه القدرة هي التي قد تكون مهمة لأنواع الرؤى الأساسية التي كان يمتلكها أشخاص مثل آينشتاين.
لذلك، ربما لم يغضب نابليون بونابرت من عالم الرياضيات الشهير أندره ماري أمبير، عندما دعا الأخير على العشاء، وبعد مرور ساعة على الموعد المحدد مسبقا لم يأتِ أمبير، الذي نسي أمر دعوة العشاء تماما، فجلس بونابرت يتناول عشاءه ملتمسا العذر للعالم المشهور بعبقريته ونسيانه وشروده.
النسيان أو الشرود ليسا من علامات الغباء، بل إن هناك ضجيجا في أدمغة العلماء، هناك عاصفة من الأفكار، يحتاجون لترتيبها، ربما فكرة من ضمنها تغير تفكير البشر تماما وكذلك نظرتهم لما يحدث حولهم
يُحكى أن الفيلسوف الإغريقي طاليس ميليتس، كان في إحدى المرات مندمجا في متابعة نجوم سماء الليل، وفجأة وقع في بئر. النسيان أو الشرود ليسا من علامات الغباء، بل إن هناك ضجيجا في أدمغة العلماء، هناك عاصفة من الأفكار، يحتاجون لترتيبها، ربما فكرة من ضمنها تغير تفكير البشر تماما وكذلك نظرتهم لما يحدث حولهم.
وقد كشفت دراسة منشورة في دروية "نوروسيكولوجيا" (Neuropsychologia) في أغسطس/آب 2017، أن الأشخاص الذين يعانون من الشرود الذهني أو أحلام اليقظة، يميلون إلى أن يكونوا أكثر ذكاء وإبداعا من غيرهم. وشرود العقل، هو حالة تركيز الانتباه على الأفكار الداخلية التي لا علاقة لها بالمهمة الحالية، وكما ذكرنا، الانتباه ضرورة لنقل المعلومات من السجل الحسي لمرحلة الذاكرة القصيرة المدى. لذلك، يصعب تشفير الذكريات وحفظها.
أمبير، العالم العبقري الذي ترك إرثا علميا لا يزال أثره واضحا في حياتنا اليومية، وتُنسب إليه وحدة القياس الأساسية للتيار الكهربائي، اعتاد طلابه على أنه قد يضع طباشير السبورة في كوب الماء بدلا من السكر، أو يصطدم بشجرة في فناء الكلية في أثناء تفكيره في مسألة ما، ثم يعتذر من الشجرة ظنا منه أنها إنسان. وقد ينهمك في كتابة حل إثبات جديد على لوحة سوداء أمامه في الشارع، ثم فجأة تتحرك بعيدا عنه؛ فيكتشف أنه كتب على باب عربة وليست سبورة المحاضرات.
يبدو أن الشرود والنسيان لازما علماء آخرين أيضا، مثل اسحق نيوتن، الذي كان ينهمك في التفكير في نظرياته، وينسى أمر الطعام تماما حتى يبرد.
عندما ينسى الدماغ معلومة ما، فهذا لا يعني وجود خلل أو فجوة في العملية المعرفية، وإنما محاولة للتركيز على أشياء أكثر أهمية وتبسيط للمفاهيم.
"لا تحفظ أبدا شيئا، يمكنك البحث عنه"
كان هذا رد آينشتاين على شخص طلب منه رقم هاتفه، فراح آينشتاين يفتح دليل الهواتف، للبحث عن رقمه. ببساطة، لم يكن آينشتاين يشوش ذهنه بأشياء يمكنه البحث عنها.
لدينا في أدمغتنا ما يصل إلى 100 مليار خلية عصبية، ألا تكفي تلك الأعداد المهولة لتخزين ما يحصل في حياتنا؟ لكن ماذا لو احتفظت ذاكرتك بكل تفاصيل حياتك؟
في هذا الصدد، يقول الدكتور رونالد ديفيس، الذي يشغل حاليا منصب أستاذ في قسم علم الأعصاب في معهد سكريبس للأبحاث في فلوريدا لـ"المجلة": "جميعنا ننسى بعض الأشياء في حياتنا اليومية، سواء أكان ذلك عبقريا أم لا، ويمكن تفسير بعض هذا النسيان على الأقل في الأوقات التي نصبح فيها منشغلين بشكل مفرط بأشياء أخرى في حياتنا، مثل الأزمات والتوتر وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، أعتقد أن أولئك الذين نعتبرهم عباقرة غالبا ما يركزون على الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة اليهم، وبالتالي ينسون بعض الأشياء التي يحكمون عليها بأنها أقل أهمية".
ويتابع: "أعتقد أن الأفراد الأذكياء يقررون بوعي أو بغير وعي أن يتذكروا المهم بالنسبة اليهم وينسوا التافه. قد يقوم الدماغ بتنشيط الدوائر "المثبطة" التي تمنع تذكر الأشياء غير المهمة".
لدينا في أدمغتنا ما يصل إلى 100 مليار خلية عصبية، ألا تكفي تلك الأعداد المهولة لتخزين ما يحصل في حياتنا؟
لكن فكر معي، ماذا لو احتفظت ذاكرتك بكل تفاصيل حياتك، وتذكرت تفاصيل المواقف السعيدة والتعيسة على حد سواء، أن تُصبح أسيرا لذكرياتك بكل ما فيها، هذا بحد ذاته كارثة. لذلك، وصف عالم الأعصاب السوفياتي ألكسندر لوريا مريضا كان يتمتع بذاكرة قوية، يمكنه تذكر كل شيء بتفاصيل رائعة، بأنه معاق، وبأن ذاكرته غير مرنة! هذا بحد ذاته يشير إلى أهمية عملية النسيان كعنصر أساسي وحاسم في نظام الذاكرة الصحية.
عزيزي، ليس عليك تذكر كل ما حصل في حصة العلوم الثالثة عندما كنت في الصف الخامس. لو سألت آينشتاين، لما تذكر، ولو سألت أمبير، لما عرف اسم المدرسة التي درس فيها أساسا.
مع نهاية القرن التاسع عشر تقريباً، شهدت المدن العربية ظهور نخبة جديدة من البيروقراطيين والسياسيين في المجال العام وداخل السلطة، وربما سننتظر حتى فترة ما بين الحربين العالميتين في القرن العشرين، ليبرز دور هذه النخب بشكل أوضح، بوصفهم صناع الحياة السياسية والمؤسسات الاجتماعية والإنتاج الثقافي في المنطقة. عُرِف هذا العصر بـ»عصر الأفندية» وفق عنوان كتاب المؤرخة لوسي ريزوفا. فمن خلال اعتمادها «منهجية الأزبكية» وفق تعبيرها، الذي قضى منها تصفّح أطنانٍ من الورق المُتّسخ في مكتبات سوق الأزبكية للعثور عن كتابات هذه النخب، تمكنت المؤلفة من تعريفنا أكثر بحياة هذه النخب في البيت، وأسلوبها في الاستهلاك ومعتقداتها الدينية (إسلام الأفندية) وعلاقتها بالأفلام والكتب والناس والمواصلات والموسيقى. لكن يبدو أنّ حدود كتاب ريزوفا لن تتوقّف عند تعريفنا بهذا الجانب فحسب، بل أيضا فتح كتابها ومنهجها البابَ أمام دراسات أخرى في عالم استهلاك الأفندية، وما بعد عصرهم، وهذا ما نراه مثلا في أعمال المؤرخة الأمريكية آنا غول/جامعة ميرلاند الأمريكية، فغول متخصّصة في تاريخ الطعام والجندر في مصر والمغرب العربي والشرق الأوسط عموماً. وقد حاولت الاستفادة من ملاحظات ريزوفا حول حياة الأفندية، كما تبنت طقسها الأزبكي، من خلال الذهاب إلى مجلات وكتب ألّفها عدد من المهتمين بالطعام في نهاية القرن التاسع عشر، وحتى خمسينيات القرن العشرين، ما مكّنها من الكشف عن أدب كامل للأفندية عن الطعام وإعداده في مدينة القاهرة.
في دراسة لها حول العلاقة بين الأمة والامبراطورية في كتب الطبخ المصرية، لاحظت غول أنّه خلال النصف الأول من القرن العشرين، صدرت كتب جديدة عن الطبخ في مصر، وبعضها لنساء، وهذا ما لم نكن نراه في فترة ما قبل الحداثة، إذ لا نعثر إلى يومنا هذا على مخطوطة كتبتها إحدى السيدات عن الطبخ. بينما غدا الأمر طبيعيا في القرن العشرين. تعتقد غول أنّ كتاب «أصول الطهي.. النظري والعملي» لنظيرة نقولا (أبلة نظيرة) وبهية عثمان، قد يكون الكتاب الأكثر شهرة في عصر (كتب في الثلاثينيات) فقد استُشهِد به في النكات، وأُشِير إليه في المسرحيات والبرامج التلفزيونية.، إلا أنه لم يكن استثنائيا، بل كان جزءا من اتجاه أكبر في أدب الطهي العربي في مصر. كما اتّسمت هذه الكتب بعدة سمات أخرى، مثل تركيزها على نساء الطبقة الوسطى وزوجات الأفندية بوصفها أساس تشكيل الأذواق الجديدة للأمة المصرية. اعتمدت غول في تأريخها لهذا الأدب على 37 عنواناً تقريباً، عثرت عليها في مكتبات الأزبكية، أو بائعي الكتب على الأرصفة.
طبقات كتب الطبخ في مصر الحديثة
منذ نهاية القرن التاسع عشر، ازدادت أعداد الطلاب المصريين في الجامعات البريطانية، ويبدو أنهم تأثروا بالأجواء هناك، في ما يتعلق بثقافة الطعام وإدارة المنزل، خاصة أنّه في تلك الفترة كانت كتب الطعام ووصفاتها قد غدت شائعة منذ منتصف القرن الثامن عشر، وقد حاولت هذه النخب المصرية إنتاج كتب طبخ لتعليم الزوجات والأمهات المصريات أفضل السبل لتغذية الأمة الوليدة. وهنا يمكن القول إننا أمام موجتين من الكتب عن الطعام في مصر؛ الأولى تشمل الفترة بين 1892ـ 1919، حين أُسِّست ما يقارب ثلاثين مجلة نسائية، وبدا أنّ هناك بعض التداخل بين هذه المجلات وكتّاب الطبخ. وبدا أنّ هذه الكتابات موجهة بالأخص للأسر الثرية ـ ربات البيوت المستقبليات ـ اللواتي يمتلكن خادمات، لكن يتوجب عليهن الإشراف على النظافة والطعام في المنزل، لدعم فكرة مفادها أنّه لكي تزدهر مصر كدولة حديثة ومتحضرة، يجب على نسائها المتحضرات اتقان مبادئ إدارة المنزل. وعلى الرغم من أنّ هؤلاء الكتاب كانوا قد تعلموا جزءا كبيرا من هذه المبادئ من خلال احتكاكهم ببريطانيا، نراهم يؤكدون في كتبهم على ضرورة عدم تبني المبادئ الاستعمارية، أو الأوروبية بالجملة، وضرورة أن تكون الحداثة والإصلاح من داخل الأخلاق والقيم المحلية.
ويعد إبراهيم عبد الرؤوف، أحد الكتاب المصريين، مثال لهذه الرؤية. ففي كتاب له بعنوان «اللآلئ الدرية في التدبير المنزلي والقوانين الصحية» الصادر عن مطبعة الموعد، طبعة ثانية، 1922، نراه يبدأ كتابه بالدعاء الإسلامي التقليدي «بسم الله الرحمن الرحيم» مقدما الشكر لله على إرسال النبي محمد كمثال للبشرية. ثم يلقي اللوم على «زخارف الحضارة الحديثة» في «إلهاء فتياتنا عن شؤونهن المنزلية». وعند حديثه عن الطعام، نرى أقسام الأطعمة العربية والشرقية وهي تتناوب: من البسكويت والمعكرونة والحساء، إلى وصفات الكفتة والطاجن. ويبدو أنّ هاجس اعتماد لغة محلية للدعوة للحداثة ظل يشغل بال عبد الرؤوف، ما انعكس على أسلوبه في الكتابة عن الوصفات، من خلال الإكثار من ذكر أبيات الشعر العربي القديم، ما مثّل اختلافا عن كتاب الطبخ في فترة ما قبل الحداثة العربية، إذ غالبا ما حاول كتّاب تلك الفترة تدوين نصوصهم بالفصحى والعامية لتتناسب مع الشرائح كافة، بينما يبدو عبد الرؤوف مشغولاً أكثر بالكتابة لصنّاع الأمة الجديدة (الأفندية) الذين يتوجب عليهم أن يكونوا على معرفة جيدة بالأذواق العالمية، وأيضاً بكيفية الاستفادة منها لتطوير الوصفات المحلية.
جيل أبلة نظيرة
في نهاية الثلاثينيات، كانت هناك فتاة سمراء مصرية قد أنهت دراستها في معهد معلمات الفنون لدراسة فنون الطهي وشغل الإبرة في لندن. وقد تعرّفت خلال رحلتها هذه، على سيدة مصرية أخرى تدعى بهية عثمان، وعند عودتهما صودف أن أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة لتأليف كتاب عن الطهي تعتمده الوزارة. فاتفقتا على تأليف الكتاب معا، ليصدر بعنوان «أصول الطهي» في أكثر من 800 صفحة. ويمكن القول إنّه مع هذا الإصدار، كنا أمام الموجة الثانية من الكتابة عن الطبخ في مصر (1930ـ 1954) لكن ما ميزها عن سابقتها أنّها بدت موجهة إلى نساء دون خادمات، كما بدت أكثر تركيزاً على الطبخ.
ومما تتوقف عنده غول في كتابات هذه الموجة، اختفاء العناوين المنمقة والشعر الكلاسيكي للجيل السابق (كما وجدنا ذلك لدى إبراهيم عبد الرؤوف). كما تميزت هذه الكتب بمحاولتها تجاوز الوصفات المصرية الأوروبية للأعمال المطبوعة السابقة لتشمل الأطعمة من أماكن مثل الهند واليابان. واللافت أيضاً في كتاب نظيرة وبهية، محاولتهما وضع الطعام المصري في سياق عربي شرقي، يشمل الأطعمة الشامية. وهو مخيال كتابي، يبدو أنّ الهدف منه تشكيل هوية مصرية حديثة مطلعة على المعرفة الأوروبية، ومندمجة في النصف الشرقي من العالم العربي، ومتميزة عن ثقافات الطهي الافريقية الأخرى. ولذلك يمكن القول إنّ كتب الطبخ سبقت الناصريين مثلاً في خلق هوية مشرقية عربية لمصر بدلاً من الهوية الافريقية.
تاريخ ثقافي للطماطم في مصر
لن تتوقف آنا غول في قراءتها لعالم الطبخ عند حدود الخمسينيات، كما فعلت ريزوفا في كتابها عن الأفندية، وإنما حاولت تتبّع عالم الفترة في عصر ما بعد الأفندية، من خلال تتبّع تاريخ عالم الطماطم في مصر. في كتاب سيصدر لها قريبا بعنوان «باذنجان النيل: الطماطم وصناعة مصر الحديثة» تحاول غول تتبع تحول جديد في عالم المذاق المصري، من خلال انفجار عالم ثمرة الطماطم في مصر بعيد الستينيات، والتي هي بالأساس من فصيلة الباذنجانيات. فخلال الأربعينيات والخمسينيات، أصبح في إمكان المصريين الحصول على كميات أكبر من البندورة مقارنة بفترة العشرينيات والثلاثينيات، وهذا واقع تعكسه كتب الطبخ ووصفاتها. إذ لا تذكر كتب الطبخ في فترة العشرينيات صلصات كثيرة متعلقة بالطماطم، كما أنها تذكر الطماطم بوصفها خضارا موسمية لا تتوفر طوال السنة. لكن في الأربعينيات وحتى الستينيات مع ظهور مشاريع السدود، يمكن القول إنّ الطماطم أصبحت جزءاً أساسيا ويومياً من حياة المصريين، ويبدو أنّ هذا الأمر قد انعكس في جانبين؛ الأول في ما يتعلق بالمجلات والصحف، التي باتت تتحدث كثيراً عن الطماطم، كعنصر مرغوب فيه في وصفات وطبخات الطبقة الوسطى في مصر. والثانية تتعلق بكون الدولة وجدت في توفر الطماطم فرصة لفرض رؤيتها الذوقية والأيديولوجية أيضاً، من خلال تشغيل معاملها لصنع صلصلة الطماطم الجاهزة، وتوفيرها للنساء العاملات، اللواتي أصبحن جزءاً من عصر عبد الناصر، مقارنة بفترة الثلاثينيات والأربعينيات، التي بقي فيها دور النساء كما تراه النخبة متمركزاً في المنزل .
غول ، أنه على الرغم من تمكّن الدولة من إمداد الأسواق والمطابخ وتجهيزها بصلصة جاهزة؛ مع أنّ طهاة المنازل، والغالبية العظمى منهم من النساء، هم الذين أكملوا أعمال إطعام الأمة. علاوة على ذلك، فقد فعلوا ذلك بطرق لا تتوافق دائما مع المبادئ والتقنيات التي ظهرت في كتب الطبخ والوصفات المكتوبة المعاصرة، والتي أنتجت مؤسسات الدولة العديد منها في محاولة لتوحيد الأذواق الوطنية. إذ قام العديد من النساء بإضافة نكهات أخرى على الصلصات الجاهزة، أو خلق أنواع أخرى من الصلصات (التسبيكة مع الخضار) ما كان يعني عدم الالتزام بالمواد أو الوصفات الجاهزة. ومن خلال القيام بذلك، لم يرفضن بالضرورة سلطة الدولة أو يسعين إلى مقاومتها بالكامل. إنما وضعن أنفسهن كعناصر فاعلة ومنخرطة في تشكيل معنى الطعام المصري الشهي، وأيضاً في إنتاج طعام قائم على العاطفة والتجربة والحس، وليس فقط على طباخي الدولة ووصفاتهم.
أقرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ترشيح وزارة الثقافة السورية للشاعر صقر عليشي، شاعر الدورة العاشرة عن الشعراء الأحياء، والشاعر الليبي الراحل الشيخ المجاهد سلمان الباروني عن الشعراء الراحلين، ودعت المنظمة الدول العربية للاحتفال باليوم العربي للشعر وبالشاعرين المحتفى بهما طيلة 2024.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتفاء باليوم العربي للشعر الذي انطلق في 21 مارس (آذار) عام 2015 يعدّ في نظر المنظمة العربية، مناسبة لإرساء تقليد يعيد للشعر مكانته لدى الجمهور والتأكيد على دوره في المجتمع، ويوثق الرابطة التي تجمع بين شعراء الوطن العربي ونظرائهم في العالم، والتذكير بالقيم الإنسانية التي تجمعهم، وتشجيع روح المغامرة الإبداعية للشعراء وخاصة الشباب منهم، وإعلاء صوت الجمال والمحبة والقيم الإيجابية في وجه ثقافة الإقصاء والعنف.
والاحتفاء مضاعف إذ يتوافق مع ما اعتمده المؤتمر العام لليونسكو، خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس عام 1999، ولأول مرة، يوم 21 مارس (آذار )اليوم العالمي للشعر بهدف دعم التنوع اللغوي، ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرص أكثر لاستخدامها في التعبير.
ويسلط موقع24 الضوء على تجربة الشاعر ابن سوريا صقر عليشي واستحقاقه هذا التكريم الاحتفاء من خلال ما كُتب عنها في مؤلفات النقاد السوريين، والمحطة الأولى مع ما كتبه الشاعر والناقد د. سعد الدين كليب في كتابه " في النقد الجمالي/ شعراء.. وتجارب" الصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة عام 2000.
ويقول د. سعد الدين كليب إن "ما فعله صقر عليشي، عبر مسيرته الشعرية، هو أن انصرف إلى الجمال الحيّ، من غير أن ينصرف عن القضايا الكبرى أو الصغرى التي راح ينظر إليها من منظوره الجمالي الخاص، وتجربته الشعرية متميّزة ومتمايزة عما سواها، في المشهد الشعري السوري الراهن، وهي تجربة ذات طبيعة مغايرة عما هو مهيمن أو سائد، من التجارب الجمالية التي تتمحور غالباً حول تجربة العذاب، تتمحور حول مفهوم الجمال في منحاه الممتع غالباً. ونقصد بذلك أنها تنهض من قيمة الجمال المتحصّلة من الاستمتاع بالعالم أو بالظواهر والأشياء والمعاني. وقلّما تُعنى بغير الجمال، من مثل القبح أو العذاب أو الجلال أو السموّ…الخ. فهي تجربة تبحث عن العذوبة لا عن العذاب، حتى فيما يبدو أن لا علاقة له بالعذوبة أو الإمتاع في الواقع المعيش. ولهذا فإن متعة الألفة والدهشة تجاه جمالات العالم هي الأصل والفرع أو السبب والنتيجة فيها، سواء أكان ذلك العالم في الطبيعة الحية والمتحركة والصامتة أو الجامدة، أم كان في المرأة بمختلف جوانبها الأنثوية والإنسانية، أم في الأشكال والأفراد والعلاقات اليومية الحياتية. وذلك بهدف القول إن في الحياة ما ينبغي أن يعاش خارج معزوفة الألم، أو أنه ينبغي أن يعاش لأن فيه من المتعة ما يجعله ذا جمال حيّ وبهيّ معاً. غير أن هذا لا يعني أن الشاعر يغمض عينيه عن المنفّر والمحزن والمؤلم، فيبدو لا مبالياً بالمعاناة الاجتماعية أو الإنسانية عامة، إنه يرى كلّ ما يمكن أن يُرى، ولكن من منظوره الخاص، وهو منظور المتعة. إن الشاعر في تعامله الفني مع العالم من منظور المتعة، يحاول أن يرى في الموجع أو المحزن ما هو مضحك، أو كوميدي. أي إن تحويل المؤلم إلى مُلذّ لا يكون باستعذاب العذاب، كما عند المتصوفة. بل بالسخرية منه أو الاستعلاء عليه أو امتلاكه بالابتسامة الساخرة".
وينبّه د. كليب إلى أن الشاعر صقر عليشي لا يحوّل القضايا الإنسانية أو الاجتماعية المأساوية الكبرى، أو قضايا التحرر الاجتماعي والسياسي، إلى كوميديا أو أنه يُدخلها في المضحك المبكي، وإلا لكان شعره ذا طبيعة عبثية أو فوضوية أو عدمية، وما هو كذلك. إنه لا يطلق الابتسامة الساخرة إلا فيما يقوم على المفارقة أساساً، أو فيما يمكن اكتشافها فيه من إحدى زوايا النظر. أما تلك القضايا التي يتداخل فيها الحقّ والخير والجمال، بالنسبة إلى الوعي الإنساني عامة، فإنه ينظر إليها من منظور الجمال أولاً، أي من منظور المتعة التي ينبغي الدفاع عنها، لأنها الجمال الذي يحيل على الحياة في شكلها الإنساني الأرقى. وهو ما يعني أن خطاب المتعة في شعر عليشي هو خطاب الجمال بمختلف معانيه ومستوياته المتعددة. سواء أكان في الأشكال الحسية أم المشاعر العاطفية أم المعاني المجردة أم القضايا الإنسانية الكبرى. وعن حوامل التجربة الجمالية في شعر صقر عليشي، رأى د. كليب أنها تتحدد بالطبيعة والمرأة والقصيدة في المقام الأول. وهي حوامل أو أقانيم موضوعاتية وانفعالية وتخييلية ولغوية ورؤيوية في الوقت نفسه؛ كما أنها أقانيم متحاورة فيما بينها، بشكل يصعب فيه النظر إلى واحد منها بمعزل عن الآخر. فهي غالباً ما تتداخل فيما بينها في النصّ الشعري الواحد من منظور المتعة، أو الأدقّ أن الشاعر غالباً ما يستحضر المعجم الطبيعي والمعجم الأنثوي والمعجم الشعري، في تناوله الجمالي لواحد من تلك الأقانيم/ الحوامل. وكأنها أقنوم واحد، أو كأن المتعة الجمالية هي الأيقونة الشعورية/ الروحية لتلك الأقانيم، في شعر صقر عليشي.
أما الباحث في الفكر والناقد عطية مسوح فقد تحدث في كتابه " منارات شعرية" الصادر عام 2017 عن جوانب من تجربة الشاعر صقر عليشي ورأى فيها أنها أكدت تميّز صوته الشعري بخصوصيات جعلت منه صوتاً فريداً، أهم ما فيه القدرة على اقتناص اللمحة الشعرية، أو الفكرة، وصوغها بإيجاز وتكثيف، إضافة إلى مهارة واضحة في بناء ما يمكن أن نسميه القصيدة الصورة.
والقصيدة في نظر الشاعر عليشي كما عبّر عنها في قصيدته التي حملت عنوان (عندما تولد القصيدة)، لا تقبل المعاني العادية المألوفة والمطروحة - والكلام للناقد مسوح- لا تقبل من المعاني إلاّ أجلّها وأكرمها. ولا يتعلق الأمر بالمعاني فقط، أي بالمضمون، بل إن التطلّب يصل إلى الشكل، فالقصيدة تأبى القوافي المبتذلة أو الضعيفة، ولا يُرضيها إلاّ القوافي المتلالئة المؤهلة لختم المعاني الثمينة والصور البرّاقة.
ويقول مسوح في موضع آخر: إن قصائد صقر - وبخاصة قصائده القصيرة- هي صورة كبيرة مركّبة، أي أن القصيدة بأكملها هي لقطة مجازية، أو فكرة معروضة عرضاً مجازياً. وهذا ما يجعل القصيدة كلها بؤرة جمالية واحدة.وعدّ الناقد د. هايل الطالب في كتابه " جماليات الغواية الشعرية" الذي يٌعدُ أول من خصّ شعر صقر عليشي بكتاب كامل، والصادر عام 2011، عد الشاعر عليشي منتمياً إلى اتجاه شعري أسماه بالشعر العفوي.
وأشار إلى أن هذا الاتجاه عميق الجذور في التراث الشعري العربي والعالمي، إذ تُلاحظ ملامحه ابتداءً من عمر بن أبي ربيعة قديماً وحتى نصل إلى رائده في عصرنا الشاعر نزار قباني، وهو اتجاه معروف في الشعر العالمي كما نجد عند غيوم أبولينير وجاك بريفير وغيرهما.
وهذا الاتجاه يهتم ويعنى بالجزئي واليومي، وما هو مألوف، وما يُعرف بالموضوعات البسيطة، أي ما يدعوها جاك بريفير بـ (بذور الواقع). ويدعوها آخرون بـ (الواقعية الشعرية) التي عبّر عنها إيلوار بقوله: هي ما كان يحلم بها الكثيرون.. أي أن يكون الشعر ملك، أو في متناول الجميع، عندما يصوغ الشاعر شعره بلغة رجل الشارع، ولغة الحكيم، والمرأة والولد...وباختصار أن يكون الشعر عفوياً وليس مصنوعاً بتعمّد.
ورأى د. الطالب أن الشاعر عليشي يتبنى بعفوية، هذا الاتجاه في شعره كاملاً، يحاول أن يخلق لنفسه فرادة تميّزه عن غيره، وقد عزز هذا الاتجاه بلغة شعرية خاصة في مصادرها، واشتقاقاتها، وارتياداتها المختلفة، كما عززه بأنماط بنائية عديدة تسهم في تحقيق الانسجام في نصّه، وتعطيه خصوصيته التي تبعده عن الفوضى من ناحية، والتي تميزه من غيره من ناحية أخرى، وهذا ما دفعه لتوظيف تقنيات المفاجأة، والطرافة، والمفارقة في تصعيد دلالة نصه، وابتعد عن الغموض، وإغلاق النص، كما ابتعد عن قضايا الوجود والفناء، ويبدو أن ذلك عن سبق إصرار وترصد، وهذا ما نلحظ الشاعر يصرّح به في قصيدة " توضيح بسيط"، فيقول"
تهمني المسائل الصغيرة
أكثر من مسائل الفناء والوجود
أحبّ أن أذوق غامض التفاح
أكثر مما لو أذوقُ
ثمر الخلود
إن وُجدت فلسفة أحبها
لا شك إنها
فلسفةٌ لها نهود.
بارع في السخرية
ونختتم هذه الإضاءة بما كتبه الناقد الراحل د. محي الدين صبحي على غلاف كتاب الأعمال الشعرية، ولعله أول من نبّه إلى تميّز تجربة صقر عليشي قائلاً: هذا هو صقر عليشي شاعر يقتحم المحرمات بفكاهته وخفة دمه وذكائه وعاطفته، فقد ألّف شعراً يجمع بين الخفة والطيش إلى الرزانة والانتماء والمسؤولية. وهو بارع في استخدامه السخرية بكل أنواعها، بارع في إلقاء الهزل على عواهنه. يستطيع استثمار توتر البنية اللفظية في إطلاق المكبوت من الطاقة النفسية، مع جمال وصنعة وبصر في الشعر، ولعله من أهم المساهمين في تأسيس شعر البداهة والفطنة بالعربية.
صقر عليشي شاعر وناشر سوري من مواليد العام 1957 في عين الكروم إحدى قرى محافظة حماة، عضو اتحاد الكتاب العرب، مؤسس دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، تناولت تجربته الشعرية دراسات وأبحاثاً وأطروحات أكاديمية، وجُمِعَ أغلب نتاجه في إصدار الأعمال الشعرية 2008.
وصدر له "(قصائد مشرفة على السهل، الأسرار، قليل من الوجد، أعالي الحنين، عناقيد الحكمة)، في عينيكِ ضعت، أحاول هذا الكلام الوثير، معنى على التل، أسطورة فينيقية، كتاب اللمحات"، وكرّمته وزارة الثقافة السورية، وهيئات محلية وعربية.
رمضان بكل ما فيه من جماليات وروحانيات يختلف تماماً في عيون الناس عن بقية الأشهر، وتظل له مكانة غالية على نفوس البشر صغيرهم وكبيرهم، فالجميع يجل ويعظم هذا الشهر الكريم، وخاصة المبدعين الذين يتصفون بشفافية عالية تجاه الأحداث والمناسبات، فماذا يمثل رمضان بالنسبة للمبدع، وماذا يقرأ خلاله، وماذا يكتب، وكيف يقضي أوقاته؟
يؤكد الأديب الإماراتي ناصر البكر الزعابي: "أن الأدب العربي القديم كان مهتماً بطقوس رمضان وحكاياته أكثر من الأدب المعاصر، وموضحاً انه يشكل فرصة حميمية لاستعادة وتنشيط الذاكرة وسط زحام الحياة، ومبيناً أنه يحرص على قراءة كتب التاريخ تحديداً في هذا الشهر العظيم"
وفي تصريحات خاصة لـ24 يقول: "تختلط المشاعر مع بداية شهر رمضان المبارك الذي يعيدنا إلى التفاصيل الأولى من حياتنا، خاصة فترة الطفولة وذكريات بيت العائلة وحكايات الراحلين الغاليين على قلوبنا والذين ظلت مقاعدهم فارغة، فاستعادة هذه المشاعر والمشاهد أمر في غاية الصعوبة خاصة في زحام الحياة ومشاغلها لذا يشكّل شهر رمضان فرصة حميمية لاستعادة وتنشيط الذاكرة".
وعن قراءاته في هذا الشهر الفضيل يضيف: "أحافظ على عادتي اليومية في المطالعة والقراءة بشكلٍ عام وأكثّف ذلك خلال العطلة الأسبوعية، وأميل إلى قراءة التاريخ بشكلٍ كبير خلال شهر رمضان تحديداً".
وبالنسبة لتنظيم الوقت، يوضح: "ليس لدي مشكلة في توزيع الوقت، لدي جدول أسبوعي أحدّد فيه أوقات الزيارات، أما الجدول اليومي فهو ثابت تقريباً مع بعض التعديلات الطفيفة، أما في النهار أفضل الجلوس في البيت أغلب الوقت، وأمارس الرياضة بعد انتهاء صلاة التراويح، ومن ثم الكتابة أو القراءة".
ويذكر: "تعتبر أجواء رمضان بيئة محفزة على الإبداع، حيث صفاء النفوس، وجمال التسامح، والإلفة والمحبة، وقد كتبت عملا إبداعياً فلسفياً خلال شهر رمضان، وكانت الكتابة دون تخطيط مسبق، واستغرق العمل مني تقريباً مدة عام كامل وهو الآن قيد الطبع ".
ويتابع الزعابي: "أكثر ما يستحوذ على تفكيري في هذا الشهر المبارك، وأكثر ما يستوقفني هو سرعة الزمن، والاختلافات الكثيرة عبر سنينٍ مضت، وغياب وجوه وظهور وجوهٍ أخرى وهكذا هي الحياة عموماً، كما يستحوذ على تفكيري الأبعاد النفسانية وسلوكيات البشر التي تتحوّل بشكلٍ كبير في بدايات الشهر الفضيل".
ويرى: "أن الأدب العربي نجح في الإضاءة على طقوس رمضان وما فيها من جماليات وروحانيات، موضحاً أن الأدب العربي القديم كان مهتماً بطقوس رمضان وحكاياته أكثر من الأدب المعاصر نتيجة عوامل اجتماعية وثقافية مغايرة عن الزمن الحاضر".
وفي إطار إجابته عن أهم الكتب التي يرشحها للقراء كي يطلعوا عليها في هذا الشهر الكريم: "يقول من الصعب تحديد كتاب معين لكنني أميل إلى كتب التاريخ والسيرة الذاتية وعلم النفس وعلم الاجتماع خلال شهر رمضان المبارك".
يشار إلى أن ناصر البكر الزعابي شاعر وكاتب من الإمارات معروف بنشاطه وتفاعله الجيد مع المشهد الثقافي، وهو عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وعضو أسرة تحرير مجلة نخيل التراثية، صدرت له عدة مؤلفات في الشعر والقصة والرواية والفلسفة والمقالات، وقد تناول عدد من النقاد تجربة الزعابي الإبداعية ومنهم الناقد القدير الدكتور هيثم يحيى الخواجة.
تكتسي شوارع وأسواق وساحات قطر طوال شهر رمضان بأجواء احتفالات واسعة تستقطب الرواد من مختلف جنسيات العالم، سواء من المقيمين في قطر أو القادمين إليها من الخارج للاستمتاع بهذه الأجواء ذات الطبيعة الخاصة.
وفي منطقة الميناء القديم وعلى امتداد شهر رمضان يقام مهرجان» أكل أول» الذي يتناغم مع أجواء حي المينا القديم، وهو عبارة عن احتفاء بالتقاليد العريقة التي نسجت ذكريات المجتمع الغنية في دولة قطر، حيث يتيح فرصة قضاء أجمل الأوقات مع العائلة والأصدقاء، وتذوّق مجموعة متنوعة من المأكولات الشهية من مطاعم محلية ويستمر المهرجان حتى 10 نيسان/أبريل المقبل ويشارك فيه أكثر من 50 مطعما تقدم وجبات تقليدية مع عشرات من دول العالم.
وكانت هذه المنطقة تعرف سابقا باسم ميناء الدوحة، والتي تم تطويرها وتحويلها إلى وجهة سياحية للمقيمين والوافدين في قطر. إذ يتميز بمبانيه المطلية بألوان باستيل وطابعه المعماري، ويضم ما كان يعرف بـ «ميناء الدوحة القديم»، والذي بات الآن يحوي محطة كبرى لرسو السفن السياحية العملاقة خلال موسم الشتاء. ويضم «ميناء الدوحة القديم» حاليا مطاعم من بلدان وثقافات مختلفة وسوقا كبيرا للأسماك.
وغير بعيد عن حي الميناء القديم يوجد سوق واقف في قلب العاصمة القطرية، وهي أحد أعرق الأسواق في قطر ومنطقة الخليج. ورغم أن سوق واقف مقصد سياحي مهم طوال العام فإن جاذبيتها تزداد خلال شهر رمضان.
وتقول المواطنة الأمريكية كلوي، التي عاشت معظم حياتها في كاليفورنيا في الولايات المتحدة، أثناء تواجدها في سوق واقف إنها حطت رحالها في قطر في توقف لمدة 36 ساعة فقط لرحلتها على متن الخطوط الجوية القطرية من كينيا إلى إيطاليا، حيث تقيم مع عائلتها، وقررت الاستجابة لنصيحة أصدقائها بالحجز على الخطوط القطرية والاستمتاع بساعات التوقف في قطر خاصة في رمضان للاستمتاع بالأجواء والاستفادة من السفر على طائرات واسعة ومريحة وبسعر جيد.
وتظهر بيانات «قطر للسياحة» أن البلاد استقبلت أكثر من أربعة ملايين سائح خلال عام 2023، متجاوزة بذلك أرقاما قياسية لقطر.
وقالت كلوي إن «كل ما في السوق هنا يأخذك لرحلة عبر الزمن»، مضيفة أنها تلف عبر أزقة السوق منذ ساعات ولم تشعر بالوقت.
وأضافت أنها قدمت لسوق واقف في الخامسة مساء لتأخذ مكانها وسط حشود تلتف في ساحة واسعة في مدخل السوق لمشاهدة «مدفع الإفطار»، قائلة إنها تجربة شاهدتها للمرة الأولى في حياتها.
وشُيدت «سوق واقف» في قلب العاصمة القطرية بالقرب من موقع «سوق الدوحة القديم» التي يعود تاريخها لأكثر من قرن من الزمن وتتميز «سوق واقف» بالجمع بين الأصالة والمعاصرة، إذ أن مبانيها وأزقتها تكتسي بالطين، ويجتمع في تشييدها الطين والأخشاب على الرغم من تزويدها بأحدث أجهزة الإنارة ومكافحة الحريق.
أما المنطقة الثالثة التي تكتسي بطابع خاص في «رمضان الدوحة»، فهي «مشيرب قلب الدوحة» القريبة من سوق واقف، والتي تقدم فعاليات كثيرة خلال رمضان، جاذبة إليها أعدادا كبيرة من السائحين والمقيمين في قطر سواء من المجتمع المحلي أو الأجانب.
وأصبحت «مشيرب قلب الدوحة» مركزاً مميزاً للفعاليات المشوقة خلال شهر رمضان باستضافتها أنشطة ترفيهية لجميع أفراد العائلة في كل من «ساحة البراحة» وشارع «سكة الوادي» للمشاة والمقامة في الهواء الطلق خلال واحد من أفضل شهور العام في قطر.
تزدان جنبات «سكة الوادي» بالأضواء الرمضانية المميزة التي تشكل في حد ذاتها منطقة جاذبة لمحبي التصوير، كما قالت «إيما» (34 عاما) من بريطانيا، وهي تلتقط بعدسة كاميرتها الحياة النابضة في المكان.
قالت إنها في زيارة لأصدقائها في قطر لأسبوع، مضيفة أنه كانت لديها تخوفات من عدم اكتمال التجربة لتزامنها مع شهر رمضان، إلا أن الأجواء الرائعة في أنحاء قطر أضفت طابعا مميزا على عطلتها القصيرة.
وتحوي المنطقة العديد من المعارض والأنشطة الثقافية وورش العمل، وغيرها من العروض، وبينها تجارب الفنون والحرف اليدوية للأطفال والعائلات والتي تمتد حتى الساعة الواحدة والنصف صباحا.
كما تستضيف براحة مشيرب، ورشا لسرد قصص تتناول موضوعات مختلفة حول رمضان، والعادات والتقاليد، ومعرضا للصور الفوتوغرافية لعرض طقوس وأجواء شهر رمضان المبارك.
ومن «مشيرب قلب الدوحة»، يمكنك التوجه إلى كورنيش الدوحة، حيث تتجمع عشرات العائلات من جنسيات مختلفة مع أطفالها للاستمتاع بالأجواء الرائعة والتوقف أحيانا للممارسة الرياضة على الأجهزة المبتكرة المنتشرة بطول الكورنيش على مسافة نحو 6 كيلومترات.
وتحدثت زنيرة حفيظ، من باكستان، وقالت إنها تناولت الإفطار مع عائلة أختها المقيمة في الدوحة في أحد المطاعم الباكستانية، ثم جاءت لتستمع بالأجواء والمشي على الكورنيش بعد وجبة ثقيلة.
ومن منطقة الدفنة في نهاية الكورنيش، تأخذك طريق سريعة وواسعة بأكثر من 5 مسارات إلى مناطق «الحي الثقافي كتارا» ومدينة «اللؤلؤة» ومدينة «لوسيل» حيث تجارب متباينة ومتنوعة.
وتزخر منطقة كتارا بأجواء رمضانية ذات طابع عربي وإسلامي بارز، إذ يستضيف مسجد الحي والأيقونة المعمارية والذي يعرف بالمسجد الأزرق فعاليات ودروس دينية عديدة خلال صلاة التراويح، فضلا عن مسابقة للقرآن الكريم، بينما تستضيف أماكن أخرى داخل كتارا فعاليات للشعر والإلقاء.
ولم تتوقف فعاليات الدوحة الرمضانية على العاصمة الدوحة وضواحيها، ففي جنوب قطر ينبض سوق الوكرة القديم على ضفاف الخليج الرملية بالحياة.
هذه الحرب لم تدمّر فقط الحجر ولا الآثار الموجودة في غزة، التي تعود إلى آلاف السنين، وإنما استهدفت أيضاً الجيل الجديد الذي سيحافظ على الهوية والإرث التاريخي والثقافي، وتاريخ القضية الفلسطينية التي بدأت منذ ما يصل الى 76 عاماً، إذ عمد الجيش الإسرائيلي إلى قصف المدارس والجامعات وأي شيء يحمل التاريخ، مخلفاً فتات الحجر وبقايا الورق، وذاكرة تحفظ وحشية ما يعيشونه أبناء القطاع الآن.
“محاربة الهوية الغزية العريقة”، هكذا يمكن أن يوصف المشهد الحالي الذي يعيشه قطاع غزة. فكل شيء يحدث يصبّ في مصب دمار الهوية الأصلية والإرث الثقافي وهوية المنطقة أو ما يمكن وصفه بـ”الإبادة الثقافيّة”، التي تستهدف تاريخاً وقضية وحتى آثار من عاش في القطاع، ما يخلّف آثاراً ستصبح بعد قرون تاريخاً شاهداً على الدمار الذي تركته حرب 2023 في جذور غزة وأرضها.
هذه الحرب لم تدمّر فقط الحجر ولا الآثار الموجودة في غزة، التي تعود إلى آلاف السنين، وإنما استهدفت أيضاً الجيل الجديد الذي سيحافظ على الهوية والإرث التاريخي والثقافي، وتاريخ القضية الفلسطينية التي بدأت منذ ما يصل الى 76 عاماً، إذ عمد الجيش الإسرائيلي إلى قصف المدارس والجامعات وأي شيء يحمل التاريخ، مخلفاً فتات الحجر وبقايا الورق، وذاكرة تحفظ وحشية ما يعيشونه أبناء القطاع الآن.
تعتبر مدينة غزة من أقدم المدن في العالم، وتحوي معالم أثرية تاريخية من العصور القديمة والبيزنطية والإغريقية واليونانية والإسلامية، يمتاز كل منها بخصوصية تاريخيّة، إلا أن الجيش الإسرائيلي دمّر حتى الآن 200 معلم تراثي.
يكشف تأمّل المشهد القائم، أن الجيش الإسرائيلي قصف دمّر عدداً من تلك المعالم الأثرية، ومن أهمها المسجد العمري الذي يعد أقدم مسجد في القطاع، وتحتوي مكتبته على 132 مخطوطة ما بين مصنف كبير ورسالة صغيرة، ويعود تاريخ أقدم مخطوط إلى سنة 920هـ. لم تنج أيضاً المعالم الأثرية الدينية المسيحية، إذ استُهدف عدد من الكنائس التي تعد إرثاً تاريخياً على عراقة المدينة ورسالة النبي عيسى بن مريم في غزة.
يقول الأديب والكاتب الدكتور جمال أبو نحل، مؤسس ورئيس المركز القومي لعلماء فلسطين، لـ”درج”، إن أسوأ التأثيرات هي ذات البعد الثقافي والتاريخي نتيجة حجم الدمار الهائل الذي تسبب به الجيش الإسرائيلي، الذي “قصف بشكل همجي وحشي قرابة مائتي معلم أثري في قطاع غزة، كانت منها دور عبادة أثرية من مساجد،وكنائس أثرية، ومسح تقريباً جميع الجامعات الفلسطينية في غزة عن وجه الأرض، وصارت أثراً بعد عين، ودمر القصف كل ما في الجامعات من آلاف الكُتب القيمة، وآلاف رسائل الماجستير والدكتوراه، إضافة الى تدمير غالبية مدارس قطاع غزة عن بكرة أبيها”.
يتابع أبو نحل قائلاً، “نحن لا نقول إنّ الحرب في غزة أو العدوان عسكري فقط… وإنما هي حرب طاولت البشر والحجر وأكلت الأخضر واليابس، واستهدفت حرب الإبادة الإنسان الفلسطيني الغزي، الذي يحمل عقلية ثقافية منفتحة”.
يؤكد أبو نحل أن الحرب على قطاع غزة ستكون لها نتائج كارثية على الجيل القادم، إذ مضى على الحرب زهاء خمسة شهور، وبذلك ذهبت نصف السنة (أو الفصل الدراسي ) أدراج الرياح على الطلاب، فلا علم ولا تعليم. ويضيف: “اليوم، هنالك الكثير من تلك المعالم تضررت بشكل جسيم، ما يجعل من مسؤولية كل فلسطيني العمل بجدية للحفاظ على ما تبقى منها والعمل على ترميمها ما بعد الحرب، لجعل ذلك الإرث الحضاري والثقافي حاضراً حتى الأجيال القادمة، وإرسال رسالة واضحة للاحتلال بأن تاريخ فلسطين باقٍ على رغم كل المحاولات لطمسه”.
“نحن لا نقول إنّ الحرب في غزة أو العدوان عسكري فقط… وإنما هي حرب طاولت البشر والحجر وأكلت الأخضر واليابس، واستهدفت حرب الإبادة الإنسان الفلسطيني الغزي، الذي يحمل عقلية ثقافية منفتحة”.
عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة الأزهر في غزة، الدكتور رياض العيلة، يقول لـ”درج”، إن الدمار لحق بالمباني الأثرية كافة في قطاع غزة، منها ما يعود الى قبل الميلاد ومنها الى ما بعده، وخصوصاً المسجد العمري ومسجد سيد هاشم بن عبد مناف وغيرهما.
يؤكد العيلة أن استهداف هذه المعالم هو جزء من سياسة إسرائيليّة لإلغاء كل إرث حضاري ثقافي في قطاع غزة بهدف الوصول إلى نتيجة مفادها أنهم هم وحدهم ملّاك الأرض، مشيراً الى أن لهذه الحرب تأثيراً على مستقبل الجيل القادم، فلغاية الآن تم تدمير أكثر من 80 في المئة من مباني قطاع غزة، وتقريباً جميع الجامعات، وأكثر من 200 مدرسة، علماً أن المدارس هي مأوى للنازحين. وسيمر أكثر من خمسة أعوام حسب التقديرات، حتى خروج أصحاب البيوت المدمرة من المدارس وبقايا مباني الجامعات.
يضيف العيلة أنه حتى الطرق تم تجريفها وتدميرها، وعليه سيكون هناك أثر كبير على أكثر من جيل، فلن يستطيعوا الالتحاق بالمدارس والجامعات، والهدف الإسرائيلي ربما هو “نشأة جيل _ربما يعتقدون_ أنّه سيفكر في حياته وينسى قضيته. وأعتقد أنه في ظل تجربة فلسطينية غنية خلال 75 عاماً، سيكون من الصعب دمج الجيل الجديد بالواقع وربطه بالقضية بالمفهوم التاريخي والثقافي والمستقبلي، ولكن ما من شيء مستحيل وسيتم تخطي كل الصعاب”.
يلفت العيلة إلى أن ما تقدم سيقع على عاتق أساتذة الجامعات وخبراتهم في الحفاظ على ذلك الإرث، بخاصة أن الكثير منهم بحث في تلك العلوم والثقافة والتاريخ. والأثر الذي يتركه ذلك التدمير على مستقبل هذه المعالم وتاريخها، هو أن الرحلات التي ستنظم للطلاب الى المواقع سيتم شرحها على موقع أصبح مدمراً، مضيفاً: “تدمير الآثار القديمة لن تنسي أجيال فلسطين القضية وستستمر على الرغم من المجازر اليومية بحق أطفال فسطين ونسائها وشيوخها”.
يشير الدليل الإحصائي السنوي لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، الى أنّ عدد الجامعات في قطاع غزة 6، وعدد الكليات الجامعية 5، إضافة الى 6 كليات للمجتمع المتوسط، وجلها تعرّض لضرر كلي أو جزئي، وأخرى نسفها الاحتلال بشكل كلي.
الدكتور حسن دوحان، أستاذ الإعلام في جامعة فلسطين، يقول لـ”درج”: “نحن شعب نعشق العلم والتعلم والتعليم، ولذلك سيُبنى جيل من المتعلمين والمثقفين القادرين على إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة، نحو التحرر والاستقلال، وسنعمل على إعادة بناء الجامعات والمدارس”. ويضيف: “سبق أن درست شخصياً في قاعات من النايلون والبلاستيك والزينكو في الجامعة الإسلامية”.
يشير دوحان إلى أن في غزة 45 موقعاً أثرياً أو تاريخياً، بالإضافة إلى مئات المراكز الثقافية والمواقع التعليمية والدينية، وعلى مدار سنوات الاحتلال الاسرائيلي لغزة بين عامي 1967 وحتى عام 2005 تم تدمير المواقع الأثرية والتاريخية وإقامة مستوطنات ومواقع عسكرية، ناهيك بتدمير موقع تل زعرب في رفح وتحويله إلى موقع عسكريّ.
سبق أن أقرت محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، مجموعة من التدابير التي على إسرائيل الالتزام بها للحد من التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية. ومنحت إسرائيل شهراً للالتزام بها، لكن مضى الشهر، وما زال الجيش الإسرائيلي مستمراً في ارتكاب الانتهاكات في قطاع غزة، والتي تندرج “الإبادة الثقافية” ضمنها، إلى جانب “إبادة المنازل”، المصطلح الذي استُخدم أخيراً لوصف ما يتعرض له القطاع من تدمير يجعله غير صالح للحياة.
رمضان بكل ما فيه من جماليات وروحانيات يختلف تماماً في عيون الناس عن بقية الأشهر، وتظل له مكانة غالية على نفوس البشر صغيرهم وكبيرهم، فالجميع يجل ويعظم هذا الشهر الكريم، وخاصة المبدعين الذين يتصفون بشفافية عالية تجاه الأحداث والمناسبات، فماذا يمثل رمضان بالنسبة للمبدع، وماذا يقرأ خلاله، وماذا يكتب، وكيف يقضي أوقاته؟
يقول الأديب المصري ناصر عراق: "أتخيل أن شهر رمضان الكريم يختزن في ثناياه طاقات جبارة على المستويات كافة، فهو شهر التواصل الروحاني الشفيف مع الله عز وجل، وهو شهر يعزز أنبل مقاومة لأشرس غريزة وهي غريزة الجوع والانتصار عليها، وهو شهر يسترد أرق العلاقات الاجتماعية وأكثرها حميمية من كهف الشحوب، عبر الزيارات المتبادلة بين الأهل والأقارب والأصدقاء".
ويضيف: "أما بالنسبة لمصر، بشكل خاص، حيث نشأتي وطفولتي وشبابي الأول، فرمضان يتسم بطقوسه الخاصة الإبداعية والفنية، فمنذ عقود طويلة وأنا أنفعل وأسعد بما تبثه الإذاعة من برامج رائعة ومسلسلات لطيفة، كما أتابع ما يعرض على شاشة التليفزيون المصري، قبل ظهور الفضائيات بشغف كبير ومحبة أكبر، باختصار رمضان شهر استثنائي يحلق بالخيال بعيدًا، ويشرح الصدر ويمتع الوجدان".
وبالنسبة لقراءاته في هذا الشهر الفضيل، يتابع عراق: "علاوة على تأملي الدائم في آيات القرآن الكريم، سواء في رمضان وفي غير رمضان، فإنني أخصص الكثير من وقتي في هذا الشهر المبارك للاطلاع على تاريخ مصر الحافل بالأحداث والوقائع، من أول قدماء المصريين حتى القرن العشرين، وأخص بالذكر الحقب التي شهدت تحولات جذرية عميقة وعنيفة مثل ظهور إخناتون وسقوطه الذي كان أبرز حكام الأسرة 18، إذ مات في عام 1334 قبل الميلاد، أو فترة احتلال العثمانين لمصر عام 1517 م، أو قدوم حملة نابليون بونابرت سنة 1798 م، وهكذا، فضلا عن قراءتي لبعض الروايات التي صدرت حديثًا ولم أطلع عليها بعد".
وعن كيفية توزيع وقته يوضح: "لا تتغير عاداتي في القراءة والكتابة كثيرًا خلال الشهر الفضيل، حيث أجلس أمام مكتبي في الخامسة فجرًا كل يوم لأقرأ وأكتب، وإن كان الوقت المخصص للقراءة يزداد بشكل كبير خاصة في آخر النهار، ولا أقرأ أو أكتب عندما يأتي المساء، وإنما أكتفي بمتابعة أبرز الأعمال الدرامية إذا كانت جيدة".
وعن ولادة بعض أعماله الإبداعية في رمضان يقول: "أتذكر أن روايتي (العاطل) انبثقت فكرتها الرئيسة وأنا أجلس مع صديقين على مقهى في عجمان في مساء رمضاني بديع سنة 2008، كذلك اقتحمتني الفكرة الجوهرية لروايتي (الأزبكية) خلال نهار رمضاني مشرق عام 2013 وأنا أتجول في حواري حي الحسين وأزقته بالقاهرة، كذلك تلقيت أول إلهام خاص بروايتي (الأنتكخانة) في صباح رمضاني جميل سنة 2022، حيث كنت أطالع كتابًا عن الخديو إسماعيل وأنا في الطائرة المتوجهة من دبي إلى القاهرة، لكن ظلال رمضان الرائعة بحضورها الروحاني طبعت جميع رواياتي بسمت خاص، إذ إنني أعكف على أي رواية لمدة تزيد عن عام، وبالتالي كان الشهر الفضيل يمر على وجداني وأنا منكب على الكتابة، فييسر لي ما تعطل من سرد، ويوفر لي فرصًا أعمق وأجمل للقص".
وبالنسبة للكتب التي يرشحها للقراء كي يطلعوا عليها في هذا الشهر الكريم، يختم الأديب عراق: "أظن أن حلول الشهر الكريم يمثل فرصة ذهبية لكي يتزود كل عاشق للقراءة وكل طامح في الكتابة المميزة، يتزود بجماليات اللغة العربية، من خلال قراءته للقرآن الكريم بتركيز وتمعن من أجل فهم آياته بصورة أعمق وأشمل، ليكتشف أسرار لغتنا العربية وعبقريتها، أما الكتب التي أرشحها للقراءة، فكثيرة ومتنوعة، المهم أن يواظب المرء على القراءة بانتظام وتركيز وحب، ويا حبذا لو اطلع الواحد منا على الروايات الجميلة والدواوين الشعرية الفاتنة وكتب التاريخ، علاوة على الكتب العلمية التي تخاطب القارئ العام، فبدون التزود بالعلم بجميع فروعه، وبالتفكير العلمي العقلاني لن تتقدم الأمم، لذا ليتنا نولي المنطق العلمي في فهم حياتنا اهتمامًا أكبر"
بلغ "فيسبوك" 20 سنة من عمره اليوم في الرابع من فبراير/شباط، لكنه لا يزال يجذب الجدال والمال اليوم كما كان يفعل عندما كان "مراهقاً" متهوراً يرغب في مخالفة القواعد كلها. في 31 يناير/كانون الثاني، تعرض مارك زوكربيرغ، مؤسس الشبكة الاجتماعية، إلى انتقادات أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي بسبب انتشار المواد الضارة على الشبكة.
في اليوم التالي، عندما نشرنا هذا المقال، كان على وشك إعلان مجموعة أخرى من النتائج المتألقة لـ"ميتا"، الشركة الأم لـ"فيسبوك"، التي تبلغ قيمتها الآن تريليون دولار. مع ذلك، حتى في حين تجذب وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً من الاهتمام من المدمنين والنقاد على حد سواء، هي تمر بتحول عميق لكنه يحظى بقليل من الملاحظة.
كان السحر الغريب الذي ميّز الشبكات الاجتماعية العاملة عبر الإنترنت يتمثّل في الجمع بين التفاعلات الشخصية والتواصل الواسع النطاق.
الآن ينقسم هذا الجمع قسمين، مرة أخرى. لقد أفسحت تحديثات الحالات (statuses) التي يطبقها الأصدقاء، الطريق أمام انتشار مقاطع فيديو من صنع الغرباء تشبه تلفزيوناً نشيطاً في شكل مفرط. وتُرحَّل المنشورات العامة في شكل متزايد إلى مجموعات مغلقة، على غرار البريد الإلكتروني. وما يسميه زوكربيرغ "ساحة البلدة" الرقمية يُعَاد بناؤه – ويطرح مشاكل.
والسمة اللافتة في وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة هي أنها لم تعد اجتماعية للغاية.
بوحي من "تيك توك"، تقدم تطبيقات مثل "فيسبوك" في شكل متزايد وجبة من المقاطع التي يختارها الذكاء الاصطناعي وفق سلوك المشاهدة الذي يتبعه المستخدم، وليس أنماط تواصله الاجتماعي. في الوقت نفسه، ينشر الناس عدداً أقل من المنشورات (posts). تنخفض منذ عام 2020 نسبة الأميركيين الذين يقولون إنهم يستمتعون بتوثيق حياتهم عبر الإنترنت من 40 في المئة إلى 28 في المئة. وينتقل النقاش إلى المنصات المغلقة، مثل "واتساب" و"تلغرام".
تنطفئ الأنوار في ساحة البلدة. لطالما كانت وسائل التواصل الاجتماعي مبهمة، لأن كل تغذية (feed) مختلفة عن الأخرى. لكن "تيك توك"، الظاهرة في مجال الفيديو المملوكة للصين، هي بمثابة صندوق أسود للباحثين. نشر "تويتر"، الذي أُعيدَت تسميته "إكس"، بعض رموزه (codes)، لكنه شدد على الوصول إلى البيانات عبر التغريدات التي يمكن أن تُرَى. وفي الغالب تكون مجموعات المراسلة الخاصة (private messaging groups) مشفرة بالكامل.
في النصف المفرط النشاط من وسائل التواصل الاجتماعي، ستجلب لكم الخوارزميات المستندة إلى السلوك منشورات من خارج مجتمعكم. ولا يزال في إمكان الشبكات الاجتماعية أن تعمل بمثابة "غرف صدى" (Echo chambers) للمواد التي تعزز نفسها بنفسها. لكن التغذية التي تأخذ محتوى من أي مكان لديها على الأقل القدرة على نشر أفضل الأفكار إلى أبعد الحدود.
مع ذلك، يجلب هذا العالم الجديد من وسائل التواصل الاجتماعي مشاكله الخاصة. ذلك أن تطبيقات المراسلة لا تخضع إلى إشراف إلى حد كبير. بالنسبة إلى المجموعات الصغيرة، هذا أمر جيد: يجب ألا تراقب المنصات الرسائل المباشرة أكثر مما تفعل شركات الهاتف التي يجب أن تراقب المكالمات. في البلدان الخاضعة إلى حكم ديكتاتوري تنقذ الدردشات المشفرة الأرواح. لكن مجموعات "تلغرام" المكونة من 200 ألف شخص تشبه البث غير المنظم أكثر مما تشبه المحادثات. ويستخدم السياسيون في الهند "واتساب" لنشر أكاذيب كان من المؤكد أنها ستُزَال في شبكة مفتوحة مثل "فيسبوك".
الأمر الأكثر إلحاحا حتى من ظهور الأخبار الزائفة، هو الافتقار إلى ما هو حقيقي
مع انتقال الأشخاص إلى مجموعات مغلقة، تصبح الشبكات المفتوحة التي يتركونها وراءهم أقل فائدة بسبب انخفاض عدد المنشورات العامة. خلال جائحة كوفيد-19، ساهم علماء وأطباء في نقاش عبر الإنترنت تضمن رؤى حقيقية بالإضافة إلى معلومات مضللة. وتدفقت المعلومات الاستخبارية المفتوحة المصدر عندما غزت روسيا أوكرانيا. اليوم، تختفي هذه المحادثات أو تنتقل إلى القنوات المغلقة، مما يبطئ انتشار الأفكار.
الأمر الأكثر إلحاحاً حتى من ظهور الأخبار الزائفة، هو الافتقار إلى ما هو حقيقي. قال زوكربيرغ ذات مرة إنه يريد لـ"فيسبوك" أن يكون مثل صحيفة مخصصة لكل مستخدم. لكن نظراً إلى ميل الشبكة إلى الترفيه، تشكل الأخبار ثلاثة في المئة فقط مما يراه الناس فيها. في وسائل التواصل الاجتماعي، يشارك 19 في المئة فقط من البالغين القصص الإخبارية أسبوعياً، بتراجع من 26 في المئة عام 2018. واختفت منشورات (publications) مثل "BuzzFeed News"، التي كانت تعتمد على التوزيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا هو ما يترصدها (ويترصدنا). لكن المشكلة تخص الجميع عندما يقول ما يقرب من نصف الشباب إن وسائل التواصل الاجتماعي هي مصدرهم الرئيس للأخبار في حين تقرر المنصات أن الأخبار لم تعد مثيرة للاهتمام.
في وسائل التواصل الاجتماعي، يشارك 19 في المئة فقط من البالغين القصص الإخبارية أسبوعيا، بتراجع من 26 في المئة عام 2018
يجادل بعض الناس بأن عيوب الشبكات الاجتماعية يمكن إصلاحها من خلال اتباع حوكمة أفضل أو ترميز ذكي أو نموذج أعمال مختلف. ذلك الوضع يمكن أن تحسنه أشياء كهذه. لكن المشاكل التي أثارها الجيل الجديد من التطبيقات تشير إلى أن عيوب وسائل التواصل الاجتماعي هي أيضاً نتيجة لمفاضلات يشتمل عليها التواصل البشري. عندما تميل المنصات مرة أخرى نحو المجموعات الخاصة، تتمتع حتماً بإشراف أقل. وعندما يهرب الناس من غرف الصدى الخاصة بهم، قد يواجهون محتوى أكثر تطرفاً. وعندما يتبنى المستخدمون الترفيه غير الضار، يرون أخباراً أقل. ومع ذبول الشبكات الاجتماعية، يجب على مشغلي المنصات والمستخدمين تخصيص وقت أقل للمعارك القديمة ووقتاً أكبر للتعامل مع المستجدات.
على الرغم من الحرب التي تشهدها غزة فإن شوارع مدينة رفح جنوبي القطاع لا تخلو من بائعي الفوانيس، ابتهاجا بحلول شهر رمضان. وفي إحدى البسطات الصغيرة، يعرض الشاب الفلسطيني محمد فايز (35 عاما)، فوانيسه على حبل صغير بطريقة مبتكرة لجذب انتباه الأطفال. وتميزت الفوانيس المعروضة في شوارع مدينة رفح بألوانها الزاهية وتصاميمها المتنوعة، إذ تنبعث منها روح الفرح والاحتفال بقدوم شهر رمضان. ي
يُعتبر الفانوس بأشكاله وألوانه وأحجامه المتنوعة جزءا لا يتجزأ من المظاهر التقليدية في استقبال شهر رمضان المبارك في الثقافة العربية والإسلامية.
ويتوافد الأطفال لشراء الفوانيس المضيئة التي تتميز بقدرتها على ترديد أغانٍ مميزة لشهر رمضان. أمام البسطة الصـــــــغيرة، تحولت المشاهد الحزينة التي خلفتها الحرب على غزة إلى لوحات فرح، حيث يتـــــوافد السكان الفلـــــسطينيون للاستمتاع برؤية الفوانيس وسماع الطبل وترديد أغاني رمضان. وفي مدينة رفح جنوب القطاع، تمسكت الطفلة نسمة بدر (9 سنوات) بـــفانوس صغير اشترته للتو، فرحة به لتزين به خيمتها التي نزحت إليها من مدينة غزة.
وعلى وجه بدر، ينعكس الفرح بوضوح بعدما اشترت والدتهـــــــا الفانوس الذي يُغني أغاني رمضان ويضيء بمزيج من اللونين الأحمر والأصفر. بينما يرتب فايز بسطته بأناقة، يقول: «عملت جاهدا على بيع هذه الفوانيس، إنها مهنة موسمية لا غنى عنها في كل شهر رمضان، فهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من تقاليدن».
ويضيف: «بالرغم من الحرب، نرغب في جلب الفرح للأطفال خلال رمضان، والفانوس يعتبر رمزا لهذا الشهر الكريم».
ويتابع: «الحرب تسببت في الكثير من المعاناة، فليس لدينا طعام ولا مياه، ونعيش النزوح عن منازلنا ونحزن على فقدان أحبائنا، ولكن ما زلنا نتمنى أن نجلب قليلاً من الفرح».
وأشار إلى أن «هنــــــــاك إقبالًا على الفوانـــــيس في شهر رمضان، خاصة من الأطفال رغم الظروف الصعبة جراء الحرب».
ويتمنى الفلسطيني أن تــــنتهي الـــحرب وتعود الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة، بالحب والسلام، ويبتعد عن ضجيج الطــائرات والغارات الإسرائيلية المستمرة.
ويخشى فايز إقدام إسرائيل على شن عملية عسكرية في مدينة رفح، لا سيما وسط التهديدات المستمرة وفشل الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار.
ومؤخرا، بحثت حكومة الحرب الإسرائيلية «الكابينت» خطة لإجلاء الفلســــــطينيين من رفح في إطار الاستعداد لاجتياحها، رغم تحذيرات دولية من أن خطوة كهذه قد تؤدي إلى مجازر بحق مئات آلاف النازحين الذين لا مكان آخر يــــذهبون إليه بعدما أجبروا على النزوح من كافة مناطق القطاع تحت وطأة الحرب المستعرة التي دخلت شهرها السادس.
وجراء الحرب وقيود إسرائيلية، بات سكان غزة، ولا سيما محافظتي غزة والشمال، على شفا مجـــــــاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نــــــــزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عاما.
لكل أمة شعائرها ومقدساتها ومناسباتها التي تحتفي بها تأكيدا لهويتها الثقافية التاريخية. ورغم التطور الذي عرفه الغرب لا نجد هناك من يدعو إلى محو أو تجاوز تلك المقدسات والشعائر والأعياد ذات الطبيعة الدينية،رغم ادعاء الغرب العلمانية والإلحاد، بل إننا نجد في المغرب وغيره من الأقطار العربية من يحتفل بالأعياد والمناسبات المتصلة ببعض القديسين أو الأولياء، دون أن يرى غضاضة في ذلك. لكن حين يتعلق الأمر بالاحتفالات التي يفرح، ويحتفي بها الشعب المغربي نجد أصحاب النداءات والاحتجاجات الموسمية كلما حلت مناسبة عزيزة في حياة المسلمين يتدخلون بشعاراتهم ونقاشاتهم البيزنطية التي يرومون من خلالها التشكيك في تلك المناسبات، والدعوة إلى التخلص من قدسيتها، والتلويح بالخروج عليها، وعدم التقيد بما يصاحبها.
إن حلايقية الفضاء الشبكي يتوهمون أنهم برفع عقيرتهم بالصراخ، يحققون مآرب خاصة، عبر محاولتهم الطعن في معتقدات الشعب المغربي بدعوى الحداثة، في الوقت الذي تجدهم لا ينشطون في القضايا الحقيقية التي تهم المجتمع المغربي والمتصلة بهمومه اليومية باستثناء ما يتصل بالقضايا التي تبرز فيها الإملاءات الأجنبية واضحة بينة، والتي تسعى إلى فرضها على الشعب المغربي.
أثارني خبر أوردته قناة «الحرة» عن الحقوق الفردية، والدعوة إلى إلغاء قانون الإفطار في رمضان من قبل بعض الناشطين المغاربة. وتساءلت عن الجديد في هذه الدعوى التي يكررونها كل رمضان؟ فهل هناك ترصد لمن يفطر في بيته، ومعاقبة له على عدم ممارسته الصيام؟ وما معنى الإفطار الفردي العلني أمام مجتمع صائم؟ أين تبدأ حرية الفرد، وأين تنتهي حين تتعارض مع حرية الجماعة؟ لا أريد مناقشة رمضان من الزاوية الدينية. فدون ذلك ارتقاء بالنفس إلى درجات يصعب الحديث عنها. لكني أنظر إليه من الزاوية الاجتماعية وبغض النظر عن طبيعة الصائمين ودرجات إيمانهم.
يفرح المغاربة تاريخيا بعيدين: الصغير والكبير، وينتظرانهما مدة طويلة قبل حلول رمضان، أو عيد الأضحى. في رمضان يرى المغربي أنه أمام شهر فضيل يلزم فيها نفسه بما يتحرر منه في كل السنة، ويعتزم صلاة التراويح حتى إن لم يكن يصلي. وفي هذا الشهر يكثر الرواج الاقتصادي، وتبرز حرف ومهن كثيرة لا تبرز إلا في هذه المناسبة. والشيء نفسه مع عيد الأضحى. فهو العطلة السنوية لكل مهاجري الداخل من الحرفيين والصنايعية إلى قراهم النائية، حيث يمارسون الاحتفال مع ذويهم بتناول اللحم الذي يفتقدونه طوال السنة، من الرأس إلى الأكارع. إن من يقل للمغاربة افطروا ولا تضحوا يمارس عليهم عنفا رمزيا وماديا في آن واحد، ولا يحترم إرادتهم، ولا هويتهم الثقافية التاريخية. ولمن يغيظه امتلاء المساجد وقت التراويح لا علاقة له بالشعب المغربي ولا بمتخيله الجماعي، وأيا تكن المبررات التي يقدمونها للدفاع عن حرية فردية مصطنعة فهم يصطادون في الماء العكر.
بعد الانتهاء من حراسة الامتحان في ليون 3، خرجت والأستاذ الفرنسي فلم يرد التدخين أمامي رغم أني تركت له حرية التصرف. فأجابني جوابا لن أنساه: «الأكل والشرب شهوة من الشهوات. فهل تحب أن يراك أحد وأنت تمارس شهوة حميمية؟». ذكرني جوابه بما تربينا عليه في طفولتنا. كان من القيم المغربية الأصيلة ستر الأشياء الشهية عندما نشتريها كي لا يراها أحد من الجيران، ويكون محروما منها فيسبب له حالة خاصة. وكانت التذويقة واجبة إذا شم أحد جيرانك رائحة شوائك. وما «لا سلام على طعام» سوى دليل على مشاركة الآخر في ما بين أيدينا. لقد تحسر الأستاذ الفرنسي نفسه عن بداية تضييع مثل هذه القيم في المغرب، الذي قال لي إنه يعرفه جيدا، وإن سيره على خطانا وتقليده لنا سيضيع عليه رأسمالا تاريخيا ثمينا افتقدناه في فرنسا؟ ومن يعش في الغرب يعاين بجلاء إلى أين أدت «الفردانية» بالمجتمع.
كان تقاسم الطعام مع الآخر، ودعوته إليه قانونا اجتماعيا حقيقيا، ولم يكن يطالب به ناشط اجتماعي، أو شبه مثقف يقتات ممن يملون عليه ما يدعو إليه. عندما تكون أمام طبق شهي في مطعم، وقت الغذاء، ويمر أمامك أطفال، ومعهم أمهم وتقول لك: إنهم لم يفطروا بعد! هل تدعوها وأطفالها لتقاسمهم طعامك؟ أم أن حريتك الفردية تقول لك: «أنطعم من لو يشاء الله أطعمه»؟ فما علاقة القانون الجماعي بالقانون الفردي؟ لو طالب هؤلاء بقانون يقضي بإفطار اليتامى، والعجزة في دور الخيرية، أو التلاميذ في المناطق القروية، يليق بوضعهم الإنساني المتردي، طوال السنة، لكان مطلبهم اجتماعيا، ويمكن أن يسهم فيه الجميع لسد ضائقتهم. لكن المطالبة بغير ذلك بدعوى «الحرية الفردية» وفرضه على المجتمع، ليس سوى تسلط على حرية الصائمين.
إن بعض الشعائر والمقدسات ما دامت ذات بعد اجتماعي ـ تاريخي سليم، بل ومفيد للمجتمع إلى حد بعيد اقتصاديا ودينيا قد تؤثر فيه دعوات الوعاظ نسبيا. أما دعاوى المناوئين فهي مردودة على أصحابها قطعا، لأنها ضد الحرية والهوية الجماعية. لك أن تفطر هذا شأن يعنيك. أما تكديرك لفرح الآخرين فتدخل سافر وتهجم فاضح على معتقداتهم، وحريتهم الجماعية.
بينما يزين هلال سماء الليل إيذانا بقدوم شهر رمضان المبارك، يجد المغترب المنفي نفسه يشرع في رحلة ذكرى وشوق لأولئك الذين فرقت بينه وبينهم المسافات والموانع، فرمضان ليس مجرد التزام ديني، بل هو حياة وطاقة وذكريات وتقاليد متجذرة بعمق في الأسرة والصحبة والمجتمع، يزداد رسوخا في مجتمع غني بالثقافة والحميمية كالمجتمع المصري.
رمضان.. أصوات المقرئين المنطلقة من الراديوهات والتلفزيونات وقبيل الإفطار الممزوج بضحكات الشباب وصرخات لعب الأطفال وضجيج فرقعات الألعاب النارية، والأنوار التي تزين الشوارع
رمضان هو وقت الحنين الحلو والمر، رمضان هو رحلة عبر الزمن إلى ذكريات الطفولة، فعلى الرغم من أن شعائر رمضان في المنفى ظاهرة بجلاء لا سيما في وقت الإفطار وقبيل أذان المغرب، نفس الازدحام الذي يملأ الشوارع، ونفس اللهفة في انتظار الأذان، ونفس منظر الصفوف المتراصة على أفران الخبز، وكثيرا من مشهد المطاعم المملوءة بالزبائن منتظري الإفطار، ونفس الأضواء المتلألئة التي لا تمثل أي أضواء، وإن كانت هي هي، إلا أن الزمن يعطيها روح غير تلك التي كانت عليه قبل رمضان، مع هذه الأجواء تنجرف الأفكار عائدة إلى شوارع مدينتي الصاخبة المفعمة بروح رمضان، روح لم يلمسها، ويعايشها غريب إلا فتن بها.
أصوات المقرئين المنطلقة من الراديوهات والتلفزيونات وقبيل الإفطار الممزوج بضحكات الشباب وصرخات لعب الأطفال وضجيج فرقعات الألعاب النارية، والأنوار التي تزين الشوارع، حيث يتبارى شباب وأطفال كل شارع في تزيين شارعهم في مسابقة غير معلنة للفوز برضا رب العالمين، وكأنها عبادة يتقرب بها الشباب والأطفال في هذا الشهر، وربما تكون كذلك، يمتزج كل ذلك مع روائح الأكلات الرمضانية، ففي رمضان لا يوجد بيت فقير، ولا يوجد أحد غريب، ولا يوجد صائم لن يفطر، إذ تمتد موائد الرحمن لإفطار المارة وفقراء الحي في أغلب شوارع مصر، وفي جوامعها، فالتكافل على أشده والصدقات تتضاعف والأغلب يؤخر إخراج زكاته ليخرجها في رمضان لكي يأخذ الثواب مضاعفا، ويدخل الفرحة على قلب كل الصائمين من الفقراء والمحرومين.
في رمضان أجواء النابضة بالحياة للتجمعات العائلية، فوقت الإفطار هو الوقت الوحيد في العام الذي لا يتخلف فيه فرد من أفراد الأسرة عن مائدتها، وخلال الشهر، لا تخلف داع في العائلة عن تلبية دعوة داع من العائلة للإفطار، وفي بعض العائلات يتكفل أثرياؤها بدعوة أسر كثيرة من نفس العائلة، لتصبح الليلة، وكأنها ليلة عرس يتقابل أفراد العائلة التي قد تبعدهم المسافات في هذه الليلة ليعيدوا توثيق رباط الرحم، فيلعب الأطفال، وينالهم من العطايا من أقاربهم ما يجعلهم أكثر تمسكا بهذه الليالي، وينتظرونها من العام للعام، وكما تنبض جدران بيت العائلة بالدفء والحيوية والمحبة، تنبض شوارع مصر بالحياة مع صخب المارة من النساء والأطفال التي تنخفض كلما مروا على مسجد من المساجد المملوءة بالمصلين بصلاة التراويح بعد الإفطار.
رمضان في غزة هذا العام لا فيه سحور، ولا فطور، لأن الاحتلال منع عن أهلها الطعام، وعجز إخوانهم أن يدخلوا آلاف الأطنان من الغذاء والدواء العالقة خلف سور لا تفصلها عن أهل غزة إلا الإرادة، فتدخل ويطعم من جاع
هذه الروح التي نفتقدها في منفانا، وتعتصر لها قلوبنا، ضاعف همنا، وزاد حزننا هذا العام ما يشهده أهلنا في غزة، فقد انطفأت أنوار غزة، كما انطفأت فرحة أطفالها وشبابها، وانطفأت معهم بهجة هذا الشهر الكريم في قلوبنا، وإن كان النبي أمرنا أن نفرح في الأعياد، ورمضان عيد للمؤمن فيه فرحتان، كما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أننا بشر يؤثر فينا ما يعتري إخواننا، ولقد بكى صلى الله عليه وسلم عندما دخل على سعد بن عبادة في مرضه، ووجده في غاشية أهله، فسأل صلى الله عليه وسلم: (قد قضى؟) قالوا: لا، يا رسول الله، فبكى صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا.
رمضان في غزة هذا العام لا فيه سحور، ولا فطور، لأن الاحتلال منع عن أهلها الطعام، وعجز إخوانهم أن يدخلوا آلاف الأطنان من الغذاء والدواء العالقة خلف سور لا تفصلها عن أهل غزة إلا الإرادة، فتدخل ويطعم من جاع، وينقذ من شارف من الجوع على الموت، رمضان هذا العام في غزة للأيتام الذين فقدوا آباءهم وللأرامل اللاتي فقدن أزواجهم وللبتر الذين فقدوا عائلاتهم بالكامل ولم يبق لهم أحد، رمضان هذا العام بروائح المسك الفواح على أهل الصيام من أجساد الشهداء، والمسك الفواح من خلوف أفواههم الجائعة منذ أشهر.
رمضان في غزة هذا العام بلا صلاة تراويح، فقد دمر العدو كل جوامع غزة، وكأنه انتقام من تلك المدارس التي أخرجت هذا الجيل الذي يكافح بالسلاح و يناضل بالصبر من أجل قضيته وأرضه وعرضه، وزود عن شرف هذه الأمة التي صارت كغثاء السيل رغم أمهم يومئذ كثير، رمضان هذا العام في غزة بغير حلق القرآن ومسابقاته التي تعقد بين أطفالها وشبابها وفتياتها، رمضان غزة هذا العام من غير زيف، رمضان غزة هذا العام هو الأصدق، هو الشاهد، وهو المشهود وهو علينا شهيد، رمضان غزة هذا العام هو للمخلَصين والمخلِصين، لا يضرهم من خذلهم، فهم، بإذن الله، الطائفة التي بشر بها النبي من أمته.. على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين.
أولاً: مع العنوان..تأخذنا العناوين؛ عناوين الكتب أو المقالات او الرسائل.. في رحلات سريعة، تلقائية، ترافقها استدعاءات مختلفة.. فمنها ما يجدد ذكرى، ومنها ما يبني أملاً، ومنها ما يرسم أفقاً.. وغيرها كثير يصعب حصره..!ويحرص المؤلف غالباً، والناشر دائماً، على توليف عنوانٕ معبِّرٕ، يحقق له أمرين رئيسين على الأقل، أن يخترق زحمة ذهن القارئ، ويدفعه إلى الالتفات والاهتمام والتركيز..! وأن يسحبه معه في المدى الذي يريده.. كأن يوافق توقعه.. أو يعاكسه، يجيب عن تساؤلِه أو يزيدُه أسئلة إضافية..إلخ..!!لكن عبقرية د. ماجد عرسان الكيلاني، في توليف عنوان كتابه الذي نتشرف بتقديم طبعته الجديدة، قد تجاوزت كل ذلك وجعلته أشبه بالنمطي، والمعتاد، ليقدم لنا صيغة إبداعية مبتكرة، عزَّ نظيرها في عناوين الكتب.. بل إن كثيراً من الناشرين قد يتحفظون عليها أيضاً.
ففي جملتين، تبدأ كلتاهما بحرف حمّال أوجه، "هكذا..!!" يطلق الكيلاني عنان الخيال، متجاوزاً ثنائية "الالتفات والسحب"، إلى خرائط من الاستدعاءات والتَنَبُّهات والافتراضات.. بل والأسئلة والإجابات معاً..!!على نحو يذكرنا بوصف امرئ القيس المبدع، لجواده الخالد الذكر، كمعلقته:
مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معًا
كجلمودِ صخْر حطه السيل من علِ
فعند تحليل النمذجة المتعلقة بالمؤلف والكتاب، نجد د. الكيلاني يعتمد منهجية إبداعية خاصة، متصلة في التفكير والتأليف والتوجيه، ومنها:
المصطلحية الخاصة، والآليات، والتمرحل، والنمذجة..إلخ
ولذلك، قد يكون ضرورياً أن يُقْرَأَ النتاج الكيلاني بكُلِّيَّته، ويفهم بهذا المنظور ليس إلا.. حيث لألفاظه خصوصيتها المتسقة مع موسوعيته وخاصة التاريخية- التربوية- الحضارية بحكم تخصصاته المنبثقة من منهجيته الشاملة بحكم شخصيته وعلمه وخبراته.
يمكننا أن ننظر ببعض التركيز في هذا الكتاب "الفريد بحقٕ" لنرى أن عنوانه هو بحد ذاته، يمثِّل مفتاحاً للفهم، مرتبطاً بالمنهجية، التي سيدرج عليها في الكتاب، وستشكل هوية وبصمة خاصة به، وعلامة فارقة على مدى الأجيال..
فقد جعلَ عنوانَ الكتابِ في سطرين:
يمثل أولهما: هكذا ظهر جيل صلاح الدين..! الـ "من"؟ أي من قام بالفعل؟ وهل هو شخص أسطوري؟ أم كينونة جماعية مستعدة؟ أم ماذا؟
ويمثل الثاني: وهكذا عادت القدس..! الـ "آلية" والـ"طريقة"؟ أي ماذا فعل هؤلاء؟ وكيف تمكنوا من الإنجاز؟ وهل هو خاص بهم فقط؟
واستخدم حرف "هكذا" ابتداء.. وبذلك أعطاها فرصة لتكون جواباً لسؤالٕ مُضْمَرٍ، وله عدةُ احتمالاتٍ أيضاً.. أولها يبدو بدهياً "كيف عادت القدس؟" قد يتبادر تلقائياً لو كان اكتفى المؤلف بالسطر الثاني..!!
لكنه بادرنا باللافتات الثلاث الأولى، جذباً للانتباه والتركيز، وهي غير متوقعة ولا تلقائية....
فبدءاً من اللافتة الأولى "هكذا ظهر.." والثانية "جيل".. والثالثة "صلاح الدين"..
إذن هناك خطابٌ متعددُ الأبعادِ والخلفياتِ والمجالات، يدخل من الرؤيوي-التربوي- الاجتماعي، ويتابع إلى السياسي الرمزي (الأسطوري)، ويخاطب جمهور الأمة، والقرّاء كلهم، مستدرجاً انتباههم في جملة قصيرة جزلة بليغة من السهل الممتنع..
وكأنه يشكك بسرديات الشخصنة الأسطورية، التي ملأت الفضاء الثقافي، قبل كتابِه، ولا يترك القارئ بعد هذا الجذب حتى يأخذ ببؤرته نحو عين العاصفة، مكثفاً تركيزه، ومؤكداً الاستنتاجات التي اعتملت في ضمير القارئ، حيث يتبعها بجملة الحسم: وهكذا عادت القدس..!! لتكون بمثابة خلاصة لثلاثية جمل المنطق الأساسية:
• مقدمة-1- كل انتصار كبير له إعداد سابق مناسب
• مقدمة-2- تحرير القدس انتصار كبير
نتيجة = تحرير القدس له إعداد سابق له مناسب
لكن عبقرية الصياغة الكيلانية، جعلت "هكذا" المكررة، إجابة عن أربعة أمور متسقة مع الـ "مَنْ" و"الطريقة":
١) ليس.. (كما تظنون)
٢) وإنما.. (بحقائق ووقائع)
٣) وهذه.. (طريقتها وآلياتها ومراحلها..)
٤) ويمكن أن.. (نمذجتها للتكييف والتنزيل في السياقات)
هكذا ظهر..
١) ليس.. (كما تظنون)
ابتدأ بفكِّ الارتباط مع الأسطورية المشخصنة برمزية البطل (صلاح الدين)، ومركزتِها حولَه وجوداً وعدماً. وبالتالي فكَّ الارتباط مع "النموذج التاريخي المثالي صانع المعجزات"..!!..إلخ.
٢) وإنما.. (بحقائق ووقائع)
وهو هنا، يرد الاعتبار للبناء السياقي، والواقعية في فهم الشخصيات، وحركتها في مسرح الواقع، والإعداد والتمرحل والتراكم وظروفه، وتكوين خبرتها وإنجازها، بتفاعل التجربة وتوالي النجاح والإخفاق..إلخ.
وبالتالي ردّ الاعتبار في التعامل مع المعطيات، المحسوسة وغير المحسوسة، كالبناء العقدي، وتعزيز المعنويات، وبناء اللحمة النفسية، وإعداد الأجيال من الصغر، وإرساء وقفيات العلم والعلماء لتأمين محاضن الأطفال والشباب وتربيتهم..إلخ.
وهكذا عادت..
٣) وهذه.. (طريقتها وآلياتها ومراحلها..)
وهنا نجد د. كيلاني يرد الاعتبار إلى التصور الشمولي لصناعة التغيير، وهو ما نسميه الآن بـ: التغيير البنيوي الشامل والتكاملي
وفيه كتابات كثيرة معمقة في مختلف مجالاته وتمثلاته، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية..إلخ.
٤) وهكذا يمكن نمذجتها للتكييف والتنزيل في السياقات المعاصرة والمستقبلية
فيتصدى هنا إلى:
- كيفية تحويل هذا الفهم التراكبي، من حيثيات واقع تاريخي،
إلى مفهوم تخطيطي، توجيهي، تربوي، تدريبي، تطبيقي؟
- ثم كيف يمكن نمذجته ليحمل قابلية التكيف بكل زمان ومكان وسياق؟
بل وإمكانية تحويل نموذجه، إلى قابليات متعددة المقاسات والأحوال، لصناعة القادة الرواحل، ذوي الوعي الشمولي، والقدرة على التخطيط والإعداد، والجدارة في التوجيه والتحفيز والعمل، وصولاً الى الإنجاز..
ويتأتى ذلك من خلال إنتاج مادةٍ معرفيةٍ بمنظورٍ تخصصيٍّ، لمخرجاتِ التخصصات والمجالات المختلفة: Profession Output Paradigms
وبالتالي يحرك ويبلور سؤال الإعدادِ القياديِّ المتجدِّدِ، ليكون حول كيفية تحويل كل مجالٍ حيويٍّ إلى رافعةٍ ثلاثيةِ الأبعاد:
١- المجال الحيوي: وهو ما يتعلق بالمهنة والقطاع.
٢- النطاق الحيوي: وهو ما يتعلق بالسياق الزمنكاني، المجتمع والوطن والأمة والعالم، والفترة الزمنية، والمدة المخطط لها وأهدافها..
٣- الناتج الحيوي: الرضا والمرضاة والإرضاء، لتحقيق مآلات الاستخلاف القائمة على التوحيد والتزكية والعمران.
ثانياً: مع المنهج والمحتوى
يمكننا القول بكل ثقة، ودون أي مبالغة، إن د. كيلاني، لم يكن باحثاً تربويّاً أكاديمياً نمطيّاً تقليديّاً، بل كان صاحب مدرسة تغوص في أعماق العلوم والتاريخ والسياقات، ليستخرج من مكنوناتها نماذجَ مميزةً، يدرُسُها بطريقة منهجية، ويستخرجُ من سِيَرِها وحَيَواتِها وإنجازاتِها، رؤىً مستقبليةً، عاشت همومَ الواقع، وسبلَ التغييرِ المنشود.. فكانت معالمَ مشرقةً في واقعها، ومناراتٍ ملهمةً في تاريخِنا..
فهو: قارئ مستقبليات في أعماق التاريخ، ومستخرج قواعد وضوابط، من ثنايا ممارسات ومعاملات..، أرأيت..؟، مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ مَعاً..!!.
لكنه لا يقدم استنتاجاته، على تركيبتها البالغة حدّ التعقيد، بكلام أكاديمي أو بقوالب بحثية نمطية..!
وإنما بِلُغَةٍ بليغَةٍ، تبدو صارمةً محدَّدة، لكنه يحملها لنا بأساليب سردية شبه روائية، تتسلل الى أعماق الوجدانِ الصَّدِئ فتُسَخِّنَه، وتعمل على تليين رتيبه، وتجهيزه للانفكاك عن تكلسه التراكمي، وتتمكن بسلاسةٍ وتبصرةٍ، من افتتاح مجرىً جديدٍ في عقلِ القارئ، فيضخُ لترويتِه، دماً حاراً متدفقاً بأفكارٍ وتحليلاتٍ موقظةٍ، ومحمَّلاً بأحاسيسَ ومشاعرَ جياشةٍ، ليتكامل الإقناعُ، والإعداد للإقلاع، بجناحين:
1- جناح التحليل العقلي والمنطقي، مع سرد وقائعي، وتثبُّت تاريخي دقيق.
2- وجناح الوعي بالقيم والمعاني والمفاهيم، ومضمونها الرؤيوي، لمآلات منشودة، والالتزام بها، والسعي لإعادة إنتاجها في الواقع المعاصر..
وتشكل هذه المسارات المستحدثة، في العقل والفكر والوجدان والعمل، نسيجاً جديداً، كمنظومة قواعد جديدة للنظر في كل الأمور، وإيلاء الأمور حقها ووزنها وسياقها ومرحلتها وناتجها ومخرجاتها.. بتفكير متزن، وخطوات مدروسة، وأداء محسوب، بل وقابل للقياس.
ولا يقف الكيلاني عندَ حدِّ السَّرْدِ والاستنتاجِ والربطِ واستخراجِ النماذج، فهذا وَحْدَهُ لا يُلبِي رؤيتَه النهوضِيَّة، فنجدُهُ يعمدُ الى عصارةٍ تشكلُ محدداتٍ لإعادةِ إنتاجِ تركيبةِ النصرِ، خارجَ إطارِ السياقِ التاريخي، بل يكادُ يصرحُ بصلاحيتِها لكلِّ زمانٍ.. وربما لكلِّ مكان..!!
وهنا يأتي دورُ القوانينِ التي ستشكلُ خلاصةَ المنظومةِ كلها، وعصارةَ الرؤى والتصوراتِ، والمراحلِ، والنماذجِ، والنتائجِ.. فلا يبرحُنا، إلا وقد اطمأنَّ أنه أطرها أمامنا في ثلاثة عشرَ قانوناً حاسماً، وحاكماً، ومعياراً ضابطاً.
فلعله أراد التأكيدَ على ما بثّهُ في ثنايا الكتابِ ومحاورِهِ ومحطاتِه، وخَشِيَ أن يخفَّ وَهَجُهُ، أو أن تعاودَ القارئَ نزعتُهُ العاطفية وانفعالُهُ، فتنسيه القواعدَ الحاكمةَ والناظمة، لذلك جمعها وختم بها، لتكون بمثابةِ قالبٍ نموذجيٍTemplate للمبتدئ، أو بمثابة مصفاةٍ Filter لمن اختلطت عليه الأمور.
يتوافقُ كل من قرأ ودَرَس ودرَّس هذا الكتاب، أنه لا ينبغي الاكتفاء بقراءة سريعة أو خفيفة له، ولا ينبغي بالمقابل اعتباره كتاباً مرجعياً يصطف على أرفف المكتبات إلى جانب كتب ضخمة أخرى، بل هو على حقيقته، بمثابة وصفة تمزج استنتاجات العلم والخبرة المجرَّبة، مع نصيحة الرأي الأمين والحكمة الرشيدة والرؤية المستبشرة..!!.
فهو أشبه بخريطة طريق تدريبي - توجيهي:
كيف يُقرأ الحدث التاريخي في سياقه وفواعله وتأثراته ومخرجاته؟
ما هي حقائق إنتاجه في سياقه التاريخي، ومراحل وأدوات ذلك؟
ما هي العبر والدروس والفوائد الدلاليّة منه؟
وكيف يمكننا تحويله الى مخرجات توجيهية مستقبلية، خارج حاجزها التاريخي؟
وكيف يمكننا توظيفها في أمد الصراع المعاصر، الذي تواجهه الأمة في معارك وحصارات واستلابات متعددة، طالت العقل والوجدان، إلى جانب الأرض والبنيان، وبات المسجد الأقصى وفلسطين، بمثابة التمثيل الواقعي، والمؤشر الحقيقي، والحالة الرمزية لها..!؟
ثالثاً: جدلية الماضي والمستقبل، والإصلاحي والثوري، في خلطة المؤرخ الرؤيوي، والتربوي المنهجي
تخبرنا سيرة د. الكيلاني، أنه كان مزدوج الاختصاص، فقد وزع اهتمامه العلمي، وتركيزه في تحصيله، موازياً وموازناً، بين مجالين أساسيين، هما التاريخ والتربية.
كما أنه تنقل في دراساته تلك، بين جامعات مختلفة، لغة وعلماً ومنهجاً ومشرباً واتجاهاً..!
فنحن من الناحية العلمية-الأكاديمية، أمام شخصيتين معاً، تعتمران قبعتين، إحداهما فوق الأخرى.
كما أنه كان شديدَ الاهتمامِ حدَّ التعلق، بالدراسة الحثيثة، لأسباب التراجع الذي أصاب الأمة، وسبل استعادة المبادرة للنهوض الحضاري من جديد.
وبالتالي بتنا أمام سيرة علمية، تحاول أن تجد الخيط الرفيع، الذي يربط السيرورة (تاريخاً وواقعاً)، بالصيرورة (استعداداً وتربية واستنهاضاً).
ولقد كثف بحثه حتى اطمأن أنه قد وجده، وركز أبحاثه حوله، إنه التربية بمنظورٍ محددٍ، وباستهدافٍ مرتبطٍ بالتوجه المستقبلي، الفاعل، والمواجه، والصانع للتغيير، فاعتنقها هوية شخصية له، تُقدِّمُ باستمرارٍ، استشرافاً حضارياً، بعين مؤرخٍ، وقلبِ تربويٍ.
من هنا أصدر عشرات الأبحاث والكتابات، وأوراق العمل والمشاركات في الندوات والمؤتمرات، إضافة إلى الكتب والكتيبات، مكرساً بعناية وأناة ومثابرة، أطروحاته التي تعيد رسم معاني التربية الإسلامية المنشودة، في منهجها، وتوجهها، وآثارها على الفرد والمجتمع والدولة والأمة، وفي أهميتها في الصراع مع الأعداء، وفي تحصين البنيان المجتمعي، وفي فلترة العبث القيمي والثقافي والأخلاقي..إلخ.
وليس عجيباً أن حصل الكيلاني على جائزة الفارابي الدولية في دورتها الأولى عن كتابه "فلسفة التربية الإسلامية، دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربوية المعاصرة".
بل إن لجنة الجائزة وصفت كتابه بأنه:
«دراسة علمية لم يصدر مثلها منذ 800 عام في العلوم الإسلامية، ذلك إنها وضعت الأساس العلمي والتربوي لبناء نظم تعليمية لها طابع مميز، ويبرز العطاء الإنساني والتطور الراقي الذي تقدمه الرسالة الإسلامية للعالم في العصر الحديث الذي تنهار فيه النظم التربوية، وتبرز الحاجة إلى أنظمة بديلة.
ويمكننا القول بهذا المعنى، إن كتابات د. الكيلاني الأكاديمية، تلبست ثوب "التربية" باستمرار، لكنه ثوب ذو طبقات وبطانة، تشبه مسيرته العلمية تماماً..!
فطبقاته حيثيات وتحديات ومواجهات تربوية، معاصرة ومستقبلية، أما بطانته فتاريخ وتراث، ومبادئ وقيم، وتوجيهات دينية أصيلة، تناسب أن تكون، "البطانة الصالحة"، التي تلامس لابسها، وتلعب دور الناقل والمترجم لما في وجدانها الى ما في واقعه.
رابعاً: مع أثر الكتاب، والبصمة الحضارية، في وجدان الأجيال
على كثرة ما كتب ونشر في هذا المجال، مجال الكتابات التاريخية حول حقبة الاحتلال الفرنجي (الصليبي) من آخر ق11م-14م، لساحل المشرق. وكذلك الكتابات التاريخية والتوثيقية والتحليلية، حول الصراعات والمتغيرات، التي دارت على مدى تلك الحقبة، ثم مرحلة نور الدين زنكي (ت569هـ= 1174م) ، وصلاح الدين (ت589هـ=1193م) تحديداً، وصولاً الى تحرير القدس (583هـ= 1187م)، في عهد صلاح الدين، رحمه الله.
وسط -ط - القبة الاحتلال الفرنجي (الصليبي) لسال المشرق (للبحر المتوسط - التربية، كالتالي:
سها، وتلعب دور الناقل هو كَمٌّ كثيرٌ فعلاً، إلا أن كتاب د. ماجد عرسان الكيلاني "المؤرخ-التربوي" هنا، والكتاب شبه الوحيد في المجال التاريخي بين مؤلفاته، "هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا عادت القدس" قد شكل بحق، منارة فريدة، ومَعْلَماً بِحَدِّ ذاتِه، لم يسبِقْه الى أسلوبه أحد، ولم يتمكن من تقليده أحد، فهو نسيجُ وحدِه، وهو يستحق أن نعتبره بهذا المعنى، كتاب العصر في موضوعه ومجاله، لفرادته، ولِما أراد له مؤلفه أن يكون كتاب أمثولة الإعداد لجيل النصر في كل العصور.
تكاد طبعاته الرسمية المحدودة، تئن من كثرة استنساخها، بما لا يمكننا إحصاؤه، من طبعات وترجمات وملخصات.. وبات منهجا يدرس حول العالم. ولا تكاد تخلو منه مكتبة إسلامية أو تاريخية أو تربوية أو عسكرية، عامة أو خاصة، مؤسسية أو شخصية.
كما أن صفحات الشابكة الإلكترونية، تعج بالاقتباسات منه والإحالات عليه، والاستشهاد به، على نحو يؤكد أنه، بإذن الله، من العمل الصالح النافع، الذي يدخل في باب الأجر الموصول المستدام، حيث نجد كتبه كلها بمثابة صدقة جارية، فهي تحمل العلم النافع، ويسعى ولده د. محمد ويحرص على تجديدها ونشرها بحلل قشيبة، تليق بها وبمؤلفها، والده رحمه الله.
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً * وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 13/17].
وسط جو من المنافسة الشديدة بين خمس مجاميع قصصية لافتة، هي مجاميع القائمة القصيرة لخمسة كتّاب عرب: إسماعيل غزالي (المغرب)، سمير الفيل (مصر)، روعة سنبل (سوريا)، عبد الهادي الجميل/الكويت/، ويحيى سلام المنذري (عُمان)، أعلنت لجنة التحكيم في اجتماعه الذي عقدته في مقر جامعة الشرق الأوسط الأمريكية في الكويت (AUM)، الراعي الرسمي للجائزة. فوز كاتب القصة المصري سمير الفيل، بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، للدورة السادسة عن مجموعته «دمى حزينة».
وانعقد حفل إعلان الجائزة في مسرح المجمع الثقافي في الجامعة، بحضور رئيس الجامعة الدكتور جورج يحشوشي، ومؤسس ورئيس المجلس الاستشاري للجائزة الأديب طالب الرفاعي، إضافة إلى حضور الدكتور عبد العزيز السبيّل، أمين عام جائزة الملك فيصل، رئيس منتدى الجوائز العربية، والدكتور محمد الجسّار، أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
و أشارت رئيسة لجنة التحكيم الدكتورة شهلا العجيلي إلى «تمسك اللجنة بمعايير فنية صارمة مند بدء القراءة وأن هذه الدورة شهدت منافسة كبيرة بين مجاميع قصصية متقاربة المستوى». وقالت إن قرار إعطاء الجائزة لكاتب بعينه ظل معلّقاً حتى آخر لحظة في الاجتماع الأخير. وأن مجموعة «دمى حزينة» حصلت على الجائزة باستحقاق فني متفق عليه داخل اللجنة.
وقال الكاتب الفائز سمير الفيل إنه «سعيد جداً بفوزه بالجائزة، وإنه منذ صعود مجموعته للقائمة الطويل ومن ثم القائمة القصيرة ظل يحلم بالفوز، ويُمنّي نفسه بهذه اللحظة الجميلة!».
وتمنح جائزة الملتقى للقصة القصيرة عشرين ألف دولار أميركي ودرعاً وشهادة الجائزة للفائز، كما يحصل جميع كتّاب القائمة القصيرة على خمسة آلاف دولار أميركي ودرع وشهادة الجائزة.
منذ صدور «ذا ليديز»، المجلّة النسائيّة الرائدة في بريطانيا عام 1770، أصبح لدى مؤرخي الحياة الاجتماعيّة مصدر توثيقيّ آخر لتتبع تطور أدوار المرأة في المجتمعات عبر العقود، وتلقب مزاج التوقعات التي تضعها على كاهل نصفها اللّطيف. ففي فضاء القرن الثامن عشر الذي كان يمور بتحولات عميقة في أوروبا الغربيّة في موازاة صعود البرجوازيات وتراجع البنى التقليدية، حفلت المجلات النسائيّة بمحتوى رصين يدفع باتجاه مشاركة فاعلة للمرأة في مختلف جوانب الحياة السياسيّة والاجتماعيّة، بينما عكست خلال القرن التالي هيمنة الذكوريّة البرجوازية، التي بفضل النجاح الفائق لثورتها الصناعيّة، تمكنت من فرض إيقاع نموذج العائلة النووية المثالية على المجتمعات، فتمحور مضمون المجلات النسائية حينها حول الإدارة المنزلية، وتقديم المشورة العملية للنساء بنبرة أخلاقيّة بدلاً من الترفيه، وافتقدت تماماً لروح الدّعابة ونزعة الاستقلال التي كان تلمس في محتوى تلك المجلات خلال القرن السابق، قبل أن تشرع مجدداً في توسيع آفاق القارئات بداية من الربع الأخير للقرن التاسع عشر وعشيّة مولد القرن العشرين ترافقاً مع التحولات النوعيّة التي شهدها العالم: في الصناعة، والملاحة، والتمدن، والتعمير، والتعليم، والطب ومكافحة الأوبئة الكبرى، كما في ظهور الأنساق السياسية الجديدة كالاشتراكية والماركسيّة والحركات النسائيّة والتعاونيات، وتكرّس نموذج الدّولة القوميّة.
ويمكن الآن وصف الفترة من 1880 - 1955 بالعصر الذهبيّ للمجلات النسائيّة، لا سيّما في العالم الأنجلو ساكسوني، حيث أصبحت صناعة واسعة تشغّل أعداداً كبيرةً من الصحافيين والمحررين والرسامين، فظهرت مجموعة من الدورياّت الجديدة عالية الجودة مثل «هاربر بازار» (1867) في الولايات المتحدة، وكل من «ذا ليدي» (1885) و«ذا جينتل وومان» (1890) في بريطانيا، التي كانت موجهةً بالأساس لنساء الطبقات العليا، وتوسعت في نشر الإعلانات التجاريّة، كما العديد من المجلات الأسبوعية زهيدة الثمن التي لعبت دوراً مهماً في تثقيف نساء الطبقات الوسطى بأساسيات النظافة، والتغذية، ورعاية الأطفال مع التسلية، والأزياء، وأخبار المشاهير.
ونجحت في الفترة ذاتها مجلات مثل «ليدز هوم» (1883)، التي اقترب توزيعها في وقت ما من النصف مليون نسخة شهريّاً، و«غود هاوس كيبينغ» (1885) التي أصبحت مرجعاً للسيدات في اكتشاف أحدث منتجات السلع الاستهلاكيّة، و«فوغ» (1892) أسبوعيّة بداية ثم شهريّة، وتخصصت بالأزياء والجانب الاحتفالي من الحياة المرفهة لنخبة مدينة نيويورك في تثوير طباعة وإخراج المطبوعات الدوريّة عموماً وتلك الموجهة للنساء خصوصاً، إذ أصبحت التصاميم الغرافيكيّة للصفحات أكثر جاذبيّةً، وتمّ تعزيز استخدام الألوان، والصور، وتعاظمت جهود المعلنين في إنتاج صفحات دعائيّة محفّزة نجحت في تسهيل الانتقال من سجن الصفحات الخلفيّة إلى مكانة بارزة في قلب الأقسام الرئيسيّة. ولا شكّ بأن هذا كله كان انعكاساً مباشراً لتحسن الدّخول وتوسع نطاق الطبقات الوسطى، وأيضاً التطور المتسارع في تكنولوجيا الطباعة وإنتاج الورق، وتوسع مجلات التوزيع بفضل انتشار شبكات السكك الحديدية والمطارات ومحلات التجزئة، والدّفق المستمر من مبادرات شركات المواد الاستهلاكيّة، كما تعملق صناعة الإعلان والدّعاية.
على أنّ النجاح التجاري للصحافة النسائيّة في عصرها الذهبي تضمّن أيضاً عناصر أدت بها في النصف الثاني من القرن العشرين لأن تفقد استقلالها على المستوى التحريري لمصلحة المعلنين، إذ مثّل هؤلاء مصدر التمويل الرئيس للمجلات، وكانت توجهاتهم غالباً محافظة اجتماعيّاً، تكرّس الأوضاع القائمة وتدفع لتشكيل وعي المرأة في قوالب من الامتثال والاستهلاك المسرف، ولعب الأدوار التي تخدم مصالح الرأسماليين. وقد انتهى ضعف المحتوى التحريري إلى تراجع تأثير المجلّة النسائيّة الرئيسة وفقدانها ولاء القارئات، ما فتح الباب أمام ظهور مجلات متخصصة للأعمار مثلاً المراهقات، أو التخصص (الطهو)، أو أخبار المشاهير والنميمة والموضة، فيما كان عمر غالب الدوريات النسائيّة الجذريّة قصيراً بحكم انعدام وجود بدائل تمويل كاف بغياب الإعلان.
وبالطبع فإن العالم ليس أنجلوساكسونياً بالمطلق، إذ إن مجتمعات عديدة أخرى أنتجت تجارب صحافة نسائيّة مهمة، سواء في مصر - كانت مجلة «الفتاة» التي أصدرتها اللبنانية هند نوفل بالإسكندرية عام 1892 أوّل مجلة نسائية تصدر في العالم العربي - أو الهند أو جنوب أفريقيا أو دول أمريكا اللاتينية، وأيضاً على البرّ الأوروبيّ في فرنسا وألمانيا وإسبانيا، ولكن إذا قبلنا الإيجاز لوصف تطور علاقة الصحافة النسائيّة بمجتمعاتها فسنجد أن أغلبها عاش دورة صعود وعصر ذهبي ثم هبوط وتشتت مماثلة - مع فروق محلية وزمنية - لما عاشته الصحافة النسائيّة الأنجلو ساكسونيّة، لا سيّما بشأن هيمنة المعلنين لاحقاً على المضمون التحريري، مع ضرورة استثناء تجارب روسيا والصين التي لعبت فيها المجلات النسائيّة في القرن العشرين أدواراً آيديولوجيّة محضة موجهة وممولة من الدّولة.
ويبدو أن القرن الحادي والعشرين سيشهد تلاشياً تدريجيّاً لمفهوم «المجلّة» النسائيّة على عمومه، بدلالة تراجع الصحافة المطبوعة على عمومها وبشكل كبير لمصلحة الصحافة الإلكترونيّة العامّة، وتلك التحوّلات الجذريّة في سلوكيات الأجيال الجديدة بشأن مصادر حصولهم على المعلومات والمعارف مع التقلبات السريعة في تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت، والانتشار المتشظي لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي على تنوعها. وتحاول معظم العناوين النسائية التي لم تتوقف عن الصدور الورقيّ حتى الآن إعادة اختراع ذاتها كمنتج يصلح للبقاء أقله في إطار العالم الافتراضي، مع قصص نجاح جدّ قليلة.
الملفت أن هذا الموت البطيء المعلن للصحافة النسائيّة قد أثار عند القراء المعاصرين موجة من الحنين للمجلات النسائية في أوقات أفضل تمثلت في سعي محموم عند كثيرين لاقتناء أعداد قديمة من تلك المجلات، وارتفاع أسعار المتوفر منها إلى مستويات قياسيّة غير معهودة في سوق تستمر بالازدهار. ويقول خبراء في تجارة الكتب والمجلات القديمة إن الطّلب تزايد على هذه النوعيّة من النسخ بشكل مضطرد منذ عام 2000 مع توقف العديد من العناوين عن الصدور، وأن أسعارها تضاعفت بمعدل سنوي يقترب من 20 بالمائة سنويّاً، حتى أن عدداً من مجلّة «فوغ» من عام 1940 - بطبعتها البريطانيّة - بُيع مؤخراً في لندن بما يقرب من 1000 دولار أمريكيّ.
كانت مجلة «الفتاة» التي أصدرتها اللبنانية هند نوفل بالإسكندرية عام 1892 أوّل مجلة نسائية تصدر في العالم العربي
وبغض النّظر عن الحنين النوستالجيّ المفهوم للقديم، تعدد الدوافع لدى الهواة في سعيهم لاقتناء الأعداد القديمة من المجلات النسائيّة، فبعضهم يبحث عنها كأيقونات فنيّة من عصر ذهبي، لا سيّما عندما كانت الأغلفة تنجز بمعرفة الرّسامين، ويراها آخرون سجلاً لتطور التصوير الفوتوغرافي لاحقاً وأعمال رواده، فيما يطارد البعض الآخر أعداداً فيها مقالات لكتابات لامعات مثل سوزان سونتاغ، أو عناوين عكست استقلالاً تحريرياً ظاهراً أو مقابلات مع شخصيات مشهورة في مراحل سابقة، أو تغطية لأحداث تاريخيّة مهمّة على مستوى ما. ولا شكّ أن حالة النسخة، كما تسلسلها ضمن الأعداد العشر الأولى للإصدار، تضيف جاذبيّة ترفع بشكل عام من الأسعار، لا سيّما وأن المضمون التحريري فيها يكون عادة في أوجه مع سعي العنوان لتأسيس هويته وموقعه في أذهان القارئات.
وقد سهلت التجارة على الإنترنت على هواة اقتناء الأعداد القديمة من المطبوعات النسائيّة مشقة العثور على الأعداد التي يبحثون عنها إذا أصبح العالم كله مجالاً لبحثهم، ووجد كثيرون أيضاً ممن تراكمت لديهم نسخ من مجلات كانت تقتنيها أمهاتهم - وربما جدّاتهم - وتشغل مساحات ميتة من أماكن التخزين لديهم أن تلك أصبحت اليوم أشبه بثروة صغيرة. وهكذا، حتى في لحظات احتضارها الماديّ، فإن المجلات النسائية ما زالت تحمل في طياتها توثيقاً عميقاً لطبيعة الحياة الثقافيّة للمجتمعات، وتعاقب صيغ تبادل الأفكار والمقتنيات، وفوق ذلك كله تفاوت الأدوار المتوقعة من النساء في المراحل المختلفة.
مجلة ثقافية تطفئ شمعتها الثلاثين، دون توقف ولا انقطاع.. كان يمكن لخبر مثل هذا أن لا يلفت انتباه أحد، قبل سنوات، فهناك مجلات عمّرت طويلا مثل مجلة «الهلال»، التي تجاوزت مئة وسبعة وعشرين عاما (صدر عددها الأول سنة 1892). غير أن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي صنعت عالما جديدا، أصبحت فيه المجلات الورقية ديناصورات منقرضة، وبدأت في الانطفاء واحدة تلو الأخرى.
فقبل سنة بالضبط أعلنت مجلة «الدوحة»، في بيان مقتضب عبر الفيسبوك، توقفها عن الصدور. ورغم أن البيان لم يذكر أسباب التوقف، إلا أنه من الواضح أن هذه المجلة الثقافية الرائدة لم تستطع المحافظة على وجودها، نتيجة ارتفاع كلفة التمويل، وفي ظل إعلام جديد له آلياته وقراؤه. وقد سبقت مجلة «الدوحة» إلى التوقف مجلات ثقافية مهمة كانت لها بصمتها الواضحة في المشهد الثقافي العربي مثل مجلة «الآداب» ومجلة «دبي الثقافية»، ومجلة «وجهات نظر».
راودني هذا الخاطر وأنا متجهة إلى مسقط للمشاركة في ندوة ضمن الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب، تحت عنوان «مجلة نزوى ثلاثون عاما من الإنجاز الثقافي«. ولا يمكن لأي مهتم بالشأن الثقافي، مبدعا أو ناقدا أو أكاديميا أو حتى متابعا عاديا، أن ينكر الدور الريادي لهذه المجلة، منذ انطلاقتها قبل ثلاثين سنة. وقد كنت أتتبّع أعدادها وأنا طالبة في كلية الآداب في المنامة، إلى أن صارت تصلني بانتظام، حينما انتقلت للعمل إعلاميةً في دبي.
وقد فتّحَتْ عيني على كثير من القضايا الفكرية والأدبية والنقدية. وقرأت فيها نصوصا إبداعية شجعتني على نشر بعض قصائدي فيها. ولم يفْتَرْ حماسي لها، لأنني على ثقة أنني أجد في كل عدد جديد منها زادا فكريا وإبداعيا، بل وعونًا على الأفكار، التي ناقشتها في برامجي الثقافية المتعددة.
وفي الحقيقة إن أسئلة جوهرية راودت ذهني عن مصير المجلات الثقافية، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وهل هو أمر حتمي أن مصيرها الانقراض؟ أم إن تحولها من الوعاء الورقي إلى الوعاء الرقمي كفيل بإطالة عمرها؟ وقبل ذلك هل للقارئ الجديد، الذي تربى على التتابع اللانهائي للفيديوهات في السناب أو التيكتوك أو الفيسبوك، صبر على قراءة مواضيع من صفحات كثيرة، وهو الذي لا يصبر على «ريلز» يتجاوز دقيقة واحدة؟
وإذا كانت الصحف الورقية هي الأكثر تضررا من الإعلام الجديد، لأن الباحث عن الخبر لن ينتظر 24 ساعة ليقرأه منشورا في جريدته المفضلة، في الوقت الذي يمكن أن يصله آنيًّا عبر التطبيقات والمواقع، فهل المجلات الثقافية محظوظة من هذه الناحية، باعتبارها وعاءً ثقافيا يقف في الوسط بين الجريدة والكتاب؟
لست متفائلة كثيرا، فلكل عصر، كما يقال، دولة ورجال، وهذا عصر السرعة وسهولة الوصول إلى المعلومة، والقارئ الذي ينتظر صدور مجلته المفضلة شهرا كاملا، ليتابع رواية متسلسلة، أو مقالات متتابعة، كما كان يفعل متابعو «الرسالة» و«الثقافة» و«الآداب» و«فصول». والكاتب اختفى هو أيضا باختفاء مجلاته الأثيرة. وأنا متيقّنة من أن المجلات الثقافية، على الأقل من ناحية شكلها الورقي، آيلة للتوقف.. ألم يقل الشاعر سيف الرحبي إن كل عدد يصدره من مجلة «نزوى» يعتقد أنه العدد الأخير.
للأسف، هي مسألة وقت فقط، وليست نظرتي متشائمة، بل هي مبنية على واقع نشهدُه، يُؤيِّدُه ارتفاع كلفة الورق والطباعة والشحن، وتعقيدات التوزيع، من إجراءات بيروقراطية ورقابية أحيانا. وحتى لو حظِيتْ أي مجلة ثقافية بتمويل حكومي، سيكون ذلك مؤقتا، لأن التمويل من أي جهة جاء، ليس كرما حاتميا لا ينتظر مقابلا. وما شهدناه في السنوات الأخيرة من توقف مجلات خليجية ذات تمويل جيد، مثل «دبي الثقافية» أو ما ذكرناه عن مجلة «الدوحة» دليل على أن التمويل يطيل عمر المجلة، لكنه لا يضمن حياتها، فمزاج القارئ تغير، وطبيعة القراءات نفسها تغيرت.
قد يكون اعتماد المجلات الثقافية على صيغة إلكترونية، ومنها مجلة «نزوى» خطوة ضرورية، بما يتيحه هذا التحول من سهولة الوصول إلى القارئ بكبسة زر، والإمكانات البحثية في المقالات، وسهولة الأرشفة، وسرعة التصويب والتحديث. ولكن هل هذا كاف لإطالة عمر المجلات الثقافية؟ لا أعتقد ذلك. بل أرى أن الأوْلى إعادة النظر حتى في شكل المادة، التي تحملها المجلة الثقافية، باعتماد العنصر البصري أكثر، وملامسة اهتمامات جيل أصبحت ثقافته مختلفة، وإلا ستجد المجلة نفسها محصورة في مجموعة من المثقفين المتقاعدين، الذين ينتمون إلى عصر التلفزيون بالأسود والأبيض، ومعذرة عن قسوة التعبير.
السيوشيال ميديا فرضت على كل أوعية الثقافة من صحيفة ومجلة وكتاب وراديو وتلفزيون قاعدةً واحدةً حاسمة «تجددوا أو تبددوا». أي يجب إعادة نظر جذرية في الشكل والمضمون الرقمي، وليس الورقي، لأن الورقي شئنا أو أبينا يعيش على التنفس الاصطناعي، وما هي إلا مسألة وقت لنترحم عليه.
لم تسلم المجلات الثقافية بدورها أيضا من سطوة الرقيب، فكم من عدد صودر في هذا البلد أو ذاك، لأن كاتبا معينا من المغضوب عليهم نشر على صفحاتها. وكم من مجلة منعت من دخول هذا البلد أو ذاك، لأن القائمين عليها من جنسية بلدٍ هُم على خلاف معه. وإذا سلمت المجلة من هذا المطب، اعترضها سوء التوزيع، وهي مشكلة مزمنة في العالم العربي. فلولا معارض الكتب ما وصل الكتاب المشرقي إلى مغارب الأرض، والعكس صحيح. وعائق التوزيع في المجلة مضاعف. فيجب أن ينتظم وصولها للمشركين، هذا في حال انتظم صدورها، غير أن المشكلة، التي طرأت، لا تتعلق بالرقيب ولا التوزيع، ولا بأي مشكل تقليدي اعترض المجلات الثقافية، منذ وقت صدورها، بل هو مشكل وجودي يهددها، واغتال كثيرا منها. يتعلق بأمرين أحدهما أخطر من الآخر: التحول الرقمي وتغير ذائقة القارئ.
ولكن كما ذابت الأشكال الأدبية في بعضها، فنتجت عنها نصوص عصية على التصنيف، ما المانع أن تتخلى المجلات الثقافية عن شكلها التقليدي، فتصبح تفاعلية، تعتمد على الصورة والفيديو والتفاعل المباشر بين كاتب المقال وقارئه، بعيدا عن الصيغة التلقينية السائدة: الكاتب يلقي تعاليمه والقارئ يتلقّى، كالشيخ والمريد في الطرق الصوفية.
فهذا التأقلم أحد سبل استمرار ذلك الكائن الورقي الجميل، الذي يشبه الكتاب، لكنه أكثر حيوية منه، بما يحويه من صور وتعدد في المواضيع والأقلام. والذي كان في منتصف القرن الماضي وسيلة العبور الأكثر فعالية إلى عقل القارئ، فكتب طه حسين والعقاد والمازني وسلامة موسى وكل كبار الأدب والثقافة. آنذاك كانت تصدر ابتداءً متسلسلة على صفحات المجلات، ثم تجمع في كتب. لأن المجلة مضمونة الرواج، والآن أصبحنا نتفاجأ باختفائها فجأة، أو بإعلان من ناشرها يرجو من الجهات المسؤولة التبرع بوحدات من الدم أو الدعم، لا فرق، لضمان حياتها، مثل ما حدث مع سماح إدريس ووالده سهيل من قبل في مجلة «الآداب».
ولكن إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء لن يعيد الزمن المتفلت كالرمل ما بين الأصابع. وأذكر أنني قرأت قبل عشرين سنة مقالا للدكتور حسن مدن بعنوان «الدوريات أيضا تشيخ». ثم كتب بعد عشر سنوات من ذلك مقالا آخر بعنوان «الدوريات تشيخ وتموت أيضا». وهي حقيقة لا مفر منها ولا تنفعنا معها مكابرة.
أتمنى أن نحضر يوما ما الاحتفال باليوبيل الذهبي والماسي لمجلة «نزوى» وما يشبهها من آخر الجنود المتبقين على الساحة الثقافية، فما أضيق العيش لولا الأماني. وما يعزينا ويشعل جذوة الحنين فينا، إن كان هذا يمنحنا شعورا بالرضا، أننا عشنا زمنا كنا نقرأ فيه آخر قصائد درويش ونزار قباني وأدونيس، وأحدث مقالات إدوارد سعيد وصلاح فضل وجابر عصفور ومحمد جابر الانصاري، في مجلات ننتظر صدورها من شهر إلى شهر، بلهفة عاشق، يتطلع إلى طيف حبيبته. فلا أقل من أن نقول بفخر عشنا في زمن «فصول» و«أدب ونقد» و«الدوحة» و«الآداب» رحمها الله جميعا.
أعلنت جائزة الدوحة للكتاب العربي عن الفائزين بدورتها التأسيسية الأولى لعام 2024 وهم نخبة من المتخصصين في العلوم الإنسانية والشرعية، الذين أثروا المكتبة العربية بالمصنفات العلمية الرصينة والأطروحات الفلسفية والتاريخية والدراسات البحثية القيمة.
وضمت القائمة، حسب الترتيب الأبجدي، أيمن فؤاد سيد من مصر، وجيرار جهامي من لبنان، وسعد البازعي من السعودية، وطه عبد الرحمن من المغرب، وغانم قدوري الحمد من العراق، وفيحاء عبد الهادي من فلسطين، وقطب مصطفى سانو من غينيا، ومحمد محمد أبو موسى من مصر، ومصطفى عقيل الخطيب من قطر، وناصر الدين سعيدوني من الجزائر.
وستكون جائزة الدوحة للكتاب العربي سنوية، وتخصص لتكريم المؤلفين والباحثين ودور النشر والمؤسسات المساهمة في صناعة الكتاب العربي، وتهدف الجائزة لإثراء المكتبة العربية عبر تشجيع الأفراد والمؤسسات لتقديم أفضل إنتاج معرفي وتكريم الدراسات الجادة والتعريف بها والإشادة بجهود أصحابها، فضلا عن دعم دور النشر الرائدة للارتقاء بجودة الكتاب العربي شكلا ومضمونا، بحسب حوار سابق للجزيرة نت مع مستشار الجائزة الإعلامي عبد الرحمن المري.
وأشار بيان الجائزة لأن حفل إطلاق الجائزة -غدا الأحد- سيكون حدثا ثقافيا مخخصا للإسهام في تكثيف الإنتاج الفكري والمعرفي في فضاء اللغة العربية. كما سيحتضن الحفل كوكبة من الشخصيات العلمية والفكرية والثقافية الماثلة، التربوية المئوية من أنحاء العالم.
وللجائزة فئتان: فئة الكتاب المفرد، وفئة الإنجاز. ويمكن الترشح في أي من الفئتين على أن يندرج العمل في أحد المجالات المعرفية التي تعلن عنها الجائزة كل عام، وتشمل: العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، والدراسات اللغوية والأدبية، والعلوم التاريخية، والدراسات الاجتماعية والفلسفية، والمعاجم والموسوعات وتحقيق النصوص.
وللترشح للجائزة، يجب أن يتميز المتقدم، سواء كان فردا أو مؤسسة، بإسهامات بارزة تثري الثقافة العربية من خلال إنتاج معرفي يتسم بالجدة والأصالة ويسهم في إغناء المعرفة والثقافة الإنسانية. كما يُطلب من دور النشر المتقدمة للترشيح أن تظهر التزاما صارما بقوانين وأنظمة الملكية الفكرية، وعليها تقديم الوثائق الداعمة مع استمارة الترشح.
التقديم للجائزة مقصور فقط على المترشحين أنفسهم، سواء أفرادا أو مؤسسات، ولا يُقبل الترشيح بالنيابة عنهم. ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يُسمح بالترشح لأكثر من فئة في آن واحد، أي بين فئة الإنجاز والكتاب المفرد. والجائزة تحتفظ بالحق في استخدام الأعمال الفائزة وأصحابها في نشاطاتها الترويجية ونشرها.
كما تملك الجائزة الصلاحية في حجب أي من فئاتها أو تعديل قيمتها المالية، وفي حالات خاصة، لها الحق في سحب الجائزة بعد منحها إذا دعت الضرورة.
صدر حديثا، كتاب نحو النص عند العرب، للدكتور محمد بن سالم بن خلفان المسلمي، الكتاب يقع في 327 صفحة من الحجم المتوسط، يزينه غلاف فاخر تتوسطه حروف الهجاء العربي، الناشر دار الفكر المعاصر، يقول المؤلف عن كتابه إنه يؤصل مصطلح (نحو النص) وتجلياته في وجوه تناوله، إن كانت تكمن فيما أنجزه العرب: صوتا وصرفا ومعجما وتركيبا، من خلال ملابسات القول وموجهاته، موظفا مناهج اللغويين في (معاني القرآن) و(إعجازه)، و(شروح الشعر) يتخذها منطلقات للتحليل، والكتاب فريد في منهجه وأدوات بحثه، والمكتبة العربية بحاجة ماسة لهذا النوع من البحث.
يقدم للكتاب الأستاذ الدكتور سعيد جاسم عباس الزبيدي، الذي يصف المسلمي بنجم بين طلبة الدراسات العليا، باحثا واعدا، حقق ظني به برسالته في الماجستير(التوجيه الصوتي للقراءات بين ابن خالويه وأبي علي الفارسي)، وأنه أحاط بما يمكنه من زمام النحو بمفهومه الواسع، وفي دراسته (نحو النص في التراث العربي ـ دراسة تأصيلية) ليؤكد أن العرب لم يجترحوا هذا المصطلح، ولكنهم تناولوا كل مستويات البحث اللغوي الخمسة، صوتا وصرفا ومعجما وتركيبا ودلالة في مؤلفاتهم التي اتخذت من النص منطلقا تطبيقيا في عرض مسائل اللغة، ويدعو المتخصصين والقراء ليروا ما بتراثنا ما نفخر به، ولا نصبح مع من يطبل بلا وعي أن عربيتنا قاصرة، وحاشا أن تكون لغة التنزيل إلاّ أن تبقى صالحة لكل زمان ومكان.
يؤكد المؤلف في المقدمة إن القرآن بإعجازه ارتقى بأساليب اللغة العربية، وكان يمكن أن ينطلق منه الدرس النحوي، ويستفيد من أساليبه، وقد دفع ذلك مؤلفي كتب معاني القرآن وإعجازه إلى أن وجدوا منه بغيتهم في بيان قدراتهم اللغوية، فاستعرضوها بعيدا عن ربطها بالدلالة المنتزعة من الأبيات في كثير من المواضع، وأن قوة النحو العربي بلغت أوجها في كونه علما نصيا انطلق من النص القرآني والشعر القديم، وأن النحاة وجدوا في القرآن الكريم مجالا واسعا لتفسير المعاني وتأويلها.
يبدأ الكتاب أولاً بشرح (مفهوم نحو النص)، يتناول فيه الكاتب مفهوم النحو، ومفهوم النص، ثانيا (منطلقات نحو النص)، يستعرض فيه نشأة العلوم العربية، ثالثا (عناية اللغويين القدامى بالنص ـ معاني القرآن) ويبرز فيه عناية اللغويين القدامى بالنص القرآني، من حيث معانيه وإعجازه وإعرابه وتفسيره وتفرده بالتعبير.
الفصل الأول عن المستوى الصوتي، ويتحدث فيه عن الإبدال والإعلال والإدغام والقلب والتثقيل (التشديد) والتخفيف، ويرى أن العلماء القدامى عالجوا الأصوات في سياق علوم شتى، ولم يكن مستقلا مثل العلماء المحدثين، فالخليل وسيبويه عالجا بعض القضايا متفرقة، وكذلك علماء التفسير والقرآن والتجويد والحديث، وهذا العلم مصطلح مستقل للصوتيات لم يظهر إلا عند العلماء المحدثين.
الفصل الثاني بعنوان (المستوى الصرفي)، يستشهد الكاتب بحديث ابن جني الذي يقول فيه: كان من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف، لأن معرفة ذات الشيء، ينبغي أن يكون أصلا لمعرفة حاله المتنقلة، ولم يفرد كثير من أهل التأليف للصرف كتبا قبل أبي عثمان المازني، لما فيه من الصعوبة، فكانوا يبدؤون بالنحو، ويكون الصرف تابعا في آخر الدراسة مبحثا قصيرا في آخر الكتاب، ويرى ابن جني أنه ينبغي أن يبتدأ به قبل دراسة النحو.
الفصل الثالث بعنوان (المستوى المعجمي)، ويؤكد فيه أن المستوى المعجمي يدرس الجملة والنص اللغوي عن طريق تحليل معنى الكلمات وتصنيفها والكشف عن العلاقات الدلالية بين الكلمات في الحقل الدلالي الواحد، وكان للعلماء العرب جهود عظيمة في تصنيف الألفاظ وجمعها، والكشف عن مكوناتها الدلالية، والكشف عن العلاقات الدلالية بين الكلمات والألفاظ العربية.
الفصل الرابع يتناول المستوى التركيبي :(النحوي)، حيث وجد المسلمي أن الفراء أول من استعمل هذا المصطلح، وقد كان ذلك في ثلاثة مواضع، في قوله تعالى(سواء عليكم أدعوتمومهم أم أنتم صامتون)، فقال فيه شيء برفع (سواء عليكم) لا يظهر مع الاستفهام، ولو قلت: سواء عليكم صمتكم ودعاؤكم تبين الرفع الذي في الجملة، والثاني تقول: تبين لي أقام زيد أم عمرو، فتكون الجملة مرفوعة في المعنى كأنك قلت: تبين لي ذاك، والثالث: أضاف في قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) فقال يكون في الجملة في معنى نصب ترفعها بالكلام، كذلك قوله تعالى (سلام على نوح في العالمين) ترفعه بعلى وهو في تأويل نصب، ولو كان: تركنا عليه سلاما كان صوابا.
وفي الخاتمة يعدد المؤلف أهم النتائج التي خرج بها من الدراسة الوافية لعلم النص وفهم أبعاده في تفسير الظواهر والأساليب التي يشتمل عليها.
أسدل الستار مساء السبت على الدورة الثامنة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب بعد 10 أيام احتفت بالكتاب الورقي وأكدت مكانته الكبيرة لدى القرّاء رغم بروز منازعين جدد أوجدتهم الثورة التكنولوجية ومنطق التحولات التي تشهدها حياتنا المتغيرة باستمرار.. كما احتفت أيام المعرض بالثقافة والفكر والفنون وبالحوار الذي يأخذنا نحو حياة أكثر سلاما وهدوءا واستقرارا. واستطاع المعرض أن يقدم أسماء عمانية وعربية جديدة في مختلف المجالات استطاعت أن تثري المشهد بالنقاشات الجادة، وتطرح أسئلة جديدة وكبيرة منبثقة من التفاعلات التي تشهدها مجتمعاتنا في السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا. وبهذا المعنى يمكن القول إن المعرض ـ رغم بعض الملحوظات التي تطرح هنا وهناك وهي طبيعية ومفهومة من أجل المزيد من التطوير ـ قد حقق نجاحا تنظيميا كبيرا، يضاف إلى نجاحاته السابقة، بل إن المعرض بات يلفت أنظار مختلف أقطار العالم العربي من حيث العناوين الجديدة والفعاليات الثقافية والقوة الشرائية الفردية التي يتمتع بها، وكذلك من حيث التنظيم المتقن له، ما يعني أن المعرض تحول من تظاهرة ثقافية عمانية إلى تظاهرة ثقافية عربية وبمشاركة دولية سواء على مستوى الكتاب أو الفعاليات الثقافية أو حتى على مستوى الأسئلة الكبرى التي دار حديث واسع حولها في المعرض وفي مقدمتها سؤال القضية الفلسطينية وتحولات النظام العالمي ومآلات الفكر الليبرالي في العالم. وشاهدنا المئات من الخليجيين والعرب الذين اختاروا مسقط لتدشين كتبهم أو لاقتفاء العناوين الجديدة في مختلف فروع المعرفة.
وإذا كانت الحالة التي يصنعها المعرض خلال أيامه العشرة تصنع تفاعلا مثريا بين القارئ والكتاب فإن السؤال الذي يعاد طرحه في كل عام هو: ماذا بعد المعرض؟ ماذا بعد هذه التفاعلات التي تزرع في نفوس الجميع الفرحة والنشوة بالأعداد الكبيرة التي ترتاد المعرض من مختلف فئات المجتمع، وبالأعداد الأكبر من الكتب التي تُقتنى كل عام بشكل شخصي أو عبر مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة. هل تغير هذه الكتب وما تحويه من علوم ومعارف حياتنا نحو الأفضل؟ وهل تعيد بناء وعينا بذواتنا وبالعالم من حولنا؟ هل نعيد صياغة أسئلتنا التقليدية بنظرة أكثر حداثة ومواكبة للمرحلة؟ أو أن النزعة الاستهلاكية تغلب علينا حتى في اقتناء الكتب دون أن يكون لذلك أدنى أثر؟
ورغم أن هذه الأسئلة لا يمكن رصد إجابات دقيقة وقطعية عنها في المدى القصير إلا أن أجيالا من العمانيين الشباب الذين خرجوا بعشرات الكتب في كل معرض قبل عقد أو عقدين يساعدون في محاولة بناء إجابة عن بعض هذه الأسئلة التي تجتمع حول نقطة واحدة هي: هل نقرأ؟
إن تلك الأجيال التي سمعناها تتحدث في الكثير من الفعاليات الثقافية والفكرية والفنية التي أقيمت في المعرض تخرّجت من الدورات الأولى لمعرض مسقط للكتاب، وهي أجيال تبشر بكثير من الخير وتؤكد أن معرض مسقط للكتاب كما أسهم سابقا في بناء وعي بين أجيال تسعينيات القرن الماضي والعقدين الأولين من القرن الجديد فإنه ما زال يقوم بدوره على أكمل وجه في تشكيل وعي جديد في مختلف الأجيال التي كانت تلتقي يوميا في أجنحة المعرض بحوارها حول الشأن السياسي والثقافي والفكري والاجتماعي بشكل عام، وحول الكتب المعروضة في أجنحة المعرض بشكل خاص وهذا في حد ذاته أكبر نجاح يمكن التمسك به بعيدا عن أي نقاشات جانبية قد يفرزها المعرض والتي لا تعدو أن تكون مقترحات في طريقها للتنفيذ كما نفذت عشرات المقترحات التي طرحت في أعقاب دورات مضت.
ورغم هذه الصورة التي تبدو مشرقة جدا فإننا بحاجة ماسة جدا لأن نكرس حضور الكتاب في حياتنا اليومية وحياة أبنائنا، بغض النظر إن كان كتابا ورقيا أو إلكترونيا، وهذا دور جميع مؤسسات المجتمع بدءا من مؤسسة الأسرة وليس انتهاء بالمؤسسات الحكومية التي عليها دور كبير في رعاية العقول المبدعة وفي بناء الوعي المجتمعي سواء كانت أيضا مؤسسات تعليمية كما هو الحال في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ومختلف المؤسسات الجامعية أو عبر مؤسسات الإعلام التي تتحمل دورا كبيرا وأساسيا في بناء الوعي المعرفي. وفي الحقيقة كل مؤسسة تعرف دورها والصورة أمامها واضحة جدا ولكن عليها أن تعمل بجد واجتهاد في القيام بدورها على أكمل وجه من أجل أن يكون الغد الذي نأمله لنا ولوطننا ولأمتنا وللإنسانية جمعاء في أفضل حال.
أعلنت الأمانة العامة لــ”جائزة فلسطين العالمية للآداب” تمديد مهلة المشاركة في الدورة الثانية من الجائزة حتى نهاية شهر ماي المقبل.وفتحت لجنة الجائزة باب المشاركة للأعمال المؤلفة في الأعوام 2021، 2022 و2023، والتي “تتحدّث عن المقاومة وتحرير فلسطين عموماً والقدس خصوصاً من الاحتلال الصهيوني، وكذلك الأعمال المتعلقة بفضح الإجرام الصهيوني بحق الفلسطينيين”.
و”جائزة فلسطين العالمية للآداب” جائزة عالمية غير حكومية تقام مرة كل سنتين، تأسّست عام 2019 بالتعاون مع اتحادات الكتاب والنقابات الثقافية والأدبية في بعض الدول الإسلامية ودول أخرى، وهدفها التعريف بالكتب الأدبية المنشورة في العالم حول قضية فلسطين والمقاومة وتحرير القدس.
وتتضمن الجائزة التي تبلغ قيمتها الإجمالية 60 ألف دولار قصصاً وقصائد للأطفال، والقصص القصيرة، والرواية، والمذكرات، والشعر، والمسرح.
وستتم مراجعة جميع الأعمال التي تتلقّاها لجنة التحكيم من الدول المختلفة، وستمنح أمانة “جائزة فلسطين العالمية للآداب” عملاً مختاراً من كل مجموعة بعد مراجعته والاتفاق عليه.
يذكر أن “جائزة فلسطين العالمية للآداب” أطلقت العام الماضي حملة دولية لقراءة كتاب “الطنطورية” للمصرية الراحلة رضوى عاشور، باللغات العربية والإنجليزية والفارسية، وذلك بعد مرور شهر على عملية “طوفان الأقصى”.
يذكر أن رواية “الطنطورية” تسرد سيرة عائلة فلسطينية منتسبة إلى قرية الطنطورة، وتم اقتلاعها من أرضها على يد العصابات الصهيونية، لتسرد الرواية رحلة هذه العائلة بين فترة أعوام 1947 و2000 والأحداث التاريخية التي رافقتها.
عد البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب ركنا أساسيا من أركان تلك التظاهرة الثقافية، فليس الكتاب هو وجهة كل قاصدي المعرض، فالبعض يحضر لمعارض الكتب ليكون جزءا من جمهور الفعاليات والأنشطة الثقافية والعلمية والتاريخية والفكرية وغيرها من الجوانب التي صاحب إقامتها معرض الكتاب.
ومع الكم الكبير من الفعاليات الثقافية التي أقيمت خلال أيام معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته الثامنة والعشرين، إلا أن عددا كبيرا من الفعاليات شهدت عزوفا أو قلة حضور لها، رغم ما يتداول دائما من قبل الجمهور بأن المعرض لا يقدم فعاليات جاذبة ومتنوعة، وهو ما وجد هذا العام في البرنامج الثقافي المصاحب، فالجوانب السياسية والدينية والفكرية والتاريخية والثقافية والتخصصية بشتى أشكالها كانت ضمن البرنامج، لم تكن الندوات والمحاضرات والنقاشات قد توقفت خلال الأيام العشرة. نبحث من خلال هذا الاستطلاع عن بعض الآراء في أسباب قلة الحضور، والكراسي الفارغة.
تزامن الفعاليات مع بعضها..
وقال الصحفي والكاتب خلفان الزيدي حول أسباب قلة الحضور في بعض الفعاليات المصاحبة للمعرض: "البرامج الثقافية والفعاليات الأدبية المختلفة بمعارض الكتب يكون في الأغلب حضورها قليل جدا بسبب أن هذه الفعاليات تكون متزامنة مع بعضها البعض، فعلى سبيل المثال أن تقام ندوة متعلقة بالقضية الفلسطينية وفي نفس التوقيت كانت تقام ندوة أخرى لا تقل زخما وأسماء مشاركة وهي أيضا عن الحرب على الصحفيين في غزة، وأنا كمتابع ومهتم بالشأن الفلسطيني أيهما أحضر! اضطررت بسبب ذلك أن أحضر جزءا بسيطا من كل فعالية".
وأوضح الزيدي أن "الربكة" في البرنامج الثقافي قد تكون سببا آخر لقلة حضور بعض الفعاليات، وقال: "البرنامج الثقافي للأسف غير محدث، فهناك فعاليات في تواقيت معينة، ولكننا نتفاجأ بأنها قُدمت، وأنا لا أتابع الإعلانات اليومية للفعاليات، وإنما أتابع البرنامج الثقافي العام الذي من المفترض أن يكون دقيقا ومحدثا".
كما أشار الزيدي إلى أن زيارته لمعرض الكتاب غالبا تكون للمعرض، وليس لحضور الفعاليات المصاحبة، وهذا شأن شريحة كبيرة من شرائح المجتمع، وأضاف: "البرامج الثقافية كما هو معروف في جميع معارض الكتب وليس فقط في معرض مسقط، أن الحضور الجماهيري للفعاليات الثقافية يكون قليلا، ويمكن أن تقس على ذلك حفلات توقيع الكتب، فعلى الرغم من أن بعض الكتّاب كتبهم ودراساتهم مهمة ولكن الحضور لحفل التوقيع قليل جدا، فالجميع متوزع على مساحات المعرض، ونحن لا يمكننا أن نتوقع كم يكون الحضور في هذه الفعاليات، مثلا لو تصورنا هذه الفعاليات أقيمت في خارج المعرض هل نتوقع حضورا جماهيريا كبيرا! بالعكس أنا أرى أن الفعالية ولو حضرها 10 أشخاص فهذا مؤشر جيد".
توثيق الفعاليات وتنويعها..
بعض الفعاليات تمر مرور الكرام، وهذا أمر معتاد ومعروف في معارض الكتب، فحتى مسألة توثيق الفعاليات سيكون صعبا على وسائل الإعلام، فبطبيعة الحال لن يتم تغطية أو توثيق جميع الفعاليات، وليس ذلك تقليلا من قيمة وأهمية بعض الفعاليات، ولكن لأن بعضها لها حضورها وسطوتها". ويضيف: "الاحتفاء بالمبدعين والكتّاب والبرامج الثقافية عامة أمر جيد، ولكن التوثيق يحتاج لإمكانيات كبيرة لتوثيق ذلك وتصويرها بالكامل".
وعلى الرغم من الكراسي الفارغة في بعض الفعاليات إلا أن خلفان الزيدي يقول: "أنا مع زيادة الفعاليات وليس مع تقليلها، ولكن أن تكون نوعية أكثر، فبعض الفعاليات أنا أعتبرها (تحصيل حاصل) وأسماء مكررة، وبعض المواضيع أيضا تم التطرق لها، خاصة فيما يتعلق بموضوع كتاب ما وقد شارك به الباحث في ندوة سابقة، وللأسف العديد من الفعاليات في البرنامج الثقافي عبارة عن برامج مكررة سبق الحديث عنها في مناسبات أخرى ويعاد تقديمها في معرض الكتاب، وربما هذا هو سبب الخفوت الجماهيري عنها".
مركزية البرنامج الثقافي..
وتحدث الكاتب بدر العبري حول أسباب "الكراسي الفارغة" في بعض الفعاليات فقال من وجهة نظره: "في الحقيقة فيما يتعلق بالفعاليات الثقافية في معرض الكتاب هذا العام تجاوزت 250 فعالية، والعديد من المبادرات الخارجية، وهي متنوعة من حيث النوع والطرح والعمق، ولكن في نظري يبقى هناك خلل واحد وهو مركزية المحاضرات؛ لأن العبرة دائما ليست بالكم وإنما بالكيف، ولابد أن تكون لإدارة المعرض مركزية، فبعض الأوقات خاصة بإدارة المعرض، وتكون نوعية بشكل كبير، ويدفع لها على شكل مؤتمر وندوات وجلسات حوارية، وفيها ضيوف لهم نوعيتهم سواء من داخل السلطنة أو من خارجها، وبالتالي هذه المحاضرات النوعية لا تواكبها أي محاضرات أخرى".
وأضاف: "فيما يخص الفعاليات التي تقام في الأجنحة أو الأركان فوضعها مختلف، أما ما يقام في قاعات المعرض فينبغي أن يكون لها مركزيتها ولها ثقلها، كما لابد أن تكون متنوعة أكثر، وفي الحقيقة هذا العام توجد فعاليات كبيرة ولها وزنها وقيمتها، ولكن قد تقام فعالية في الفراهيدي، وفعالية أخرى في ابن دريد، وبالطبع لن يتركز الناس في مكان واحد".
الترويج والتوثيق..
وأكد بدر العبري على ضرورة الترويج للفعاليات فقال: "كتبت سابقا في مقال نشر في جريدة عمان هو حول الترويج للفعاليات، فتأخر نشر البرنامج الثقافي، وأحيانا يسرب برنامج ليس دقيقا، وبه أسماء ضيوف قد يعتذرون عن الحضور، فمن المفترض أن يكون البرنامج الثقافي للفعاليات جاهزا قبل الافتتاح بأسبوعين، بحيث يتم الترويج للفعاليات، فبعض الجمهور من خارج سلطنة عمان قد يأتون لحضور تلك الفعاليات، كذلك هو الحال للقادمين من خارج محافظة مسقط". ويؤكد العبري على أن التأخر في الإعلان هو سبب من أسباب قلة الحضور".
وحول التوثيق: "التوثيق للفعاليات من الضروريات التي ينبغي التركيز عليها؛ لأن اللحظة تذهب والفعالية تنتهي، ولكن الأثر يبقى، وستأتي أجيال أخرى ستنظر في هذه الفعاليات والأنشطة الموثقة، لإكمال المسيرة".
ضعف التسويق والإعلان..
وقال عبدالعزيز الرحبي: إن سبب ضعف الحضور للفعاليات الثقافية يرجع إلى ضعف الإعلان أو اقتصاره على الوسائل التقليدية، وأَضاف: "هناك فعاليات مهمة ولكني عرفت عنها بعد انتهاء الفعالية للأسف، رغم أني مشارك في المعرض، وموجود بشكل يومي، لذلك أشدد على أن الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض لابد أن تلقى رواجا من خلال الإعلان عنها بشتى الطرق الحديثة، فالشباب اليوم يركزون أكثر على معرفة الأحداث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي"
ساهم فـي زيادة الوعي ونشر المعرفة وترسيخ تقاليد القراءة...محافظة الظاهرة .. سردت نصوصها التاريخية
مسقط ـ العُمانية: اسدل الستار امس على فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ28 بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، بعدما قدم مكتسبات فكرية وثقافية وأدبية غذت ذائقة القاريء المحب للعلم والثقافة والمعرفة والاطلاع على الكتب، التي احتضنتها أروقة دور النشر المشاركة بالمعرض، حيث كانت أيامه فرصة أمام المثقفين والأدباء والمفكرين والكتاب لترسيخ تقاليد القراءة، وشهدت أيام المعرض تقديم عدد كبير من المحاضرات والجلسات والأمسيات المتنوعة وكانت خير رفيق لزوار المعرض.
ومن هذا المنطلق نظّمت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ممثلة بدائرة التعريف بالإسلام والتبادل الثقافي بمكتب الإفتاء امس الأول ندوة بعنوان (أثر الإيمان في مواجهة التحديات الفكرية)، بمشاركة الدكتور إبراهيم بن ناصر الصوافي والدكتور ناصر بن علي الندابي، ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ28 بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض. تناولت الندوة عدة محاور، من بينها: المحور الإيماني العقدي والمحور التاريخي التي عرجت على التحديات الفكرية التي مرت على الحضارات الإنسانية ودور الإيمان والعقيدة في مواجهة التحديات الفكرية وأبرز التيارات الفكرية التي ظهرت في العصور الإسلامية وردة فعل العلماء اتجاهها والسبل الكفيلة لمواجهة التلوث الفكري، والتيارات الفكرية في التاريخ الحديث والمعاصر وسبب خروجها على الساحة ومدى تأثيرها على الشباب.
وتطرق المتحدثون في الندوة إلى جملة من القضايا المعاصرة الشائكة التي تواجه الجيل الحالي ومن أبرزها ما هو متصل بالجانب الإيماني من خلال التواصل مع العديد من الموضوعات على مستويات ملموسة، والكيفية التي من الممكن إيجاد تواصل حضاري في التفاعل معها، بدءا من استقبال مفاهيمها وتناول أفكارها، مرورًا بإيجاد حلول ناجعة لتجاوز الوقائع وخاصة السلبي منها، أو تلك التي لا تتوافق مع طبيعة الشريعة الإسلامية السمحة.
وتناولت الندوة التيارات الفكرية في التاريخ، بما فيها التي نشأت في العصور والحضارات القديمة التي كانت مناهضة الديانات، مع تناول بعض الأفكار والشرائع في الحضارات الفرعونية والإغريقية والهندية، كما تطرقت الندوة إلى التيارات الفكرية في العصور الإسلامية بدءا من العصر الجاهلي الذي سبق بداية دعوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أو التي تزامنت مع بعثته، كما تم التطرق إلى التيارات الفكرية التي ظهرت في العصر ما بعد الخلافة الراشدة والعصر الأموي والعصر العباسي وأسباب ظهور هذه التيارات، والتي أثرت بشكل أو بآخر في طبيعة التفكير البشري للإنسان المسلم، بالإضافة إلى نشوء تيارات أخرى لاحقة ومدى تأثيرها في المجتمع الإسلامي.
وأقيمت جلسة حوارية بعنوان (النقد الغائب في الانفجار السردي) شارك فيها فهد الهندال من دولة الكويت الشقيقة وأدارتها الدكتورة فوزية الفهدية. تناولت الجلسة واقع السرد في الوقت الراهن خليجيًا وعربيًا حيث تم استعراض حالة السرد في المنطقة الخليجية والعربية، كما ناقشت أنواع النقد ومتابعة المشهد الأدبي والسردي، والتطرق إلى أنواع النقد المختلفة ودورها في متابعة الأعمال الأدبية والسردية ودور النقاد الحاليين في تقييم ومتابعة الإنتاج الأدبي والسردي. كما أقيمت ندوة حول (الرواية والذكاء الاصطناعي) شارك فيها من اليمن حبيب عبد الرب سروري البروفيسور في علوم الحاسوب والكاتب والمُترجم المغربي محمّد جليد وأدارها الكاتب والمترجم أحمد المعني. في الندوة تحدث حبيب عبد الرب عن تعريف الذكاء الاصطناعي ونشأته وتطوره وأهمية معرفة تاريخه، مشيرًا إلى أنه علم من علوم الحاسوب ومهمته محاكاة الدماغ البشري، وأن تاريخ الذكاء الاصطناعي مرتبط بتاريخ الحاسوب وتاريخ الآلة النظرية كما تحدث عن آلان تورينج ونيومان.
من جانبه تحدث محمد جليد عن قدرة الذكاء الاصطناعي في مساعدة الكاتب والجانب السلبي والإيجابي لهذا الذكاء، وتساءل عن الذي يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي على مستوى البناء السردي للرواية، وهل يمكنه التفوق على الروائي في مجال التخيل والمشاعر؟، وهل يستطيع الانسجام مع الذات والشعورَ بما تشعر به تجاه العالم وتجاه نفسها، وقال في هذا الجانب: (لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي قادر على تقديم شيء مميز فيه، خاصة فيما يتعلق بالخصوصيات المحلية).
وأضاف: مقترحات الذكاء الاصطناعي لا تخرج عما هو موجود لدى الأدباء، أما على مستوى الكتابة فيمكنه أن يقدم الكثير لكن على مستوى الإبداع لا أعتقد ذلك خاصة على المستوى الرمزي في النظر إلى العالم.
ونظم شؤون البلاط السُّلطاني ممثلًا في الهجانة السُّلطانية ندوة عن (تاريخ الإبل) شاركت بها مجموعة من الباحثين والمختصين في شؤون الإبل في سلطنة عمان من خلال تناول 3 محاور؛ المحور العلمي (دور المختبرات والبحوث الحيوانية في صحة الإبل) والمحور التاريخي (تاريخ الإبل العُمانية) والمحور الاجتماعي (أهمية الإبل في المجتمع العُماني)، والمحور الثقافي (التراث الثقافي للإبل). تهدف الندوة للتعريف بالإبل العُمانية وتاريخها وأصالتها ودورها في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقدم الدكتور محمد بن علي العبري أستاذ مساعد بقسم العلوم الحيوانية والبيطرية بكلية الزراعة والعلوم البحرية بجامعة السُّلطان قابوس بعنوان (التوصيف الجيني للإبل العُمانية باستخدام التنميط الجيني لتسلسل الحمض النووي). فتناول الباحث أنسال الإبل المختلفة وسلالاتها والتداخل بين السلالات المحلية والخارجية، واستعرض دراسة تم فيها تجميع عينات من الشعر والدم لاستخلاص الحمض النووي، كما تم تجميع قياسات جسمية للإبل بغرض مقارنتها، وأظهرت نتائج الدراسة تطابقًا بين إبل السباق من سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، أما ظاهرياً فقد أظهرت النتائج تقاربًا بين إبل ظفار وإبل الإنتاج من جهة وإبل المزاينة من جهة أخرى بينما تميزت إبل السباق بصفات ظاهرية مميزة عن بقية الأنواع.
كما قدم الدكتور سليم بن محمد الهنائي أستاذ مساعد بكلية العلوم والآداب بجامعة نزوى، الورقة العلمية الثانية في البعد التاريخي بعنوان (أهمية الإبل عند أهل سلطنة عُمان) وتناول ثلاثة محاور ركز المحور الأول على مسميات الإبل عبر التاريخ وأبرز الألقاب التي أُطلقت عليها وأهميتها عند العرب، فيما تناول المحور الثاني الإبل في التاريخ وارتباط الإنسان بها من خلال استعراض بعض النقوش الأثرية في سلطنة عُمان وأنحاء الجزيرة العربية، وركز المحور الثالث على أهمية الإبل عند أهل سلطنة عُمان واستخداماتها في نواحي الحياة المختلفة. وتناولت ورقة العمل الثالثة المحور الاجتماعي قدمها الدكتور مسلم بن سالم الوهيبي أستاذ عقيدة وفلسفة بكلية العلوم التطبيقية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية ورقة عمل هدفت إلى استنتاج الأبعاد الفلسفية للعمل التطوعي في ميادين سباقات الهجن الأهلية بسلطنة عُمان، ميدان الأبيض نموذجًا وإبراز دور العمل التطوعي في إحداث تنمية شاملة للمجتمع العُماني حيث اختار الباحث «ميدان الأبيض الأهلي لسباقات الهجن» نموذجًا، محدداً أنشطة 2019م كعينة زمانية، لكونه آخر موسم متكامل ما قبل تداعيات جائحة كورونا. وختمت الندوة أوراق عملها بالبعد الثقافي بورقة عمل (الثقافة الموسيقية المرتبطة بالإبل) قدمها ناصر بن محمد الناعبي مساعد مدير مركز عُمان للموسيقي التقليدية بديوان البلاط السُّلطاني، وناقشت محورين رئيسين، تناول المحور الأول خصائص الثقافة الموسيقية في البادية العُمانية (الفنون المرتبطة بالإبل)، فيما ركز المحور الثاني على الأنماط الموسيقية التقليدية العُمانية (مجتمع البادية العُمانية نموذجًا).
- الفائز بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي للعام 2016... الرحلة الصوفية هي انتقال من حضيض الرغبات والأهواء إلى مدارج التكمّل بالإيمان والتجمّل بفضائل الأخلاق العجيب ظاهرة تتجاوز ما هو أدبي إلى ماهو نفسي واجتماعي وتتأثر باللغة والثقافة والفكر..
يؤكد الباحث والناقد المغربي الدكتور خالد التوزاني أن العجيب ظاهرة تتجاوز ما هو أدبي إلى ماهو نفسي واجتماعي، وتتأثر باللغة والثقافة والفكر.. وكل ما له صلة بالقارئ في تفاعله مع العجيب. ويضيف "التوزاني"، الحائز على جائزة ابن بطوطة لعام 2016 ، في حواره مع " أشرعة " : انه إذا كان هدف العجيب في الأدب عموما هو فضح الواقع وتعرية المعاني المختفية في شقوقه وتخومه، فإنه في نموذج أدب الرحلات محاولة لتغيير لذلك الواقع من خلال اقتراح حلول بديلة تعيد التوازن المفقود.
الباحث والناقد المغربي الدكتور خالد التوزاني، من مواليد فاس سنة 1979. له جملة من المؤلفات المنشورة منها، كتاب " الرحلة وفتنة العجيب بين الكتابة والتلقي" الحائز على جائزة ابن بطوطة عام 2016. و "أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية"، وكتاب "جماليات العجيب في الكتابات الصوفية" وكتاب "التراث المغربي: التحديات والأبعاد التنموية" وله عدة مقالات منشورة في مجلات علمية محكمة، كما حصل على جوائز في النقد الأدبي منها: جائزة أحمد مفدي للدراسات النقدية بالمغرب، وجائزة الاستحقاق العلمي من مؤسسة ناجي نعمان العالمية للأدب بلبنان..
*لعل العنوان كـ " عتبة وكنص موازٍ " هو أول ما يلفت النظر في جميع إصداراتك (جماليات العجيب في الكتابات الصوفية. أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية. الرحلة وفتنة العجيب بين الكتابة والتلقي.. ) فما هو مفهومك للعجيب..وما الذي يجعل من نص ما نصا عجيبا؟ هل الكاتب هو من يحكم على نصه بالعجب أم المتلقي؟
لا شك أن العجيب في كل وقت يحظى بإقبال القراء ويثير عددا من التساؤلات، تبدأ باستنطاق خبايا هذا المفهوم، فالعجيب كما عرّفته في كتابي "أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية" يدل على حالة نفسية مظهرها الحيرة والاستفهام، تنتاب المتلقي أمام شيء غير مألوف لديه ولا معتاد عنده، قد خفيت أسبابه أو كيفية تأثيره. كما يحمل معنى استحسان الشيء أو استعظامه، ويؤدي التفاعل معه، تأملا وتأويلا.. ثم قبولا أو رفضا، إلى نتائج على مستوى وجدان المتلقي وسلوكه، من أبرزها تحقيق الإمتاع إلى جانب المؤانسة وتحصيل المعرفة، ولا يزول مفعول العجيب إلا بطول الأنس والمشاهدة، أما معرفة السبب فقد تكون بابا لمزيد من العَجب وبعض من القلق الذي يوّلد فضول العلم، ويرفع وتيرة عمل العقل والوجدان، بحثا عن مخرج من حالة الحيرة؛ الحيرة اللذيذة التي تقود إلى أنوار القرب من الحق وهي رسالة العجيب في الثقافة العربية الإسلامية.
وتبعا لهذا المفهوم فإن ما يجعل من نص ما نصا عجيبا هو المتلقي الذي يقف أمام الظاهرة الخارقة للعادة متعجبا ومستغربا، وبذلك يظل العجيب خاضعا لرؤية المتلقي ونظرته، ما دامت دلالات هذا المفهوم مرتبطة بردود أفعال الشخصية المتعجبة: استحسانا أو استنكارا، الشيء الذي لا يحدث إلا تبعا لعوامل نفسية وذاتية ترتبط بالذات المتفاعلة مع الموضوع أكثر من وجود "معنى مستقل" خارج عن الذات، وهو ما يفرض على الباحث أن يضع "نسبية العجيب" نصب عينيه عند أي تحليل أو مقاربة للنص العجيب، وبذلك، يمكن القول إن العجيب ظاهرة تتجاوز ما هو أدبي إلى ماهو نفسي واجتماعي، وتتأثر باللغة والثقافة والفكر.. وكل ما له صلة بالقارئ في تفاعله مع العجيب.
*ولكننا لاحظنا انك تبنيت في (أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية.) مصطلحا جديدا أسميته " أدب العجيب" ..فما هي مقومات هذا " الأدب" .. وأين هو من مصطلحات مثل العجائبي والفانتاستيك ..؟
إذا كان الأدب لا يحيا إلا داخل ما تسميه اللغة اليومية، من جهتها بالتناقضات، فإن اقتحام ما هو عجيب وغريب للأدب سيزيد الإبداع الأدبي قوة وجمالا وتشويقا. وهكذا، يصبح "أدب العجيب" ذلك النمط الإبداعي الذي يتخذ من كل خارق للعادة والمألوف موضوعا له، ويبحث في الغريب والغامض والمجهول والنادر..، بغية إدهاش المتلقي وإرباكه ودفعه للتأمل وإعمال ملكاته العقلية والذوقية في التفاعل مع هذا الخارق والمدهش.
أما لفظ "العجائبي" فهو ترجمة لمصطلح غربي وافد على الثقافة العربية من الآداب العالمية، هو(fantastique = الفانتاستيك)، حيث يحيل هذا المصطلح على اتجاه نقدي في الأدب الغربي، ينصب اهتمامه على تحليل نوع من النصوص الأدبية التي تتخذ من كل عجيب وغريب مادة خام في بناء ذاتها وتشكيل فسيفسائها، ولذلك فإن لفظ "الفانتاستيك" أو "العجائبي" بوصفه جنسا أدبيا أو تقنية في الكتابة، أنتجته ظروف تاريخية وقيم ثقافية غريبة عن واقع الإنسان العربي وتاريخه،إلى درجة يمكن القول معها بانعدام الفانتاستيك في التراث العربي، فأدب العجيب بالمفهوم الغربي غير موجود في الإنتاج الأدبي العربي القديم، لأن طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان العربي مختلفة تماما عن مواصفات مجتمع الإنسان الغربي وظروفه الاجتماعية والنفسية، فالأول لم يختر العزلة والانفراد عن الخلق بعيدا في الصحراء أو الجبال بل أُجبر عليها بفعل نمط حياته القائم على الترحال وكثرة الأسفار والتنقلات في الصحاري والفيافي وساحات الحروب والأزمات، فهو دائم البحث عن الماء أو الكلأ أو الحبيبة، وفي بحثه عن ذلك يحاور الصحراء ويحدث نفسه ويخاطب ما يتراءى له على أنه سعلاة وغول وجن وشيطان.. أما الثاني فإنه قد اختار الانعزال والانفراد طواعية، فأصبح خائفا، فاقدا الثقة من نفسه في نفسه وفي غيره. كما أن الإنسان العربي لم يعش ذلك الصراع بين الدين والعلم الذي عاشه الإنسان الغربي، بل كان الدين الإسلامي كثيرا ما يلح على استعمال العقل وتدبر الكون وتأمل الذات والوجود وطلب العلم واكتشاف آفاق من المعرفة والإدراك، إلى حد اعتبار طلب العلم فريضة وواجبا لا ينبغي تركه، بخلاف تعاليم المسيحية التي اصطدمت مع تحرر العقل الغربي في حقبة النهوض العلمي والفلسفي وكانت حجرة عثرة أمام اكتشافات بعض العلوم مثل علم الفلك والفيزياء مما جعل الإنسان الغربي يثور على الكنيسة ويرفض الدين ليطالب بالعلمانية والتحرر من كل القيود. فمن الطبيعي إذاً أن تختلف رؤية الإنسان العربي للعجيب عن رؤية الإنسان الغربي، ولذلك فقد اقترحتُ مصطلح "أدب العجيب" بديلا لمصطلحات الفانتاستيك والعجائبي والخوارقي وغيرها.
*أيضا ، قدمت في كتابك الأخير(الرحلة وفتنة العجيب بين الكتابة والتلقي) تعريفا مغايرا وجديدا لمفهوم الرحلة .. حيث اعتبرت "الرحلة انتقالا من حضيض الرغبات والأهواء، إلى مدارج علوية من الجهاد الروحي والفكري والحضاري" ..هل يمكن إيضاح الفكرة ..؟
تناولتُ في كتابي: "الرحلة وفتنة العجيب بين الكتابة والتلقي" أنواعا كثيرة من الرحلات حسب هدف كل نوع وخصوصياته، ومن أبرزها رحلات الصوفية، حيث الرحلة انتقال من حضيض الرغبات والأهواء إلى مدارج التكمّل بالإيمان والتجمّل بفضائل الأخلاق، ولا يتحقق ذلك إلا بجهاد روحي وفكري وحضاري ترتقي من خلاله النفس البشرية وتسمو، ولذلك لم يكن غريبا، أن يجمع المتصوف في رحلاته بين سفر القلوب ورحلة الأبدان، وخاصة في نمط من الرحلات عُرفت بالرحلات الحجازية، فيحقق الرحالة نوعا من الكمال في سفره المقدس؛ ذلك أن الرحلة عند الصوفية، وإن كانت سفرا محسوسا في بعض الأحيان، إلا أن الصوفي يجعل منها رحلة في منازل العبادة والتمكين، فيرتقي مع تقدمه في المسالك الحسية والمعنوية، ويطوي كل مسافة بينه وبين الحق، كما يقول ابن عجيبة الحسني: "لا مسافة بينك وبينه، حتى تطويها رحلتك، ولا قطعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك"، وهو ما يُبين أهمية الرحلة ولزومها عند من اشتغل بعلوم الحقائق.
ولذلك من الطبيعي أن يحفل منجز رحلات المتصوفة بالعجيب، إذ ليس هناك ما هو أعجب من مخالفة هوى النفوس وكسر مألوفها وإلزامها الاستقامة على الطريقة المثلى، وتبقى مظاهر العجيب الأخرى تابعة لهذا الأصل، فعين الرحالة المتصوف، لا تشاهد إلا ما يرفع همتها في السلوك، ويزيدها يقينا في صواب وجهة المسير، ولذلك، فهو يتعجب من أمور قد تبدو عادية عند بعض الناس، فيلتقط الإشارات التي يُبصر من خلالها ما لا يشاهده غيره، وإذا أراد البوح بما أبصر فلغة العبارة المألوفة قد لا تطاوعه، ليفرَّ إلى لغة الإشارة والرمز، لعل اللبيب يفهم فيلزم أو يذق فيعرف، فتصير الرحلة ترقيا وارتقاء، ثم جُودا بالأشواق والحقائق لينتفع بها القارئ.
*في ذات الاتجاه نراك تسعى لترسيخ مفهوم آخر لأدب الرحلات حيث تقول " إذا كان هدف العجيب في الأدب عموما يعمل على فضح الواقع وتعرية المعاني المختفية في شقوقه وتخومه، فإنه في أدب الرحلات محاولة لتغيير ذلك الواقع.." كيف ذلك.. وما هو مفهومك لأدب الرحلات..؟
إن وظيفة العجيب في أدب الرحلات تتجاوز ما هو مألوف في "الأدب العجيب"؛ فإذا كانت العناصر العجائبية داخل النصوص السردية تفزع المتلقي وتثير انفعاله أو تذكي فضوله، لأنها رؤية مغايرة للأشياء تهز كيان القارئ، فهي في أدب الرحلات ذات أبعاد تربوية ومعرفية وعرفانية خادمة لسمو الإنسان وجماله الخُلقي وبنائه النفسي المتوازن، وهي إظهار لقدرة الله رغما على أنوف المتكبرين، وهي بشارة لقلوب السالكين وأنسا لقلوب الواصلين. وإذا كان هدف العجيب في الأدب عموما هو فضح الواقع وتعرية المعاني المختفية في شقوقه وتخومه، واستدراج الظواهر المهملة في الزوايا إلى الحديث عن نفسها، فإنه في نموذج أدب الرحلات محاولة لتغيير لذلك الواقع من خلال اقتراح حلول بديلة تعيد التوازن المفقود، وتعين المرء على تجديد حياته وصناعة واقع مغاير ينسجم مع تطلعاته وأحلامه في قوة التمكين وامتلاك مصيره، انسجاما مع ضرورة الهجرة والرحيل من مكان الاستضعاف إلى مواطن القوة والتمكين، كما جاء في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا" (سورة: النساء، الآية: 97). لتشكّل الرحلة بذلك بوابة للتغيير الإيجابي، عبر تحويل العجيب إلى مألوف، والمستحيل إلى ممكن، ولذلك لم يرتق من لم يرحل ولم يتطور من لم يذق عجيب المشاهدات.
* قاربت في كتابك أشهر الرحلات العربية العجيبة التي يحفل بها التراث العربي. ما "العجيب"الذي استوقفك في أشهر هذه الرحلات.. وأين "العجيب" في أدب الرحلات اليوم في عالمنا العربي .. ؟
حاولتُ في كتابي "الرحلة وفتنة العجيب" تقديم قراءة لعجيب أشهر الرحلات العربية وكشف جمالياتها وأبعادها والآفاق التي تفتحها تلك الرحلات، حيث استوقفني حضور "العجيب" الذي احتل بؤرة اهتمام كل الرحالين، ومارس فتنته على الرحالة والمتلقي معاً، وأسهم في بناء النص الرحلي بناء مغايرا لنصوص باقي الأجناس الأدبية الأخرى، حيث شكَّل بؤرة للجمال وموطنا للفكر الخلاق الذي ينظر إلى المواقف والأحداث والمشاهد نظرة الطفل الذي يراها لأول مرة فيندهش أمام التفاصيل ويطيل النظر في الجزئيات وقد يبالغ في الوصف ويطيل الحديث في ذكر مشاعره تجاه ما يراه، ليبني الرحالة بهذا المنهج نصا عجيبا وجميلا ينهل من عجائب الكون وغرائب الموجودات ما يؤسس بهِ تفرده وريادتهِ ضمن فنون القول وأجناس الأدب.
وبالنسبة للعجيب في أدب الرحلات اليوم في عالمنا العربي المعاصر، فقد انطبع بسمات عصرنا، وشكّل بوابة حوار الثقافات والحضارات بامتياز ومجالا خصبا للتقارب الإنساني والتعارف دخل نوع من احترام للخصوصيات وإدراك للاختلافات ومراعاة لاختيارات الإنسان مهما كانت غريبة وعجيبة.
*تعرضت بعمق إلى الرحلات الصوفية ..وتوقفت مطولا عند الرحلة العياشية المسماة "ماء الموائد" لأبي سالم العياشي، والذي خصصت له كتابا خاصا (جماليات العجيب في الكتابات الصوفية)، والسؤال ما الذي يميز الرحلة الصوفية عن غيرها من الرحلات..وما هي أشهر هذه الرحلات ..؟
إن ما يميّز الرحلة عند المتصوفة هي نظرتهم للسفر وللتجوال في الأرض، حيث يقول عبد الكريم الجيلي: "فهذا سفر أسفر عن محياه، وأظهر ما منحه مولاه، فإذا تحقق الإنسان بهذه الحقائق، واستحضر هذه الطرائق، سافر من معدنه إلى نباته، إلى حيوانيته، إلى إنسانيته، إلى نفسه، إلى عقله، إلى روحه، إلى سره، إلى حقيقة حقيقته وكليته المطلقة"، حيث يشير إلى تفاصيل رحلة الإنسان في مسيرته السلوكية إلى الله، ومعراجه إلى معرفته والتفاني في حبه، فيخرج الإنسان من ضيق النفس إلى فضاء الروح، قبل أن يصل إلى عالم الحقائق، ويدرك حقيقة الحقائق، حيث لا حدود لفوائد هذا النوع من الرحلات، الذي تكون النفس مسالكه وممالكه، ويكون القلب مسافرا فيها، أي منتقلا من مقام إلى مقام. وهكذا، فالرحلة عند المتصوفة أو رحلة القلوب، نوع من "الانتقال عن المقامات، والإنزال في أخرى، كالانتقال من مقام الإسلام إلى الإيمان، ثم من مقام الإيمان إلى الإحسان"، ويقتضي ذلك قطع كل العلائق، والخروج عن الشهوات والعوائد، حيث "لا يتحقق السفر ويظهر السير إلا بمحاربة النفوس، ومخالفتها في عوائدها، وقبيح مألوفاتها وشهواتها"، وحسب همة السالك يكون نوع السفر الذي يطيقه قلبه، وتقدر عليه جوارحه، وقد لَخَّصَ ابن عجيبة أنواع سفر القلوب إلى حضرة علام الغيوب في الانتقال من أربعة مواطن إلى أربعة أخرى، "حيث يسافر أولاً: من موطن الذنوب والغفلة، إلى موطن التوبة واليقظة، ويسافر ثانيا: من موطن الحرص على الدنيا والانكباب عليها، إلى موطن الزهد فيها والغيبة عنها، ويسافر ثالثا: من موطن مساوئ النفوس وعيوب القلوب، إلى موطن التخلية منها والتحلية بأضدادها، ويسافر رابعا: من عالم الملك، إلى شهود عالم الملكوت، ثم إلى شهود الجبروت، أو من عالم الحس إلى عالم المعنى، أو من عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح، أو من شهود الكون إلى شهود المكوّن"، وبذلك ندرك المهمة الجسيمة التي على السالك إنجازها، وهي بلوغ حضرة الحق، وما تتطلبه هذه الغاية من سير متواصل وجهد مستمر، قد يفوق ما تتحمله أجساد الرحالة أثناء السفر المحسوس، لكن المتصوف قد يجمع في أسفاره بين سفر القلوب ورحلة الأبدان، فيحقق نوعا من الكمال في رحلاته التي تختلف عن رحلات غيره من الناس، ويستمر في الانتقال حتى "يصير سفره وحضره على السوية".
إن رحلات الصوفية لم تكن "للتنزه في البلدان، أو لكروب الأوطان، بل في رضى الرحمن، لأن مقاصدهم دائرة على الجد والتحقيق والمناقشة والتدقيق، لا ينقلون أقدامهم إلا حيث يرجون رضى الله، ولا يسافرون بقلوبهم إلا إلى حضرة القريب المجيب، بخلاف العامة: أنفسهم غالبة عليهم، وشهواتهم حاكمة عليهم، إن تحركوا للطاعة خوضتها عليهم، فأفسدت عليهم نياتهم، وأزعجتهم في هوى أنفسهم، تُظهر لهم الطاعة وتُخفي لهم الخديعة"، وذلك لأن مدار السفر، على "مجاهدة النفوس ومحاربتها في ردها عن عوائدها ومألوفاتها"، ومن عَجَز عن ذلك، لم يكن مسافرا بالقلب، وإنْ انتقل بالبدن. وهكذا، تنبه الصوفية للمعاني الخفية في الرحلات، فعملوا على تسخيرها في خدمة السلوك العرفاني.
ومن أشهر الرحلات التي قام بها المتصوفة نذكر رحلة ماء الموائد لأبي سالم العياشي، وأيضا رحلة "خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف" للسان الدين ابن الخطيب، وله أيضا: "نُفاضة الجراب في علالة الاغتراب"، وكذلك رحلة "الشهاب إلى لقاء الأحباب" لأحمد بن قاسم الحجري المشهور بأفوقاي الأندلسي، ورحلة "عذراء الوسائل وهودج الرسائل في مرج الأرج ونفحة الفرج إلى سادة مصر وقادة العصر" لابن أبي محلي العباسي، وتسمى أيضا: "إصليت الخريت في قطع بلعوم العفريت النفريت"، وغير ذلك من الرحلات التي تحدثت عنها في كتابي: "الرحلة وفتنة العجيب بين الكتابة والتلقي".
*لفتني إشارة أحد النقاد إلى أن أهم صعوبة واجهتك أثناء تناول النص الصوفي هي: وسم بعض النصوص الصوفية بـ"العجيب"، لأن الأمر لم يكن يخلو من مجازفة، وقد يحمل في طياته رؤية مسبقة، أو أحكاما قبلية. وسؤالي هل استطعت فعلا تجاوز مأزق هذه القراءة التصنيفية.. وكيف..؟
بالطبع إن وصف بعض النصوص بأنها "عجيبة"، إجراءٌ لا يخلو من مجازفة، وقد يحمل في طياته تمثلا مسبقا حول النص، أو أحكاما قبلية، تعكس رؤية نمط معين من التلقي؛ فالقارئ، أي قارئ، يقف من النص موقفا خاصا، تحدد معالمه نوع ثقافته وطبيعة رؤيته، فيُصَدِّق عجائب النص ويُسَلِّم بها، أو يلجأ إلى تأويلها تأويلات شتى أو يرفضها، ومن هنا تختلف زوايا النظر ومناهج القراءة وأنماط التأويل، مع أن النص قد يسهم في منح هذه الإمكانية أو تلك في القراءة بما يوفره من قدرة على التأثير والإقناع والسطو، وبما يتضمنه من قرائن نصية وتناصية.
ولتجاوز مأزق القراءة التصنيفية، عملتُ على ضبط مفهوم "العجيب" وتمييزه عن مفاهيم أخرى مجاورة مثل مفهوم "العجائبي" و"الغرائبي" و"الفانتاستيك"، وقد اقتضت هذه العملية التنظيرية تأليف كتاب مستقل أسميته "أدب العجيب في الثقافتين العربية والغربية" وذلك بغية تعميق رؤيتي للموضوع،من خلال تتبع السياق العام الباعث على الاهتمام بظاهرة العجيب في الأدب، ورصد مناطق نفوذه وسطوته في الإبداع العربي، وخاصة في الكتابات الصوفية وفي أدب الرحلات.
*انطلاقا من كونك باحثا في التصوف الإسلامي. يلاحظ وجود عودة في العالم العربي لإحياء التراث الصوفي وإعادة استخدام مفرداته ومصطلحاته في الرواية أو في الشعر .. ما رأيك.. وما الذي تمثله هذه العودة..؟
من الواضح أن هناك عودة في العالم العربي لإحياء التراث الصوفي؛ فمن خلال تتبع الإصدارات الجديدة لا يحتاج المرء لكبير عناء كي يلحظ كثرة المؤلفات التي اتخذت من التصوف موضوعا لها، كما أن كثيرا من المجلات العلمية اهتمت بنشر مقالات عن التصوف، وهناك دوريات خصّصت بعض أعدادها لبحث قضايا في التصوف وعلاقاته بحقول معرفية متباينة ورصد امتداداته الممكنة وتجلياته في الإبداع الأدبي سواء في الشعر أو الرواية وغيرهما، إلى جانب مناقشة التصوف في ندوات ومؤتمرات علمية عربية وأجنبية يحضرها باحثون متخصصون في التصوف من كل بقاع العالم فيتدارسون تاريخه وإشكالاته وآفاق توظيفه في السياق المعاصر، وقد ولج التصوف الإعلام أيضا فنجده حاضرا في بعض القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية من خلال برامج خاصة تسلط الضوء على جوانب من التجربة الصوفية، فضلا عن الصحافة الورقية والإلكترونية، كل ذلك يعكس العودة القوية للتصوف ليكتسح الساحة الثقافية المعاصرة، ويضاف إلى ذلك أيضا ترميم كثير من المؤسسات الصوفية وخاصة بعض الزوايا والأضرحة والمدارس والمساجد التاريخية التي لعب فيها التصوف دورا رياديا، وكذلك اقتحام التصوف للدراسات الجامعية العليا سواء في مواضيع للدكتوراه أو من خلال فتح وحدات بحث متخصصة في التصوف فكرا وإبداعا، وكذلك إعلان بعض الشخصيات المشهورة في المجتمع عن انتمائها الصوفي أو تعاطفها مع طريقة معينة، وغير ذلك من مظاهر انتعاش التصوف في وقتنا الحاضر والتي تفرض ضرورة تعميق البحث في الظاهرة الصوفية ووضعها تحت مجهر الفحص والتأمل والتحليل من أجل الكشف عن الجوانب الخفية في التصوف ووضع اليد على مواطن القوة والتميز فيه، والتي يمكن أن تخدم تكوين الإنسان العربي المعاصر، وتمده بآليات الاندماج الحضاري الفاعل في عالم الألفية الثالثة بكل ثقة واطمئنان بعيدا عن الانحرافات والشبهات التي قد تعطل مسار النهضة العربية وتعيق الإنتاج العربي في الفكر والصناعة والعمل، وكذلك لا بد من تناول التصوف الإسلامي مدارسة وممارسة بعيدا عن كل المزايدات السياسية والخلفيات الإيديولوجية الضيقة، فيكون الإنسان في جماله وكماله المنطَلَق والموئل ويكون الفناء في المحبة الإلهية غاية سامية تُشَدُّ إليها الرحال وتبذل النفوس في سبيلها كل غال ونفيس، وبالمناسبة فسيصدر لي كتاب قادم يحمل عنوان: "التصوف الإسلامي؛ نحو رؤية وسطية".
وأمام هذا الحضور القوي للتراث الصوفي في السياق المعاصر، فقد تأثر الإبداع الأدبي بذلك، فنلحظ توظيف مصطلحات صوفية في الشعر أو الرواية، ويدل هذا على محاولة الأدباء التصالح مع التراث العربي والعودة إلى منابع التجديد فيه لإبداع نصوص جديدة مستمدة من روح الأصالة العربية في طابعها العرفاني المتميّز، بدل اقتباس مصطلحات غربية لا تزيد النص العربي إلا غربةً واستلابا وضياعا. وهكذا فإن التراث الصوفي يمكن أن يسهم في تجديد رؤية الإبداع العربي ومدّه بطاقات خلاقة مغايرة للمألوف.
رابط اللقاء:https://alwatan.om/
ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب، وفي جناح دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، تم تدشين عدد من الاصدارات؛ منها اصدار جديد للكاتب والمؤلف العماني محمد بن سالم المسلمي حمل عنوان (نحو النص عند العرب)،يؤصل هذا الكتاب مصطلح «نحوُ النص» وتجلياته، في وجوه تناوله، إن كانت تكمن في ما أنجزه العرب: صوتاً وصرفاً، ومعجماً وتركيباً، من خلال ملابسات القول وموجهاته، موظفاً مناهج اللغويين في «معاني القرآن» و «إعجازه»، و»شروح الشعر» يتخذها منطلقات التحليل، وترابط الجمل والأساليب، ويعد هذا الكتاب فرداً في منهجه، وأدوات بحثه. جاء الكتاب في 320 صفحة من القطع الكبير.
أما الاصدار الثاني بعنوان ( الإحسان في تدبر القرآن) للكاتب سليمان سامي الجوخدار وهو عبارة عن نظرة مستقبلية وللمدى البعيد وفيه نقلة نوعية في التعامل مع القرآن وفهم الإسلام. ويمكن القول أن موضوعه مثل عنوانه: حسن تدبّر القرآن الكريم. كلمة الإحسان تشير إلى الحديث الشريف الذي يعتبر الإحسان مقاما ودرجة عالية في العبادة. وهو كتاب يحتاج من القارئ أن يفهم تماما ما هو المقصد؛ فالمرمى بعيد جدا وهو عملية إصلاح جذرية.
القدس مأساة تكتب بأحرف الأمل والصمود..باحثون: الذكاء الاصطناعي أحد الحلول لمشكلة التعاقدات مع المؤثرين الحقيقيين
ضمن معرض مسقط الدولي للكتاب أقيمت ندوة وجلسة حوارية يسردان الواقع في فلسطين الأرض العربية المحتلة ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم ، يضيق الصدر على حالها وتنزف العيون ووجعها ينخر قلوبنا ويفتتها، ولكن ستبقى فلسطين حرة وقوية ما دامت الحياة تدب بالأرض وستشرق شمس غزة من جديد وتنتهي الدموع والآهات، وتعود القدس للأمة الإسلامية وستبقى (فلسطين هي الزهرة وسط الأشواك) ونحن نثق بكم يا أهلنا بغزة ونردد بخشوع وتضرع دعاء رسول الله من قبل ( آواكم الله ثبتكم الله نصركم الله أيدكم الله ).
وفي إطار حضور فلسطين في المعرض، أقيمت يوم أمس في قاعة الفراهيدي، ندوة بعنوان (التشبث بالأرض في الأدب الفلسطيني) ضمن الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ28 بمشاركة الكُتّاب: السوري صبحي حديدي والفلسطيني عادل الأسطة والأردني فخري صالح وأدارها سليمان المعمري. وقال الكاتب صبحي حديدي إن محمود درويش هو شاعر الأرض والمقاومة ويندرج شعره تحت خمسة أنماط حيث كان يتميز بحب الأرض، وسخّر شعره للقضية الفلسطينية، مشيرا إلى كتاب (بكل بساطة) لشاكر النابلسي وهو يصف محمود درويش بأنه الأرض والزيتونة لفلسطين. وأضاف أن بعض الكُتاب الفلسطينيين هُضمَ حقهم ومنهم إيميل حبيب، وجبرا الجبرا، وغسان كنفاني، وعباد يحيى، وعاطف أبو سيف، الذين شكلوا منعطفا جديدًا في كتابة الرواية بعد أن تغنوا باسم فلسطين وحب الأرض والزيتون والنضال والصمود. وأكد أن التشبث بالأرض في الأدب الفلسطيني لا يزال واسعا ويستحق الذكر والإشادة لصمود الشعب الفلسطيني عامة وغزة خاصة في وجه عدوان الاحتلال الإسرائيلي. من جانبه أوضح الكاتب فخري صالح أن ربط تطور الأدب الفلسطيني بالأدب المعاصر عبر تناوله العراك الدائر في فلسطين ومفاعيل هذا الصراع على مدار ١٠٠ عام، وتضمين الشعراء تلك القضية في شعرهم والتعلق بالأرض وتشبيه المرأة بأنها هي الأرض والعكس. أما الكاتب عادل الأسطة فقد ركز خلال الندوة على الرواية الفلسطينية ودخولها في لب الصراع الذي يعود إلى أكثر من ١٢٠ عامًا.
وأقيمت امس الأول حلقة نقاشية حول مستقبل الأعمال الإبداعية في عالم الذكاء الاصطناعي وذلك بمقر مركز الشباب بمعرض مسقط الدولي للكتاب . شارك في الحلقة التي تأتي ضمن الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض بمشاركة محمد بن خميس العجمي صانع محتوى تقني وخبير مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وبدر بن صالح العبري مدير قسم المحتوى بشركة العلامة، وجليلة بنت عبدالله المعمرية متخصصة في الاتصال التسويقي الرقمي، وأدار الحلقة عبدالله بن يوسف البلوشي. وناقشت الجلسة استخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال الإبداعية وتحديات التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وقالت جليلة المعمرية: إن الذكاء الاصطناعي دخل في كل شيء تقني أو في طريقه إلى ذلك، وتطرقت إلى الاتصال التسويقي، مشيرة إلى أن الذكاء الاصطناعي أسهم في تغيير صناعة التسويق الرقمي وهو موجود في معظم منصات التواصل الاجتماعي وبدرجات متفاوتة، وهناك أدوات مستخدمة في هذه المنصات لتحليل بيانات المستخدمين لأغراض تسويقية. من جانبه تحدث بدر العبري عن إيجابيات وأهمية الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى، واستخدامه في عمل الوكالات الإبداعية، مشيرًا إلى شخصية إسبانية مؤثرة لديها متابعون كثر على وسائل التواصل الاجتماعي لكن ليس لها وجود حقيقي، لافتا إلى أنها صنعتها إحدى الوكالات التسويقية باستخدام الذكاء الاصطناعي كأحد الحلول لمشكلة التعاقدات مع المؤثرين الحقيقيين. كما تحدث عن دخول الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى مثل: البودكاست وغيره، متطرقا إلى الفرق بين ناقلي المحتوى وصانعيه على الإنترنت. و تحدث محمد العجمي عن أبرز الأدوات والتطبيقات المستخدمة في صناعة المحتوى كما تطرق إلى أمن المعلومات و ضرورة عدم قيام أي شخص برفع وثائق حكومية أو خاصة إلى مواقع الذكاء الاصطناعي وذلك لأن هذه المواقع تجعل من هذه المعلومات مادة متاحة للجميع. وأشار إلى أهمية عدم رفع البيانات الشخصية أيضا، وذكر بأنه مع زيادة التطور التقني في هذا المجال فإن جرائم المعلومات ستزداد تباعا، مشيرا إلى ضرورة نشر الوعي بصفة مستمرة لكي يحافظ الأشخاص على بياناتهم. ولخص المشاركون في الحلقة إلى أن الذكاء الاصطناعي قادم بقوة لا محالة وأنه سيقوم بإحلال بعض الوظائف في المستقبل، لكنه في الوقت نفسه سيعمل على إيجاد وظائف جديدة من نوع آخر. كما أقيمت بركن النادي الثقافي جلسة حوارية حول الحرب على الصحفيين في غزة ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ28 بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض بمشاركة المكرّم الدكتور عبدالله الكندي والدكتور نور الدين ميلادي من جامعة السُّلطان قابوس. ووضّح الدكتور نور الدين ميلادي خلال الندوة التي أدارها عاصم الشيدي أن تغطية الصراع العربي الإسرائيلي المستمر واحدة من القضايا الساخنة والمثيرة للجدل على أجندة الأخبار الدولية. وحاول تفكيك الخطاب الإعلامي لهذه الحرب من قبل مختلف اللاعبين في هذه الأزمة، مع تحليل الموقف الذي اتخذته وسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي والغربي في تغطية الحرب على غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأشار إلى أنه من أهم سمات هذا الخطاب هو الاصطفاف إلى رواية حكومة الاحتلال الإسرائيلي في شيطنة كل من يقاوم الاحتلال ونزع صفة الإنسانية عن الفلسطيني وبالتالي تهيئة الرأي العام الإسرائيلي والغربي بقبول حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.
وبيّن أن الحرب الإعلامية التي كانت تُدار في السابق على شاشات التلفزيون والراديو والصحف تجري الآن في الغالب على منصات افتراضية تتصارع فيها السرديات، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحات معارك جديدة ومتطورة للمقاومة الإلكترونية حيث يتمّ دحض رواية الاحتلال الإسرائيلي وفضح ممارساته العدوانية. وتناول المكرّم الدكتور عبد الله الكندي خلال مداخلته تأثير الحرب على الصحفيين في غزة من قتل ومحاصرة وتضييق عند تغطية مجريات الحرب، ومدى تأثر الرأي العام الإقليمي والعالمي. وقدم الكندي مقارنات بين الحرب على الصحفيين في غزة مع ما قبلها من حروب ونزاعات مسلحة، وأسباب هذه الحروب وتأثيراتها على العمل الصحفي وعلى إدارة الصراع.
أثارت الحرب الإسرائيلية على غزة موجة كبيرة من الاحتجاج في مختلف أنحاء العالم، وشملت تلك الاحتجاجات المثقفين والمفكرين ومنهم أصوات عربية وغربية متضامنة مع حقوق الفلسطينيين والرافضة للعدوان.ومن بين تلك الأصوات الروائي الجزائري واسيني الأعرج، الأستاذ في جامعة السوربون بباريس، والذي اعتبر ما يجري في غزة اليوم من قتل ودمار بمثابة "جريمة إبادة" لا يمكن تبريرها، مستنكرا في حديثه للجزيرة نت الموقف العربي الرسمي مما يحدث في غزة.
يقول صاحب رواية "حارسة الظلال" إنه زمن متوحش جديد، وإنه متأثر جدا كما جميع من في قلوبهم بذرة من الإنسانية، فـ"ليس شرطا أن يكونوا عربا أو مسلمين أو مسيحيين، ولكن شرط الإنسانية الأدنى هو الذي يجعلنا نختلف عن الحيوانات الشرسة والمفترسة، ما يجري في غزة اليوم من تدمير للبنى التحية وقتل للبشر حالة غير مسبوقة من الجريمة وعدم الإحساس، أي أن الحس البشري لم يعد موجودا".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت "عندما كتبت في تعليقاتي عن الحرب الروسية الأوكرانية قلت إننا نعيش زمنا متوحشا جديدا، فبدل العمل على إيقاف الحرب هناك تشجيع على استمرار هذه الحرب والقتل وبيع الأسلحة، ووراء ذلك طبعا بارونات مستفيدون من الصراعات المسلحة".
ويرى صاحب رواية "مملكة الفراشة" أن ما حدث في غزة "هو في الحقيقة محصلة لسلسلة من الممارسات لم تتمكن من إيقافها القوى الدولية"، ويدافع عن موقفه تجاه ممارسات إسرائيل وداعميها بقوله "لا أعتقد أن هناك صوتا حقيقيا يستطيع أن يعلو على الجريمة، لأن الجريمة عندها وكلاء، وهؤلاء الوكلاء أصبحوا يعلنون بشكل رسمي وواضح -وعلى رأسهم الولايات المتحدة طبعا وبقية الدول الأوروبية- مساندتهم إسرائيل في حربها على غزة"، واصفا حرب إسرائيل على غزة بأنها "جريمة إبادة".
ويشبّه الروائي -الذي ترجمت أعماله إلى لغات عدة بينها الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، الإنجليزية والإسبانية- ما يجري في غزة من تدمير وقتل للمدنيين بأحداث الحرب العالمية الثانية "حيث الضحية أصبح جلادا بكل بساطة".
يصف واسيني الأعرج تدمير غزة عبر الغارات الجوية الإسرائيلية بقوله "عندما نرى الصور وكأننا نرى زلزلا عنيفا ضرب المدينة ربما تفوق قوته أكثر من 9 درجات على مقياس ريختر، لا توجد أبنية بقيت واقفة، خصوصا بالنسبة للمناطق الحيوية والمناطق التي كانت قبل أيام قليلة أماكن للتنزه والفرح بالنسبة للفلسطينيين".
وكانت إسرائيل قد ارتكبت واحدة من أبشع المجازر في القطاع عندما استهدفت طائراتها المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أدى لاستشهاد أكثر من 500 فلسطيني غالبيتهم نساء وأطفال اتخذوا من المستشفى ملجأ آمنا من الغارات الإسرائيلية.
ويبين الأعرج أن "استيقاظ العمق المتوحش الحيواني في إسرائيل أصبح مطلق الحرية".
وتساءل "كيف يمكن لإسرائيل أن تسخر من الضمير العالمي؟ وكيف يمكن لها أن تجعل الضمير العالمي لعبة؟ وكيف للضمير العالمي أن يقبل بذلك كله؟ وطالب الأعرج الرأي العام العالمي بمؤازرة الفلسطينيين في مأساتهم بحكم العلاقات الإنسانية اليومية بين البشر أنفسهم".
ويقول الأعرج إن "إسرائيل فتحت كل أبواب الطغيان والبؤس والقتل تجاه الفلسطينيين، وهذه هي الصورة الحقيقية لإسرائيل".
ويقول واسيني الأعرج إن ما يحصل في غزة "هو في الحقيقة نموذج إسرائيلي، وكأن إسرائيل تقول في خطابها الثاني احذروا يا عرب، أي تحرك من أي دولة عربية سيحصل لها كما حصل في غزة من تدمير، احذروا، انظروا إلى القنابل، انظروا إلى التدمير الكلي في غزة، كل مدنكم ستصبح بهذا الشكل إذا تحركتم ضدنا".
ويأمل واسيني الأعرج أن ينزل المواطنون العرب إلى الشوارع لكي يقولوا "لا لهذه الجريمة، لا لهذا الطغيان، لا لهذه الطريقة في تقتيل الناس في مشهدية مرعبة والعالم كله يتفرج عليها".
ويقول "نحن نقول: العالم كله يتفرج على غزة، ونحن كعرب نتفرج عليها أيضا".
واختتم الروائي الجزائري حديثه "لم يبق شيء إلا هبّة شوارع على الأقل، يمكن للشارع العربي أن يضغط قليلا على أميركا، وأن يضغط على أوروبا لتغيير موقفها ولدفعها إلى اختراق هذا الصمت المطبق الممارس على الفلسطينيين".
تمكن علماء من إحدى جامعات إنكلترا من إثبات خطأ نادر على العالم الشهير ألبرت أينشتاين.ووفق دراسة نشرتها مجلة ""Science Advances، ولخصتها صحيفة "التايمز" البريطانية، فقد تمكن العلماء من قياس قوة الجاذبية على جسيم معدني يزن 43 جزءاً من مليون من الكيلوغرام، أو 0.43 ملليغرام "وهي أصغر كتلة تم تسجيلها على الإطلاق"، وحطمت الرقم القياسي السابق، الذي كان جسيمه بوزن أكثر من 200 مرة، عند 90 ملليغرام.
ولم يكن أينشتاين يعتقد أنه بالإمكان اختبار تأثيرات الجاذبية على المستوى دون الذري، لكن العلماء الذين يقفون وراء الدراسة الجديدة واثقون من أنهم سيكونون قادرين على توسيع نطاق طريقتهم إلى حوالي 1000 مرة أصغر للوصول إلى هذا المقياس الصغير في 5 إلى 10 سنوات.
وتصف نظرية النسبية العامة لأينشتاين كيف تتصرف الأجسام الضخمة، مثل النجوم والمجرات والثقوب السوداء، على نطاق واسع من الجاذبية والفضاء والزمن، أي "الزمكان" اختصارا، فيما تصف ميكانيكا الكم كيف تتصرف الجسيمات الصغيرة مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات والفوتونات، على المقياس الضئيل للجسيمات دون الذرية.
وقام الباحثون بإنشاء جسيم مغناطيسي يزن 0.43 mg أو 43 جزءا من الألف من الغرام، صنعوه من عنصر "Neodymium" الكيميائي، وهو "فلذي" نادر، رمزه ND وعدده الذري 60 بالجدول الدوري، وجعلوه يحلق داخل مجال مغناطيسي عند حرارة بلغت 273 مئوية تحت درجة التجمد، أي جزء من 100 من الدرجة فوق أبرد درجة، أي الصفر المطلق، وأدى هذا إلى تقليل تأثير جميع القوى الأخرى إلى الحد الأدنى للتركيز فقط على تأثير الجاذبية، ثم وضعوا وزنًا يبلغ 2.4 كغم على مسافة متر واحد تقريبا، وكان الهدف هو استخدام قوة الجاذبية الصغيرة الناتجة عن وزن 2.4 كغم لجذب الجسيم البالغ وزنه 0.43 ملغم. وللقيام بذلك، قاموا بضبط الجسيم الصغير على التذبذب وتنسيق الوزن البالغ 2.4 كغم ليتأرجح بالتردد نفسه.
كما استخدم العلماء وزن 2.4 كغم لتضخيم تذبذبات الجسيم الوازن 0.43 مغم، وسجلوا قوة قدرها 30 "Attonewton" المعروف كقوة لازمة لتسريع كتلة مقدارها 1 كغم بمعدل متر واحد في الثانية/ وكل ثانية، أي أن كل "أتونيوتن" هو واحد على 5 أو واحد على مليار من مليار من مقدار هذه القوة.
صادف يوم، 21 فبراير (شباط)، «اليوم العالمي للغة الأم» الذي يعدُّ مناسبةً يُحتَفل بها في جميع أنحاء العالم لِتعزيز الوَعي بالتنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات.وأعلنت منظمة «اليونيسكو» للمرة الأولى هذه المناسبة 17 ديسمبر (تشرين الثاني) 1999م، ومن ثمّ أقرّته الجَمعية العامة للأُمم المُتحدة، وتَقرر إنشاء سَنة دَولية للغات عام 2008.
احتُفِل بـ«اليوم العالمي للغة الأم» منذ عام 2000 لتعزيز السلام وتعدد اللغات في جميع أنحاء العالم وحماية جميع اللغات الأم.
ورغم وجود أكثر من 6500 لغة في العالم، فإنّ نحو 2000 من هذه اللغات يقلّ عدد المتحدثين بها عن 1000 متحدّث.
واللغات الأكثر انتشاراً، وفقاً للأمم المتحدة هي: المندارين الصينية، والإسبانية، والإنجليزية، بالإضافة إلى العربية، والهندية، والبنغالية، والبرتغالية، واليابانية، والألمانية، والروسية، والفرنسية.
تعدّ اللّغة العربيّة واحدة من أقدم لغات العالم، وتتميّز بثراء مفرداتها وجمالها وقواعدها اللّغويّة المتنوّعة. فضلاً عن ذلك، فهي طيّعة، قابلة للتّطوّر، شأنّها شأن كلّ لغة تماشي العصر وتراعي مفرداته. غير أنّها لا تتخلّى عن أصالتها وإن داخلها الغريب من الكلمات، ذلك أنّها تسعى، بشتّى الطّرق، إلى تعريب كلّ دخيل طارئ على عالمها، لا سيّما أنّنا في عصر أصبح فيه العالم قرية كونيّة، بفضل وسائل التّواصل الاجتماعيّ والإعلام وغير ذلك من الأمور التي قرّبت المسافات، وربطت بين مختلف أصقاع الكرة الأرضيّة.
وعلى الرّغم من أنّ لغتنا لم تكن، بدايةً، لغة التّكنولوجيا، فإنّ تقدّم تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات أدّى إلى تغييرات كبيرة في كيفيّة استخدام اللّغة العربيّة وتأثيرها في المجتمعات النّاطقة بها.
في العقود الأخيرة، شهد العالم تطوّراً هائلاً في مجال تكنولوجيا المعلومات، ما أدّى إلى إدخال اللّغة العربيّة إلى عالم الإنترنت والحوسبة. ومن خلال تقدّم البرمجيّات وتطبيقات الهواتف الذّكيّة، باتت لغة الضّاد متاحة على نطاق واسع في العالم الرّقميّ.
ويمكننا ملاحظة تأثير تكنولوجيا المعلومات في اللّغة العربيّة بشكل واضح في جوانب متعدّدة، منها:
1- اللّغة العربيّة على الإنترنت: بفضل تقدّم تكنولوجيا المعلومات، ومع ازدياد استخدام الإنترنت، أصبح من الممكن نشر المحتوى باللّغة العربيّة على الإنترنت بشكل سهل وسريع، مما أسهم في زيادة الوعي باللّغة العربيّة، وتعزيز استخدامها، وجعلها متاحة أمام جميع الأفراد على اختلاف معارفهم وانتماءاتهم. وقد شمل هذا الأمر المواقع الإخباريّة والمدوّنات والمواقع التّجاريّة، وغير ذلك...
2- تطوير تطبيقات وبرمجيّات باللّغة العربيّة: بفضل الطّلب المتصاعد على البرمجيّات والتّطبيقات باللّغة العربيّة، بدأت الشّركات في تطوير منتجاتها لتلبية هذه الحاجة، بما في ذلك أنظمة التّشغيل، والبرامج المكتبيّة، والتّطبيقات الذّكيّة. وقد أسهم ذلك في توفير تجربة أفضل للمستخدمين الذين يتحدّثون ويتعاملون باللّغة العربيّة.
3- التّرجمة الآليّة: شهدت تقنيّات التّرجمة الآليّة تقدّماً كبيراً، مما أدّى إلى تحسين جودة التّرجمة بما في ذلك اللّغة العربيّة. وقد أسهم هذا الأمر في تسهيل التّواصل وتبادل المعرفة بين الثّقافات المختلفة.
صحيح أنّ هذا النّوع من التّرجمة سهّل التّفاهم أحياناً كثيرة بين مختلف الشّعوب النّاطقة بالعربيّة وغيرها من النّاطقين بلغات أخرى، إلّا أنّه لا بدّ من الإشارة إلى الثّغيرات التي لا تزال تعانيها ترجمة نصّ عربيّ إلى لغة أجنبيّة أو العكس، وذلك بسبب عجز التّقنيّات عن سبر أغوار الدّلالات والصّور التي قد يحملها نصّ أدبيّ مثلاً.
4- التّعليم عبر الإنترنت: هناك كثير من الموارد التّعليميّة عبر الإنترنت باللّغة العربيّة، بما في ذلك دورات تعليميّة، ومقاطع فيديو، وموادّ تعليميّة متنوّعة؛ فنجد مثلاً دروس نحو وصرف ووظائف كلام وشرح مفردات، والكثير من الأمور التي تساعد على الإلمام باللّغة العربيّة، والتّمكّن من قراءتها وفهمها، واستخدامها بشكل أفضل. كما أدّى ذلك إلى توسيع نطاق الوصول إلى التّعلّم والمعرفة بشكل كبير.
5- المحتوى الرّقميّ باللّغة العربيّة: يسهم الإنترنت ووسائل التّواصل الاجتماعيّ في إنشاء المحتوى باللّغة العربيّة ونشره. وهذا يشمل المقالات والفيديوهات والبودكاست والموادّ التّعليميّة التي تسهم في تعزيز استخدامها وجعلها لغة عالميّة منفتحة وواسعة الانتشار.
بهذه الطّرق وغيرها، تشكّل تكنولوجيا اللّغة العربيّة وتكنولوجيا المعلومات جزءاً حيويّاً من التّطوّر الحديث في العالم. فاللّغة العربيّة، التي تمتاز بثراء تاريخها وتنوّعها تلعب دوراً مهمّاً في التّواصل والتّفاعل في العالم الرّقميّ الحديث. وفي المقابل، تسهم تكنولوجيا المعلومات في تمكين اللّغة العربيّة وتعزيز استخدامها في مختلف المجالات.
11 كاتباً ومحققاً ومترجماً من المغرب ومصر والأردن وتونس وفلسطين والسعودية، حصدوا جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة " (2022 - 2023) في جميع فروعها. وأعلن "المركز العربي للأدب الجغرافي - ارتياد الآفاق" قبل أيام أسماء الفائزين في الدورة الـــ 21 من الجائزة.
وفاز في فئة "الرحلة المحقّقة" كل من نهى عبد الرازق الحفناوي من مصر عن "حقيقة المجاز إلى الحجاز" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، وكوثر المهدي عيد الرواضية من الأردن عن "زبدة الآثار فيما وقع لجامعه في الإقامة والأسفار" لمحمد بن أحمد بن محمد بن جمال الدين سكيكر الحنفي الدمشقي الحلبي، ومواطنها عامر سلمات أبو محارب عن "الدرر البهية في الرحلة الأوروبية" لمحمود أفندي عمر الباجوري، وكوثر أبو العيد من المغرب عن "الرحلة الحجازية" لمحمد بو شعرة.
أمّا في فرع الرحلة المعاصرة (سندباد الجديد)، فقد نال الجائزة كل من كتاب "على جناح دراجة.. من طنجة إلى باريس" للمغربية عائشة بلحاج، و"الطريق إلى كريشنا.. رحلات في كشمير والهند" للفلسطينية سناء كامل أحمد شعلان.
وفي فرع "الرحلة المترجمة" ذهبت الجائزة إلى المغربي عبد القادر الجموسي عن ترجمته لكتاب "رحلة المغربي في مجاهل أميركا" لـكابيزا دي فاكا، والتونسي أبو بكر العيادي عن ترجمته لكتاب "محور الذّئب: من سيبيريا إلى الهند على خطى الفارّين من الغولاغ" لـسيلفان تيسون.
ومنحت الجائزة في فرع "الدراسات" إلى كل من المصري ممدوح فراج النابي عن دراسته الموسومة بــ "البلاغة العمياء.. بحث في الخيال الرحليّ عند طه حسين"، والمغربي خالد الطايش عن دراسته "المثاقفة وإشكالية المركزية الشرقية.. الرحلات الحجازية المغربية في القرن 12هـ/18م"، والسعودي سالم محمد الضمادي عن دراسة "شعرية النصّ الرحليّ.. تجارب سعودية في أدب الرحلة".
وقال الشاعر والكاتب السوري نوري الجراح مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي والمشرف على الجائزة في بيان "الأعمال المتسابقة هذا العام تميزت كالعادة بوفرة المخطوطات التي تنتمي إلى فروع الدراسات والرحلة المعاصرة والرحلة المترجمة، وهو ما يشير إلى الاهتمام المتزايد بأدب الرحلة تحقيقا ودراسة وفق وعي متنام بخطورة هذا الأدب وأهميته في استكشاف نظرة العربي إلى ذاته في علاقته بثقافته، وإلى الآخر في اختلافه الثقافي".
ومن المقرر تنظيم حفل تسليم الجوائز على مرحلتين في كل من طنجة وأبوظبي في موعدين يحددان لاحقا.
وضمت لجنة تحكيم الجائزة: عبد النبي ذاكر، وخلدون الشمعة، وعبد الرحمن بسيسو، وأحمد برقاوي، وشعيب حليفي، ومريم حيدري، وتيسير خلف.
واستقبلت اللجنة 62 مخطوطاً من 12 بلدان عربياً، توزّعت بين الرحلة المعاصرة، والمخطوطات المحقّقة، واليوميات واليوميات المترجمة، والرحلة المترجمة، والرحلة الصحافية.
وأعلن المنظمون أنه بدءاً من العام 2023 سيجري استقبال رحالة من لغات وثقافات أخرى وتكريمهم خلال احتفالات الجائزة، ممّن غامروا في رحلات أثمرت يوميات ذات قيمة لثقافتهم وثقافة الآخر، ويعتبر باب قبول الطلبات للجائزة في دورة العام 2023- 2024 مفتوحاً منذ إعلان البيان.
وستصدر الأعمال الفائزة عن "دار السويدي" في سلاسل "ارتياد الآفاق" للرحلة المحقّقة، والرحلة المعاصرة (سندباد الجديد)، والدراسات، بالتعاون مع "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت.
أمّا الرحلة المترجمة، واليوميات، والأعمال المنوّه بها من قبل اللجنة فتنشر بالتعاون مع "دار المتوسط". وسيعلن لاحقاً عن مكان وموعد حفل توزيع الجوائز.
يذكر أنّ الجائزة تأسست عام 2003 في إطار مشروع "ارتياد الآفاق" الذي أطلقه «المركز العربي للأدب الجغرافي» من أبوظبي، وهو مؤسسة ثقافية عربية غير ربحية تعنى بالأدب الجغرافي العربي والإسلامي يرعى مشروعاتها الشاعر محمد أحمد السويدي، ويشرف عليها الشاعر نوري الجراح، ويساهم في أعمال المركز فريق معتبر من الباحثين والمفكرين والأكاديميين العرب مشارقة ومغاربة.
أجل... لولا (الطبيخ) ما تطور عقل الإنسان، ولولا الطعام المطهو ما تمكنت البشرية من الانتصار على الوحوش والضواري والعواصف والزلازل والبراكين التي تحدق بها طوال ملايين السنين،فالطعام المطبوخ، خاصة اللحم، هو الذي جعل الإنسان مدججًا بأسلحة الذكاء، تلك الأسلحة التي عاونته على الانتقال من غابات التوحش القديمة إلى بساتين التحضر الحديثة.
استطاع معرض مسقط الدوليُّ للكِتاب إيجاد مساحة متفرِّدة على خريطة المعارض الإقليميَّة والعالَميَّة. فالمعرض، الَّذي انطلقت أولى نسخة عام 1992، باتَ أحَد أهمِّ المعارض على مستوى الإقليم والعالَم، وأضحى واحدًا من أبرز الوجهات الثقافيَّة في الوطن العربي، حيث شهد طوال دَوْراته الـ(27) الماضية حراكًا متطوِّرًا يسعى إلى تجديد الأدوات لمواكَبة العصر، مع الاحتفاظ بِدَوْره المحوريِّ في التَّنمية الثقافيَّة والعلميَّة للمُجتمع العُمانيِّ، بالإضافة إلى مواصلة عمليَّة غرس البذرة الصَّالحة في الشَّباب العربيِّ، وتنمية وتعزيز مفهوم الثقافة والقراءة السليمة لدى الأجيال الجديدة، وتحوَّل إلى مشروع ثقافي كبير ينشر الفِكر التوعويَّ، ويُبرز الإنتاج الفكريَّ والثقافيَّ عَبْرَ مشاركةٍ تتعاظَم عامًا بعد عام، سواء على مستوى عدد الدوَل المشارِكة والَّتي تبلغ في النسخة الحاليَّة (34) دَولة، أو عدد دُور النَّشر الَّذي بلغ (847) دارًا.
ولعلَّ أهمَّ ما يميِّز معرض مسقط الدوليَّ للكِتاب هو الحرص على التطوير المستمرِّ الَّذي أهَّله لتبوُّؤ مكانة مرموقة بَيْنَ معارض الكِتاب الدوليَّة، حيث باتَ محطَّ تنافس أكبر دُور النَّشر المحليَّة والعربيَّة والعالَميَّة، واستطاع بفضل هذا التطوُّر الملموس أنْ يبنيَ على ما تمَّ إنجازه في السَّنوات الماضية من تطوُّر ملحوظ، حيث ستتَّخذ النسخة الـ(28) من المعرض والَّتي تنطلق اليوم الـ(21) من فبراير من الذَّكاء الاصطناعي وتأثيره في صناعة الثقافة ثيمة لها، وسيندرج الكثير من الفعاليَّات والأنشطة الثقافيَّة هذا العام تحت هذه الثيمة، خصوصًا مع ما يُثار من جدل حَوْلَ مستقبله وتأثيره على مختلف الفنون والآداب وشتَّى مجالات الحياة، لِتظلَّ رؤية التطوير القائمة على العمل وفق أدوات العصر، إحدى أدوات المعرض لتحقيقِ المزيد من الطموحات الثقافيَّة والحضاريَّة، الَّتي تُلبِّي الغايات والأهداف المنشودة. إنَّ أهمَّ ما يميِّز المعرض خلال دَوْراته الماضية، وتتواصل في دَوْرته الحاليَّة، هو حرصه على تبنِّي القضايا المعاصرة. فبجانب إبراز الإرث الثقافيِّ والتراثيِّ لكافَّة رُبوع سلطنة عُمان، والَّذي يتجلَّى هذا العام بحضور محافظة الظاهرة ضَيْف شرَف المعرض هذا العام، سيكُونُ هناك جناح خاصٌّ للتَّعريف بالتَّاريخ الفِكريِّ والحضاريِّ للمحافظة، تطلُّ فلسطين العزيزة لِتكُونَ حاضرةً في المشهد الثقافيِّ للمعرض من خلال الفعاليَّات والأنشطة الَّتي ستركِّز على القضيَّة من مختلف جوانبها، وتُبرز للضيوف والحضور الحقوق الفلسطينيَّة التاريخيَّة، وإبراز النِّضال الفلسطينيِّ طوال التَّاريخ الحديث، لِتكُونَ هذه اللَّفتة المميَّزة أفضل تعبير عن الدَّعم المتواصل الَّذي تقدِّمه سلطنة عُمان لمناصرة القضيَّة الفلسطينيَّة. وتأتي النسخة الحاليَّة من المعرض الَّتي تستضيف هذا العام نخبةً من المثقَّفين والإعلاميِّين البارزين للمشاركة في فعاليَّات المشهد الثقافيِّ الَّتي ستتشكَّل خلال أيَّام المعرض الَّذي يستمرُّ حتَّى الثَّاني من مارس، بتنظيم قرابة (118) فعاليَّة من بَيْنِ ندوات وجلسات حواريَّة ومحاضرات وأمسيات وعروض فنيَّة، بجانب تخصيص مساحة لفعاليَّات ومناشط الطفل والأُسرة، تشتمل على مسرح للفعاليَّات والحلقات، وركنِ لُغة الضَّاد، وركنِ متحف الطفل، والركن الأخضر والمقاهي الثقافيَّة الَّتي أقيمت داخل عددٍ من الأجنحة. ويبلغ إجمالي العناوين والإصدارات المدرجة في الموقع (622) ألف عنوان مِنْها (269) ألفًا تقريبًا كتُب عربيَّة، و(200) ألفِ كِتاب أجنبيٍّ، فيما بلغ عدد المجموعة العُمانيَّة (19) ألفَ كِتاب، كما بلغ عدد الإصدارات الحديثة الَّتي طبعت بَيْنَ 2023 و2024 حوالي (35989) كتابًا، ما يعكس الثراء المعرفيَّ الَّذي سيشهده المعرض هذا العام.