من رواية شرفة
يختلط الحلم بالواقع، تعبر روحها من عالم إلى آخر، وتعود مجدداً إلى نقطة البداية. عوالم تتصل ببعضها، تخرج من باب لتدخل في آخر، تدور في حلقة مغلقة وتضيع بين الحلم واليقظة. هل كان ما سجلت ذاكرتها واقعاً، هل حقاً مرت بكل هذا أم هو وهم اخترعه عقلها ليدمرها؟!..
تستيقظ فزعة، الغرفة السوداء في اللا مكان "أين أنا،أين أبي وأخوتي" تتكورعلى نفسها في أقصى زوايا السرير الحديدي، تصغر الغرفة وتصغر،تتلاقى الجدران على جسدها، تكاد تطحنها، أخيراً تنجو صرخة من حبال حنجرتها المربوطة بالألم، تتمسك بها وتطلقها نحو الفضاء، علّ الكون كله يستيقظ على وجعها. يفتح باب الغرفة الوحيد.
- إنها لا تنام، وحين تنام تستيقظ وهي تصرخ.
- زيدوا لها جرعة الدواء.أمر الطبيب الممرضة وخرج.
يتلاقى الموت والحياة عند أطراف روحها. تبحث عن معنى، عن غاية، عن أي شيء يبرر كل ما حصل لها.
كانت الغرفة شبه خالية من أي شيء سوى السرير وياسمين. جدران صماء من الإسمنت ليس فيها أي علامة للحياة،بدت لها أصوات البشر في الخارج مخيفة، كأنها اختطفت إلى مكان بعيد ليس فيه سوى الأشباح. وتحولت معزوفة الصراصير التي أطلقها الليل إلى صرير جهنم التي تريد حرقها.
تستلقي على السرير الحديدي معدوم الملامح. وتستسلم لتأثير الدواء وهي تتمتم: "ليتني لا أستيقظ".
انتهى زمن الأوابد والعمران، وبدأ زمن البناء الافتراضي.. تحولت قوة الإنسان العضلية إلى زائدة دودية في جسمه.. أصبح في وسعه فعل أي شيء يريد؛ من خلال جهاز.. يستطيع اليوم أن يبني بيت أحلامه بضغط أزرار على هاتفه.. يستطيع أن يجد عملاً وهو في مكانه، على أريكته، حتى دون أن يخرج من بيته.. حروبه، معاركه، قتاله، انتصاراته؛ أصبحت كلها ممكنة.. يستطيع اليوم أن يبدي رأياً، أن يناقش ويحاور ويناور ويخوض جدالات ونقاشات، وحتى أن يصبح له معجبون.. نال هذا الإنسان حريته.. يستطيع أن يحظى بآلاف الأصدقاء، ومن كل دول العالم، حتى لو تبين له أن هذا الصديق سيئ فلا بأس؛ سيلغي صداقته، فيصبح من الماضي.. أصبحت الحياة سهلة جداً من وراء الشاشات؛ لا قلوب تتحطم، ولا علاقات تتأثر بكلمة قيلت في غير مكانها، فالكتابة تمنح وقتاً للتفكير، ولتلميع الصورة التي نريد أن نظهر بها.