تخطي إلى المحتوى

الإنسان والقرآن .. معالم علم الوجهة

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $15.00
السعر الأصلي $15.00 - السعر الأصلي $15.00
السعر الأصلي $15.00
السعر الحالي $12.00
$12.00 - $12.00
السعر الحالي $12.00
يعتبر هذا الكتاب المرجع الأوفى لكل باحث في الدراسات القرآنية ، والمصباح الذي يضيء للأمة مستقبلها ، ويعينها على رسم طريقها وهي تستعد لأداء دورها القيادي في عالم عصر المعرفة الراهن يعتبر هذا الكتاب دستورا بين يدي جيل عصر المعرفة؛ يتفهم معاني القرآن ويصوغ حياته ليؤدي رسالة السماء على ضوئها، وينهل منها مايحل به مشكلاته الحاضرة، ويخطط به آفاق مستقبله، وكأنها تتنزل عليه من السماء لتوها؛ قرآنا غضا نابضا بالحياة، مستوعبا لظروف الزمان والمكان، ومهيمنا عليهما.
المؤلف
التصنيف الموضوعي
512 الصفحات
17*24 القياس
2021 سنة الطبع
9789933363819 ISBN
1.0 kg الوزن

مقدمة وليد خير لناجي الطاهر

لماذا القرآن الكريم؟

خُلق الإنسان على هذه الأرض ليتحرك فيها ويعمرها ليجعل حياته ممكنة عليها. ولكنه في الوقت نفسه كان دائماً يتساءل عن معنى كل فعل يقوم به ووجهته. ومن هنا كان ضرورياً أن نفرق بين الفعل ووجهته، أو معنى ذلك الفعل. وقد تبين للإنسان مع الزمن، أن العقل لوحده لا يكفي، وإنما يحتاج بالإضافة لعقله إلى مرجع مكتمل ومستقل خارجه؛ يؤكد له فاعلية فعله، وصوابية ما توصل إليه عقله، ألا وهو الكون. الكون هو مرجع الفعل للإنسان، وقد سُخر له ليجيب على أسئلته المختلفة. وإذا لم يحصل على الإجابة الصحيحة التي تجعل حياته ممكنة؛ لم يتّهم الكون بالقصور، ولكنه يعيد بناء السؤال من جديد. وإذا لاحت له فكرة جديدة عرضها على الكون باعتباره المخبر الكبير الذي سيؤكد له صحة الفكرة أو عدمها. ويمكن القول إن الاكتشافات المتسارعة التي شهدتها البشرية في القرنين الماضيين؛ كانت نتيجة النقلة النوعية للبشرية؛ من المنطق الأرسطي إلى المنهج العلمي الذي يقوم على اتخاذ الكون مرجعا ً لتصويب فعل الإنسان، ويرفض كل فكرة لا يؤكدها الكون أو التي لم تُشكّل في حضوره.

هذا فيما يتعلق بالفعل، أما فيما يتعلق بمعنى أو وجهة الفعل؛ فمن الملفت للنظر أن كبار المفكرين والفلاسفة قد توصلوا - على مدى الخمسين سنة الماضية - إلى أهمية المعنى المصاحب للفعل؛ فغيروا سؤالهم المعرفي أو الإبستيمي من:" كيف نعرف ما نعرف؟" إلى "ماذا تعني؟". فمن إذن يعطي الإنسان معنى فعله ووجهته؟

لقد بيّن القرآن أن الله قد أمدّ الإنسان الأول، آدم -عليه السلام- دون سؤال منه بوحيه ليهدي فعله، ▬فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَىً♂ [طه:20/123]. ومع إبراهيم -عليه السلام- بدأ الوعي بأهمية وحاجة الإنسان للوحي؛ فطالب به وقال: ▬لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالِّينَ♂ [الأنعام:6/77]. أما القرآن نفسه؛ الوحي في مرحلة الختم والإتمام والاكتمال، فهو -بالمقارنة مع بقية المراجع المتوفرة اليوم للبشرية؛ من تقاليد أو مواريث اجتماعية أو دساتير- المرجع المستقل للبشرية؛ يمدها بالوجهة أو المعنى المصاحب للفعل. إلا أنه لا يمكن للقرآن أن يلعب هذا الدور اليوم إذا اقتربنا منه؛ بالطريقة نفسها التي انتهجتها الأجيال التي سبقتنا، ونطلب منه الحلول والإجابات لتحديات لم يواجهها الذين من قبلنا. ولن يمدنا القرآن بإجابات جديدة؛ إذا لم نطرح عليه الأسئلة على مستوى أعلى من الفهم والمعرفة. نحن اليوم إزاء علوم متقدمة جداً ومتنوعة، تسمح بتعاضدها وتكاتفها؛ بطرح الأسئلة على القرآن على مستوى أعلى من الفهم والمعرفة. وبهذا نكون قد طلبنا من القرآن أن يفسرنا أو يفسر ظروفنا بدل أن نفسره ونحدَّ من توسعه ليستوعب المرحلة الحاضرة وتحدياتها.

لقد أطلّ علينا عالم الاجتماع الدكتور ناجي بن الحاج طاهر من خلال كتابه الذي بين أيدينا؛ بمنهج جديد للاقتراب من القرآن الكريم، جعل محوره الأساس مرجعية القرآن في استخراج وجهة الفعل والحركة، وتكامل هذه المرجعية مع الكون، مرجع الفعل نفسه، من أجل تمكين الإنسان من حياة طيبة وآمنة.

وهنا يجب أن نفرق بين كل استخراج من المرجع والمرجع نفسه. وبعبارة أخرى، يجب أن نفرق بين الدين ومرجع الدين، أو نقول إن الدين يُستخرج من الشريعة أي القرآن. كما يقول ابن خلدون "إنما يُستفاد الدين من الشريعة". ومن أجل أن تعطي عملية استخراج الوجهة ثمارها المرجوة في تجديد الدين، اقترح مؤلفنا إنشاء علم قرآني جديد أطلق عليه اسم (علم استخراج الوجهة). وسيمكن هذا العلم الديناميكي المتحرك كل جيل من استخراج الدين الذي يعطيه الوجهة المناسبة لفعله، وهو يتحرك لمواجهة تحدياته المختلفة والخاصة به. وسيعتمد علم استخراج الوجهة بشكل قوي، على علم طبائع العمران الذي أسسه ابن خلدون وطالب من يأتي بعده أن يكملوا بناءه. وهنا نقترح أن نعيد النظر في هذا العلم ونطوره في ضوء تقدم العلوم، وخاصة ما يتعلق منها بالإنسان؛ كعلم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا والجغرافيا البشرية والأديان والتاريخ وفلسفة التاريخ والألسنية وفلسفة اللغة وغيرها. إن هذه العلوم ستؤهلنا لرفع أسئلتنا للقرآن إلى مستوى أعلى من الفهم؛ يعطينا إجابات جديدة على مستوى أعلى أيضاً.

إن إنشاء علم لاستخراج الوجهة من القرآن لا يقوم على تكديس المعلومات، وإنما وضع هذه المعلومات في إطار معرفي يسمح بالإجابة على الأسئلة المتعلقة بهذا العلم. إن مؤلفنا يملك من العلم وبعد النظر والقدرة على توليد الأفكار ما يؤهله لمساهمة فعلية في إنشاء وتطوير هذا العلم.

ما هو الجديد في المنهج الجديد؟

نزل القران منجماً على مدى أكثر من عشرين سنة. وقد شكلت الآية وحدته المعنوية الصغرى، بينما شكلت السورة وحدته المعنوية الكبرى. أي أن ما كان ينزل منه في كل مرة لم يقلّ عن الآية ولم يزد عن السورة. فلا بد أن تفهم كل آية فيه بشكل متكامل، لا أن تؤخذ مفردات آياته منفصلة بعضها عن بعض. ثم تدرس الآية من خلال موقعها ضمن السورة؛ التي تشكل آياتها مجتمعة الوحدة المعنوية الكبرى. فالسورة لغةً لها صلة بالسور، أي البناء المتكامل المتعاضد. ومن ثم تدرس الآية بمفرداتها وبمجموعها من خلال الكتاب كله واستعمالاته للمصطلحات المختلفة المبثوثة فيه.

ثم أضاف مؤلفنا النظم وما يظهره من تماثل وتناظر؛ كعنصر أساس في بناء القرآن، لا ليظهر فقط نبل ورفعة وعلو القرآن كما فعل سابقوه، وإنما جعل من النظم آلية لفهم أعمق للقرآن ومكنونه، وحلّ ما أشكل فهمه حتى على كبار المفسرين القدامى.



لقد قسم علماء القرآن السابقون لغة القرآن إلى قسمين: منطوق القرآن ومفهومه. والجدير بالذكر أن علماء الألسنية واللغة المحدثين قد توصلوا إلى نفس التقسيم في اللغة بشكل عام، وتكلموا عن جرس الكلمة التي تنطق بأشكال محدودة مقابل المعاني اللامحدودة للكلمة. وهكذا وصف القرآن نفسه بأن كلماته المنزلة من عند الله لا تنفد -طبعاً من حيث معانيها- ولو حولنا البحر مداداً لكتابتها وأمددناه بآخر. إلا أن القرآن يضيف إضافة بالغة الأهمية، ويقدم لنا منهجاً للانتقال من معنى إلى معنى آخر أعلى في الفهم والمعرفة؛ أطلق عليه مؤلفنا منهج التصديق والهيمنة. وهو نفس المنهج الذي اتبعه القرآن في التعامل مع الوحي الذي سبق القرآن. ومن خلال هذا المنهج انتهى مؤلفنا إلى أن النبوة ليست أجزاءً وتفاريق، وإنما هي مشروع سار عبر الزمن باتجاه الختم والإتمام والاكتمال. فالمسيح –عليه الصلاة والسلام- جاء مصدقاً للتوراة التي جاء بها موسى –عليه الصلاة والسلام- ومبشراً بأحمد –عليه الصلاة والسلام- يأتي من بعده بالقرآن مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، أي يرتفع بالوحي إلى أفق أعلى يتناسب مع تحديات المرحلة الجديدة.

واكتمال القرآن في مرحلة الختم؛ يمكّن البشرية من الاقتراب المستمر له، لاستخراج المعنى واستنباط الحلول تبعاً لما يواجه كل جيل من تحديات وأسئلة. وهو من هذه الناحية معادل للكون الذي اكتمل خلقه في ستة أيام -كما يقول القرآن- وأصبح جاهزاً وفاتحاً ذراعيه سواءً للسائلين؛ دون محاباة أو انحياز. كلاهما كريم في عطائه وتبيانه طالما أحسنا السؤال وعدلناه باستمرار.

إذن، القرآن هو كتاب المرحلة الحاضرة وما بعدها والمرجع لوجهتها. وكل استخراج للمعنى هو قراءة جديدة للقرآن. وكل قراءة قد تصبح عاجزة عن استيعاب مرحلة معينة وتحدياتها، وتستدعي قراءة جديدة تصدق ما قبلها وتهيمن عليها. وهكذا يصبح القرآن كتاباً ذا قراءات لامتناهية كما يدل على ذلك اسمه (قرآن يعني فيما يعني قراءة بالمبالغة وتعدد القراءات).

لقد جاء هذا الكتاب - بحمد الله وشكره - استجابة وتلبية لآمال وتطلعات الكثير من الذين استمعوا للدكتور ناجي على مر الثلاثين سنة الماضية وحاوروه وناقشوه. وكلّي أمل أن يجد الكتاب اهتماماً لدى المفكرين والمربين والباحثين والمهتمين بالدراسات الإسلامية والقرآنية، والله ولي التوفيق.

أكثر من ثلاثين عاماً في استشارات ونقاشات وندوات؛ قضاها المؤلف بحثاً عن مخرج يُخرج به الدراسات القرآنية من أسر الواقع والتقليد المحدود، إلى رحاب مستقبل مفتوح بلا حدود؛ يحقق متطلبات عصر المعرفة والعالم الجديد.

لقد لاحظ أن الأمّة الإسلامية اليوم تعيش واقعاً مشابهاً للحظات ولادة الأمم الكبرى لكي تعود للفعل في التّاريخ وصناعته؛ فحاول أن يتعرض لتجربة الأمّة نفسها في خروجها الأوّل، الّذي كان القرآن العظيم-الـمنزّل من عند الله وبأمــــــــــــره - وراءه، فحاول الوقوف على أهم الخاصّيات التي احتيج لها لخروج الأمّة الخيّرة إلى النّاس، ومن ثَمّ اجتهد في معرفة ما يمكن للأمّة اليوم أن تحقّقه لخروجها مرّة أخرى؛ لكي تكون شهيدة على النّاس، ويكون الرّسول عليها شهيداً، كما أراد لها الله سبحانه.

وسيكون للقرآن الكريم الكلمة الفصل في توضيح ذلك المنهج، فحاول في الوقت نفسه بلورته؛ لكي يساعدنا على الاقتراب من القرآن العظيم؛ مرجعاً للهداية أرادَه الله لمرحلة الختم هذه التي ننتمي إليها.

وسنرى معاً كيف ستساعدنا طريقة تنزّل الكتاب، والمصطلحاتُ والطُّرق الّتي أوجدها القرآن لإيصال رسالته إلى النّاس، وتمكينِ الأمّة الـمخرَجة من الرؤية الّتي تحتاجها لشقّ طريقها إلى الله، في أعظم مهمة عرفها التّاريخ؛ هي إخراج أمّة وسط، تعرف ما تحتاجه التحوّلات الكبرى في حياتها؛ لتكون من جديد أمّة فاعلة في التّاريخ، وقادرة على الحياة والفعل في العالم، والشّهادة على النّاس!!