تخطي إلى المحتوى

الأزمة الرأسمالية المعاصرة أسباب وحلول

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $15.00
السعر الأصلي $15.00 - السعر الأصلي $15.00
السعر الأصلي $15.00
السعر الحالي $12.00
$12.00 - $12.00
السعر الحالي $12.00
ما سبب الأزمات الاقتصادية العالمية؟ هل من طبيعة النظام الرأسمالي أن يحدث فيه أزمات؟ ما تأثير أزمة القروض العقارية؟ ما أثر زيادة مديونية الاقتصاد الأمريكية في الاقتصاد العالمي، وتركز الثروة في أيدي أقلية تتحكم بالاقتصاد العالمي؟ ما مدى تأثير الأزمة على اقتصادات البلدان النامية والعربية؟ هل البديل الإسلامي ممكن لتجنب الأزمات الاقتصادية؟ هل النظام الاقتصادي الإسلامي متكامل، كيف يمكن أن يكون بديلاً عن النظام الاشتراكي أو الرأسمالي؟ أسئلة كثيرة وأفكار تطرح في هذه الحوارية المثيرة، يتصدى لها مؤلفان خبيران اقتصادياً وفكرياً.

المؤلف
التصنيف الموضوعي
488 الصفحات
20*14 القياس
2012 سنة الطبع
9789933103521 ISBN
0.47 kg الوزن

وقائع أيام انفجار الأزمة
بدا يوم 6/10 /2008م وكأن العالم كله قد دخل في نفق اقتصادي مظلم، عندما هزّ زلزال مالي عنيف البورصات العالمية من طوكيو وهونغ كونغ إلى نيويورك مروراً بالأسواق الخليجية والأوربية، حيث شهدت تلك البورصات جميعها يوماً أسودَ لم تعرفه منذ سنوات، في مؤشر على أن الأزمة المالية الكبرى التي بدأت في أمريكا في شهر أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، قد خرجت عن السيطرة. ولم تنفع خطة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي كان يمضي آخر أيام ولايته الثانية في الإدارة الأمريكية في كبح جماحها. كما لم تثمر الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول الاقتصادية الكبرى في آسيا أو أوربا، والتي أوحت بأن النظام المالي العالمي مهدد بالسقوط، وأن الاقتصاد العالمي مهدد بكساد قد يمتد نحو عامين على الأقل.
في هذا الوقت أعلن رئيس البنك الدولي أن مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى «لم تعد فعالة» وينبغي أن يستبدل بها "مجموعة توجيه" تضم قوى اقتصادية صاعدة مثل الصين والهند والبرازيل والسعودية وروسيا. وقال: إن الأزمة المالية الأمريكية "جرس إنذار"، وتُظهر الحاجة إلى مزيد من التعاون عبر الحدود بين مجموعة أكبر من البلدان. وأضاف: «ينبغي للتعددية الجديدة، التي تناسب أيامنا، أن تكون شبكة مرنة، وليست نظاماً ثابتاً أو مركزياً»، مشيراً إلى أنّ النظام العالمي الجديد ينبغي أن يحترم سيادة الدول لكنه يتطلب "شعوراً بالمسؤولية المشتركة".
وتعود بداية ذلك الزلزال إلى أيام قبل التاريخ الذي ذكرناه من قبل. ففي اليوم الأول من التعاملات المالية الذي تلا إقرار الكونغرس الأمريكي خطة الإنقاذ المالي يوم 3/10/2008م، تراجع مؤشر (داو جونز) الصناعي لأسهم الشركات الأمريكية إلى ما دون العشرة آلاف نقطة، منخفضاً بنسبة 11،3 %، وذلك للمرة الأولى منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2004م، فيما خسر مؤشرا (ستاندرد أند بورز) الأوسع نطاقاً 32.42 نقطة، بما يعادل 85،3 % و(ناسداك) لأسهم شركات التكنولوجيا 78،12 نقطة، أي ما يعادل 01،4 %. وعزا المحللون في البورصات سبب هذا التدهور إلى المخاوف بشأن استقرار المؤسسات المالية العالمية، بعد اتساع نطاق تداعيات الأزمة الائتمانية وامتدادها إلى المصارف الأوربية؛ إذ تراجعت كذلك الأسهم الأوربية بنسبة 7%، لتبلغ أدنى مستوياتها في أربع سنوات، متأثرة بتراجع أسهم المصارف والطاقة وانخفاض مؤشرات (وول ستريت). فيما أقفل مؤشر (كاك) في بورصة باريس على تدهور بنسبة 04،9 %، كان الأكبر منذ بدء العمل به في العام 1988م. في حين تراجع مؤشر (يوروفرست) الرئيسي للأسهم الأوربية الكبرى بنسبة 8،6 %، وذلك للمرة الأولى منذ السنوات الأربع التي سبقت ذلك التاريخ.
وامتدت هذه الموجة إلى أسواق آسيا، حيث انخفضت الأسهم في تايوان أكثر من 4 %، فيما تراجع مؤشر (نيكاي) الياباني 05،465 نقطة (25،4 %) في أدنى مستوى له منذ خمس سنوات.
لقد تحوّلت « أزمة الائتمان»، «ذعراً ماليّاً» في أوربا، ولفّ الذعر البورصات الأوربية يوم 6/10/2008م، في ظلّ عدم يقين من أنّ خطّة إنقاذ السوق الماليّة الأمريكيّة، التي أقرّها الكونغرس ستؤدّي إلى تهدئة عاصفة أزمة الائتمان، وذلك رغم تأكيد الرئاسة الفرنسيّة للاتحاد الأوربي آنذاك أنّ "جميع الوسائل متاحة" لمعالجة الأزمة، ولكن بشكل منفصل، في ظلّ الانقسام حول مقاربة الحلول.
وبدأ الحال يتّضح تدريجاً؛ إنّ الأسواق الماليّة العالميّة عموماً، والأوربية تحديداً، لن تستقرّ عمّا قريب تماشياً مع التطوّرات التي حدثت في الولايات المتّحدة والتي تمثّلت بإقرار الخطّة الإنقاذيّة التي تهدف إلى تخليص السوق من المنتجات الماليّة الفاسدة باستخدام 700 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب. فبعد فشل القمّة الماليّة التي احتضنتها باريس بعد أيام من تلك الأزمة، لعدم تمكّن زعماء الاقتصادات الأربعة الكبرى في القارّة العجوز من التوصّل إلى التوافق بشأن كيفيّة مواجهة الأزمة، هبطت الأسهم في الأسواق الماليّة الأوربية بعد القمة بأيام. وكل ذلك كان يجري في ظلّ استمرار عدم اليقين حول كيف تخطّط البلدان الأوربية للتعامل مع الأزمة. وازداد الشك على وجه الخصوص بعدما عرضت السلطات الماليّة الألمانيّة أن تضمن تغطية جميع الودائع في قطاعها المصرفي، وذلك لإنقاذ رابع أكبر مصرف في البلاد ( HYPO REAL ESTATE )، عبر خطّة قُدرت كلفتها بـ 50 مليار يورو.
إن كل من هو معني بأسواق المال والبورصة، يتذكر تلك الأيام الصعبة في خريف عام 2008م. وقد لخصت صحيفة (نيويورك تايمز) الحالة العصبية التي كانت تسود الأسواق المالية في العالم فكتبت في عنوان لإحدى المقالات البارزة فيها مع بداية أيام الأزمة: «خمسة أيّام من التوتر والضغط والخوف، وفي النهاية الفشل». وقد جاء هذا وصفاً للمرحلة التي تلت تأميم السلطات الأمريكيّة لعملاقي الرهون العقاريّة، (فريدي ماك) و(فاني ماي)، في اليوم الذي سبق تاريخ 12/ 9/ 2008م، وهي مرحلة اعتُبرت أنّها ستخفف من التوتر والعصبية التي سادت سوق المال في (وول ستريت). وكان قد ساد اعتقاد آنذاك بأنّ التدخّل المالي الفيدرالي الذي قامت به الإدارة الأمريكية، سيؤدّي إلى الاستقرار الذي احتاجت إليه الأسواق الماليّة منذ اندلعت أزمة الائتمان، نتيجة لفقدان السيولة التي نتجت عن انفجار فقاعة الرهون العقاريّة. إلا أن الاستقرار المنشود لم يحصل، بل على العكس، لقد بدا وكأن هذه الأسواق دخلت في عمق جديد للأزمة، بسبب الأنباء المتداولة بأنّ المصرف الاستثماري العريق والضخم، (ليمان بروذرز - LEHMANBROTHERS )، يكافح هو الآخر من أجل عدم الوصول إلى مرحلة التقصير المالي.
ومع حلول يوم 12/9/2008م، كانت مؤشرات الأسواق قد أجبرت مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على عقد اجتماع طارئ مع رؤساء المصارف الاستثماريّة والمؤسّسات الماليّة في (وول ستريت)، للبحث في خطّة يتمّ من خلالها إنقاذ مصرف (ليمان بروذرز) الذي يبلغ عمره 158 عاماً، والذي سجّل في الربع الأوّل من العام 2008 أعظم خسارة في تاريخه، حيث بلغت 4 مليارات دولار، لترفع إجمالي الخسائر منذ بداية العام المذكور إلى 6.5 مليارات دولار.
لم يكن تراجع أحد المصارف مفاجئاً في البورصات العالميّة، إلا أن المفاجئ فيما حدث آنذاك، هو أنَّ حالة إفلاس (ليمان بروذرز) تعدّ الأقسى التي ولّدتها أزمة الائتمان. فبعدما محت المؤسّسات الماليّة في (وول ستريت) أكثر من 500 مليار دولار من قيمة الأصول المتعلّقة بالرهون العقاريّة عالية المخاطر - أي تلك القروض الممنوحة لزبائن من أجل شراء عقارات بقروض يحصلون عليها مقابل رهن تلك العقارات، إلا أن سدادهم لأقساط القرض وفوائده أصبح مشكوكاً به إما لعجزهم، أو لتردي مستوى معيشة المقترضين واحتمال تقصيرهم في التسديد - أخذ الحديث يدور عن هدوء نسبي في الأسواق إثر ما أعلنته المؤسسات المالية المذكورة. ولكن التطوّرات التي عصفت بالأسواق، خلطت الأوراق من جديد لتبعث روحاً في نبوءة (صندوق النقد الدولي) القائلة بأنّ الخسائر المتعلّقة بأزمة الرهون العقاريّة ستقارب الترليون دولار[(139)].
توصيف لاتساع الأزمة وامتداداتها الجغرافية والاقتصادية
كانت الصفحات الاقتصادية أيام انفجار الأزمة في الصحف العالمية المختلفة تشبه «ورقة نعي» للاقتصاد العالمي كما كتب أحد الصحفيين العرب[(140)]. ففي مراجعة لعناوين الصحف العالمية في الأسبوع الثالث، من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2008م حفلت الصحف بجملة من العناوين المثيرة، كما تبدو في جردة مختصرة لها:
- على صعيد البورصة الأمريكية، سجل مؤشر داو جونز، هبوطاً بمعدل 47 في المئة خلال سنة واحدة، من نحو 14 ألف نقطة إلى أقل من ثمانية آلاف.
- بورصة التكنولوجيا ناسداك هبطت إلى أدنى حد لها في 11 سنة.
- السوق السعودية خسرت 60 في المئة من قيمتها منذ بداية السنة.
- النفط هبط إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل، أي إنه خسر مئة دولار للبرميل منذ صيف عام 2008م فقط.
- انهارت البورصة في إسرائيل في أواسط شهر 11 من عام 2008م، وأعلنت وزارة المالية خطة لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي انتقدها الخبراء، وهو ما زاد الضغوط على الاقتصاد.
- البطالة في الولايات المتحدة ارتفعت إلى ثمانية في المئة، ومصرف غولدمان ساكس قال في تقرير له إنها ستصل إلى تسعة في المئة مع نهاية السنة المقبلة.
- أسهمُ غولدمان ساكس، وهو أقوى مصارف الاستثمار الأمريكية، هبطت إلى 53 دولاراً في الأسبوع الثالث من الشهر الحادي عشر لعام 2008م. أي إن سعرها هبط إلى السعر نفسه الذي كانت قد طرحت فيه للبيع في عام 1999م.
- أسهم سيتي غروب خسرت نصف قيمتها في وسط شهر 11 من العام 2008م، وهي خسرت 26 في المئة من قيمتها يوم 20/11/2008م وحده، وهبط سعر السهم إلى ما دون خمسة دولارات، أي إلى ما كان عليه سعره في عام 1993م، مع أنه بعد اندماج سيتي بنك وترافلز بنك ارتفعت قيمة السهم لما فوق 120 دولاراً. وقد تدخلت الحكومة الأمريكية يوم 23/11/2008م لإنقاذ المصرف الذي لا يستطيع إنقاذ نفسه.
- معدل بناء المساكن الجديدة في الولايات المتحدة كان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2008م الأدنى منذ 59 سنة عندما بدأت الحكومة تجمع إحصاءات عن قطاع العقارات.
وبدا واضحاً في بداية الشهر الأخير من العام 2008م أن الأزمة كانت من الشدة بحيث أن قمة العشرين التي مثلت الدول الأقوى اقتصادياً في العالم جاءت وذهبت من دون أن تؤثر في وضع السوق، والحوافز التي أعلنتها الدول المشاركة لم تمنع استمرار الانهيار.
احتدام الأزمة وامتداداتها الجغرافية باتجاه المنطقة العربية
لم تعُد معظم الحكومات العربيّة تنكُر الأزمة وتأثّرها بها. إذ مع غياب المعطيات الدقيقة في أغلب الأحيان (مقارنةً بالبلدان الأخرى) لتتبّع ما حدث فعلاً في الفصل الأخير من عام 2008م، بدأت بعض المؤشِّرات ذات الدلالة تلقي بظلالها في جملة من المعطيات:
- انهيار البورصات العربيّة.
- تراجع إيرادات قناة السويس 17% في ثلاثة أشهر بعد أن كانت تنمو بوتيرة 16% سنويّاً.
- تراجع تحويلات العمّال المغتربين.
- تشكي الصناعيين والمصدّرين أمام الحكومات والسلطات السياسيّة، هنا وهناك، من ضعف التصنيع والتصدير للسلع المنتجة. فبعضهم اشتكى من فقده لأسواقه، وآخر يجد صعوبات في تمويل الصادرات، ثمّ ذلك الذي بدأ يواجه السياسات الحمائيّة في الخارج، أو الذي يواجه أمرّي الأزمة وسياسات "التحرير الاقتصادي" الداخليّة مجتمعةً دون القدرة على التكيّف. كما أن هناك من اشتكى من فقده لأمواله المتراكمة في البورصات المحليّة أو العالميّة[(141)].

مقدمة
بعد مخاض فلسفي، وفكري، واقتصادي، وسياسي على مدى أكثر من قرنين، نضجت نظريتان اقتصاديتان تمخض عنهما نظامان هما النظام الاشتراكي (على أمل الوصول إلى المرحلة الشيوعية) والنظام الرأسمالي، وكان ذلك النضج على نار هادئة حيناً ومستعرة حيناً آخر استمرّ قرابة القرنين من تدفق المخطوطات التنظيرية لكلتا المدرستين، ودفقٍ من المفكرين من كل أطياف العلوم الاجتماعية، وقام المنظرون في كلتا المدرستين بعمليات التأصيل والتطبيق والممارسة والتنقيح والتعديل بحثاً عن أفضل الأنظمة الاقتصادية الصالحة للإنسان كلٌّ حسب وجهة نظره، أملاً في أن يحيا الإنسان بمستوى معاشي مقبول، أو جيد ملبّياً كل حاجاته وتطلعاته.
لن نخصص كثيراً من الوقت لدراسة الفكر الاشتراكي، اللهم إلا من باب إلقاء الضوء وبشكل سريع جداً على أسس هذه المدرسة، ولن نكتفي بذكر محاسنها على مذهب «اذكروا محاسن موتاكم»، ولكن بموضوعية بالغة، فإن الاشتراكية بطبيعتها تؤمن بالإدارة المركزية، وتحضّ على ملكية وسائل الإنتاج من قبل الشعب، وتؤيد تغلغل الجسد الحكومي في الحياة العامة، وتتدخل في تسعير المأكل والمشرب والمسكن والتي هي الاحتياجات الأساسية للإنسان، وتقوم بتعطيل آلية العرض والطلب في السوق كنوع من الوصاية على المواطن بحجة حمايته، وتقوم بالإمساك بخناق السوق، ومبرر هذا الدور "الأبوي" الوصائي على السوق هو توزيع الموارد بشكل أفضل يضمن عدالة اجتماعية واقتصادية في هدفه الأسمى.
تُظهر التجربة التاريخية لما كان يُعرف بالكتلة الشرقية تساوق معظم الممارسات الاقتصادية بممارسات إدارية سيئة -سمتها الديكتاتورية والشمولية- للموارد الوطنية الحكومية في حق المواطن من حيث كبر حجم أجهزتها الأمنية وانتشار الفساد، وطغيان الحكام، وقتل البشر واضطهادهم، إلى آخر هذه الممارسات التي لم تكن تنسجم مع تطلعات المواطن في الكتلة الشرقية، أو العربية التي تدّعي وصلاً بها، ولم تجعله سعيداً بل في أحيان كثيرة لم تستطع أن ترفع المواطن من تحت خط الفقر اللهم إلا في المدن الرئيسية، فربما لم تكن تجد إلا القليل من الفقراء في موسكو وليننغراد ولكن تجدهم بالملايين في أوزبكستان وطاجكستان وغيرها من المدن التابعة لما كان يُعرف بالاتحاد السوفييتي، ومع أن ستالين قتل ملايين الروس الأبرياء من أجل تحويل الاتحاد السوفييتي إلى دولة صناعية، إلا أن نظام "الاقتصاد السياسي" الاشتراكي الذي ترافق مع الاضطهاد والظلم، كان مؤشراً واضحاً -لمن يقرأ التاريخ - على قرب انتهاء النظام، إلى أن قُدِّرَ للاتحاد السوفييتي أن يأتي ميخائيل غورباتشوف عام 1985 لينهي هذه الممارسة الاقتصادية الأبوية السلطوية والتدخل في حياة البشر واضطهادهم على طريقة "الزواج بالإكراه"، وقام بإعطاء الإنسان حريته في الاقتصاد والسياسة، وانفرط معها عقد الاتحاد السوفييتي على يديه 1991، وأُصيبت التجربة الاشتراكية -على الأقل اقتصادياً- من حيث التطبيق في مقتل؛ بسبب إهمالها لمدى أهمية حرية الإنسان في عملية التنمية الاقتصادية إلى أن انتهت معظم الدول الاشتراكية إلى تبني النظام الرأسمالي ومحاولة الدخول في السوق الأوربية المشتركة من مثل رومانيا. (للأسف لايزال الدستور السوري مثلاً يقول في مادته الثالثة عشرة إن اقتصاد الدولة اشتراكي، رغم قانون الانفتاح رقم 10 عام 1991، ورغم تبني الاقتصاد السوري منهج اقتصاد السوق الاجتماعي والعمل على رفع الدعم عن السلع الأساسية ومحاولة بيع القطاع العام!!).
لم تصمد التجربة الاشتراكية لأسباب كثيرة لامجال للخوض في دقائقها في هذا المقام، ولكن كان مقتل هذا النظام هو تشبعه بروح الإيديولوجيا التي لا تتمتع بالمرونة الكافية لاستمرار أي نظام، والتي تمانع أي تأقلم مع متغيرات العصر، إضافة إلى أن ممارسة الحكام السياسية في معظم دول ما عرف بالمنظومة الاشتراكية، ابتداء بستالين وبريجينيف وانتهاء بجاوجيسكو في رومانيا إلى آخر دول عربية تبنت الاشتراكية، مارست القمع السياسي، وحلّت الأحزاب، واكتفت بالقائد "المُلهم" و"الأب" القائد لأطفاله بروح سلطوية أبوية فيها كل شيء عدا حنان "الأبوة"، لذلك كانت أزمتها تعني نهايتها وسقوطها رغم بعض جوانبها الإنسانية الإيجابية أحياناً.
النظام الرأسمالي من جهته قام منذ عهد آدم سميث وكتابه (ثروة الأمم) 1778م على فكرة أن الأصل في النظام الاقتصادي أنه يعتمد على التخفيف من حضور الجسد الحكومي في الحياة العامة، وعلى أن يكون بالحد الأدنى، فلا تتدخل الحكومة "الرأسمالية" في آلية السوق بل تترك للعرض والطلب أن يتولى تحديد السعر، وتعطي المستهلك والمنتج حرية التصرف في إطار القانون. هذه الليبرالية الاقتصادية لا يمكن أن تُطبق بشكل فعّال دون أن ترفدها الليبرالية السياسية بما فيها من ممارسة السياسة الحرة والصحافة -كسلطة رابعة - وقضاء مستقل التي هي الضمانة الحقيقية لاستمرار الرأسمالية بآلياتها الاقتصادية الحرة بأقل حد من الفساد والاحتكار. ولقد شهد تاريخنا المعاصر تطبيقات مسخ في منطقتنا العربية للنموذج الليبرالي بشكل مجتزأ ومشوه بالأخذ بسياسة الليبرالية العرجاء، محاولين تطبيق الليبرالية بشقها الاقتصادي -مع طعم الفساد ومذاق المحسوبية واحتكار أبناء السلطان لمفاصل الاقتصاد- والإهمال المتعمد للشق السياسي بما فيه من حريات صحفية وقضاء مستقل، مما أنتج مسخاً ليبرالياً عربياً أثمر مزيداً من البطالة والفقر وجعل المنطقة حُبلى بالثورات الاجتماعية.
ولم تقف الأزمات عند الثلاثينيات بل أصبح النظام الرأسمالي يتعايش مع "مرض" الدورات الاقتصادية كما يتعايش المريض مع مرض عُضال ومزمن بالأدوية والعلاج الطويل الأمد، والصبر على الألم "الاقتصادي والمالي"، وفي كل مرة لا يوقف الدول الرأسمالية أي مبدأ إيديولوجي، بل براغماتية تُبرر كل أنواع التدخل الحكومي لإنقاذ المريض، وبمرونة بالغة عجز عن تبنيها أصحاب "الإيديولوجيا الاشتراكية" لأنهم ابتلوا على مدار السنين وفي معظم الأحيان بأنظمة سياسية "غبية"، وحكام "متصلبين إيديولوجياً" وضعوا الإنسان في آخر سلم اهتماماتهم. لم تبالِ الحكومة الأمريكية بالتوسع في توظيف عدد هائل في الحكومة التي من المفترض أن يصغر حجمها لا أن يكبر حسب العقيدة الرأسمالية، فعدد موظفي الحكومة الأمريكية 21 مليون موظف راتبهم الشهري نحو 64 مليار دولار (بلغ عدد الموظفين الفيدراليين عام 2007 وحدهم 2.7 مليون موظف فيدرالي يصل راتبهم الشهري إلى 14.4 مليار دولار)، إن هذا يُظهر أن الجسد الحكومي هائل في أعظم دولة رأسمالية في العالم.
بعد انتهاء بريطانيا كإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وقبيل الحرب العالمية الثانية كان لابد من تزعم النهج الرأسمالي، وقامت الولايات المتحدة بما أوتيت من طاقات هائلة وأدمغة مبدعة وتقنيات وإنتاج ضخم، بالتصدر لهذه المهمة.

ماذا تعني الأزمة الاقتصادية الرأسمالية ؟
ما مظاهرها؟ وما أسبابها؟ وما انعكاساتها على المجتمع والأفراد ؟
هل من الطبيعي وجود أزمات مالية واقتصادية؟ هل تعاني الدول ذات النظام الاشتراكي أزماتٍ مشابهةً للدول التي تتابع النظام الرأسمالي؟
في عصر العولمة أصبحت الأنظمة الاقتصادية للدول متداخلة بحيث تتأثر إحداها بالأخرى؛ لهذا فإن انهيار نظام ما أو انكماش اقتصادي في منطقة ما ينعكس على اقتصادات المناطق المجاورة، وربما ينتقل ليعم العالم.
الكتاب يبحث – من خلال وجهات نظر مختلفة- موضوع الأزمات الاقتصادية والمالية الرأسمالية التي مرت بها البشرية خلال الفترات السابقة والحالية.
ويستعرض كيفية تشخيص الأزمات والتعامل معها والخروج منها.
وكيفية تلافي حدوثها في المستقبل

يقدم في البحث الأول الدكتور أسامة قاضي عرضاً موجزاً عن النظام الاقتصادي [النظامين الاقتصاديين] الاشتراكي والرأسمالي، ثم يعرض آلية حدوث الدورات الاقتصادية في النظام الرأسمالي، ولماذا تحدث الأزمات التي تعتبر إحدى السمات الأساسية في هذا النظام، الذي يمر بمراحل النمو ثم التوسع فالذروة، فيعود للركود والانكماش والانهيار؟.
ووضح أثر الاقتصاد الأمريكي في النظام الرأسمالي العالمي وفي الاقتصادات الأخرى في العالم.
وبين كيف أن للعوامل الاقتصادية الداخلية في أمريكا دوراً كبيراً في حدوث الأزمات العالمية؛ من ارتفاع استهلاك الفرد، زيادة الاقتراض، زيادة المديونية العامة للدولة، تمركز الثروات بأيدي فئة قليلة من المجتمع على حساب السواد الأعظم، نمو الإنفاق العسكري، الخلل في توزيع الدخل والثروة، وكيف أثرت هذه العوامل في تفاقم الأزمة المالية والمصرفية على المستوى العالمي.
كما استعرض طرق حل الأزمة، وقدم مقترحاً إسلامياً اقتصادياً بديلاً شرط أن يكون من ضمن مجموعة متكاملة من الإصلاحات التي تشمل الدولة كلها في أسلوب الحكم الرشيد، ودولة القانون، والديمقراطية، ويكون النظام الاقتصادي الإسلامي جزءاً من هذا النظام المتكامل.
في البحث الثاني قدم الدكتور صموئيل عبود توصيفاً لسبب الأزمة وانفجارها وامتداداتها الجغرافية والاقتصادية، وبين الأسباب المالية للأزمة، والدواعي التي قادت إليها، وكيف امتدت لتشمل العالم بأكمله؟ (.) وحدد مسؤولية مصارف الإقراض والرهن العقاري في أمريكا من الأزمة؟ كما استعرض عوامل التشابه والاختلاف بين أزمة عام 1929م وأزمة عام 2008م. و الأثر التي انعكس على البلدان النامية والعربية. ووضح المقترحات المقدمة لكيفية الخروج من الأزمة، وما الآراء المتداولة حولها و مضمون خطة الإصلاح الأمريكية، وما تأثيرها على المستوى العالمي، وكيف سيتم تلافي حدوث أزمات مشابهة في المستقبل؟.