تخطي إلى المحتوى

هروبي إلى الحرية

مباع
السعر الأصلي $10.00
السعر الأصلي $10.00 - السعر الأصلي $10.00
السعر الأصلي $10.00
السعر الحالي $8.00
$8.00 - $8.00
السعر الحالي $8.00

خواطر علي عزت في سجنه الذي دام ثلاثة عشر عاماً، حيث خرج منه ليجاهد من جديد، وتسلم السلطة، ونقل لنا صورة كاملة عن الحياة التي عاشها بمختلف مجالاتها.

المؤلف
إسماعيل أبو البندورة ترجمة
التصنيف الموضوعي
432 الصفحات
24*17 القياس
2017 سنة الطبع
9789933105075 ISBN
0.69 kg الوزن

مقدمــــــة

هذا الذي (ربما) سيقرؤه القارئ كان هروبي إلى الحرية. ومن الطبيعي، ومع أسفي، لم يكن ذلك هروباً حقيقياً، وكنت أودُّ لو كان كذلك. الأمر هنا يتعلق بهروب معين، كان ممكناً في سجن فوتشا ذي الجدران العالية، والقضبان الفولاذية - وهو هروب الروح والفكر. ولو أتيح لي فعلاً الهرب لأعطيت الأولوية للهروب الجسدي قبل هذا الثاني.

وأفترض بأنه كان بإمكان قرائي أن يستمعوا برضا إلى قصة مثيرة عن هرب أحد السجناء من سجن محاط بالحراسة القوية جيداً على قراءة أفكاري وتعليقاتي، على مواضيع في السياسة والفلسفة.

لم أستطع الكلام، ولكني استطعت التفكير، وقررت أن أستثمر هذه الإمكانية حتى النهاية. وأدرت منذ البداية بعض الحوارات داخل ذاتي عن كل شيء، وكل ما يخطر على البال. وعلقت بذهني على الكتب المقروءة والأحداث في الخارج، وبدأت بعدها بتدوين بعض الأشياء استراقاً في البداية، ثم تشجعت تماماً، جلست وقرأت وكتبت. وهكذا تجمع لدي ثلاثة عشر دفتراً صغيراً، من القطع الذي يسميه الفنيون (أ - 5/A - 5)، مكتوبة بخط دقيق، وغير مقروءة قصداً، حتى إن طابعتي (ميرسادا) تعبت كثيراً وهي تقوم بنسخها. وهذه مناسبة لكي أشكرها على الصبر في فك رموز شيفرتي للكلمات الخطرة مثل (الدين، الإسلام، الشيوعية، الحرية، الديموقراطية، السلطة) وما شابه، تمَّ استبدالها في الملاحظات بكلمات أخرى كنت أنا وحدي من يعرفها، وأصبحت حتى بالنسبة لي خلال الأعوام التي خلت مفهومة بصعوبة وغريبة.

لم أكتب شيئاً، ولم يكن بمقدوري الكتابة طوال عام كامل تقريباً، وانقضى هذا العام بالتحريات والمحاكمات والتأقلم. وأعتقد أن أولى الملاحظات بدأت في بداية 1984م، وتواصلت من يوم لآخر لمدة خمسة أعوام. وحملت الأخيرة - كما أرى - الرقم 3676 وتاريخ 30/ 9/ 1988م. كانت تلك أيام ينتظرني فيها ما يقارب الثلاثة عشر عاماً من السجن. وعندما كان الموت هو الأمل الوحيد، أخفيت هذا الأمل بداخلي مثل سر كبير لا يعرفه أحد غيري ولا يستطيعون (هم) تجريدي منه.

ومن هنا، فإن قيمة هذه الأفكار لا تكمن فيها ذاتها، وإنما هي - قبلاً - في الظروف التي كتبت فيها. ففي داخل السجن كان هناك هدوء جدران السجن، وفي الخارج نذر الإعصار الذي سيتحول عام 1988م إلى عاصفة تدمر حائط برلين، وتزيح عن المسرح (هوينكر وشاوشيسكو) وتبعثر حلف وارسو، وتزلزل الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا. وشعرت جسدياً كيف يمضي الزمن؛ وكيف تتغير محطاته أمام ناظري!

كان ذلك زمن المراجعات الراديكالية للأفكار والقناعات في خضم التجربة الفاشلة للحكومات الشيوعية في شرق أوربة. وشهد العالم تحولاً فريداً سيغير حياة مئات الملايين من البشر، ويحرف مجرى التاريخ باتجاه آخر. العالم الذي كان ثنائي القطب لفترة طويلة أصبح أحادي القطب. ولا أعرف إن كان ذلك خيراً، لكن ذلك ما حدث! وطوال ما يقارب الألفي يوم، لم يبق إلى جانب صمغ تجليد الكتب إلا هذا الحشد من الأفكار المشتتة. وهي تمثل إلى حد ما، تعليقاً على أحداث مصيرية لإنسان كان ممنوعاً من المشاركة بها، ولكنه امتلك وقتاً كافياً لمتابعتها، وإصدار أحكامه الصحيحة أو الخاطئة عليها.

إنها تفكيرات بالحرية، الجسدية منها والداخلية، وعن الحياة والمصير، وعن الناس والأحداث، الكتب المقروءة ومؤلفيها، وتفكيرات في الرسائل غير المكتوبة لأبنائي، بكلمات أخرى بكل شيء، وبكل ما يخطر على بال سجين، خلال ألفي يوم وليل طويل. وأثناء كتابة الملاحظات أشرت عليها بالأرقام 1، 2، 3. وأشرت في الأولى إلى أفكار عامة، وخُيِّلَ لي وقتها أنها تتحدث عن الحياة والناس والحرية. وهكذا في غياب الاسم الأفضل عنونتها الآن كما كانت.

وكانت الثانية بعض الحقائق والأفكار التي تخص الآخرين. والتي كان بودي لفت انتباه ابني (بكر) إليها لكي يقرأها ويعرفها. وعندما كنت طليقاً كنت أقوم بذلك دوماً. كان ذلك الفعل عبارة عن نوع من الرسائل غير المكتوبة لولدي.

وأشارت الثالثة إلى كل ما يمكن أن أضيفه إلى كتابي (الإسلام بين الشرق والغرب) لو أني كتبته وقتها. لكي أتذكر الحقائق والأفكار الواردة في هذا الكتاب والتي تتمحور حول فكرة رئيسية - أسميها أنا بسبب أو بدونه - (نظرية الطريق الثالث).

وأثناء الترتيب النهائي للمخطوط، فصلت من الوحدات الأفكار عن الدين والسياسة والشيوعية في فصول خاصة (2، 3، 5) ومن رقم 2 (ملاحظات عن الإسلام)، عن الكتاب ومؤلفاتهم (الفصل 6 + 7). وأضيف الفصل الثامن تعويضياً. وهي أجزاء مما يقارب الألف وخمس مئة رسالة تسلمتها أثناء سجني من أبنائي.

وإذا كان الأدب هو هروبي الثقافي إلى الحرية، فإن هروبي العاطفي كان في تلك الرسائل. لست متأكداً بأن أولادي يعرفون أو أنهم سيعرفون يوماً، ماذا عنت تلك الرسائل بالنسبة لي؟ كنت أشعر في اللحظات التي أقرؤها فيها أنني لست إنساناً حرّاً وحسب، وإنما كأنني إنسان أهداه الله كل خيرات هذه الدنيا. ولذا أخذت حريتي بأن أنشر في الفصل الأخير بعضها. وخُيِّل لي أن بعض كلماتها تتحدث بوضوح عن ذلك الزمان، والظروف، وعن التفكيرات والمناخات، في عائلة سجين سياسي، وطبعاً عن كاتبها.

وعندما بدأت بترتيب المخطوط خلال أكثر من عشرة أعوام كانت نيتي أن أصنع منه نصاً مؤطّراً ومتماسكاً. وللأسف فإني لم أزحزحه عن الترتيب الذي قمت به في السجن (من تلك البيادر - الثلاثة - كما أسميتها في ذلك الوقت). شعرت بأنه لا وقت لدي، ولم يكن بمقدوري صياغة شيء أفضل من المادة المتوافرة. وهكذا أقدم هذا المخطوط إلى القراء في صيغته الأولية، وكما كتب في تلك الأيام. وربما لن يكون ضارّاً أن أتحدث عن بعض التفاصيل التي تتعلق بهذه الملاحظات، لأنها تسجل مناخات السجن.

عندما كنت أملأ دفتراً لم أكن أضعه في خزانتي. وإنما كنت أودعه لدى أحد زملائي السجناء، والذي كان مداناً بسبب جريمة قتل. وهكذا يمكن مصادرة دفتر واحد فقط ذلك الذي أعمل به. أي بمعنى آخر فإن إدارة السجن كانت تقوم بين فينة وأخرى بتفتيش خزائننا باحثة عن (أشياء خطيرة). وكانت الأشياء الخطرة السلاح والمخطوطات. وكانوا يقومون بالتفتيش بالتساوي، إلا أننا نحن أو بعضنا (كنا متساوين كثيراً) وكانوا يفتشون خزانة صديقي القاتل - والفلاح بالأصل - بشكل عابر. وقبل نهاية السجن حمل صديق آخر لي في السجن فاسيلين. (وهو محكوم بالتزييف) العشرات من هذه الملاحظات في علبة شطرنج إلى الخارج. وعندما سلم الأمانة إلى أولادي، رفض أن يتسلم مكافأة نقدية. الناس الذين نسميهم مجرمين، يكون لهم أحياناً شعبية وجاذبية معينة في محيطهم. وسبب ذلك أنهم يعرفون عادة الصداقة ومستعدون للمخاطرة. وبعض من نسميهم الناس (الطيبين) يكونون غالباً مجردين من هذه الفضائل.

قبل التحرير النهائي راجع ابني (بكر) مجمل المخطوط، فأشكره على صبره الكبير، ونصائحه المتعددة، ذات الفائدة الكبيرة.

هذا كل شيء، وبقي لي أن أقول: إن هذه ملاحظات مرتبة داخل كل فصل حسب التسلسل التاريخي.

سراييفو أيلول/ (سبتمبر) 1999م

علي عزت بيجوفيتش

الأدب هو الحرية

(هاينريش بيل)

تتساقط الأوراق كأنها آتية من بعيد

مثل رياض ذابلة في السماء ...

تتساقط مع إيماءة مشحونة

والأرض الثقيلة تسقط في الليل

من كل النجوم في وحدتها

نتساقط جميعنا ... وتتساقط هذه اليد

انظر إلى الثانية ... السقوط يطال الجميع

لكن أحدهم سيهيمن على هذا السقوط باقتدار

(راينر ماريا ريلكة - الخريف)

إلى خالدة، ليلى، سابينا وبكر...

علي عزَّت بيجوفيتش

* * *

مقــدمة المترجم

وقفت البوسنة والهرسك أمام وعي العالم منذ عام 1992م باعتبارها دولة تبحث عن استقلالها وحريتها بعد انهيار يوغسلافيا السابقة وانشطارها إلى مجموعة دول. وكان الشعب البوشناقي المسلم طليعة هذه القوى المنافحة عن الاستقلال والحرية. وكان دائماً وجه علي عزت بيجوفتش يطل من بين هذه الآلام ليقول سياسياً وثقافياً: إن البوسنة لا بد أن تنال حريتها يوماً، وستعود كما كانت من قبل عنواناً للإخاء والترابط والتسامح بين الشعوب.

وكان علي عزت بيجوفتش السياسي الإنسان والمثقف هو من عبر سابقاً ولاحقاً عن هذه الطموحات، ولذلك تعرَّض للسجن في عهد الرئيس تيتو. وكان عليه في السجن أن يعبر عن هذه الطموحات والآمال، ولكن بطريقة أخرى لا تدخل في عمق القضايا المطروحة، ولكنها تلامسها ملامسة مغايرة. حتى تكون عند اجتماعها بياناً عن تطلعات شعب البوشناق المسلم وشعوب البوسنة الأخرى.

وأعتقد بأن علي عزت بيجوفتش نجح نجاحاً باهراً عندما حوَّل قراءاته وتأملاته في السجن إلى لوحات ثقافية وحضارية تضاف إلى رصيده العام على صعيد السياسة والنضال والدفاع عن حقوق شعبه. وكان كتابه الجامع (هروبي إلى الحرية - أوراق السجن 1983 - 1988م) هو هذه الاعتقادات والطموحات عندما تتحدث عن مغازيها بطرق متباعدة، وعندما تجمع في أثنائها خلاصة الخلاصات، لكل ما يجب التفكير فيه، وأحياناً فكّ رموز اللا مفكر به، أو المستحيل التفكير به.

هذا الكتاب هو حشد هائل من الأفكار والتأملات والاعتقادات العميقة، كتبت على شكل موضوعات منفصلة، وكان بيجوفتش، كما يبين في مقدمته، قد وضع لها سياقاً تسلسلياً مختلفاً، ثم أرسل لي الكتاب على (ديسك)، وهو عبارة عن الطبعة المختصرة للكتاب، وهي التي ترجمت عنها، وكان الكتاب الأصل هو مرجعي.

لقد ترجمت الكتاب عن اللغة البوشناقية مباشرة، وحاولت أن أجعل بيجوفتش يأخذ مداه في اختيار التعابير التي يراها هو مناسبة في لغته الأصلية، وكانت محاولتي إعطاء النص روحه وخصوصيته، في الانقطاع والاتصال واستحضار الفكرة. وقد أكون وفقت في ذلك، أو تعثرت ولكني حاولت جاهداً - إلا ما وقع سهواً - أن أترجم الكتاب ترجمة أمينة ودقيقة بقدر استطاعتي.

وقد راجع نص الترجمة الأستاذ الدكتور محمد الأرناؤوط، وهو من خبراء منطقة البلقان، وباحث ومفكر مميز، وطالبته أن يكون متشدداً في نقده لعملي، حتى نتقن العمل ونقدم ما يمكن أن يكون دقيقاً ونافعاً. فلهذا الأستاذ الكبير والإنسان الصبور أقدم كل ما يمكن أن يقدمه الطالب لأستاذه من معاني التقدير والاحترام والمودة.

وأتقدم كذلك بالشكر الوفير لسفير جمهورية البوسنة والهرسك في عمان السيد إبراهيم أفندتش، وهو الذي أحضر الكتاب، وتابع الاتصال مع الرئيس علي عزت بيجوفتش حتى اكتملت طباعة الكتاب، ولن أنسى تلك اللحظة الجميلة عندما زارني في بلدتي؛ في فصل الربيع، وقال لي مسروراً ونحن نسير بمحاذاة حقل قمح وأزهار ملونة جميلة: إن بلدتكم تشبه بلدتي، وكأنه أراد بذلك أن يقول أن لا حدود بيننا في الثقافة والحضارة والسنابل والأزهار.

وأخيراً، أهدي هذا الجهد إلى مثقفي البوسنة الذين يعملون جاهدين لنشر الثقافة العربية في البوسنة، ويحاولون إبراز الهوية الحضارية الإسلامية لهذه المنطقة.

كما وأهدي هذا الجهد لبلدي وعاصمتها عمان التي ستكون عاصمة للثقافة العربية مع صدور هذا الكتاب عام 2002 م.


الرمثا في 25 / 10 / 2001 م.

كانت تلك أيام ينتظرني فيها ما يقارب ثلاثة عشر عاماً من السجن... وعندما كان الموت هو الأمل الوحيد... أخفيت هذا الأمل بداخلي مثل سر كبير لا يعرفه أحد غيري، ولا يستطيعون هم تجريدي منه.

إذا كان الأدب هو هروبي الثقافي [من ذلك السجن] إلى الحرية، فإن هروبي العاطفي كان في تلك الرسائل. لست متأكداً بأن أولادي يعرفون أو أنهم سيعرفون يوماً، ماذا عنت تلك الرسائل بالنسبة لي؟

كنت أشعر في اللحظات التي أقرؤها فيها أنني لست إنساناً حراً وحسب، وإنما إنسان أهداه الله كل خيرات هذه الدنيا.

هروبي إلى الحرية - علي عزت بيغوفيتش - ترجمة إسماعيل أبو البندورة

يتناول هذا الكتاب كتابات الرئيس البوسني السابق علي عزة بيجوفيتش في سجن فوتشا، الذي تعرض له في عهد الرئيس تيتو، ومكث فيه أعواماً طويلة، كان يخلد فيها إلى أفكاره، ويناجي خواطره، ويسجلها في ظروف صعبة، يجمعها كتابه هذا (هروبي إلى الحرية)، الذي يعبر فيه عن طموحاته وآماله بطريقة لا تدخل في عمق الأحداث الجارية، وإنما تلامسها ملامسة مغايرة، لتفصح عن تطلعات شعب البوشناق المسلم، وشعوب البوسنة الأخرى.

وتتحول أوارق السجن (1983 - 1988) في هذا الكتاب بنجاح كبير، إلى لوحات ثقافية وحضارية، تضاف إلى رصيد المؤلف على صعيد السياسة والنضال والدفاع عن حقوق شعبه، وتمثل اعتقاداته وطموحاته، وتعبر عن مغازيها بطرائق متباعدة، تجمع فيها خلاصة الخلاصات لكل ما يجب التفكير فيه أو يستحيل.

يتضمن الكتاب حشداً هائلاً من الأفكار والتأملات والاعتقادات العميقة مكتوبة في موضوعات منفصلة، تتحدث عن أن الأدب هو الحرية، وعن الحياة والناس والحرية، وعن الدين والأخلاق، وتبدي ملاحظات سياسية من سياسي خبير، وعن نظرية الطريق الثالث التي يضيفها المؤلف إلى كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب)، وعن بعض الحقائق حول الشيوعية والنازية التي لا يجوز نسيانها، وعن ملاحظات هامة في التيارات الإسلامية والمسلمين.

ويلحق بالكتاب رسائل وصلت إليه من أولاده في أثناء سجنه تمثل هروبه العاطفي وظروفه وأسرته وحريته اللامحدودة وهو في السجن.