تخطي إلى المحتوى

الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $8.50
السعر الأصلي $8.50 - السعر الأصلي $8.50
السعر الأصلي $8.50
السعر الحالي $6.80
$6.80 - $6.80
السعر الحالي $6.80

يبحث في الإنسان والمادة ، وإشكالية الطبيعي والإنساني ، والعقل والمادة، والمادية في التاريخ، والترشيد والقفص الحديدي، ونهاية التاريخ، والعنصرية الغربية في عصر ما بعد الحداثة ، والمادية والإبادة.

المؤلف
التصنيف الموضوعي
240 الصفحات
17x24 القياس
2013 سنة الطبع
9789933103828 ISBN
0.36 kg الوزن

مقدمة

تشكِّل الفلسفة المادية البنْية الفكرية التحتية أو النموذج المعرفي الكامن للعديد من الفلسفات الحديثة: الماركسية والبرجماتية والداروينية، كما أنها تشكِّل الإطار المرجعي الكامن لرؤيتنا للتاريخ والتقدُّم وللعلاقات الدولية، بل وأحياناً لأنفسنا. وقد ارتبطت الفلسفة المادية في عقول الكثيرين بالعقلانية والتقدُّم والتسامح... إلخ. وأعتقد أنه قد حان الوقت لفتح باب الاجتهاد بخصوص هذه الفلسفة، نظراً لأهميتها وهيمنتها على بعض أعضاء النخب الثقافية والفكرية.

ويمكن تصنيف هذا الكتاب باعتباره محاولة في هذا الاتجاه.

وقد خُصِّص الفصل الأول ((الإنسان والمادة)) لتعريف الفلسفة المادية وسر جاذبيتها ومواطن قصورها، كما يعرض الفصل نفسه، في بدايته، للظاهرة الإنسانية وسماتها الأساسية.

ويقوم الفصل الثاني ((إشكالية الطبيعي والإنساني)) بتوضيح الفروق الأساسية بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية وفشل الفلسفة المادية في تفسير ظاهرة الإنسان، بل ويذهب هذا الفصل إلى أن هذه الفلسفة تشكل هجوماً على الطبيعة البشرية.

ويتناول الفصل الثالث ((العقل والمادة)) مفهوم العقل، فيبيِّن أن العقل في حد ذاته مفهوم عائم غائم وأن المهم هو النموذج الكامن وراء العقل. وانطلاقاً من هذا التصوُّر تحاول هذه الدراسة حصر أهم سمات العقل المادي، كما تحاول توضيح الفرق بين العقل الأداتي والعقل النقدي.

ويتناول الفصل الرابع ((المادية في التاريخ)) بعض التجليات التاريخية للفلسفة المادية، فيبيِّن أن العلمانية الشاملة والإمبريالية والداروينية هي كلها تجليات متنوعة للفلسفة المادية.

أما الفصل الخامس ((الترشيد والقفص الحديدي)) فيتناول الترشيد أو العلمنة بمعنى إعادة صياغة المجتمع والإنسان في الإطار المادي، وكيف أن هذا يؤدي في نهاية الأمر إلى تنميط الحياة ووهم التحكُّم الكامل فيها.

والفصل السادس هو امتداد لهذا الفصل، فنهاية التاريخ هي، في واقع الأمر، النقطة التي يتخيَّل البعض أنها النقطة التي يتم التحكُّم فيها في معظم جوانب الحياة، بحيث يصبح المجتمع كالآلة الرشيدة، يوتوبيا تكنولوجية. وقد ميَّزت الدراسة في الفصل الثاني بين المساواة والتسوية على المستوى النظري.

والفصل السابع ((العنصرية الغربية في عصر ما بعد الحداثة)) هو محاولة لتطبيق هذا المفهوم على ظاهرة العنصرية الغربية.

والفصل الثامن والأخير ((المادية والإبادة)) يبيِّن كيف أن الرؤية المادية هي رؤية إبادية في جوهرها، ويطبِّق الفصل هذا التصوُّر على ظاهرة الإبادة النازية لليهود، وغيرهم من الأقليات.

وهذه الدراسة، شأنها شأن معظم دراساتي في الآونة الأخيرة، تستخدم النموذج المعرفي أداةً تحليلية، فتقدِّم دراسة في النموذج المعرفي المادي في حد ذاته، ثم في تجلياته النظرية والتاريخية المختلفة. وبالتالي فالدراسة لا تأخذ خطاً مستقيماً تراكمياً، وإنما تأخذ شكل بؤرة (النموذج التحليلي)، تتفرع منها وتعود إليها كل الموضوعات. وهذه الطريقة تبيِّن الوحدة الكامنة (المادية وتفكيك الإنسان) خلف التنوع (الدراسات المختلفة)، ولكنها قد تؤدي إلى بعض التكرار. وقد بذلت جهداً كبيراً لتحاشي ذلك أو التقليل منه.

ومعظم مادة هذا الكتاب تُنشر لأول مرة، ولكن بعضها نُشر قبل ذلك، إما على هيئة مقالات أو في كتب. ولكني وجدت أن جمعها كلها في كتابٍ واحد يدور حول موضوعٍ واحد، مع توضيح النموذج المعرفي الكامن وراء كل الدراسات، سيساعد كثيراً على توضيح الأطروحة الأساسية في الكتاب، ويبرِّر إعادة نشر هذه المادة.

ويبقى هذا العمل اجتهاداً أوَّلياً، نرجو أن نكون قد أصبنا في بعض نقاطه إن لم نصب في جميعها، وأن يكتب الله لنا أجري الصواب، وإلا؛ فلعلنا لا نحرم الأجر الواحد.

والله من وراء القصد.

عبد الوهاب المسيري

دمنهور - القاهرة

كانون الثاني (يناير) 2002م

الفصل الأول

الإنسان والمادة

هل الإنسان كائن مادي وحسب؟ هل هو جزء لا يتجزأ من هذا العالم المادي الطبيعي خاضع لقوانينه لا يملك منها فكاكاً، لا يختلف في سماته الأساسية عن الكائنات الأخرى؟ هذه أسئلة جوهرية تحدِّد رؤيتنا للكون، ولذا لابد من الإجابة عنها إن أردنا توضيح موقفنا وتحيُّزاتنا الفكرية.

الطبيعة البشرية

تتسم الطبيعة البشرية في تصورنا بثنائية أساسية لا يمكن تصفيتها (هي صدى للثنائية الحاكمة الكبرى، ثنائية الخالق والمخلوق، والمتجاوز والحالّ الكامن) وهي ثنائية الجانب الطبيعي/ المادي في مقابل الجانب غير المادي، أي الروحي أو الثقافي أو المعنوي. فثمة احتياجات طبيعية/ مادية، مثل حاجة البشر إلى الطعام والهواء والنوم والتناسل وتلبية كل ما يتعلق بتركيبهم العضوي (بغض النظر عن أماكن إقامتهم أو نمط الحضارة الذي ينتمون إليه). فالإنسان هنا هو موجود مادي متجسد يشارك بقية الكائنات في بعض الصفات، فمن حيث هو جسم، يخضع الإنسان للقوانين الطبيعية وضرورات الحياة العضوية إذ تسري عليه، وعلى بقية الكائنات، مجموعة من الآليات والحتميات. ولذا يمكن رصد هذا الجانب من وجوده من خلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية (ويعبِّر عن نفسه فيما نسميه النزعة الجنينية). والفلسفات المادية، منطلقة من مرجعيتها المادية ومن إيمانها بأسبقية الطبيعة/ المادة على الإنسان، تركز على هذا الجانب من الوجود الإنساني وترد كل جوانبه الأخرى إليه.

ولكن هناك جانباً آخر للطبيعة البشرية متجاوزاً للطبيعة/ المادة وغير خاضع لقوانينها ومقصوراً على عالم الإنسان ومرتبطاً بإنسانيته، وهو يعبِّر عن نفسه من خلال مظاهر عديدة من بينها نشاط الإنسان الحضاري (الاجتماع الإنساني - الحس الخلقي - الحس الجمالي - الحس الديني). ومن المظاهر الأخرى لهذا الجانب أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يطرح تساؤلات عما يسمَّى العلل الأولى، وهو لا يكتفي أبداً بما هو كائن وبما هو معطى ولا يرضى بسطح الأشياء، فهو دائب النظر والتدبر والبحث، يغوص وراء الظواهر ليصل للمعاني الكلية الكامنة وراءها والتي ينسبها إليها، وهو الكائن الوحيد الذي يبحث عن الغرض من وجوده في الكون. وكلها تساؤلات تجد أصلها في البنية النفسية والعقلية للكائن البشري، ولذا سمى الإنسان الحيوان الميتافيزيقي. والإنسان كائن واعٍ بذاته والكون، قادر على تجاوز ذاته الطبيعية/ المادية وعالم الطبيعة/ المادة، وهو عاقل قادر على استخدام عقله، ولذا فهو قادر على إعادة صياغة ذاته وبيئته حسب رؤيته.

وهو كائن صاحب إرادة حرة على الرغم من الحدود الطبيعية والتاريخية التي تحده. والحرية قائمة في نسيج الوجود البشري ذاته، فإن الإنسان له تاريخ يروي تجاوزه لذاته (وتعثره وفشله في محاولاته). فالتاريخ تعبير عن إثبات الإنسان لحريته وفعله في الزمان والمكان.

وهو كائن قادر على تطوير منظومات أخلاقية غير نابعة من البرنامج الطبيعي/ المادي الذي يحكم جسده واحتياجاته المادية وغرائزه، وهو قادر على الالتزام بها وخرقها، وهو الكائن الوحيد الذي طوَّر نسقاً من المعاني الداخلية والرموز التي يدرك من خلالها الواقع.

وهو، أخيراً، النوع الوحيد الذي يتميَّز كل فرد فيه بخصوصيات لا يمكن محوها أو تجاهلها، فالأفراد ليسوا نسخاً متطابقة يمكن صبها في قوالب جاهزة وإخضاعها جميعاً للقوالب التفسيرية نفسها، فكل فرد وجود غير مكتمل، مشروع يتحقق في المستقبل، واستمرار للماضي، ولذا فزمن الإنسان هو زمن العقل والإبداع والتغيير والمأساة والملهاة والسقوط، وهو المجال الذي يرتكب فيه الإنسان الخطيئة والذنوب، وهو أيضاً المجال الذي يمكنه فيه التوبة والعودة، وهو المجال الذي يعبِّر فيه عن نبله وخساسته وبهيميته، فالزمان الإنساني ليس مثل الزمان الحيواني الخاضع لدورات الطبيعة الرتيبة، فهو زمان التكرار والدوائر التي لا تنتهي و((العود الأبدي)). ولكل هذا، فإن ممارسات الإنسان ليست انعكاساً بسيطاً أو مركباً لقوانين الطبيعة/ المادة، فهو مختلف كيفيًّا وجوهريًّا عنها.

فهو ظاهرة متعددة الأبعاد ومركبة غاية التركيب ولا يمكن اختزاله في بُعد من أبعاده أو في وظيفة من وظائفه البيولوجية أو حتى في كل هذه الوظائف. ولا توجد أعضاء تشريحية أو غدد أو أحماض أمينية تشكل الأساس المادي لهذا الجانب الروحي في وجود الإنسان وسلوكه، لهذا فهو يشكل ثغرة معرفية كبرى في النسق الطبيعي/ المادي، فهو ليس جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة وإنما هو جزء يتجزأ منها، يوجد فيها، ويعيش عليها، ويتصل بها، وينفصل عنها. قد يقترب منها ويشاركها بعض السمات، ولكنه لايُرد في كليته إليها بأية حال، فهو دائماً قادر على تجاوزها، وهو لهذا مركز الكون وسيد المخلوقات. وهو لهذا كله لا يمكن رصده من خلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية.

وبرغم أن كل إنسان فرد فريد إلا أننا نطرح ما نسميه مفهوم الإنسانية المشتركة (في مقابل الإنسانية الواحدة)، فنحن نذهب إلى أنه لا يمكن إدراك الإنسان في كل تركيبيته إلا من خلال نموذج توليدي، فنرى أن عقله مبدع خلاق، ولذا فهو يتمتع بقدر من الاستقلال عن الطبيعة، ولا يخضع لحتمياتها في بعض جوانب وجوده. وفي هذا الإطار، نذهب إلى أن ادعاء أصحاب النماذج التراكمية الآلية المادية بأن هناك إنسانية واحدة، تُرصد كما تُرصد الظواهر الأخرى، وبأن الناس كيان واحد وإنسانية واحدة خاضعة لبرنامج بيولوجي ووراثي واحد عام، هو أمر يتنافى مع العقل ومع التجربة الإنسانية ومع إحساسنا بتركيبيتنا وتنوعنا الإنساني.

أما النموذج التوليدي، فهو ينطلق من الإيمان بإنسانية مشتركة (طبيعة بشرية) تأخذ شكل إمكانية وطاقة إنسانية كامنة لا يمكن رصدها أو ردها إلى قوانين مادية. هذه الطاقة لا يمكنها أن تتحقق في فرد بعينه أو شعب بعينه أو في جنس بعينه وإنما يتحقق بعض منها تحت ظروف وملابسات معينة ومن خلال جهد إنساني معين، ولذا فإن ما يتحقق لن يكون أشكالاً حضارية عامة وإنما أشكالاً حضارية متنوعة بتنوع الظروف والجهد الإنساني، لأن تحقق جزء يعني عدم تحقق الأجزاء الأخرى التي تحققت من خلال شعوب أخرى، وتحت ظروف وملابسات مختلفة ومن خلال درجات من الجهد الإنساني الذي يزيد وينقص من شعب لآخر ومن جماعة لأخرى.

ومما يزيد التنوع، أن الإنسان - كما أسلفنا - قادر على إعادة صياغة ذاته وبيئته حسب وعيه الحر، وحسب ما يتوصل إليه من معرفة من خلال تجاربه. هذه الأشكال الحضارية تفصل الإنسان عن الطبيعة/ المادة، وتؤكد إنسانيتنا المشتركة، فهي تعبير عن الإمكانية الإنسانية، دون أن تلغى الخصوصيات الحضارية المختلفة. لكن الفرادة لا تعني أنه لا يوجد أنماط تجعل المعرفة ممكنة، والحرية لا تعني أن كل الأمور متساوية نسبية. فالإنسانية المشتركة، تلك الإمكانية الكامنة فينا، هذا العنصر الرباني الذي فطره الله فينا (ودعمه بما أرسله لنا من رسل ورسائل) تشكل معياراً وبُعداً نهائيّاً وكليّاً.

……

……

تشكل الفلسفة المادية المرجعية الفكرية والنموذج المعرفي للعديد من الفلسفات الحديثة، كالماركسية والبرغماتية والداروينية، كما تشكل الإطار المرجعي لرؤيتنا للتاريخ والتقدم والعلاقات الدولية، بل أحياناً لأنفسنا.

وقد هيمنت هذه الفلسفة على النخب الثقافية والفكرية لزمن ليس بقصير.

وهذا الكتاب يقدّم نظرية نقدية لهذه الفلسفة، فيحلل نموذجها المعرفي المادي، ويدرس تجلياته النظرية والتاريخية المختلفة.

فيقدم توضيحاً لماهية الفلسفة المادية وسر جاذبيتها، ثم يبين مواطن قصورها في تفسير ظاهرة الإنسان.

ما هو العقل وما هي سمات العقل المادي وما الفرق بينه وبين العقل الأداتي والعقل النقدي.

إنها دراسة اجتهد الدكتور عبد الوهاب المسيري العالم بالفكر الغربي وتياراته وفلسفاته أن يقدم فيها للقارئ العربي وجهة نظر نقدية جديدة.

يتناول هذا الكتاب الفلسفة المادية البنية الفكرية التحتية للعديد من الفلسفات الحديثة، ويعرفها ويبين سر جاذبيتها ومواطن قصورها، والظاهرة الإنسانية وسماتها الأساسية. ويوضح الفروق الأساسية بين الظاهرتين الطبيعية والإنسانية، وفشل الفلسفة المادية في تفسير ظاهرة الإنسان، التي تشكل هجوماً على الطبيعة البشرية. ويتناول مفهوم العقل العائم الغائم، وأهمية النموذج الكامن وراء العقل، وينطلق من هذا التصور ليحصر أهم سمات العقل المادي، وليحاول توضيح الفرق بين العقل الأداتي والعقل النقدي. ويعقد فصلاً للمادية في التاريخ، ويأتي ببعض التجليات التاريخية للفلسفة المادية، ويبين أن العلمانية الشاملة، والإمبريالية والداروينية، هي كلها تجليات متنوعة للفلسفة المادية. ويبحث في الترشيد والقفص الحديدي، فيتناول الترشيد أو العلمنة بمعنى إعادة صياغة المجتمع والإنسان في الإطار المادي، الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى تنميط الحياة ووهم التحكم الكامل فيها. ويعرض لنهاية التاريخ، النقطة التي يتخيل أنه يتم التحكم فيها في معظم جوانب الحياة، فيصبح المجتمع كالآلة الرشيدة، يوتوبيا تكنولوجية، ويميز بين المساواة والتسوية نظرياً. ويحاول تطبيق مفهوم العنصرية الغربية في عصر ما بعد الحداثة على ظاهرة العنصرية الغربية. ثم يبين أن الرؤية المادية هي رؤية إبادية في جوهرها، ويطبق هذا التصور على ظاهرة الإبادة النازية لليهود، وغيرهم من الأقليات.