المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا عِلماً وعَملاً متقبَّلاً، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، نسألك علم الخائفين منك، وخوف العالمين بك، وبعد:
فالإسلام -كما قال العلماء-: عقيدة، وشريعة، وأخلاق.
1- أما العقيدة: فتقوم على أصول نسمِّيها: أصول الإيمان وأركانه، مما يجب أن يَعتقِد به المؤمن ويُصدِّق به، وهي ثلاثة أقسام:
إلهيات: وهي ما يتعلَّق بذات الله عز وجل، وأسمائه، وصفاته...
ونُبوَّات: وهي ما يتعلَّق بالأنبياء من صفات، ومؤهِّلات، ووحي...
وغيبيات: كالإيمان بالملائكة، والقضاء والقدر، واليوم الآخر...
2- وأما الشريعة: فهي خمسة أقسام: عبادات، ومعاملات، وأحوال شخصية (أسرة)، وقضاء، وسياسة شرعية.
وتُبيِّن الشريعة طريقة عمل المكلَّف في كلٍّ من الشعائر التعبُّدية، والنظام الاجتماعي، والنظام الأُسَري، والنظام الاقتصادي، وفي كل ما من شأنه تنظيم حياة الناس وارتباطاتهم وعلاقاتهم.
ومن جملة البحوث الشرعية الكبيرة بحثٌ اسمه: "أحكام الأسرة"، يبدأ من مراحل ما قبل الزواج، مروراً بالزواج، وانتهاءً بانحلال عقد الزواج بالطلاق، أو بوفاة أحد الزوجين، أو غير ذلك.
3- وأما الأخلاق، فقسمان:
أ-ممدوحة: أُمِرنا بالتحلِّي بها، كالصدق، والأمانة، والوفاء بالوعد..
ب-ومذمومة: أُمرنا بالتَّخلِّي عنها، كالحسد، والحقد، والبخل..
فالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق، ولا يكتمل إسلام المسلم حتى يصحِّح عقيدته، ويلتزم شريعة ربه، ويقوِّم أخلاقه.
ولأن الأحكام الناظمة للأسرة قسمٌ من أقسام الشريعة الخمسة، ولأن المجتمعات عامة، والمجتمعات الإسلامية خاصة أحوج ما تكون إلى إنشاء أسر جديدة، والحفاظ على الأسر القائمة، ولأننا نسمع ونرى تعثر عدد من الناس في إدارة أسرهم؛ شَرَعْنا في هذه الدورة (دورة تأهيلية للحياة الزوجية)، وهذه محاضراتها؛ لعلها تكون لبنة في بناء دعم الأسَر، لتنطلق يوماً أقلام أكثر، ومنابر أكبر، متحدثة في دورات تأهيلية أخَر، وفي صفوف مدرسية، ولربما كانت كليات جامعية، تؤصل نظرياً وعملياً للحفاظ على الأسرة.
ولقد كانت هذه المحاضرات دروساً ألقيَت في مساجد دمشق خلال النصف الأول من عام (2007م)، ثم ألقي بعض منها في المراكز الثقافية، ثم ظهرت لها تسجيلات صوتية ومرئية، ثم بثتها بعض الإذاعات والأقنية الفضائية.
وقد رغب الكثير ممن اطلع على مادتها أن تُنشَر كتاباً يقرأ، وصحفاً تُحفَظ، فأجبت رغبتهم بهذا الذي بين يديكم.
فإن كان صوابٌ في هذه المحاضرات فمن توفيق الله، وإن كان خطأٌ فمن عادة البشر، ورحم الله من رأى خيراً فنشره، أو وقع على زلل فنصح.
{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *} [البقرة: 2/286] .
محمَّد خير الشَّعَّال
دمشق في 1/5/2010
تعاني كثير من الأسر اليوم من مشكلات جوهرية وخلافات حادة تقوم بين الأزواج، تسرق سعادتهم وتؤدي بأسرهم إلى نتائج وخيمة، بعدما انعقدت الآمال على حياة رسموها بأحلامهم..
ويمكن لتلك الأحلام الذهبية أن تتحقق لو أن الأزواج تفهموا بوعي وظيفتهم التي رسمها الله لهم في بناء الأسرة، أهم وظيفة على الأرض، فالإنسان مراد الله، خَلَقه لغاية، لا للهو ولا للعبث ?أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ? [المؤمنون 23/115]. وأن هذا الإنسان (كلا الزوجين) راعٍ مستأمن مسؤول.
هذا الكتاب
دورة حقيقة تبصّر الشباب ذكوراً وإناثاً بطبيعة الحياة الزوجية، وتَقِفُهم على أسباب نجاحها واستمرارها وسعادتها ودواعي إخفاقاتها.. و يضع أيديهم كذلك على النقاط المهمة الدقيقة في العلاقات الزوجية ، ويبحث في طبيعة المشكلات الناجمة عادة.
وأصل الكتاب محاضرات بدأها المؤلف من خطوات الخطبة الأولى، وتدرج بها حتى استقرار الحياة الزوجية. ومن خلال ذلك قدّم نصائح قيّمة للزوجين ، من أجل أن تكون الأسرة قلعة صامدة في وجه العواصف الهوجاء.