ربّما هو الخوف من الفكرة بحدّ ذاتها؟! فعلى الرّغم من جمال هذه الرّواية وتكامل عناصرها إلا أنّ بطلها فيه من العدوانيّة والحقد الشّيء الكثير، ويبرّر العمل كلّ حالات الاغتصاب، التي نجدها كقرّاء في لحظةٍ ما كأنّها سلسلة لن تنتهي، لكن في أهمّ علاقة بين “مصطفى” وحبيبته نجد نهاية بصورة غير متوقعة، فلماذا أيّها الكاتب العزيز؟!
ملاحظة
ما أودّ التنويه إليه أنّ بوح الكاتب في روايته الجميلة تلك، والتّوازن الذي شكّله من صراع بين ثنائيّات ترتكز على الخير والشّر، الأنثى والذّكر، الموت والحياة، الشّرق والغرب … قد أنساه زاوية مهمّة جدّاً، فبطل روايته لا يملك قلباً محبّاً، فأيّ بطلٍ هذا الذي لا يعرف قيمة الحبّ!؟ وهل فعلاً يمتلك صاحب القلم اعترافاً لقارئه يصبح بعده متّهماً بهذا الشّكل؟!
حكمة الصّدفة
هي ليست كيلاً من الاتهامات، إذ من الحكمة دفاع إنسانٍ محاط بهذا الاهتمام عن نفسه أمام مجتمعٍ لا يرحم ولا يقرأ، لكن ما يعترف به هذا الكاتب هو عدم إدراكه أن روايته ستأخذ كلّ هذا الانتشار وكلّ هذا الضّجيج! فهل يمكن القول هنا أن الصّدفة هي من صنعت الأديب “الطّيّب” (عبقريّ الرّواية العربيّة) يا ترى؟!
القاصّ ثمّ الرّوائي
قد لا يذكر كثيرون عن “صالح” القاصّ الأكثر من روائي! إذ يبدو أن روايته “موسم الهجرة إلى الشّمال” تفوّقت في الانتشار، وتمّ انتقائها من أفضل مائة رواية على مستوى العالم، وهذا ما حجب الضّوء على باقي أعماله القصصيّة والرّوائيّة. لكن البعض كرّم شيئاً من أعمال “الطّيّب” كما كان ذلك في تحويل نص رواية “عرس الزّين” إلى مسلسل درامي في ليبيا، وأيضاً تحويلها فيلماً سينمائيّاً للمخرج الكويتي خالد صدّيق، وقد حقّق الفيلم ما حققه في مهرجان “كان” السّينمائي.
هل كان سفيراً ناجحاً للعرب لدى الغرب؟
تساءل البعض كيف يمكن لشخصٍ نشأ في بيئةٍ فقيرة جداً في السّودان من دخول عالم الأدب بهذه القوّة؟! والإجابة تتشكّل تلقائيّاً أنّ الألم والفقد وكلّ البؤس الذي عاشه في الطّفولة هو ما صنعه كاتباً مهمّاً، ونشير أيضاً إلىى ثقافة الانتقال لديه والسّفر بين الجنوب والشّمال والشّرق والغرب منحه معرفةً وخبرةً بنت في ذهنه مقارناتٍ سليمةٍ عبّر عنها بمنطقٍ قصصي وحكائي قريب جدّاً من النّاس، وكذلك مزاولته لمهنٍ إداريّةٍ كثيرة وصلت حتّى منظمة “يونسكو” العالميّة فقد أعطته بعداً آخراً في إدارة الدّفة بنجاح، فكان ربّاناً ناجحاً لإنتاجه الأدبي، وربّما سفيراً ناجحاً للعرب لدى الغرب.
أين نحن اليوم من الطيّب؟!
تحتفي كثير من الدّراسات الأدبيّة والجامعيّة بمنتج هذا الرّوائي، وبالبساطة التي قدّمها بحسٍّ سينمائي في كثيرٍ من الجوانب، وبالخيال المعتمد على البيئة التي طالما افتقدها لكثرة أسفاره والعيش في بلادٍ غير بلاده، وقد حاول البعض إحياء اسمه من خلال جائزة أدبيّة، أو نذكره في يوم ميلاده أو ذكرى وفاته، لكن هل لاحظنا يوماً بأنّ فكر الجيل الجديد بحاجةٍ ماسّةٍ لأمثال هذا الأديب؟ ما هي الطّرق والوسائل في تعريف الأجيال القادمة بمثل هذه الشّخصيّات التي صنعت من لا شيء كلّ شيء؟! أليس من الجدير أن نسمّي إحدى جوائز الأدب باسم هذا الأديب؟! أو حتّى جوائز السّينما أو حتّى منجزاتنا في جوانب أخرى؟!