بعد أيام على مضي اليوم العالمي للترجمة، وسط الاحتفاء بالترجمة والمترجمين، ناقشت ندوة بمعرض الرياض الدولي للكتاب سؤالا مهما هو: "هل الأدب العربي أدبٌ عالمي؟".
وإذا ما اعتبرنا الترجمة مقياسا لعالمية الأدب بسبب خروجها به إلى لغات أخرى، يظل سؤال قدرة الأدب العربي على الانتشار عالميا وتحقيقه للمقاييس الكيفية وقوة حضوره في أسواق النشر الخارجية محل بحث.
وفي هذه الندوة التي أدارها الناقد السعودي سعد البازعي ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2022، جرى نقاش بين كل من الدكتورة جوخة الحارثي الحائزة على جائزة بوكر العالمية عام 2019 عن روايتها "سيدات القمر"، والباحث المغربي سعيد يقطين، والمستعربة الألمانية بياتريس غروندلر رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة برلين الحرة.
واستعرض المشاركون تاريخ الأدب العربي، وتأثيره على آداب الشعوب الأخرى، كما شخصوا واقع الأدب العربي المعاصر، وعاينوا أثره في الأدب العالمي، وناقشوا التحديات والإشكالات التي تواجه حضور الأدب العربي عالميا.
سؤال القدرة على الانتشار
وعبّر الدكتور سعد البازعي للجزيرة نت عن قناعته بأهمية موضوع العالمية الذي شغله لعدة سنوات، مشيرا إلى أنه كتب وحاضر فيه، وأن السؤال الذي طرحته الندوة يمس حضور الأدب العربي على مستوى العالم، مؤكدا أنه لا يقل عن أي أدب آخر من حيث قيمته ومشروعية عالميته وجدارته بذلك، ولكن السؤال الذي ظل ماثلا هو قدرته على الانتشار الذي لا يتحقق إلا من خلال الترجمة والدراسات التي تُعنى به وتعرف به في العالم.
وتحدثت مؤلفة كتاب "نشوء الكتاب العربي"، المترجم إلى العربية، بياترس غروندلر، عن أن الأدب العربي أدب عالمي في تاريخه، وعُرف منه الكثير من الأعمال الأدبية في العالم مثل "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة" وغيرها، بالإضافة إلى شعراء وكتاب كبار مثل المتنبي، مؤكدة أن الأدب العربي المعاصر لا يقل أهلية عن سواه في الحضور العالمي.
معايير العالمية
أما الناقد والباحث المغربي الدكتور سعيد يقطين فركز على إنسانية الأدب العربي التي تجعله مؤهلا للعالمية. وعدد الناقد معيارين يقاس بهما حضور الأدب عالميا، وهما المعيار الكمي من حيث رواج الأدب وذيوعه عالميا بسبب الترجمة ودور الإعلام الثقافي، والجوائز، وتحويل النصوص الأدبية إلى السينما؛ والمعيار الثاني -وفق يقطين- هو الذي يبين لنا خصوصية الإنتاج الأدبي وجماليته من جهة، وأثره في الأدب العالمي من جهة ثانية.
وعن اهتمام العرب بالعالمية وحلمهم بها، رأى يقطين أنها غير دالة دائما على التميز الإبداعي. لأن الترجمة والانتشار من المسائل التي يحلم بها كل مبدع في أي مكان من العالم، لكن ذلك في نفس الوقت لا يعني أنه يجعل الأثر الأدبي عالميا.
وأضاف "قد نترجم بعض أعمالنا إلى لغات متعددة، لكن هذه الأعمال إذا لم توازِ نصا أدبيا متفردا، وإذا لم تكن ذات خصوصية تضاف إلى التجربة الإبداعية في زمانها، فإنها لا تكون عالمية".
دور الترجمة
واعتبر الدكتور سعد البازعي أن الجانب الكيفي متحقق، ولكن ليس بالقدر الذي تحقق لآداب أخرى، أولها الأدب المكتوب باللغة الإنجليزية، حيث لا أحد ينافس شكسبير أو جورج أورويل في الانتشار، مؤكدا أن اللغة الإنجليزية تضمن للكثير من الكتاب والمؤلفين الحضور العالمي، إلى جانب اللغات الأوروبية الأخرى كالفرنسية والألمانية والإسبانية، لكن الإنجليزية تحظى بنصيب الأسد.
وخلص البازعي في حديثه مع "الجزيرة نت" إلى أن ما ينبغي أن نعمل عليه لنصل بالأدب العربي إلى لغات أخرى يكمن في رفع نسبة حضوره فيها، مشيرا إلى إحصائية مفادها أن أكثر من 40% مما يُترجم إلى اللغات الأخرى قد ترجم من اللغة الإنجليزية، وأن لغات مثل الإسبانية والفرنسية والألمانية لم تصل إلى أكثر من 12.5% تقريبا مما ترجم منها إلى اللغات الأخرى، بينما لغات مثل الصينية والعربية لم تتجاوز 1% مما ترجم إلى اللغات الأخرى.
مسؤولية مشتركة
من ناحيتها، استعرضت الروائية العمانية جوخة الحارثي رحلة فوز روايتها "سيدات القمر" التي ترجمتها مارلين بوث إلى الإنجليزية بجائزة مان بوكر العالمية، وتعد أول الروائيين العرب في الحصول على هذه الجائزة للروايات المترجمة، وقد أحدث فوز الرواية صدى حول العالم، إلى جانب ترجمتها إلى 24 لغة، وأشارت إلى ضرورة اشتغال الجانبين، العرب من جهة والمؤسسات الأخرى في العالم من جهة ثانية.
وفي حوار سابق للحارثي مع الجزيرة نت كانت قد أكدت أنها تثق بجودة الأدب العربي وقدرته على المنافسة عالميا وليس لديها شك في ذلك، أما التحديات فأوجزتها في خطوات الترجمة ودور النشر وانتشار الكتاب، وهي -وفق الحارثي- خطوات معقدة جدا.