يحتضن عددا من الندوات والأمسيات النوعية التي تثري برنامجه الثقافي.. قد يصح القول إن الأيام العشرة التي تشرع فيها السعودية عاصمتها لمعرض الكتاب الدولي بدءاً من اليوم الجمعة 1 أكتوبر (تشرين الأول) "هي أكثر من 15 قرناً تسعى الرياض من خلالها لاختزال ثقافتها في عشرة أيام"، بدءاً من عصور الجاهلية ومعلقاتها اللاتي توشحت بهن "أستار الكعبة" والتي ستكون رقمية للمرة الأولى، وعبور الزائرين والمثقفين من شارع المتبني القادم من قرون العباسيين الأوائل، ووصولاً إلى ليالي "كوكب الشرق" الطربية وأبرز شعراء حقبتها، والـ1000 دار نشر مختلفة المشارب، والـ30 دولة مشاركة، وأمسيات وندوات مدن بابل والنمرود، إضافة إلى أميرات دزني الحاضرات لسرد قصصهن لأول مرة في البلاد التي تعيش أبرز تظاهرة ثقافية في مجال الكتاب وقطاع النشر.
مساء الخميس، افتتح نيابة عن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، المعرض الدولي الذي يحمل شعار "وجهة جديدة، وفصل جديد"، وهي أول دورة تنظمها وزارة الثقافة السعودية منذ أن انتقلت إليها مهمة معرض الكتاب، الذي يمتد خلال الفترة 1 - 10 أكتوبر الجاري في موقعه الجديد بواجهة الرياض، وهو الأكبر على الإطلاق في تاريخ مناسبات معرض الكتاب في السعودية.
بل الأكبر في المنطقة
حضر حفل الافتتاح حسن ناظم، وزير الثقافة والسياحة والآثار في العراق وعبد الستار الجنابي سفير العراق لدى السعودية، باعتبارهما ممثلين للعراق الذي تم اختياره ليكون ضيف شرف دورة هذا العام.
يقول الأمير الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان "إن معرض الرياض الدولي للكتاب هو بوابة النشر العربي والأكبر في منطقتنا من حيث عدد الزوار وحجم المبيعات ودور النشر المشاركة"، ويضيف "10 أيام من الكتب والمعرفة والفنون وشؤون ثقافية أخرى".
وفي كلمة وجهها الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة محمد حسن علوان، للمشاركين والزائرين قال "مرحباً بكم في الرياض، يسعدنا أن تكون هذه النسخة استثنائية، هي الأكبر في تاريخ معارض الكتاب التي أقيمت في السعودية".
ثمة كرنفال كبير غير مسبوق ممزوج بين الثقافة والفن على أرض تقدر مساحتها بـ36 ألف مربع ينتظره القراء، ولن يكون المهرجان الثقافي مقتصراً على الورق ولا على الوراقين وعالمهم الواقعي المحسوس، إذ إن هناك أيضاً معرضاً افتراضياً لبيع الكتب لتسيهل وصول الثقافة إلى من حالت دون حضورهم المسافات والبحار، وهي خطوة لاقت استحسان عشاق لغة الضاد.
ضيف الشرق العراق
ويحل العراق ضيف الشرف لهذا العام، عبر سلسلة من الندوات والأمسيات الشعرية، كما سيشارك وزير الثقافة العراقي في لقاء بعنوان: "الثقافة وبناء الدولة"، ويقول وزير الثقافة العراقي في حوار نشرته "اندبندنت عربية"، إن الدعوة التي وجهتها السعودية إلى العراق "تمثل فرصة ونافذة فنية رائعة لكلتا الثقافتين، بوصفها لقاء الأخوة والمثقفين العراقيين بالمثقفين السعوديين والعرب في احتفال ضخم هو احتفال الكتاب، ولذلك كانت استعدادات العراق واسعة وعريضة، وستكون هناك أمسيات شعرية للعراق وأخرى مشتركة بين شعراء عراقيين وسعوديين، وندوات فكرية يحاضر فيها مثقفون ومفكرون عراقيون وأستاذة جامعيون من العراق".
كما سيكون هناك ندوة عن "موروث الفن العراقي"، وندوة أخرى بعنوان، "مدن آثارية (أور، بابل، النمرود)"، كما يلتقي جمهور الأدب مع ندوة عن "عوالم الشاعر محمد مهدي الجواهري الإنسانية والأدبية"، تشارك فيها ابنته خيال محمد الجواهري، وندوة عن بدر شاكر السياب بعنوان: "غابات النخيل، جولة في حياة بدر شاكر السياب وشعره"، تشارك فيها ابنته آلاء بدر السياب. وندوة عن الناقد العراقي علي جواد الطاهر وجهوده في التأريخ للأدب السعودي، إضافة لعدد من الأمسيات الشعرية والفنية.
المعلقات من أستار الكعبة إلى الجداريات الرقمية
ولربما أن الخطوة التي جاءت من القرن الخامس ما قبل الإسلام، حين كان الشعراء في العصر الجاهلي يعلقون قصائدهم (المعلقات السبع) التي كتبت بماء الذهب على أستار الكعبة قبل الإسلام، ستتغير في القرن الـ21 إذ ستكون حاضرة لكن بطريقة "رقمية مبتكرة" وعلى جدارية على شكل أعمدة ستعرض مقتبسات من المعلقات الأهم في تاريخ الشعر العربي إضافة إلى معلومات عن الشعراء بطريقة إبداعية وشيقة.
مؤتمر للناشرين
يصاحب المعرض، الذي ألغيت دورته عام 2020 بسبب جائحة كورونا، والذي تقام فعالياته في 4 مواقع مختلفة، مؤتمر الناشرين الذي يقام للمرة الأولى في السعودية يومي الإثنين والثلاثاء (4 و5 أكتوبر الجاري)، ويستضيف الناشرين من مختلف أنحاء العالم ويضم ورشاً للعمل متخصصة في مجال صناعة الكتب والنشر، وهو بحسب "هيئة الأدب" سيقدم فرصاً مثالية لبناء وتعزيز العلاقات بين الناشر المحلي والعربي والدولي، وذلك من خلال 12 جلسة حوارية يشارك فيها 42 متحدثاً من المملكة والعالم، وتتناول جوانب متعددة من واقع صناعة النشر المحلية والإقليمية وسبل معالجة أوجه القصور فيها، من أجل تطويرها ورفع مستوى إسهاماتها في التنمية الثقافية العربية.
المسارات الثلاثة
وستشهد الدورة الجديدة للمعرض، الذي تشرف عليه هيئة الأدب والنشر والترجمة الوليدة، توسعاً كبيراً في أنشطته وفعالياته المتنوعة، التي تمثل 16 قطاعاً ثقافياً، وفي أعداد الناشرين والكتب. ويوزع البرنامج الثقافي للمعرض على ثلاثة مسارات رئيسة.
أولها، أمسيات "حديث الكتاب" التي ستكون مليئة بالقصص والحكايات حول كواليس تأليف الكتب وسيُستضاف فيها تسعة من المؤلفين السعوديين والعرب والعالميين للحديث عن تجاربهم في الكتابة والتأليف، وهم: الأمير تركي الفيصل، والشيخة هند القاسمي، والرحالة والمؤلف السعودي عبد الله الجمعة، والروائي الكويتي مشعل حمد، والروائي الأردني أيمن العتوم، والمؤلف الأميركي جوردان بيلفورت، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، والطاهي والمؤلف الأميركي ماركو بيير وايت، والمؤلف الأميركي كريس غاردنر صاحب الكتاب الشهير "السعي نحو السعادة".
فيما سيتحدث في المسار الثاني المسمى "لقاءات ثقافية" أكثر من 100 مثقف وناقد من مختلف الجنسيات عن قضايا أدبية وثقافية مُلحة من خلال 36 ندوة ومحاضرة تقام على مدى أيام المعرض العشرة، أما المسار الثالث فسيخصص لأمسيات التكريم والجوائز للشخصيات والمثقفين.
وإلى جانب ذلك ينظم المعرض أكثر من 60 ورشة عمل، يقدمها أكثر من 100 متخصص في مجالات متنوعة، من بينها ورش عن الكتابة والتأليف، وصناعة الأفلام والمسرح وفنون الطهي وغيرها من المجالات، تشمل ورشاً عن فنون الطفل، وتراث الأزياء في السعودية، وعوالم الكتابة في الخيال العلمي، وطرق تحفيز الأطفال على القراءة، ومراحل تأسيس الوكالة الأدبية، ودور وامتيازات الوكيل الأدبي، والكتابة المعمارية، وما الذي يمكن للفلسفة أن تتعلمه من الأطفال، وتقنيات كتابة قصص الكوميك والمانجا. إضافة إلى ورش في فنون الطبخ يقدمها طهاة مشهورون.
جادة الثقافة
ويحتضن المعرض في ما سماه "جادة الثقافة" فعاليات ثقافية في 16 منصة على امتداد "واجهة الرياض"، كما يقدم المعرض في مسرح جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أربع أمسيات غنائية وموسيقية ذات قيمة فنية رفيعة، تبدأ بأمسية غنائية للفنان عبد الرحمن محمد، ثم أمسية موسيقية للموسيقار المصري عمر خيرت، وأمسية تجمع الموسيقي العراقي نصير شمة بمواطنه سعدون جابر، فيما ستتناول الأمسية الرابعة الأغاني الشهيرة التي كتبها الشاعر الراحل الأمير عبد الله الفيصل لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما من نجوم الأغنية العربية.
مكتبة الخيال
يصاحب الفعاليات الكبرى للمعرض الدولي، فعاليات فنية استحدثتها هيئة الأدب والنشر، منها الفعالية الفنية التي تقوم على تحويل الكتب بأفكارها وقصصها إلى مشاهد جاذبة للزوار، وكتبت الهيئة عن الفعالية "لا تكتفِ بالخيال، فالقصة في انتظارك لتستمتع بها بعد تجسيدها وتصويرها".
مكتبة الطفل
للطفل أيضاً نصيب وافر من الاهتمام والندوات وورش العمل، ذلك بعد أن خصصت الهيئة القائمة على المعرض الدولي جناحاً خاصاً للطفل، يهتم بكل ما يتعلق بثقافة الطفل والأنشطة الموجهة إليه، ويعتبر عاملاً مساهماً في تعزيز نموه، وتطوير مهاراته ضمن إطار ترفيهي وتعليمي، وذلك بمساعدة مجموعة من المتخصصين في مجال ثقافة الطفل. يقدر حجم استثمار السعوديين في قطاع النشر بـ4.5 مليار ريال سنوياً، وذلك حصيلة نتاج 500 دار نشر سعودية، بحسب الوكالة الأنباء الرسمية (واس) التي كتبت في تقرير أن "السعودية من الدول الواعدة في مجال النشر الذي شهد نمواً متصاعداً خلال العشرين سنة الماضية".