تخطي إلى المحتوى
برشلونة تحيي "اليوم العالمي للكتاب" بالكتب والورود برشلونة تحيي "اليوم العالمي للكتاب" بالكتب والورود > برشلونة تحيي "اليوم العالمي للكتاب" بالكتب والورود

برشلونة تحيي "اليوم العالمي للكتاب" بالكتب والورود

إذا كانت جادّة "لا رامبلا" (الرملة) الشهيرة في برشلونة، مشهورة بازدحامها الدائم، لاسيما فترة الربيع والصيف، مع توافد السياح الذين يقصدون المدينة من أنحاء العالم كافة إلى هذا المعلم السياحي الأيقونيّ، فإنها تتحوّل يوم 23 أبريل/نيسان، من كل عام، والذي يتزامن مع احتفالات اليوم العالمي للكتاب، إلى أكبر معرض للكتاب في الهواء الطلق، حيث تنتشر مئات أكشاك بيع الكتب وعرضها على طول الجادة التي تبلغ 12 كيلومترا، جنبا إلى جنب الورود الحمراء، احتفاء بما يعتبره الكاتلانيون "يوم الحب" أو "عيد العشاق" الخاص بهم، والذي يتخذ مسمى "احتفالات القديس جوردي"، فيبدو مألوفا، على امتداد الجادّة، كما في كافة أنحاء برشلونة، بل وإقليم كاتالونيا بأكمله، أن ترى العشاق يمشون يدا بيد، حاملين الورود الحمر والكتب التي يتهادونها في ما بينهم.

الورود للنساء والكتب للرجال

مازحت الصديق الذي رافقني في هذه الرحلة الفريدة في جادتي "لا رامبلا" و"باسيج دي غراسيا" الشهيرتين في برشلونة، واللتين تشهدان معظم فعاليات الاحتفال بيوم القديس جوردي، حول التقليد الشهير بأن يهدي الرجل في هذا اليوم امرأته وردة حمراء، في حين تهديه هي كتابا، قائلا إن هذا لابدّ نابع من إدراك المجتمع الكتلاني، أن النساء أحوج ما يكنّ إلى الحبّ والرومانسية، في حين يبدو أن ما ينقص الرجال هو شيء من التمدّن والتهذيب اللذين يعهد أمرهما إلى الكتب والقراءة. 

لكنّ الصديق الذي يقيم منذ سنوات في برشلونة، اعتبر هذه أيضا صورة نمطية، لا تختلف جوهريا كثيرا عن فكرة أن الذكور هم الذين يقرأون (العقل) في حين لا شغل للمرأة سوى أمور القلب، وأوضح لي أن هذا التقسيم الصارم الذي لطالما صاحب احتفالات يوم القديس جوردي، لم يعد في أيامنا هذه بهذه الصرامة. فالورود، كما الكتب، يمكن أن تهدى معاً إلى الشخص نفسه، من الجنسين، بل وتجاوز الأمر العشاق، إلى جميع أفراد العائلة، بل وحتى الأصدقاء وزملاء العمل. إنه باختصار اليوم الذي يعرب فيه كلّ شخص عن حبّه وتقديره لأحبته وأفراد عائلته والمحيطين به. إلا أن القصّة القديمة المألوفة تظلّ جميلة، ويظلّ أهل إقليم كاتالونيا في إسبانيا فخورين، بأن "عيد العشاق" الخاص بهم، يأتي في يوم مختلف عن العالم أجمع.

وأياً تكن النسخة المفضّلة من القصة، فإنّ "يوم القديس جوردي" يظلّ  بالنسبة إلى الكاتالونيين أكثر من تقليد له أصول دينية، فهو مناسبة يعبّرون فيها عن هويتهم الثقافية والقومية وعن توقهم الدائم إلى إعلان هذه الهوية على الملأ، وباتت المكانة السياحية العالمية المتقدّمة لعاصمة إقليمهم برشلونة، ووجود مدينتهم تحت الأضواء في هذا اليوم كما في أيّ يوم آخر، فرصة لتجديد الإعلان عن توقهم الدائم إلى الاستقلال والانفصال عن إسبانيا. ولعلّ الصورة التي التقطتها بالأمس عدسات الكامير لرجل يرفع علما ضخما، يمثل كاتالونيا، وهو العلم نفسه الذي كثيرا ما نراه مرفرفا على شرفات المنازل أو معلقا على جدران المباني في الإقليم، وسط نهر البشر في جادة "لا رامبلا"، خير تعبير عن الأهمية الرمزية التي يوليها أهل الإقليم لهذه المناسبة الوطنية الثقافية.

 

حكاية القديس جوردي تتشاركها مختلف الثقافات عبر العالم مع بعض الفروقات، فالمدينة في إحدى الروايات ليست إلا بيروت، حيث تقع اليوم كاتدرائية القديس جاورجيوس المعروفة، أما القديس جورج في ثقافات أخرى فهو نفسه "الخضر" في الثقافة الإسلامية

 

 

الأسطورة

يعود الاحتفال بيوم القديس جوردي (القديس جورج في ثقافات أخرى) إلى أسطورة قديمةتفيد بأنّ تنينا أحكم سيطرته على مدينة (مملكة) "مونت بلان"، مما اضطر السكان إلى التضحية يوميا بأحد السكان، لإشباع جوع التنين ونيل رضاه، حتى وقع الاختيار ذات يوم على ابنة الملك، فيقوم شاب شجاع يدعى "جوردي" أو "جورج" أو "جورجيوس" أو حتى "الخضر" في ثقافات أخرى، بقتل التنين وتخليص الأميرة من براثنه ويتزوجها بعد ذلك. وتقول الأسطورة نفسها إنه حيث نزف التنين نبتت ورود حمراء. 

هذه الحكاية تتشاركها مختلف الثقافات عبر العالم مع بعض الفروقات، فالمدينة في إحدى الروايات ليست إلا بيروت، حيث تقع اليوم كاتدرائية القديس جاورجيوس المعروفة، أما القديس جورج في ثقافات أخرى فهو نفسه "الخضر" في الثقافة الإسلامية. وبصرف النظر عن الخلفية التاريخية والدينية والأسطورية، فإن المثير للإعجاب حقا هو كيف حوّل الكاتلانيون هذا اليوم لترسيخ مكانة مدينتهم وجهة عالمية، من الناحيتين الاقتصادية والسياحية والثقافية معاً. فتفيد الأرقام الصادرة عن جهات رسمية في كاتالونيا بأن أكثر من مليون ونصف مليون كتاب تباع في هذا اليوم وحده، في برشلونة وحدها، في حين يصل العدد في أنحاء الإقليم إلى نحو مليوني كتاب، كما يصل عدد الورود التي تباع إلى 7 ملايين وردة، ما نسبته 40 بالمائة من الورود التي تباع في الإقليم طوال العام.

مدينة الآداب

ولعلّ هذا التقليد الذي تحافظ عليه برشلونة على وجه الخصوص منذ العام 1929، عندما قررت المدينة بالتزامن مع إقامة إكسبو برشلونة في ذلك العام، أن تشجّع القراءة والكتابة عبر عرض الكتب وبيعها في أرجاء المدينة، هو ما دفع لاحقاً بمنظمة أونيسكو إلى إعلان برشلونة "مدينة الآداب"، وذلك بعد أن تحوّلت إلى مدينة عالمية للنشر، سواء عبر دور النشر المحلية التي شهدت أعدادها وأنشطتها طفرة كبرى لا تزال مستمرة، أو عبر اتخاذ عدد من دور النشر العالمية، مثل بنغوين راندوم هاوس، برشلونة جزءا من مقارها العالمية.

 

يباع مليون ونصف مليون كتاب في هذا اليوم، في برشلونة وحدها، في حين يصل العدد في أنحاء الإقليم إلى نحو مليوني كتاب، كما يصل عدد الورود التي تباع إلى 7 ملايين وردة، ما نسبته 40 بالمائة من الورود التي تباع طوال العام

 

 

ومع إعلان يونسكو ابتداء من 23 أبريل 1995، هذا التاريخ يوما عالميا للكتاب (الاسم الرسمي هو "اليوم العالمي للكتاب وحقوق النشر") احتفاء بعملاقين من عمالقة الأدب العالمي وهما شكسبير وسرفانتس، فهذا اليوم يتزامن مع ذكرى وفاة الأول وذكرى ولادة الثاني، لكنّ بذور الفكرة ولدت في 1922 مع اقتراح تقدم به رئيس دار نشر سرفانتس في برشلونة، فينسنت كلافيل في ذلك الحين، إلا أن الاحتفال به بدأ رسمياً في 7 أكتوبر، لينتقل بعد ذلك وابتداء من العام 1929 إلى يوم مولد سرفانتس في 23 أبريل من كل عام.

وفي جميع المواقع الرئيسية في المدينة، يوم 23 أبريل، ستجد طوابير تمتد كيلومترات من القرّاء الذين ينتظرون لقاء كتابهم المفضلين والحصول على تواقيعهم على نسخ من كتبهم، وبالتالي تحولت المناسبة من مجرد مناسبة اقتصادية تنعش قطاع النشر، إلى فرصة للترويج للكتب بمختلف أنواعها، وبمختلف اللغات، ولاسيما كتب الأدب، حيث تشكّل آداب أميركا اللاتينية، جزءا مهما من حصّة الكتب المعروضة في هذا اليوم، إلى جانب الكتب الإسبانية والكاتلانية.

المصدر: 
مجلة " المجلة"