أسدل المعرض الدولي للنشر والكتاب الستار على فعاليات دورته التاسعة والعشرين، التي احتضنتها العاصمة المغربية الرباط، طيلة الفترة الممتدة من 10 إلى 19 أيار/ مايو الحالي، برعاية العاهل المغربي محمد السادس.
وداع أي دورة للمعرض ليس بالهين على العديد من المشاركين فيه، مثل دور النشر، أو المنظمات الثقافية التي ساهمت بقسط وافر في برنامجه العام، كما أنه صعب على عموم الزوار من سكان الرباط، الذين حجوا كالعادة بكثافة، ناهيك عن المدن الأخرى، التي جاءت منها قوافل عشاق الكتاب، بل هناك من اقتطع من عطلته السنوية فترة زمنية كافية لمعانقة الحدث، الذي يعتبر بحق الأبرز في المشهد الثقافي خلال السنة؛ وهو الأمر الذي أثبتته الأعداد الغفيرة التي حجت إلى فضاء المعرض، والتي تجاوزت 316 ألف زائر بارتفاع نسبته 32%.
الدورة التي أسدلت عليها وزارة الثقافة الستار الأحد، تميزت بحلول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) كضيف شرف، وذلك تتويجا للتعاون المثمر بينها وبين المغرب، وفي سياق يشهد تحقيق جملة من الاستحقاقات التي تكرس القيمة الاعتبارية لمجموعة من العناصر الثقافية المغربية ذات البعد الإنساني. كما تميزت بتخصيص فقرات ثقافية عالجت مواضيع تتسم بالراهنية، من خلال تقديم جديد الإصدارات الصادرة في موسم 2023-2024، وجرى أيضا الاحتفاء بتجربة الكاتب المغربي الراحل إدمون عمران المالح، وخُصص فضاء لإبداعاته استحضارا لقيمته وقامته في الثقافة المغربية، وشارك في اللقاء المتعلق بالمنجز الحافل للمحتفى به، الأكاديمي إدريس اخروز، ومستشار العاهل المغربي، أندري أزولاي، والروائي والشاعر ووزير الثقافة السابق محمد الأشعري، والباحث محمد الحبيب سمرقندي. وأشارت وزارة الثقافة في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة منه، إلى أن الدورة 29 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، شهدت مشاركة 48 بلدا وعرض 100 ألف، عنوان تندرج ضمن حقول معرفية مختلفة، وأصناف إبداعية متنوعة. كما أن البرمجة الثقافية اتسمت بالكثافة والتنوع، بصورة جعلت من فضاءات المعرض ملتقى فكريا وإبداعيا، ساهم فيه مفكرون وباحثون وروائيون وشعراء، حيث بلغ مجموع الأنشطة أكثر من 1480 فقرة ثقافية، توزعت بين تلك التي تم تنظيمها وزارة الثقافة، أو وزارات أخرى ومؤسسات وهيئات حكومية، ناهيك عن هيئات ومؤسسات المجتمع المدني التي حضرت بقوة من خلال لقاءات بصمت على حضور مميز.
بيت الشعر في المغرب، مثلا، كان حاضرا ومعه أسماء إبداعية مغربية احتفت بتجربة أحمد المسيح الشاعر الأصيل، رابطة كاتبات المغرب وافريقيا برواقها خلقت الحدث وحجت إليها كاتبات وكتاب، النقابة الوطنية للصحافة المغربية برواقها المعتاد أيضا تحولت إلى محج للصحافيين والصحافيات، وجرى توقيع إصدارات تنوعت بين الدراسات والبحوث والإبداعات. هيئات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني كانت حاضرة أيضا من خلال البرنامج العام، الذي يبدو أنه عجز عن استيعاب كل طلبات التنظيم، لكنه نجح في أن يكون مثل مزهرية كل مشارك يضع وردته فيها ويمضي. الأطفال نالوا نصيبهم في معرض الكتاب، حيث قدمت الدورة عرضا تثقيفيا وترفيهيا تحت شعار «السعادة بالألوان»، استهدف تنمية المعارف وتطوير المدارك، عبر ورشات متنوعة وقصص عالم الأبطال الخارقين.
ولم يسلم معرض الكتاب في نسخته 29 من النقد والهجوم والتقريع، وكانت شماعة البعض حضور الكاتب السعودي أسامة المسلم، الذي تحولت معه أروقة المعرض إلى ممرات لنجوم من نجوم الروك أو السينما. بعضهم عاب على الجمهور الشاب اصطفافه بالمئات تحت الشمس الحارقة، وفي أيديهم نسخ من روايات بهدف توقيعها من طرف كاتبها أسامة المسلم، وبعضهم وجد في ذلك الجواب على غياب القارئ، وحضور ما يمكن أن يثير جيل جديد نحو العودة إلى حضن الكتاب الورقي.
الشماعة الثانية التي علق عليها المنتقدون لعثرات الحدث، تمثلت في زيارة قام به الفنان المصري محمد رمضان، لأروقة المعرض الدولي للنشر والكتاب، الرجل تجول بين الكتب، وكان برفقته وزير الثقافة شخصيا وبعض مسؤولي الوزارة، واعتبرت نصرا تسويقيا لفريق الوزير، فيما اعتبرها النقاد ضربة لجدية وجودة برنامج المعرض والمشاركين فيه من أسماء وازنة وكبيرة. احتد الجدل ليس حول زيارة الفنان محمد رمضان، واعتبر البعض أن هذا حقه، لكن البعض الآخر انتقد الطريقة التي بها تم استقباله والبهرجة الإعلامية التي رافقته، يقول مدون غاضب من تجاهل مثقفين كبار مروا في صمت بين أروقة المعرض، في مقابل الصياح لأسامة المسلم والبكاء للقاء محمد رمضان، كما فعلت سيدة وابنتها.