تخطي إلى المحتوى
تنظيم «الحشاشين»: مادة خصبة للخيال الغربي تنظيم «الحشاشين»: مادة خصبة للخيال الغربي > تنظيم «الحشاشين»: مادة خصبة للخيال الغربي

تنظيم «الحشاشين»: مادة خصبة للخيال الغربي

ما يزال تنظيم الحشاشين يثير مخيلة الإعلام العالمي بشكل عام والعربي بشكل خاص، حتى إن مسلسلا شهيرا عنهم بدأ عرضه قبل فترة قصيرة، مثيرا الكثير من الاهتمام، كما كان هذا التنظيم مادة خصبة للخيال الغربي بالنسبة لبعض الأعمال الأدبية الخيالية، وحتى الأفلام السينمائية وألعاب الفيديو وقصص الأطفال المصورة، ولا علاقة لكل هذا بالتاريخ. وقد اشتهر أعضاء هذا التنظيم لسببين، أولهما تبنيهم أسلوب اغتيال أعدائهم، إذ كانوا الأشهر في هذا المجال، لاسيما في طريقة تنفيذهم لتلك الاغتيالات وعدد ضحاياهم الكبير. أما السبب الثاني، فكان الادعاء بأنهم كانوا يتناولون مخدر الحشيش الذي كان أيضا مصدر تسميتهم بـ»الحشاشين». وهناك من أخذ يكذب هذا الادعاء مؤخرا وبإصرار، ولكن لم يكذب أحد عمليات الاغتيال التي اشتهروا بها، أو حتى يقلل من شأنها، وكأن تناول الحشيش أسوأ من القتل. وأحد أكثر المصادر التي زادت من أسطورة التنظيم كانت الكتابات المنسوبة إلى الرحالة الإيطالي ماركوبولو.
إذا كان الحشاشون يستعملون مخدر الحشيش فعلا، فلم يكونوا الفرقة الدينية الوحيدة التي قامت بذلك، فهناك من سبقهم في اليونان القديمة ومناطق أخرى، وما تزال بعض الطوائف الدينية في عدة مناطق في العالم تتبع ذلك، ومنها إحدى الكنائس في الولايات المتحدة الأمريكية. أما بالنسبة للاعتماد على الاغتيال، فلم يكونوا أول ولا آخر من قام بذلك في الشرق الأوسط والعالم، حيث ظهر هذا الأسلوب في مناطق كثيرة في العالم، فالصليبيون استعملوا هذا الأسلوب، ولكن عدد ضحايا الحشاشين كان بالتأكيد الأكبر، بالإضافة إلى كون ضحاياهم أسماء لامعة في عالمي السياسة والقضاء. وكان نمط الاغتيالات التي قاموا بها غريبا جدا لأن الأغتيال كان دائما بالخنجر وأغلب الأحيان أمام الملأ، وغالبا ما كان القاتل يدفع حياته ثمنا لما قام به.
ظهر الحشاشون في مرحلة مهمة في التاريخ العالمي، ألا وهي فترة الحروب الصليبية، إذ أنها كانت المرة الأولى التي تقوم بها الدول الأوروبية بحملة عسكرية خارج القارة الأوروبية، مما يعد مرحلة بالغة الأهمية في التاريخ الأوروبي تاركة أثرا بالغا في الثقافة الأوروبية.

البداية

كان الحشاشون في الحقيقة تنظيما دينيا، إذ كانوا شيعة إسماعيليين نزاريين. وكان التنظيم قد أسسه شخص يدعى حسن الصباح، حيث ادعى أنه اتبع نزار بن المستنصر (1045 ـ 1095) الذي دخل في صراع لوراثة الخلافة الفاطمية وفشل في مسعاه في القرن الحادي عشر. وما نعرفه عن حسن الصباح قليل جدا، فقد ذكرت بعض المصادر المتأخرة (أي أنها كتبت بعد وفاته بفترة) أنه كان من مواليد مدينة قم الإيرانية ربما عام 1050 ومن أب عربي هاجر من الكوفة، وتعود أصوله إلى العوائل المالكة في اليمن. وعلى الأغلب أن هذه التفاصيل خيالية تماما، وقد ألفت لجعل أصول الرجل نبيلة وغريبة بشكل يثير الأعجاب، كما يربطه هذا بالعرب والفرس في آن واحد، مما يزيد من دعايته في أوساط الطرفين. ولكن جميع المصادر تذكر أن كل ما كتبه حسن الصباح كان باللغة الفارسية، ما يعني أنه لم يُجِد العربية أصلا. ولذلك، فإن القصص التي ذكرت لاحقا حول رحلاته ودراسته في مصر قد تكون من نسج خيال أتباعه لاحقا، للرفع من مكانة الرجل. ومما هو جدير بالذكر أن جميع قادة الحشاشين كانوا من الفرس. تذكر المصادر المتأخرة أيضا أنه كان عالما في الرياضيات والفلسفة، ويجب الإشارة هنا إلى أن الادعاء بالفلسفة طريقة معروفة اتبعتها عدة تنظيمات دينية في الشرق الأوسط وأوروبا، لإعطاء الانطباع بأنها تنظيمات ثقافية عالية المستوى ما يضفي الكثير من الاحترام لها. برز حسن الصباح عندما استولى على قلعة ألاموت الحصينة في شمال إيران دون قتال، حيث تدعي المصادر أنه أقنع الكثير من العاملين في القلعة بالانضمام إلى جماعته، وبالتالي أجبر صاحب القلعة على التنازل عنها أو بيعها. وبسط حسن الصباح سيطرته على المناطق المجاورة. وأصبحت هذه القلعة المعقل الرئيسي للتنظيم ومركزا رئيسيا لدعوته. وعندما توفي عام 1124 بقي اسمه مرتبطا بالتنظيم وتحول إلى أسطورة.

سوريا

أسس التنظيم فرعا له في سوريا في بداية القرن الثاني عشر على يد أحد القادة الفرس، حيث أقام تحالفات مع حكام محليين ساندوه مقابل قيام التنظيم باغتيال منافسيهم. وكان هذا أسلوب تميز به الحشاشون، إذ أنهم كانوا يقومون باغتيال أعدائهم وأعداء حلفائهم، بالإضافة إلى استلام مبالغ مالية لقتل من ليس له علاقة بهم، فمثلا اغتال الحشاشون حاكم طرابلس الصليبي ريموند الثاني لأسباب غير واضحة، إلا إذا كان الحشاشون قد قاموا بذلك نيابة عن أحد أعدائه، إذ كان كبار الصليبيين في عداء مع السلاجقة، وحتى مع بعضهم بعضا أحيانا. وقد ندم الحشاشون على ذلك الاغتيال بعد ذلك. وعلى الرغم من أنهم اغتالوا بضعة قادة صليبيين، فإن الأغلبية العظمى من ضحاياهم كانوا من المسلمين. وفي سوريا استولى الحشاشون على قلعة مصياف حوالي عام 1140 التي أصبحت قاعدتهم الرئيسية في المنطقة، كما كانت لهم ثماني قلاع أخرى في شمال سوريا. وشهد القرن الثاني عشر ظهور اثنين من أشهر قادة الحشاشين، وهما حسن الثاني في قلعة ألاموت الفارسية، ومبعوثه رشيد الدين سنان الذي ترأس الفرع السوري، واشتهر في المصادر الغربية باسم شيخ الجبل. ولكن في تلك الفترة ظهر أول أعدائهم الحقيقيين، هو عماد الدين زنكي الذي كان أول من دخل في مواجهة حقيقية مع الصليبيين ثم ابنه نورالدين زنكي الذي حكم الموصل وحلب ودمشق وكان أكثر كفاءة وقوة من والده. وكان واضحا للحشاشين أن نور الدين يشكل خطرا حقيقيا عليهم، فتقربوا من الصليبيين، لاسيما وأن علاقتهم المتبادلة كانت قديمة.
لم يكن الصليبيون جبهة موحدة، فمناطقهم مقسمة ويحكم كل قسم أمير مستقل عن الآخرين بالإضافة إلى الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية (إسطنبول حاليا) الذي كان حليفا ومنافسا لهم في الوقت نفسه، إذ كان كل منهم يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، وبالتالي ثروته، وبالإضافة إلى ذلك كانت هنالك تنظيمات مسلحة مستقلة عن هؤلاء الأمراء الصليبيين، وأشهرها تنظيم فرسان الهيكل القوي، الذي استولى على مساحات واسعة من أراض كان الحشاشون قد استولوا عليها وفرض عليهم جزية ثقيلة. ولكن علاقة فرسان الهيكل لم تكن على ما يرام مع ملك القدس الصليبي، لاسيما أنه شنق اثني عشر منهم عام 1166 لفشلهم في الدفاع عن قلعة استولى عليها نورالدين زنكي.

استمر تقدم نور الدين زنكي وأجبر الصليبيين على الانسحاب من أراض شاسعة وأخذ يقترب من المعقل الرئيسي للحشاشين، مما زاد من قلقهم، إذ لم يستطيعوا اغتياله، كما لم يكن لديهم جيش قوي للدخول في مواجهة معه.

الحشاشون وملك القدس وفرسان الهيكل
في هذا الموقف الصعب قام رشيد الدين سنان قائد الحشاشين في سوريا، بإرسال مبعوث خاص إلى ملك القدس، أمالريك Amalric، عام 1173 مقدما له عرضا مثيرا للاهتمام، ومفاده إقامة حلف بين الطرفين واعتناق الحشاشين للدين المسيحي كي يقنع فرسان الهيكل بالتوقف عن إجبارهم دفع الجزية الثقيلة، لاسيما أنه كان ملكا قويا. ووجد ملك القدس العرض مقبولا. وبالنسبة لفرسان الهيكل كان العرض غير مقبول على الإطلاق، لأن تحالفا بين ملك القدس والحشاشين سيعني دعما كبيرا لملك القدس، يرجح كفته في ميزان القوى الحساس في الجانب الصليبي، أي أنه سيضعف مركز الفرسان، لاسيما أن الحشاشين معروفين بقسوتهم وغدرهم وخوف الآخرين من خطرهم. وبالإضافة الى ذلك، في حالة قيام ذلك الحلف وتحول الحشاشين إلى الدين المسيحي، فإن مصير الأراضي التي استولى عليها الفرسان من الحشاشين سيكون موضع تساؤل، كما أنه سيحرم الفرسان من استلام الجزية الباهظة التي كان الحشاشون يدفعونها، ولذلك كان على فرسان الهيكل العمل بسرعة وبحزم.
خرج مبعوث الحشاشين من قصر ملك القدس سعيدا متوجها إلى قلعة مصياف ليبلغ زعيمه رشيد الدين سنان بموافقة ملك القدس أمالريك باقتراحه، ولكنه لم يبلغ زعيمه بذلك لأنه لم يصل إلى قلعة مصياف أصلا، فقد أرسل فرسان الهيكل الفارس الأعور وولتر دي مسنيل مع مجموعة مسلحة لقتل مبعوث الحشاشين، ونجحوا في تحقيق غايتهم. أثارت تلك الحادثة غضب ملك القدس، فطالب فرسان الهيكل بتسليم القاتل وولتر دي مسنيل له، إلا انهم تجاهلوا طلبه لأنهم غير تابعين له، بل تابعين للبابا في روما. ولذلك، فإن البابا كان بالنسبة لهم السلطة الوحيدة القادرة على التحقيق معه ومحاسبته، ولكن هذا لم يردع ملك القدس، فأرسل من اختطف ذلك الفارس وزجه في السجن، وأرسل رسالة الى رشيد الدين سنان، زعيم الحشاشين في سوريا، معتذرا عما حدث. وكان رد سنان قبول الاعتذار واعتبار الأمر منتهيا. ولكن الأمر لم يسر كما أراد الحشاشون، إذ توفي ملك القدس عام 1174، وتولى الحكم بالوكالة بعده حاكم طرابلس، ريموند الثالث، الذي كان الحشاشون قد قتلوا والده، فرفض أي اتفاق معهم.
كان تطور الأحداث في الشرق الأوسط يتخذ اتجاها مضادا للحشاشين، فتقدم قوات نورالدين زنكي الذي كان مصمما على دحرهم ودحر الصليبيين. ولكن الحظ لعب دورا غريبا في إنقاذهم، إذ توفي نور الدين بشكل غير متوقع تاركا طفلا ليخلفه، وظهر صلاح الدين الأيوبي الذي اتفق، أو بالأحرى تحالف، معهم. ولذلك لم يزعج الحشاشون صلاح الدين أبدا. ولا نعرف تفاصيل الاتفاق بين الجانبين، ولكن بعض ضحاياهم في عمليات الاغتيال كانوا في الحقيقة من أعدائه هو.

النهاية

بدأ تنظيم الحشاشين في إيران بالانهيار على يد المغول، حيث احتلوا قلاعهم الرئيسية في إيران عام 1256 وفشلت محاولات الحشاشين للعودة إليها. وأما في سوريا، فقد انتهى التنظيم على يد سلطان مصر المملوكي بيبرس عام 1270 حيث تحول الحشاشون إلى تنظيم تابع له، ويعتقد أن محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها ملك إنكلترا، أدوارد الأول، من قبل الحشاشين كانت بناء على طلب من السلطان بيبرس لمعارضة ملك إنكلترا لهدنة بين بيبرس والصليبيين. ولا يعني هذا أن التنظيم انتهى، ولكنه انتهى كقوة سياسية وعسكرية تلعب دورا سياسيا في الشرق الأوسط.
ما تزال آثار الحشاشين موجودة في الثقافة الحالية فكلمة «فدائي» مأخوذة منهم، فهي تشير إلى المتخصصين في تنظيم الحشاشين في تنفيذ عمليات الاغتيال، وكذلك كلمة «رفيق» التي كانت تشير ألى أعضاء تنظيم الحشاشين غير الذين يقومون بعمليات الاغتيال. وهي كلمة كان يستعملها أعضاء حزب البعث والحزب الشيوعي في مناداة بعضهم بعضا. أما في اللغة الإنكليزية وبعض اللغات الأوروبية الأخرى، فنجد كلمة assassination التي تعني «اغتيال». وهي مأخوذة من اسم التنظيم، أي «الحشاشين».

المصدر: 
القدس العربي