تخطي إلى المحتوى
د. شوقي ابو خليل (الباحث والمفكر الفلسطيني الراحل) في حوار حول الاستشراق والإسلام د. شوقي ابو خليل (الباحث والمفكر الفلسطيني الراحل) في حوار حول الاستشراق والإسلام > د. شوقي ابو خليل (الباحث والمفكر الفلسطيني الراحل) في حوار حول الاستشراق والإسلام

د. شوقي ابو خليل (الباحث والمفكر الفلسطيني الراحل) في حوار حول الاستشراق والإسلام

الكاتب والمفكر الإسلامي د. شوقي ابو خليلرحمه الله.يصادف اليوم الذكرى الثالثة عشر لرحيل الكاتب والمفكر الإسلامي د. شوقي ابو خليل.في هذه المناسبة نعيد نشر حوار معه حول الاستشراق والمستشرقون بين الآخذ والنبذ.  

*ـ ماذا نعني بالاستشراق مصطلحا ومفهوما..وهل يمكن القول بان الكتابات الاستشراقية قد خضعت لمنهج علمي محدد, ام هي رؤية غربية للشرق وضمن حدود مرحلة تاريخية محددة انتهت بانتهائها؟

-: يقول العلماء: الاستشراق اصطلاحا حركة علمية أرادت دراسة تراث الشرق, ازدادت وضوحا في العصر الحديث, وهي حركة في ظاهرها علمية يراد بها دراسة الشرق معتقدات واداب ـ في معظمها ـ تهدف من هذا التعرف على منابع هذا التراث, لصرف أهله عنه, ليولوا وجوههم شطر الغرب, وليتعلقوا بركاب مدنيته.

الاستشراق: البحث في علوم الشرق وعقائده وآدابه, وإعداد الدراسات الأدبية والدينية والعلمية فيها.

والمستشرق:من درس لغة او اكثر من لغات الشرق , ثم من درس بهذه اللغة علوم تلك اللغة وفنونها وآدابها، انه الغربي الذي اهتم بدراسات شرقية بعد ان عني بلغات الشرق وحضارته ومعتقداته, انه الذي اهتم طول حياته بما دار ويدور في الشرق حضارة وسياسة.

 منذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام والشمال الإفريقي والأندلس.. نجد ان غير المسلمين درسوا حضارة المسلمين الفاتحين, حتى ان يوحنا الدمشقي الذي عاش في عصر الفتوحات, كانت صياغة كتبه كلها على شكل حوار " وإذا سألك العربي ـ أي المسلم" ، "وإذا قال العربي ـ فأجبه"،  وكذلك كتب الأسقف تيودور أبو قره ـ تلميذ القديس يوحنا ـ بعض المحاورات بين العقيدتين, واستمرت هذه المناظرات حتى ايام الرئشيد الذي كان يحضر هذه المناظرات التي كان فيها طيماثاوس ويوسف  مطران مرو. هذه جذور دراسة حضارتنا العربية ويمكن القول ان بداية الاستشراق الفعلي كانت بعد فشل الحروب الصليبية, ولقد غارد لويس التاسع في 8 ايار عام 1250م مدينة دمياط متجها إلى عكا, وكانت صيحته بعد هزيمته " لنبدأ حرب االكلمة, فهي وحدها القادرة على تمكننا من هزيمة المسلمين"

منهجهم: كتبوا تراثنا خدمة لمصالحهم, ومن وجهة نظرهم, وفق ما فهموا, او بيتوا, فبعضهم لم يكن لينقصه الفهم ولا المنهج العلمي, ولكن نتاجهم موجه, يهدف الى تجهيز جيوش المبشرين, وإرسالهم إلى العالم الإسلامي تمهيدا للاستعمار العسكري مع خلق التخاذل الروحي في نفوس المسلمين, وإيجاد الشعور بالنقص في نفوسهم.

كانت الأندلس محج الدارسين, كالراهب جربرت الذي اصبح بابا روما سنة999م باسم سلفستر الثاني, بالإضافة إلى البعثات الجماعية, وبدأت في هذه المرحلة ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية. وفي هذه المرحلة تمت اول عملية لترجمة القران الكريم سنة 1143م على يد الراهب الإنكليزي هرمان ولكنها بقيت مكتومة خوفا من الكنيسة في دير كلوني بجنوبي فرنسا حتى سنة 1543م .

المرحلة الفعلية، كما قلت، بدأت بعد المرحلة الصليبية وهي غزو فكري مدروس, حرب ضد الإسلام في معظمها وحرب ضد العربية وآدابها, وعرفت في هذه المرحلة كراسي الدراسات الشرقية في العديد من الجامعات الغربية، وتبع ذلك تأسيس معاهد أنيط بها حمل أعباء الدراسات العربية.

ومرحلة التنظيم الفعلي بدأت في مطلع القرن الثامن عشر مع بدء حركة الاستعمار، فأصدر المستشرقون العديد من المجلات بعد الاستيلاء على كنوز التراث العربي الإسلامي. وعقدوا مؤتمر في باريس سنة 1783م اول مؤتمر لهم، حيث تدارسوا خطط عملهم وتنظيم جهودهم بغية الوصول إلى هدفهم المنشود الا وهو الكيد للإسلام وأهله, ويثبت هذا التعاون الوثيق بين كبار المستشرقين والمسؤولين في وزارتي الخارجية والمستعمرات في البلدان الغربية.

وأنشا الفرنسيون جمعية للمستشرقين 1871م وألحقوها بأخرى عام 1828م واصدروا " المجلة الأسيوية"،  وفي لندن قامت جمعية لتشجيع الدراسات الشرقية عام 1823م مع مجلة " الجمعة الآسيوية الملكية". والأمريكيون أسسوا عام 1842 م جمعية ومجلة باسم " الجمعية الشرقية الأمريكية". في العام ذاته اصدر الألمان مجلة خاصة بهم. وكذلك فعل المستشرقون في كل من روسيا ,النمسا, إيطاليا، واصدر الأمريكيون ايضا مجلة " جمعية الدراسات الاستشراقية" في ولاية اوهايو.

ولها فروع في باريس لندن وباريس و ليبزغ  وتورنتو، وهي تمثل الاستشراق السياسي ـ الديني معا, ولهم  اليوم مجلة " الشرق الأوسط"، واخطر المجلات مجلة " العالم الإسلامي" ،التي أنشأها صموئيل زويمر عام 1911 ولها طابع تبشيري سافر. وللفرنسيين مجلة "العالم الإسلامي" أيضا تحمل راية التبشير العلني والعداء الصريح للإسلام وأهله.

ونتيجة إنفاق الأموال الطائلة على أبحاث المستشرقين تميزت هذه المرحلة بظهور العدد الكبير من الكتب والموسوعات وهي كتب ـ يحمل معظمها ـ التشكيك والدس لا تتورع من إظهار حقدها على الإسلام وأهله.

*ـ وهل انتهى الاستشراق الان؟ 

-: منذ المؤتمر التاسع والعشرين للاستشراق الذي انعقد عام 1975 تقرر ان يطلق على مؤتمرات الاستشراق القادمة " مؤتمرات العلوم الإنسانية " ، ولقد وصفت جريدة " le monde" الفرنسية هذا التحول بأنه موت الاستشراق وأدلى المستشرق الفرنسي جاك بيرك بالتصريحات عبر فيها عما يسمى " انتهى من الاستشراق" ، كل هذا يجعلنا في حذر دائم إزاء تحول الاستشراق إلى ميدان العلوم الإنسانية، فالاستشراق يغير جلده ليس غيره,ليدخل في مرحلة جديدة اكثر خطرا.

فـ " برنارد لويس"  ما زال يهاجم الأمة العربية ويصفها بالعنصرية!!،  ويوجد اليوم جناح العنصرية الضخم من الصهيونية قوامه رودنسون, وبرنارد لويس يركز كل اهتمامه على قضايا فلسطين وإبراهيم وإسماعيل والقدس واليهود.

وجاك بيرك مازال يمجد طه حسين ويدعو لدراسة كتبه, لان طه حسين تحالف مع دوركهايم في تحطيم ابن خلدون وعلم الاجتماع الخلدوني زورا وبهتانا ولان طه حسين دعا إلى فرعونية علمية .. وسرق او نقل كتاب " الأدب الجاهلي" من زويمر ومرغليوث.

*: هل تعتقد ان عملية النقد الموجه إلى الاستشراق ترتبط بما أفرزته المرحلة التاريخية من نتائج وانعكاسها على الشعوب المستعمرة وعلى الخصوص الشعوب الغربية؟

-:من يدرس نتاج المستشرقين يجد نفسه قبالة ثلاثة أصناف:

1- صنف كتب بحقد وكراهية مبتعدا عن المنهج العلمي ومتأثرا بروح الكنيسة الصليبية , منهم:الأب القس لامانس, يوليوس فلهاوزن، وغولدتسهير وملرغليوث ووليم مور.

2- صنف كتب بروح علمية محاولا إفادة قومه بما يكتب عن حضارتنا وتراثنا، مبتعدا عن تأثير الكنيسة قدر المستطاع، ولكنه لم يسلم من بعض الأخطاء غير المقصودة مثل: زيغريد هونكه,غوستاف لوبون ,تولستوي,كارليل,برنارد شو,غوته.....غير ان إعجاب هؤلاء بحضارتنا لم يقدهم إلى إعلان إسلامهم خوفا من حرب تشنها الكنيسة ومؤسساتها, يقول برنارد شو: كنت دوما أضع دين محمد في مكانة كبيرة. أني أحسست انه دين عظيم, واعتقد انه الدين الذي سوف يسود العالم في وقت مقبل اذا تعرف عليه العالم بلا تعصب، فان التعصب يعمي القلوب عن الحقيقة، والإسلام هو الحقيقة التي جاء بها محمد ليجمع العالم مع الحب والسلام والحق والعدل.

3 ـ الصنف الثالث هو الذي كتب بروح علمية صادقة, درس الشرق ونتاجه دراسة عميقة, حتى اهتدى إلى الإسلام واعتنقه واصبح سيفا من السيوف الإسلام، يدافع عنه، ويرد الشبه والمكائد التي يثيرها أعداؤه، مثل اللورد هيدلي والفونس اتيان دينيه, ورينيه جينو, وموريس بوكاي.

ثلاثة أصناف .. صنف قدم أبحاث موضوعية علمية عميقة، محاولة،  متزنة. وصنف تعمد الإساءة منذ إمساكه القلم، وصنف وقع دون عمد او قصد ببعض الأخطاء .

فنقد الاستشراق اليوم نتيجة ارتباطه بدوائر الاستعمار الغربية أولا, ولما قدمه لنا من نتاج يسهل نقده وفضحه بسهولة، خصوصا وانه يعيد نفسه حتى بما يقدمه للغرب ذاته, فليس من جديد، شبهات، وطعنات وتلفيق يكرر مثله الكثيرون، وللأمانة قدم بعض المستشرقين خدمات جليلة لتراثنا: كطبع بعض نفائس الكتب العربية وتحقيقها, ونشر فهارس المخطوطات التي جمعوها ورمموها، مع وضع معاجم للقران الكريم والحديث الشريف... وعلى ذلك فان الاستشراق لا ينبذ كله ولا يؤخذ كله نتعامل معه متمسكين بأصالتنا وذاتيتنا أولا وأخيرا.

*ـ  إلى أي حد يمكن ان نعتبر إنتاج المستشرقين بعكس الصورة التي كونها الغرب عن الشرق, والى أي حد خضعوا لشروط المرحلة التي تكونوا في ظلها؟

-: الصورة التي كونها الغرب عن الشرق صورة شوهت عن قصد. قدمت رسالة دراسات عليا في بريطانيا لطالبة سورية وهي رسالة ممتعة محورها أساطير أوروبا عن الشرق (لفق تسد). الصورة اختلقها الغرب بدوافع عنصرية جنسية دينية وضعت في أوروبا بعد الحروب  الصليبية على يد المستشرقين والرحالة والشعراء والمصورين، فالشعوب الشرقية عندهم خاملة، جاهلة، فاسقة، وليس لها قدرة  ذاتية على التطور والتقدم ولذلك كان جواز سفر الاستعمار الأوروبي للشرق رسالة تمدين وتحضير!!!الصورة صورة تحامل. يقول المسيو كيمون في كتاب" باثالوجية الإسلام" ـ على سبيل المثال ـ " ان الديانة المحمدية جذام نشأ بين الناس واخذ يفتك بهم فتكا ذريعا، بل هي مرض مريع، وشلل عام، وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل, ولا يوقظ منهما الا من سفك الدماء، وان يدمن على معاقرة الخمور ويجمع في القبائح، وما قبر محمد في مكة الا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين...".

وما الحل عند المسيو كيمون؟ هو ان الواجب إبادة خمسهم ـ خمس المسلمين ـ والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة مع تدمير الكعبة ووضع ضريح محمد في متحف اللوفر.

ومع كل أسف ومرارة هذه الصورة يروج لها التبشير والاستعمار والاستشراق ايضا، وللأسف الأشد فانه يستغل واقع الشرق المتخلف وواقع السائح العربي المسلم المهتم بالجانب التافه من الحياة الغربية ـ خمور ونساء ـ فيستدل  بذلك على صحة تلفيقه وافترائه.

*ـ  هل تعتقد انه من الضروري وجود حركة استغراب امام حركة الاستشراق في محاولة فهم الأخر وللوصول إلى فهم مختلف، ولكي تكون هذه الحركة متبادلة؟

          -: من الضروري رصد كل ما يطرحه الاستشراق في ساح الإسلام، لان الاستشراق رافقه غزو فكري متمم للغزو العسكري، والغزو الفكري يستهدف الجذور منا لا القشور, ويحاول القضاء على الجوهر لا العرض، ويشوه الأصول لا الفروع. الغزو الفكري:حملة تغريب, خصوصا بعد ان سيطر المبشرون والمستشرقون على مراكز التربية الأساسية في العالم الإسلامي للقضاء على القيم بدعوى التطوير والتنمية.

غزو فكري سلاحه:الفكرة, والكلمة, والرأي, والحيلة, والتلفيق, والكذب والدس, التشويه, تحريف الكلام عن مواضعه. ومن هنا جاءت ضرورة رصد كل ما يلقي به الاستشراق والغرب في ساح الإسلام من أفكار. والغرب فهمنا.. فهل فهمناه ؟! انه يحاول ويحاول ان يوقعنا بما نقول، وان لنا بحكمة وبلا تعصب, خدمة للحقيقة والعلم ان نقنعه بما نقول, نقنعه بحقيقة الشرق دون تشويه أو تلفيق أو افتراء.. ولعل الدراسات الجادة للإسلام من قبل بعض الأوروبيين الذين اسلموا كموريس بوكايه وروجيه غارودي تفتح القلوب والعقول لفهمنا على حقيقتنا.

*ـ هل يمكن ان نعتبر الرؤية الأدبية تجاه الإسلام والعرب قد تطورت نسبيا وما هي حدود هذا التطور ؟

-:لا شك انها تطورت نسبيا, وقد بدأ هذا التطور باحتكاكها مع الطلاب العرب المسلمين, وبعض المراكز الإسلامية, وما ينشر عن اثر الإسلام شكل قناعة بضرورة إعادة النظم بما قدم لها عن الإسلام. منذ ايام زارتني مستشرقة إيطالية تعد دراسة وأطروحة عن فاطمة الزهراء(رض). عندما تحدثت لها عن المرأة في الإسلام لمدة ساعتين كاملتين, استغربت كل ما قالته, ففي ذهنها صورة مخالفة تماما، فقلت لها:أليس من العدل والمنطق ان تفهمي الإسلام ومبادئه من أصحابه وأهله لا من أعدائه؟ أما آن لأوروبا ان تفتح حوارا جادا, بعيدا عن التعصب والفكر المبيت المسبق,معنا؟ إننا ننصح بتحويل الجهود الجبارة, والأموال الطائلة التي يصرفها المبشرون في الافتراء والدس إلى دراسة الإسلام والشرق وحضارته دراسة موضوعية توصله الى الحقائق.

قال روجيه غارودي: لم يدرس الغرب الإسلام دراسة صحيحة حتى في الجامعات الغربية وربما كان هذا مقصودا مع الأسف. لذلك ألف البريطاني جان دوانبورت كتابا بعنوان " اعتذار لمحمد والقران"، اعتذر  فيه عن التصورات الشائعة في الغرب حول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. إنني أرى ان المرحلة القادمة, مرحلة الانتفاع من الخير أينما وجد, ولو كان عند الإسلام ونبيه, وخاصة بعد اعتراف الفاتيكان في المجمع المسكوني الثاني1965 بالإسلام دينا سماويا.

*ـ  هل ترى ان الاستشراق في حالة ركود الان؟

-: لا. اهتمام الغرب بالشرق مستمر وباق, والاستشراق غزو نراه أحيانا، وأحيانا أخرى لا نراه. واذكر كتابا صادر عن جامعة كمبردج يهاجم الإسلام تحت عنوان " الهاجرية وتكوين العالم الإسلامي" بقلم باتريشيا كرون, مايكل كول, وخلاصته:

الإسلام دين وضعي(كذا)، أسست قواعده في عهد الخليفة الملك بن مروان, اما ماكان قبل ذلك فقد كان شيئا اسمه" الهاجرية"،  والهاجرية هي عبارة عن كلام كتبه الأسقف ذيبوس يقول فيه ان النبي محمد يبشر بدين يعد استكمالا للديانة الهاجرية, وان هذا الاسم ينسب إلى السيدة هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام ام إسماعيل. ويصل التمويه والتلفيق والكذب بالكاتبين إلى حد التضليل والتشكيك في حدوث الهجرة النبوية من المدينة المنورة ويقولون:ان اسم هاجر هذا تم تحريره بعد ذلك في القرن الثامن الميلادي ليعطي معنى الهجرة من مكة الى المدينة.

مصادر الكتابين يهودية قطعا, الخطر يكمن في ان الغرب بنى بيته بأفكاره, فهل سنبني بيوتنا بأفكارنا وأيدينا وأصالتنا؟ لا ندري ما سيكون الجواب, ولكن يجب ان نعلم: ان الأمة التي تريد البقاء, تحمي تاريخها وتراثها ولغتها....بسياج متين من الحراسة.

المصدر: 
جريدة " الوطن" العمانية