النزاعات الثقافية الأوكرانية الروسية هي جزء من صراع أوسع مستمر غير معلن بين البلدين حول تطور هوياتهما الوطنية. ومنذ انفصال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي في نهاية العام 1991، دارت النقاشات والخلافات بين موسكو وكييف حول الطاقة وخطوط أنابيب الغاز، وأسطول البحر الأسود، والغزو الروسي لجورجيا، ومنطقة القرم، وعضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي. وما هو غير معروف على نطاق واسع هو أن هناك حرباً ثقافية تدور بين البلدين على مستويات عديدة، ومنها "ملكية" بعض الكتّاب من جذور أوكرانية، كتبوا باللغة الروسية، وعاشوا وماتوا في روسيا، وتعتبرهم روسيا من أعمدة الثقافة الروسية.
الحرب الثقافية بين البلدين مريرة، وتقدم صورة ناصعة عما وصلت إليه العلاقة بينهما. وفي حين أن النزاع الثقافي يجري من حول الهوية، ويقاتل الجانب الأوكراني من أجل ترسيم الحدود بين ثقافتين، فإن التاريخ السياسي المشترك يشكل مفارقة بارزة، ومن ذلك أن الغالبية العظمى من الشخصيات التي حكمت الاتحاد السوفياتي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، هي من أصول أوكرانية، وعلى رأس اللائحة، نيكيتا خروتشوف، الذي قاد الثورة لتصفية إرث الزعيم جوزيف ستالين، بعدما خلفه في رئاسة الدولة العام 1953. وهذا السياسي الشعبوي الذي واجه أخطر تحديات حقبة الحرب الباردة، المعروفة بأزمة نصب الصواريخ في كوبا العام 1962، ولد في كالينكوفا بمقاطعة كورسك الواقعة على الحدود الفاصلة بين روسيا وأوكرانيا، وخلفه في المنصب العام 1964 أوكراني آخر هو ليونيد بريجنيف، الذي ولد في مدينة كامنسكوي (دنيبرودزيرجينسك حالياً) بأوكرانيا، واستمر في تقلد أعلى مناصب الدولة والحزب حتى العام 1982. وكان على عكس خروتشوف بيروقراطياً، اتسم عهده باستشراء الفساد، ما أدى إلى سهولة تفكيك الاتحاد السوفياتي على يد ميخائيل غورباتشوف صاحب نظرية البيروسترويكا (إعادة البناء)، وهو روسي من جهة الأب وأوكراني من طرف الأم، وقاد الحزب الشيوعي بدءاً من العام 1985 والدولة ما بين 1988-1991. ومن الشخصيات الأوكرانية التي تركت بصمة حتى اليوم، يفغيني بريماكوف، الصحافي والمستشرق الذي أمضى وقتاً طويلاً، وهو يتابع من كثب أخبار المنطقة العربية، وانتهى به الوقت وزيراً لخارجية روسيا 1996 -1998، ورئيساً للوزراء 1998 – 1999. هو من مواليد كييف، وإليه يعود نسب "عقيدة بريماكوف"، وهي عبارة عن مبادئ وضعها حين عمل في الخارجية، من أجل استعادة موقع الاتحاد السوفياتي ومكانته.
وعلى الرغم من ولادته في أوكرانيا العام 1809، كتب غوغول باللغة الروسية، وكان يُنظر إليه تقليديًا على أنه كاتب روسي. وما كان للنزاع أن يتفجر لولا أن الفيلم لم يصور البطل "بولبا" على أنه يقاتل "الأعداء الغربيين" ويموت من أجل "أرض روسيا الأرثوذكسية"، واعترف مخرج الفيلم فلاديمير بورتكو، علانية، بأن هدفه كان زيادة التعاطف "المؤيد لروسيا" داخل أوكرانيا، ونشر أسطورة أن الأوكرانيين والروس ينتمون إلى شعب واحد. ويروج الفيلم لخط سلافي نال استحسان السياسيين القوميين الروس مثل فلاديمير جيرينوفسكي.
وعُرضت النسخة الجديدة من الفيلم (وهي غير الفيلم الذي انتج العام 1962)، في نيسان 2009 في موسكو، وسط تصفيق مدو لخطاب بولبا "الروح الروسية"، وكان هناك تركيز على المشاهد التي يطرد فيها القوزاق البولنديين من أوكرانيا، ما أثار اهتمامًا عامًا وانتقادات واسعة النطاق، وحقق عائدات بلغت 14 مليون دولار في روسيا وأوكرانيا. وقالت صحيفة "كييف بوست" إن الفيلم اجتذب غالبية من المشاهدين الأكبر سناً، والذين يحنون إلى الاتحاد السوفياتي، والشباب أيضاً بسبب كثرة العنف غير المبرر.
الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو (2005-2010)، الذي يعد أحد ساسة الموجة الوطنية الأوكرانية، رد على ذلك بزيارة متحف غوغول في مسقط رأسه مدينة بولتافا، وفي حفلة موسيقية على شرف الكاتب، قال يوشينكو: "كتب غوغول بالروسية، وكان أوكرانيًا، يعتقد ويشعر أنه أوكراني. أعتقد أنه أمر سخيف، وإلى حد ما، فإن النزاعات المحيطة بالبلد الذي ينتمي إليه مهينة". وفي اليوم نفسه، رد عليه الرئيس فلاديمير بوتين، وأشاد بغوغول ووصفه بأنه "كاتب روسي بارز".
ولد غوغول وقضى شبابه في ريف أوكرانيا، الذي كان جزءًا من الإمبراطورية الروسية القيصرية في أوائل القرن التاسع عشر، لكنه كتب باللغة الروسية، واشتهر في روسيا، وهو يجسد العلاقات التي تربط البلدين والاختلافات التي تميزهما. ومع تدهور العلاقات بينهما، ظهرت مسألة الانتماء القومي لغوغول مرارًا وتكرارًا في لائحة المسائل المتنازَع عليها بين البلدين. ومنذ انفصال أوكرانيا انشغل كثيرون في حل لغز الكاتب، الذي امتد عبر الثقافات والأنواع. شخصية بارزة في الثقافة الروسية، ومؤلف إحدى روائع الأدب الروسي "أرواح ميتة"، لكنه كان متفانياً في مدح بلده الأصلي أوكرانيا: "هل تعرف ليلة أوكرانية؟ لا أنت لا تعرف ليلة في اوكرانيا.. القمر يضيء في وسط السماء. يبدو أن قبو السماء الذي لا يقاس قد امتد إلى ما لا نهاية؛ يغمر الضوء الفضي الأرض. الهواء دافئ، حسي، ورائحة من الروائح الحلوة التي لا حصر لها. ليلة إلهية! ليلة سحرية!" هذا ما كتبه غوغول في مجموعة القصص الأوكرانية "أمسيات في مزرعة قرب ديكانكا"، ما يعني أن الكاتب عندما انتقل من أوكرانيا إلى سان بطرسبرغ في سن العشرين، أخذ مسقط رأسه وأساطيره معه، وفتن الجمهور في روسيا بقصصه عن أوكرانيا. ومع ذلك، أصبح كاتبًا روسيًا، وكتب هجاء لاذعًا للمجتمع الإمبراطوري الروسي، وترك تأثيرًا بعيد المدى في التقاليد الأدبية لروسيا، حتى قيل: "لقد خرجنا جميعًا من معطف غوغول".
واجه الكاتب نفسه مشكلة في الإجابة على السؤال المثير للجدل حول هويته. "لا أعرف ما إذا كانت روحي أوكرانية أم روسية. كل ما أعرفه هو أنني لن أعطي الأفضلية أبدًا لأي شخص من روسيا الصغيرة أو لشخص من روسيا"، كتب ذلك في العام 1844، وكان يقصد بروسيا الصغيرة أوكرانيا.
في البداية كانت السياسة ثم الغاز، وبعدهما أخذ العداء بين روسيا وأوكرانيا طابعاً ثقافياً، ومن ذلك الشجار حول إرث غوغول، الذي دخل العالمية. ويمكن أن يكون الحل لهذا النزاع ما قاله فلاديمير يافوريفسكي، الروائي والنائب الأوكراني، إنه إذا كان غوغول شجرة ، فإن "التاج كان في روسيا، لكن الجذور كانت في أوكرانيا". وأضاف: "تقسيم غوغول يشبه محاولة تقسيم الهواء والخلود أو السماء. لقد كان كاتبًا روسيًا عظيمًا، لكنه كان أيضًا كاتبًا أوكرانيًا عظيمًا". "ليست اللغة فقط هي المهمة، لكن الموضوعات. كانت كتاباته مليئة بالصور والتفكير في الأغاني والفولكلور الأوكراني".
نزاع جاد، لكنه يصل إلى حد السخرية أحياناً. وعلى ذمة صحافيين روس، فإن المكتبات في كييف تبيع نسخًا باللغة الأوكرانية من روايات غوغول، حيث استبدل المترجمون ذوو العقلية القومية عبارة "الأرض الروسية العظيمة" بعبارة "الأرض الأوكرانية العظيمة".