الماء الذي لا يمكن أن يعيش الإنسان من دونه، قد يظهر في مشهد مغاير ونتائج مختلفة عندما يصل إلى حالة الفيضان، هذا ما ركز عليه الروائي والشاعر العُماني زهران القاسمي في رواية "تغريبة القافر" والتي أهلته للحصول على الجائزة العالمية للرواية العربية، في دورتها السادسة عشرة للعام 2023.
وأعرب القاسمي الذي أعلن عن فوزه أمس الأحد، عن سعادته الكبيرة بالفوز، موضحا في الوقت ذاته: "لا أعرف ماذا أقول لأنني في الحقيقة لم أتوقع الفوز، فأصدقائي وزملائي الآخرون في القائمة القصيرة قدموا روايات قوية وتستحق الفوز، ولهذا أشاركهم هذه الجائزة".
ويتحدث القاسمي عن جدلية الماء التي ظهرت في الرواية من مبدأ أن كل شيء في الكون قد يحمل في داخله نقيضه: "عندما نعود إلى فكرة الماء في الرواية، فنحن نرى عالما قرويا تتغير ملامحه مع مع وفرة الماء أو مع ندرته، أما الفيضانات فيمكن أن تجرف معها كل شيء، وهذا الارتباط بين الإنسان والماء، أو بينه وبين الأفلاج داخل القرية هو المحور الأساسي لها".
مصير معلق
يشرح لنا زهران القاسمي الذي أصدر من قبل ثلاثة روايات وهي "جبل الشوع" و" القنّاص" و"جوع العسل" وعشرة دواوين شعرية ومجموعة قصصية بعنوان "سيرة الحجر 1" و"سيرة الحجر 2"، شخصية القافر التي جعلها محور عمله الأخير، فيقول: "إن القافر هو الذي يستطيع أن يسمع خرير الماء في باطن الأرض، ويستطيع أن يستدل على الماء من الأشجار الصحراوية التي تمتد جذورها عميقاً في المكان، فيعرف أن هنا منبع ماء أو خزان ماء في باطن الأرض، وفي الرواية أتحدث عن سالم وهو أحد مقتفي الماء، وقد توفيت أمه غرقاً، بينما طُمر والده تحت قناة أحد الأفلاج حيث انهار عليه السقف، لكنني أبقيت مصير سالم معلقا حين جرفه الماء تاركا للرواية نهايتها".
والقاسمي يعود بروايته هذه بعيدا وراء السنين ليستحضر نظام الري القديم (الأفلاج)، يفسر: "أعتبر الأفلاج نظاما اجتماعيا لا مائيا فحسب، فالأفلاج منذ مئات السنيين موجودة لتشكل العلاقات القائمة داخل القرية وذلك ضمن نظام متكامل تحصل فيه كلّ عائلة على حصة معينة من الماء، فالفلج نظام اجتماعي معقد ولكي أكتب هذه الرواية احتجت إلى إجراء بحوث كثيرة، ورأيت أن هناك وفرة في من كتبوا عن نظام الأفلاج وعلاقته بالنظام الاجتماعي داخل القرى وفي المدن. لدينا في عُمان مدن مثل نزوى فيها أكثر من فلج أدرج على قائمة التراث الثقافي المادي، ولدينا أفلاج تمتد لمسافة قصيرة جدا، ولكن لدينا بعض الأفلاج التي تمتد في باطن الأرض بعمق عشرين كيلومترا، وهي مرتبطة بالأساطير والغرائب، لكن في الحقيقة ليس هناك أساطير لأن هذه الحياة الاجتماعية التي دائماً ما ترتبط بوجود الماء أو الجبال أو الوديان، ونجد حتى في بعض مباني هذه القرى تلك العلاقة الثقافية الشفاهية التي تسم هذا المكان".
ويخص القاسمي الماء بحديثه ويوضح: "حتى الحضارات القديمة بنيت في منابع الماء، أي هناك ارتباط حضاري قديم، حتى علماء الآثار الذين درسوا المستحاثات القديمة وجدوا أن بداية الحياة كانت من الماء، الذي قد يكون أيضا وسيلة للموت كما شهدنا في تسونامي، وفي الأعاصير التي حدثت في عمان وأحدثت تغيرا جغرافيا في المكان، بعد أن دمرت المنازل والشوارع".
خصوصية
هناك من رأى أن رواية زهران القاسمي "تغريبة القافر" تنطوي على لغة إنشائية بسيطة، يردّ على ذلك: "لا تخلو رواية من في العالم من الإنشائية، وهناك روايات مبنية على التقارير وروايات أخرى مبنية على قصاصات من الصحف، ولكن المسألة كيف يمكن لي أن أستغل هذه الإنشائية أيضا إنما بحذر".
ويجد القاسمي أن خصوصية موضوع روايته هي التي تثير الاهتمام: "لقد خرجت من منظور الروايات المشبّعة بالسياسة والتاريخ، ودخلت منظور الإنسان العادي، وعندما ننظر إلى الأدب في العالم، فلنأخذ أدب أميركا اللاتينية مثلا، نجد أن الروايات التي تنتشر وتكتسب صفة العالمية هي روايات تتطرق إلى البشر الهامشيين والأشياء البسيطة جدا، والتي من الممكن أن نخرج منها بنص إبداعي، وأعتقد أنها النقلة التي ستحدثها الرواية في السنوات المقبلة".
والرواية التي يبلغ عدد صفحاتها 228 صفحة، استثمرت الغلاف ليعبر عن ما جاء فيها من أحداث بحِرفية مدروسة، يقول زهران القاسمي: "صورة الغلاف هي لوحة لصديقي الروائي والمصور الفوتوغرافي حسين المحروس من البحرين، اطلع على المخطوط، وقال لي سأهديك لوحة الغلاف، وفي الغلاف هناك مغزلان وارتبط المغزلان بحكاية زوجة القافر في الرواية التي كانت تغزل بانتظاره وأيضا كانت تسمي كل خيط من خيوط هذا المغزل بفلج من الأفلاج التي حكى لها عنها القافر لذلك قررنا أن تكون لوحة الغلاف عن هذا الأمر لأنها ارتبطت بموضوع الانتظار الطويل والحكائي".
الأدب في عمان
يتحدث القاسمي عن الأدب في عُمان، خاصة وأنه في السنين الأخيرة لمع العديد من الأسماء الأدبية العُمانية مما جعل البعض يصف ما يحدث بالنهضة يقول: "أعتقد أن السر وراء تقدم الأدب في عُمان هو أننا بدأنا في هذه المسيرة منذ فترة طويلة جداً، ولدينا مقولة قديمة إنه تحت كل حجر في عُمان هناك شاعر والأدب أساسا واحد من المكونات الأساسية في كل البيوت العُمانية، فالأسر الُعمانية مرتبطة بالثقافة، ولديها الكثير من الكتب التي تحتفظ بها منذ مئات السنين، لكنين أعتقد أن العُمانيين ليسوا بمنأى عن الآخرين، فالجيل الجديد في مصر والمغرب والعراق وفي مختلف البلدان العربية، ينشط في مجال الأدب، ويسعى إلى كتابة أدب جيد".