تخطي إلى المحتوى
زهران القاسمي لـ"المدن": العُماني لم يخرج من قريته بعد زهران القاسمي لـ"المدن": العُماني لم يخرج من قريته بعد > زهران القاسمي لـ"المدن": العُماني لم يخرج من قريته بعد

زهران القاسمي لـ"المدن": العُماني لم يخرج من قريته بعد

يفتتح زهران القاسمي روايته "تغريبة القافر" وينهيها بالغرق. تستجيب مريم بنت حمد ود غانم، للهمس الذي يناديها من أعماق الأرض، فتجرجر جسدها المنهك من الحمل والوجع والصداع الذي لا يُسكته إلا الغمر بالماء، لتضع قدمها على حافة بئر وتتدلى هابطة فيه، يثقل جسدها على الحبل فتفلت يدها وتسقط في الهوة العميقة. بموتها تنفتح بوابات السماء بماء منهمر، فتغرق مريم مرتين، مرة في البئر وأخرى في قبرها، لكن قبل دفنها يستخرجون ابنها بمعجزه من بطنها، فيوصم الأعجوبة بـ"ود الجن". تتبناه عمتها كاذية بنت غانم، وترضعه آسيا بنت محمد المبتلاة بالفقد، بينما يتعرّف هو على العالم من خلال أذنه الفريدة التي يسمع بها دبيب النمل وتحركات المياه تحت الأرض، يسعى إليها كما سعت إليه منذ تكّون جنيناً في بطن أمه الغريقة. يسمى بـ"القافر" لتقفيه أثر الماء في "المسفاة" قريته، ويمتد صيته للبلاد المحيطة، يحفر القنوات ويعيد اكتشاف الأفلاج ليحيي قرى قديمة كانت قد فقدت كل أمل في النجاة، نتابع رحلته/تغريبته العجيبة التي يستغل فيها حاسته الفريدة التي سترفعه على أكتاف الجميع ثم تورده موارد الهلاك.

نرى كيف تتحوّل المياه، سبب الحياة، إلى سبب من أسباب الموت والهلاك، فـ"تغريبة القافر" كما يراها مؤلفها هي "تلك العلاقة الوطيدة بين الإنسان والماء، هي الحياة السائلة التي نعيشها من دون أن نشعر، والأنوثة التي تجدّد وجودنا، وبرغم أنها تهجرنا لفترة لكنها تعود لتجدّد كل شيء على وجه الأرض".

الماء، وخصوصاً في الأماكن الصحراوية، له قدسيته الكبيرة التي يعرفها القاسمي جيداً "كان الناس يقدسون بعض الينابيع ويعتبرون وجودهم مرتبطاً بها، يقدمون لها القرابين، وفي الأساطير القديمة نجد الكثير منها مما هو مرتبط بالماء، منذ الطوفان وحتى مسألة التعميد أو الوضوء للصلاة".

يقول إنه حاول جاهداً أن يكون الماء ظاهراً بكل تجلياته الناعمة والقاسية في الرواية، قرأ من أجل ذلك مراجع كثيرة في علم النفس وفي هندسة بناء الأفلاج وفي الأحلام وغيرها، "بذلت جهداً بحثياً كبيراً قبل بداية العمل، ثم بدأت فيه منذ منتصف 2018 حتى أنهيته في منتصف 2020، كان الاشتغال في البداية بطيئاً، لكن مع الزمن ومع تشكّل الخيوط الأولى وبناء الشخصيات الرئيسية بدأت تتضح لي معالم العمل ومن ثم الاستمرار في كتابته".

هنا حوار "المدن" مع زهران القاسمي، عن الرواية والترشح للبوكر وعموم تجربته.


 

- أشرتَ إلى الجهد البحثي قبل الكتابة، دعنا نتحدّث بتفصيل أكبر عن تلك الجزئية، كيف تحّضر نفسك للكتابة عن مواضيع متنوعة ومختلفة في كل عمل؟ السفر والبحر والتجارة في فترة زمنية مغايرة، كما في روايتك الأولى "جبل الشوع"، والصيد والقنص وأنواع الأسلحة وأسماؤها القديمة وطرق استخدامها كما جاء في "القناص"، والتفاصيل الدقيقة لعملية إنتاج العسل كما في "جوع العسل"، وتكوين الأفلاج وحفر الآبار وتتبع الماء كما في "تغريبة القافر". بالإضافة إلى المعرفة الدقيقة بالجبال والصحراء والقرى القديمة وعاداتها وتفاصيل دقيقة أخرى في كل تلك العوالم... ماذا تقرأ وتسمع وتشاهد؟

* كل كتابة سردية هي تجربة بحثية في المقام الأول، وأعتقد أن العمل الروائي يحتاج إلى بحث مضنٍ لتكون هناك مادة خام جاهزة هي التي تكون بيئة العمل وأرضيته، لذلك كنت أقوم بالبحث والقراءة حسب الموضوع الذي أود الكتابة عنه، قرأت كثيراً في التحولات التي طرأت في منتصف القرن العشرين، والهجرات التي كانت ناحية دول الخليج للعمل وكان معظمهم شباب في مقتبل العمر، تركوا قراهم بعدما سمعوا أن من ذهب إلى تلك البلدان صار لديه ما يعينه على الحياة هو وأسرته، وكانت آثار الحرب العالمية الثانية ما زالت، ولأن المجتمع كان معظمه فقيراً في كل شيء، ظلت الهجرات تخرج إلى بقاع كثيرة شمالاً ناحية الخليج، أو جنوباً ناحية شرق أفريقيا التي كانت في أحسن حال خصوصاً الحكومة العُمانية التي كانت تحكم زنجبار، فاشتغل الكثير منهم هناك في الزراعة والتجارة، كنت أحتاج إلى الكثير من القراءة حتى أبدأ في كتابة عملي الأول "جبل الشوع"، وعلى الرغم من أنه عمل قصير، وبسيط، إلا أنه كان النواة الأولى للأعمال الأخرى التي جاءت في ما بعد.

كل عمل، قبل أن أبدأ فيه، أقرأ عن مواضيعه بشكل موسع، لتخرج بعد ذلك رواية "القناص" التي استلهمت قصتها من عائلتي والذين كانوا مجموعة من القناصين عاشوا حياتهم بين قمم الجبال، وكانت كل حكاياتهم وذكرياتهم عن قنص الوعول، ذهبت إلى القمم وشاهدت الوعل وتذوقت لحمه وعشت مع القناصين في تلك البقاع الخطرة، هذا مدَّني بكل ما أحتاج إليه من معلومات لكتابة العمل، وكذلك في "جوع العسل" و"تغريبة القافر".

- هل فكرت في توظيف معرفتك الواسعة تلك في كتابة غير روائية؟ أم أن الشكل الروائي بات هو الأقرب لإيصال أفكارك؟

* في الحقيقة لم أجرب الكتابة في أنواع أخرى وربّما أعتبر هذا قصوراً مني، فأنا مثلاً لا أفهم في كتابة المقالات، ولست باحثاً متخصصاً، كل ما أفهم فيه هو الكتابة الإبداعية في الشعر والرواية فقط ومازلت أعتبر تجربتي مجرد محاولات لقول شيء ما.

- أعتقد، وهذا مجرد رأي خاص ولا أعرف إن كنت تتفق معي أم لا، أن الاستمتاع بـ"تغريبة القافر" سيكون أكبر لمن قرأ أعمالك السابقة، لمن تعرّف على عالمك أو لنقُل لوحتك الكبيرة التي ترسم فيها بعمق تفصيله صغيرة إثر أخرى، مترابطة ومتصلة معها وإن بدت غير ذلك، فبعض المشاهد تنبت كبذرة في عمل ثم تنمو وتتفرع في عمل آخر. غرق سليمة بنت عمران في البئر مثلاً كان مجرد مشهد عابر في "جبل الشوع"، ثمّ أصبح مفتتح "تغريبة القافر"، الوعل الرمزي المراقِب من أعلى أيضاً يتجسد ليصبح بطلاً في "القناص" بعد مَشاهد عابرة في الرواية الأولى، أسئلة "القناص" عن مخازن الماء في الجبال، أيضاً تُبنى عليها الرواية الأخيرة بالكامل. هل تتعمد ذلك؟ أم أنها مشاهد تضغط عليك لتأخذ مساحة أكبر من حيز وعيك ومن ثم تأخذ مساحة أكبر على الورق؟

* عندما نعود إلى الأعمال الروائية التي كتبتها، كانت بيئة العمل كلها في مناخات القرية، ولأن تفاصيل القرى العمانية لدينا متشابهة، وكذلك الكثير من الحالات التي تحدث نجد لها شبيهاً هنا وهناك، ولأن التفاصيل البيئية أيضاً واحدة، فالوعل موجود وله ارتباط بالمكان خصوصاً في القرى الجبلية، وله خصوصيته بين الناس وأساطيره، لذلك ظهر في "جبل الشوع" وفي "القناص" وفي "جوع العسل". لم أتعمّد بشكل ظاهر أن تكون هذه الثيمات موجودة، لكن ربما في لا وعيي كانت هذه الأفكار تود الخروج بطريقة أو بأخرى، وربما تكون هناك بعض التفاصيل التي جاءت هامشية في عمل ما، سأشتغل عليها في أعمال أخرى، فالماء مثلاً مهم للحياة القروية وهو أساس وجودها، والدليل على ذلك أنّ هناك في عُمان الكثير من الأطلال القديمة التي تدلّ على ازدهار الزراعة فيها، انتهت بانتهاء الماء في تلك البقعة.

- اخترتَ لأعمالك فضاءً مكانياً شديد الخصوصية وزمناً متجذراً في القِدَم ولا يتجاوز التسعينيات في أي عمل تقريباً. تكتب عن أماكن ربما لا يعرفها العُماني نفسه.. لماذا تصرّ على هذه البيئة الجبلية الصحراوية القاسية، وعلى هذا الزمن القديم؟ وأيضاً على ثيمات تتكرر في كل الأعمال تقريباً. البيت مقابل السفر، الاستقرار مقابل الرحيل مثلاً. هل تحاول إحياء أو أرشفة تاريخ تخشى عليه من الضياع؟

* أنا مفتون كثيراً بالمخزون الحكائي الشعبي للقرى العُمانية، فهناك مخزون كبير يحتاج إلى البحث عنه والاشتغال عليه. ففي قرانا، رغم تشابه التفاصيل، هناك حكايات ذات خصوصية بين قرية وأخرى، والقرية من وجهة نظري هي العالم المصغّر لهذا العالم الذي نعيش فيه، ونستطيع أن نلقي الضوء على ما يحدث في العالم من خلال الكتابة عن القرية، فالقرية وحدها ليست التفاصيل البيئية، وإنما تلك الحياة المعقدة للبشر وارتباطهم أيضاً بالمكان.

الشيء الآخر الذي أود دائماً قوله من خلال كتاباتي أن الإنسان العربي عموماً والعُماني خصوصاً، لم يخرج من قريته ومن قرويته حتى الآن، هذا واضح وجليّ في طريقة تعامل العُماني مع كل شيء حوله، مع مشاكله البسيطة مع عاداته وتقاليده التي يحملها أينما ذهب، مع ارتباطه بالذين حوله، مع كل شيء، وعندما نعود لنرى هذا الإنسان الذي سكن وعاش في المدينة سنجد أنه لا يربطه أي شيء حميمي بها، وإنما عقله ووجدانه مازال هناك في تلك القرية الغارقة بين الجبال، لذلك ما أن ينتهي الأسبوع وتبدأ إجازة العمل حتى تخلو المدينة من مجتمع كبير جداً يعود ناسه إلى قراهم.

وفي المقابل سنجد أن المدينة ليست سوى مجموعة من القرى المتلاصقة والتي تحمل خصوصياتها أيضاً، هذا ما حدث عند النزوح من القرية إلى المدينة، كان الناس من مكان محدًد يسكنون قرب بعضهم البعض ليعيدوا تشكيل قريتهم في وسط المدينة.

- هل تصنف رواياتك باعتبارها روايات تاريخية؟ هل تهتم بالتصنيف أصلاً؟

* رواياتي ليست تاريخية، هي الأقرب إلى الروايات الإنسانية والفلسفية، مع ذلك لا أهتم كثيراً بهذا التصنيف، ما يعنيني هو العمل أياً كان نوعه، وكيف أشتغل عليه "بحرفنة" وجودة، وكيف أخرجه وأنا مقتنع به.

- منذ القراءة الأولى لـ"تغريبة القافر" تلحّ عليّ شخصية "غرنوي" في رواية "العطر" لباتريك زوسكيند. هل نستطيع أن نعتبر القافر "غرنوي عربياً" إن صح القول، لفضح النقائص نفسها تقريباً؟ الجهل والخرافة والتردي الفكري الذي سببته البشرية لنفسها؟

* كانت لغرنوي عقدته النفسية، فهو يشم جميع الروائح من حوله لكنه لا يشم رائحته، هذه هي عقدة الرواية كلها، لكن القافر ظل يسمع صوت خرير المياه ويبحث عنه ويلقاه، كلاهما مهمش في مجتمعه بالفعل، كلاهما له حاسته الخاصة، إلا أن القافر كانت عقدته الماء الذي ولد منه وانتهى إليه، أعتقد أن فلسفة العمل في الروايتين مختلفة تماماً.

لم يكن المجتمع يعطي أهمية وبالاً لغرنوي ولا يراه، بينما يضع المجتمع القافر تحت المجهر، فهو ابن الجن الذي يتطيرون ويخافون منه، مجتمع يتنمر ويطغى على الإنسان المختلف لأنه لا يشبه الجميع، في الوقت الذي يحاول فيه هذا المختلف إنقاذهم من الهلاك.

القافر أشبه بالنبي الذي يضطهده قومه، ومع ذلك ينسى ما فعلوه ويساعدهم، بينما غرنوي لم يفكر إلا في ذاته في صناعة عطر خاص به، ما حمله على قتل ضحاياه.

- تضم "تغريبة القافر" وأعمالك بشكل عام كلمات قديمة غير مألوفة أو متداولة. لا توضحها في هوامش بل تتركها للسياق العام أو لبحث القارئ. ألم تخش أن تؤثّر في استقبال القارئ وفهمه للعمل؟ كيف تتعامل مع اللغة بشكل عام؟ كيف تنظر لها وتطوعها لخدمة نصوصك؟

* كل كلمة غريبة، لها توضيح من خلال سياق الكلام، لذلك لا أعتقد أنها تحتاج إلى هوامش، فكرت في وضع الهوامش، لكني عندما استشرت بعض أصدقائي الذين قرأوا العمل، في ما لو صادفهم شيء أعاق القراءة وكيف كان الحوار على الرغم أنه بالعامية المحكية، فكانوا يقولون أنهم لم يجدوا صعوبة في الفهم، لذلك تركت الموضوع كما هو.

كنت أكتب بلغة سردية واضحة من دون تعقيدات لغوية كثيرة، قد تكون هناك أحياناً لغة شعرية حسب مقتضيات واحتياجات العمل في بعض الأماكن، لكنها ليست مُغرقة في الشعرية، ولا أحبذ وجود التهويمات اللغوية في كتاباتي السردية، لكني أحب أن أترك الحوار بين الشخصيات باللغة المحكية وأعتقد هناك الكثير من التجارب في الوطن العربي في العراق ودول الشام والمغرب العربي ومصر كتبوا حواراتهم بالعامية، إذن الموضوع ليس جديداً.

- بمناسبة الحديث عن القارئ، متى وكيف تفكر فيه؟

* القارئ الوحيد الذي أفكر فيه هو أنا، عندما أعود لقراءة العمل بعد الانتهاء منه، لا يعنيني القارئ الآخر ولا أفكر فيه أثناء العمل، أدخل التجربة بعشق وشغف متناسياً كل شيء، بعد ذلك وعندما أنتهي من عملي، يهمني رأي بعض القراء وهذا قبل إرسال العمل للنشر، فأتواصل مع بعض أصدقائي الذين أثق فيهم لأستمع إلى آرائهم ووجهات نظرهم، وإن كان من الممكن أن أعود لبعض الأجزاء والاشتغال عليها، بعد ذلك أرسله للنشر، حينها العمل ليس لي، وإنما هو للقراء والنقاد.

- في أحد فصول الرواية الأخيرة، تصف بالتفصيل محاولة القافر بدء مشروعه أو حلمه الخاص. بحث منفرد عن الماء يتحمل في سبيله سخرية القرية ولا يهتم، ثم يخرج مع الغريب -"محسن بن سيف"- لمشروع آخر ويتحوّل مجرى الرواية ولا يكمل ما بدأه ولا نعرف أبداً إلى ماذا انتهى هذا المشروع، رغم الوصف الدقيق لبداياته ومراحله. يتكرّر الأمر بشكل ما في "جمع العسل" و"القناص". هل تقصد معنىً ما وراء وصف الفشل أو المحاولة غير المكتملة كما تصف الاكتمال والنجاح؟

* في الحقيقة لم يكن البحث فاشلاً في أي مشروع من تلك المشاريع، لكن كل عمل له فلسفته الخاصة في البحث، القناص وجد ما يبتغيه وحلم به لكن بعد فوات الأوان، وفي جوع العسل كذلك كل شخصية وجدت جوعها الخاص بها، والقافر لم يفشل أبداً في وصوله إلى منابع الماء، لكنه وقع في فخ الوهم حين ظن أن ما يسمعه ليس خرير الماء وإنما شيء آخر حتى أودى به ذلك الظن مسجوناً في الأعماق. قد تتشابه الأعمال الأربعة في موضوع البحث، لكن لكل عمل فلسفته الخاصة.

- يسأل بطل "القناص" نفسه في النهاية إن كان يقصد مطاردة الوعل فعلاً أم أنه يطارد "وعل الذات". هل يمكن تطبيق التساؤل/التأويل نفسه على تتبع الماء في الرواية الأخيرة؟ كيف تنظر لمسألة التأويل وأنت كاتب النص؟

* ليس تماماً، القناص وقع في مطب وجودي عميق بعدما نال ما يريد، لكن القافر وقع ضحية ما كان يبحث عنه، حتّى إنه تأكد بأنه يفترض به ألا يبحث عن الماء المسجون في الأعماق لأنه يحمل لعنة لمن يجده. هناك فرق كبير بين العملين.

- للمرأة حضور قوى ومركزي في أعمالك، حاملة التقاليد و"عمود الخيمة" كما يقال. صبورة وحمولة أحياناً ومنفجرة في وجه سلطة الرجل الغاشمة أحياناً أخرى. يمكن القول إنها محركة أغلب الأحداث تقريباً. هل هذه الرؤية صحيحة؟

* المرأة في كل مكان بالعالم هي ما ذكرت، وليس فقط في أعمالي الروائية، فهي برغم ضعفها إلا أنها من تطرز حيواتنا، مَن نحن سوى تلك النساء التي تربّينا على أيديهن، لكن الرجل عندما يكبر ينسى أن كل شيء فيه متعلق بالأم والأخت والأنثى، ويعتقد أنه وجد منبتاً، والمرأة في القرية مثل المرأة في المدينة في كل المجتمعات العربية، هي المسؤولة عن تفاصيل الحياة وهي المحرّك لها.

- لديك حوالى 14 عملاً سبق "تغريبة القافر" التي ترشحت ضمن اللائحة القصيرة لجائزة "بوكر" العربية. ما الاختلاف الذي أحدثه هذا الترشح؟ بوضوح، هل للجوائز ذلك التأثير الكبير في انتشار العمل ومن ثم انتشار اسم كاتبه؟ وإن كان الأمر كذلك، وإن تأكدت منه فعلاً، فهل تشعر ولو بقليل من الغبن على هذا التأخير في الوصول لمكانة تستحقها؟

* طبعاً أنا معك في أن الجوائز لها تأثير كبير في انتشار عمل الكاتب، لكني أيضاً مؤمن بأن الزمن سينصف أي تجربة، فالأدب ليس مرتبطاً بزمن، قد تنتهي تجربة ما، ثم فجأة تسطع في الضوء وتخرج، مع ذلك أعتقد أنه كان لديّ قراء في جميع أنحاء الوطن العربي، كان البعض يتواصل معي على أنه قرأ كتاباً لي، شعرياً كان أو سردياً، وكنت أسعد بذلك وأعتبر ذلك التواصل أهم من الجوائز.

- هل ستظل المراوحة بين الشعر والرواية قائمة، أم ستعتبر الترشح للبوكر إشارة لترك الشعر أو هجره قليلاً على الأقل، والتركيز في الرواية؟

* لا أعتقد أني هجرتُ الشعر، ولا دخل للبوكر في استمراريتي من عدمها، فأنا أحب الشعر وما زلت أكتبه وأنشره، قد يطرأ عليّ مشروع شعري وأبادر في كتابته، وقد تكون هناك فكرة روائية تحتاج للاشتغال عليها، وقد أشتغل في عمل شعري وآخر سردياً في الوقت ذاته، كما حدث في كثير من الأحيان، فعندما كنت أكتب رواية "القناص" مثلاً، كنت أشتغل على مشروع "كاميرا" الشعري.

- هل تتذكر كيف كانت البداية الفعلية مع الكتابة؟ وهل اختلف طموحك وقتها عنه الآن؟

* كانت لدي محاولات بسيطة في سن مبكرة منذ أيام المراهقة، كنت أجمعها في ملف خاص، أطبع تلك القصائد بالآلة الكاتبة إذ لم يوجد حينها كومبيوتر، وأحتفظ بها، لكني لا أعرف الآن أين ذهب ذلك الملف، فمع كثرة تنقلي من مكان إلى آخر اختفت الكثير من الأشياء الحميمة في ذلك الوقت، ثم بدأت في بداية التسعينات بالنشر في الصفحة الثقافية لجريدة "الوطن"، وكنت أيضاً أحتفظ بالقصاصات في ملف خاص، بعد سنوات طويلة وعندما كنت أرتب مكتبتي ذات يوم عثرت على ذلك الملف، في الحقيقة لم تكن قصائد سيئة أبداً، لكني لم أضمنها في أي من دواويني الشعرية التي نشرتها.

- هل ستظل مخلصاً لمنطقتك الأثيرة؟ هل ستظل عُمان القديمة محوراً لأعمالك المقبلة؟ ما الجديد لديك على أي حال؟

* يعتمد ذلك على العمل المقبل، على الرغم أن "جبل الشوع" لم تكن الفترة فيها قديمة وإنما هناك تقاطعات زمنية بين الماضي والحاضر، وفي "القناص" كانت الفترة تصل حتى التسعينات من القرن الماضي وهي فترة قريبة، وكذلك "جوع العسل" كل أحداثها تدور في الزمن القريب، ربما الزمن قديم وغير محدد في "تغريبة القافر" إلا أن الزمن هنا نسبي، ويمكن أن يحدث في أي وقت. لا أعمال جديدة لدي، ولكن لدي الكثير من القراءة وهذا ما أستمتع به حالياً.

المصدر: 
جريدة " المدن"