تخطي إلى المحتوى
سجون العقل البشري سجون العقل البشري > سجون العقل البشري

سجون العقل البشري

كل إنسان يتصدى للكتابة عن القضايا البشرية سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمعات أو على مستوى الأمم أو على المستوى الإنساني بأجمعه؛ لابد أن يكون ضليعا في علم الإنسان (الانثروبولوجيا) ليس هذا فقط بل يجب أن يتابع باستقصاء وبعمق ودقة علم الأعصاب ليعرف قابليات الدماغ البشري وكيفية تَكَوُّن البنيات الذهنية القاعدية في الطفولة وليعرف آليات نشاط الدماغ وكيفية استجاباته التلقائية بل إن التعمق في منظومة العلوم المعرفية بات ضروريا لمن يريد أن يفهم أوضاع الأمم وعوامل التغيير فالحديث عن قضايا التغيير دون هذا العتاد العلمي المتكامل هو خطأ جذري ينتج عنه ضلالٌ في الرؤية، وتضليلٌ لمن يتأثرون بهذه الرؤية …..
              كل الأمم تتوارث أنساقا ثقافية، تكوَّنت منذ أقدم العصور ولكن هذه الأنساق بكل أوهامها ما تزال تنساب تلقائيا من جيل سابق إلى جيل لاحق ….
           وكلما امتد الزمن اكتسب النسق شحنة إضافية من الضلالات والتعقيد والتقديس فبدلا من الإفاقة والمراجعة والتصحيح فإن الأوهام عن الماضي وعن النسق تتراكم فيصبح النسق ذاته وكل ما يتعلق به مقدَّسًا ومحجوبا بقداسته عن الفحص والتحليل  …
             لكل أمة نسق ثقافي تتوارثه منذ أقدم العصور تتطبَّع به أجيالها تلقائيا في الطفولة المبكرة قبل أن يلتحقوا بالتعليم ….
          إن ما يتم التبرمُج به في الطفولة هو العقل ذاته الذي يتعلم الإنسان بواسطته فبالتطبع التلقائي وبالتعزيز المستمر تتكوَّن لكل فرد في أي مجتمع بنية ذهنية قاعدية مستمدة من النسق الثقافي الموروث فتكون هذه البنية الذهنية القاعدية هي أداته للتعلم ولفهم العالم ولا ينعتق من هذا التبرمج سوى أفراد لا يستطيعون التأثير الفاعل …..
    والمعضلة البشرية الكبرى أن البنية الذهنية القاعدية بعد أن تتشكل تصبح شبيهة بالغريزة وتكون ذات استجابات تلقائية وغير خاضعة للعقل الفاحص بل تكون محمية بطبيعة تكوينها ومسار استجاباتها من الوعي المتشكك فقد يكون الشخص أستاذا للفيزياء ويقف خاشعًا أمام تمثال بوذا ….
     يظن الكثيرون بأن الشعوب المزدهرة باتت شعوبا عقلانية أما الحقيقة فهي أن ما هو سائد في أمريكا واليابان وأوروبا وغيرها هو عقلانية قوانين ومؤسسات وإدارة وأساليب وتوازنات وليست عقلانية أفراد ولا عقلانية مجتمعات إن ظواهر لا تُحصى تؤكد أن الإنسانية بأجمعها ما تزال غير عقلانية …..

 

المصدر: 
دار الفكر