أطلقت شخصيات بارزة من عالم الفن والأدب حملة مقاطعة تاريخية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث دعا أكثر من ألف كاتب بينهم حائزون جوائز نوبل وبوكر وبوليتزر والكتاب الوطنية، إلى مقاطعة جماعية للمؤسسات الثقافية الإسرائيلية، التي تساهم في تجريد الشعب الفلسطيني من ممتلكاته. وتمثل هذه الدعوة الجماعية أكبر مبادرة للمقاطعة الثقافية في التاريخ تجاه المؤسسات الثقافية الإسرائيلية. وإذا نظرنا جيدا إلى تأثير الصهيونية في عالم الثقافة والفن، فسوف يتضح لنا مدى أهمية هذا الإعلان التاريخي.
ومن بين المشاهير الموقعين على الدعوة؛ سالي روني، وآني إرنو، وأرونداتي روي، وفاييت ثانه نغويين، وماكس بورتر، وأوشن فونغ، وبيرسيفال إيفريت، وعبد الرزاق قرنح، وروبي كور، وميشيل ألكسندر، وجوديث بتلر، وراتشيل كوشنر، وجومبا لاهيري، وفاليريا لويزيلي. وأكد الكتّاب الموقعون أن ضميرهم لا يسمح لهم بالتعامل مع المؤسسات الثقافية الإسرائيلية، دون طرح التساؤلات حول علاقاتها بممارسات التمييز والتهجير.
لغة المقاطعة الثقافية تعبر بقوة عن النقد العميق والموقف الأخلاقي الذي يتحلى به مجتمع الأدب العالمي ضد سياسات إسرائيل تجاه فلسطين
العبارات الواردة في بداية الإعلان تدل على أن الكتّاب يدركون جيدا ما يحدث على أرض الواقع، على الرغم من آلة الدعاية الإسرائيلية الكاذبة. أما النقطة الأساسية في نص الإعلان، فإنها كالتالي؛ «هذه الأحداث هي إبادة جماعية. ومنذ أشهر، يتحدث كبار الأكاديميين والمؤسسات المتخصصة عن ذلك. ويعبر المسؤولون الإسرائيليون علنا عن دوافعهم للقضاء على سكان غزة، وجعل إقامة الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. هذا يمثل امتدادا لممارسات التهجير والتطهير العرقي والفصل العنصري منذ أكثر من 75 عاما». وشدد الموقعون في ختام إعلانهم على أن «التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية يضر بالفلسطينيين؛ لذلك ندعو زملاءنا المؤلفين والمترجمين والرسامين والعاملين في مجال الكتب للانضمام إلى هذا التعهّد. كما ندعو ناشرينا، ومحررينا، وممثلينا إلى اتخاذ موقف، والاعتراف بمسؤوليتنا الأخلاقية، ووقف التعاون مع الدولة الإسرائيلية وهذه المؤسسات الإسرائيلية القمعية». لغة المقاطعة الثقافية هذه تعبر بقوة عن النقد العميق والموقف الأخلاقي الذي يتحلى به مجتمع الأدب العالمي ضد سياسات إسرائيل تجاه فلسطين. فالإعلان يدين من جهة السياسات القمعية المعروفة بالتمييز والتهجير والفصل العنصري التي تنفذها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ومن جهة أخرى يتهم المؤسسات الثقافية بتحويل هذه الممارسات إلى أمر عادي وطبيعي. كما يؤكد هذا الإعلان أن هناك ضمائر ما زالت حية في عالمنا الحالي، ويبعث الأمل في إمكانية أن تكون الثقافة والفن والأدب بمثابة ملجأ لهذه الضمائر الحية. المواضيع الرئيسية للنص هي:
1- موقف أخلاقي ونداء للضمائر: يتبنى الإعلان موقفا أخلاقيا من خلال تأكيد المؤلفين والناشرين أنهم لا يستطيعون التعاون مع المؤسسات الثقافية الإسرائيلية «بضمير مرتاح»، وهو ما يشير إلى أن الإعلان ليس مجرد دعوة لمقاطعة سياسية، بل يلفت الانتباه في الوقت نفسه إلى المسؤوليات الأخلاقية للأفراد والمؤسسات.
2- انتقاد لدور الثقافة: يشير نص الإعلان إلى أن المؤسسات الثقافية تبرئ سياسات الدولة الإسرائيلية، وتخفيها، و»تتستر عليها عن طريق الفن». وهذا انتقاد يعترف بتأثير الثقافة والفن في المجتمع وقدرتها على إحداث التغيير. كما يبرز النص أن الفن لا يجسد فقط حرية التعبير، بل إنه يحمل مسؤولية أخلاقية أيضا.
3- مقارنة بنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا: يقارن النص سياسة إسرائيل تجاه فلسطين بنظام الفصل العنصري، مشيرا إلى النضال ضد الفصل العنصري في جنوب افريقيا كمثال على ذلك بهدف منح المقاطعة شرعية تاريخية وتذكير المجتمع الدولي بالتضامن ضد الفصل العنصري. ويتيح مثال جنوب افريقيا إمكانية إنشاء تشبيه قوي وتقديم المقاطعة كجزء من التضامن ضد الأنظمة القمعية المماثلة عبر التاريخ.
4- موقف مناهض لسياسات إسرائيل: يؤكد النص أن إسرائيل ترتكب «سياسة إبادة جماعية». وهذا باعتقادي يمثل التعبير الأقوى في الإعلان، حيث تستخدم كلمة «إبادة جماعية» هنا للتأكيد على خطورة الوضع، وتشير إلى وقوع جريمة إبادة جماعية، وهي من أخطر الجرائم المحددة في القانون الدولي، وتستدعي موقفا قويا وجادا تجاه سياسات إسرائيل.
5- بُعد عالمي ودعوة للمشاركة: يهدف النص إلى تشكيل حركة تضامن دولية من خلال دعوة المؤلفين والمترجمين والناشرين والمكتبات وموظفي دور النشر من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى هذه المقاطعة. وهذه الدعوة للمشاركة الواسعة في العالم الأدبي هي محاولة لزيادة قوة المقاطعة الثقافية ونشر الوعي.
6- التأكيد على الأزمة السياسية والثقافية: يلفت النص الانتباه إلى حدوث أعمق أزمة أخلاقية وسياسية وثقافية في القرن الحادي والعشرين، ويوضح أن القضية الإسرائيلية الفلسطينية ليست مشكلة إقليمية فحسب، بل هي أيضا مسألة ضمير عالمية. عبارة الأزمة هنا تجعل القراء وعالم الأدب يرون القضية على أنها أزمة إنسانية.
ختاما؛ يمثل هذا الإعلان الذي وقّع عليه أكثر من ألف مؤلف من مشاهير العالم، انتقادا حادا وصوتا قويا من عالم الأدب ضد سياسات إسرائيل تجاه فلسطين. وهذه الدعوة للمقاطعة، المبنية على الأخلاق والتاريخ والضمير، تطالب جميع القراء ومحبي الكتب باتخاذ موقف أخلاقي. كما أنها تثير التساؤلات بشأن طبيعة الدعم الذي يقدمه كتّاب الثقافة والفن والأدب في العالم العربي والإسلامي لهذا الموقف. ألم يكن من واجبهم أن يظهروا هم أولا الموقف الأقوى ضد الإبادة الجماعية المستمرة منذ عام؟ دعونا على الأقل نبذل قصارى جهدنا لفضح هذه الوحشية والمعاناة في غزة أكثر أمام العالم من خلال لغة الفن؛ أي بآلاف الروايات والقصائد والأغاني والمسرحيات والأفلام.