تخطي إلى المحتوى
كاتب الأطفال لا بد أن يدرك واقعهم كاتب الأطفال لا بد أن يدرك واقعهم > كاتب الأطفال لا بد أن يدرك واقعهم

كاتب الأطفال لا بد أن يدرك واقعهم

في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما كنت في المرحلة الابتدائية، وبدأت التوسع في القراءة وأنا في التاسعة من عمري، لم يكن أمامي ما يسمى «مكتبة للطفل»، كنت أقرأ ما يقرأه الكبار، وعلى وجه خاص سلسلة «روايات الجيب»، وكانت كلها مترجمة، عرفت من خلالها أحدب نوتردام والحرب والسلام وغيرهما، كما قرأت روبنسون كروزو وجلفر في ترجمات كاملة، ثم اكتشفت شغفي بالمسرح، وبدأت أكتب التمثيلية مع القصة القصيرة، وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية، أصبحت رئيسًا لفريق التمثيل في مدرستي، ومع بداية المرحلة الثانوية، اكتشفت كنوز روايات نجيب محفوظ ومسرحيات توفيق الحكيم في مكتبة أخي الأكبر يوسف الشاروني، كما بدأت أقرأ الدراسات النقدية حول القصة والرواية والمسرحية، ولا أتذكر أني وجدت عندئذ سطرًا واحدًا يشير إلى ما يسمى «أدب الأطفال»!
وعندما حصلت عام (1960م) على جائزة الدولة الخاصة التي تسلمتها من الرئيس جمال عبد الناصر، كان ذلك عن مسرحية للكبار، وكان عمري (29) عامًا، وعندما جاء ابني وابنتي للحياة، بدأت أحكي لهما أشهر حكايات الأطفال العالمية، مستعينًا بشرائح الصور الثابتة (البروجكتور) عشرات القصص مثل سندريلا وذات الرداء الأحمر والجميلة النائمة، وعندما تركت عملي في القضاء عام 1967م، حرصت على أن أقدم حفلاً أسبوعيًّا للأطفال في قصر ثقافة مدينة بني سويف، معتمدًا على تقديم هذه القصص من خلال الحوار والمشاركة مع مئات الأطفال، فاكتشف الأطفال قدراتي على التواصل معهم من خلال القصص، هكذا قررت أنه إذا كنت قد نجحت في الكتابة للمسرح، فإن هناك جانبًا كشفه لي الأطفال خلال التجربة معهم، لقد اكتشفت أسرار الكتابة من خلال تجربتي المبكرة مع المسرح والتمثيل وكتابة المسرحيات، ثم ممارستي قص الحكايات في حفلات قصور الثقافة.
هناك شبه إجماع على خطورة ترك صغار الأطفال أمام الشاشات، بسبب التلقي السلبي، لذلك تنبه المشاركون في تقديم كتب الأطفال إلى الدور الأساسي لمختلف حواس الطفل في التعامل مع الكتاب، فبدأت ثورة حقيقية في تقنية كتب صغار الأطفال، تهدف إلى إشراك أكبر عدد من حواس الطفل في التعامل مع الكتاب، فتزايد إقبال معظم الأطفال الصغار على الكتب الموجهة لسن ما قبل المدرسة، إنها كتب تم إبداعها لتناسب أطفالاً لم يتعلموا القراءة بعد.. كتب يقرأها الأطفال برؤية صفحاتها أو أجزاء منها تتجسم وتتحرك، تختفي وتظهر، وباللمس بالأصابع، والاستماع إلى الموسيقى والأصوات، ومشاهدة الأضواء، بل وبالشم أيضًا، فبهذه الوسائل يدرك الأطفال العالم، ويستطلعون ويتعلمون ثم يبدعون، وهو ما نطلق عليه «القراءة بالحواس الخمس»، التي تجذب صغار الأطفال بعيدًا من الشاشات.
توجد الآن في معظم الدول العربية مسابقات بجوائز سخية، في مختلف مجلات الكتابة للطفل، ولا شك أن هذه المسابقات خلقت تنافسًا واسع النطاق بين أصحاب المواهب الذين لديهم اهتمام بالكتابة للأطفال، فتزايد عدد ما يصدر من كتب للأطفال، لكن لابد من تشجيع قيام حركة نقدية نشطة في مجال أدب الطفل، كي نحقق ما نرجوه من تقدم يواكب تغيرات العصر وتحدياته، هذه الحركة النقدية يمكنها أن تقدم لنا عينًا على ما يجري في العالم في مجال أدب الطفل، وهو كثير ومتسارع ويسابق الزمن في التطور والإبداع.
فجوة في التطوير
كبرى دور النشر التي تخصص جانبًا من اهتمامها لنشر كتب الأطفال، أصبحت اليوم تضارع في مستوى إنتاجها الورقي أفضل المستويات العالمية، والدليل على ذلك حصول عدد من الكتب العربية الموجهة للأطفال على جوائز عالمية، مثل جائزة معرض بولونيا الدولي، لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بيننا وبينهم في تطوير كتب الأطفال، تلك التي أطلقنا عليها «كتب القراءة بالحواس الخمس»، والتي تسود حاليًّا عالم كتب الأعمار الصغيرة في أوربا وأميركا، وقد يرجع هذا إلى ارتفاع تكلفة إنتاج هذه الكتب، وعدم تفهم الأسرة العربية للدور المهم لهذه الكتب في إنشاء علاقة حب بين الأطفال والكتب منذ شهور حياتهم الأولى. أصبحنا في حاجة إلى اختيار روائع أدب الطفل في الأدب العالمي لترجمتها إلى اللغة العربية، بعيدًا من العشوائية في اختيار ما يتم ترجمته، وفي حاجة إلى أمانة الترجمة، وجودة العبارة المناسبة لعمر الطفل الذي يتوجه إليه الكتاب، وذلك لكي تدخل الترجمة في إطار «أدب الأطفال» مثلما دخل النص الأصلي في إطار الأدب في لغته الأصلية، وهو ما بدأت تقوم به مراكز الترجمة في العالم العربي.
قيم التربية
كلما كان كاتب الأطفال على دراية بواقع الأطفال الاجتماعي والنفسي والبيئي واليومي، اختار موضوعات أعماله من بين ما يعيشه الأطفال في واقعهم أو خيالهم، فإذا كان الفن يأتي أولاً في مجال إبداع أدب الطفل، فلا يمكن فصل الفنان الذي يكتب للأطفال عن المربى الذي يدرك أثر كل كلمة يكتبها على القارئ الصغير، إن مؤلف أدب الأطفال، إذا كان مسلحًا بالرؤية الواعية لقضايا مجتمعه وقضايا الطفولة، فلابد أن يساهم ما يكتبه في التربية والتغير المجتمعي. لكننا نعود فنؤكد أن أية قيمة تربوية أو اجتماعية يتضمنها العمل الأدبي، لابد أن تأتى من خلال الفن، وليس على حساب الفن، إن الدنيا تتغير من حول الأطفال، ولابد لكاتب أدب الطفل أن يتنبه لهذه التغيرات.. ونتيجة لهذا تظهر معظم الاتجاهات الجديدة في أدب الأطفال العربي أو العالمي.
المصدر: 
مجلة الملتقى