تخطي إلى المحتوى
لقاء مع الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة لقاء مع الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة > لقاء مع الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة

لقاء مع الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة

غيب الموت بالأمس الروائي والسيناريست المعروف خالد خليفة.أعيد نشر لقاء كنت أجريته معه ونشر في جريدة" الوطن" العمانية.

ولد خالد خليفة في حلب عام 1964، وحصل على إجازة في الحقوق من جامعة حلب عام 1988 . ساهم في تأسيس مجلة ألف عام 1990. كتب العديد من النصوص والسيناريوهات التلفزيونية منها:( سيرة آل الجلالي ـ قوس قزح ـ حروف يكتبها المطرـ أهل المدينة ـ الوردة الأخيرة ـ زمن الخوف ـ ظل امرأة ). كما كتب للسينما عدة سيناريوهات منها ( سهرة مهذبة ـ باب المقام ـ حجر أسود ـ خريف حار). أما في مجال الأدب والرواية فله 6 روايات هي (حارس الخديعة ـ دفاتر القرباط ـ مديح الكراهية ـ لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة ـ الموت عمل شاق ـ  لم يُصلِّ عليهم أحد).

 

* ـ عادة ما يحمل الشعر للمبدع إغراء اكبر من الرواية ..هناك بريق الإلقاء والعلاقة المباشرة مع الجمهور. كيف استطعت الابتعاد عن هذا البريق والاتجاه نحو الرواية رغم انك نشرت المئات من القصائد في البدايات؟

** ـ هي مجرد اكتشافات قد تكون محظوظا بها كما حصل معي، فقد اكتشفت مبكرا رغبتي ان اصبح روائيا لا شاعرا، بالتالي كان كل الشعر الذي كتبته مجرد تمرين على اللغة اكثر مما كان القصد هو كتابة قصائد مهمة او حتى نشرها، وطبعا كانت تجربة غنية جدا، وكما أشرت، فان إغراء الشعر أقوى، ولاسيما في البدايات، فأنت تستطيع ان تعبر من خلاله، أما الرواية فهي تعني مجهود ضخم وجلوس الى الطاولة لساعات طويلة.. وأوقات قد تمتد لعدة اشهر او حتى سنوات أحيانا، هذا السبب الذي جعل الشعر بالنسبة الي مجرد تمرين، فقد كنت اعرف قبلها أني أريد ان اصبح روائيا.. او لنقل كان طموحي ان اصبح روائيا، ولهذا لم أقم بنشر أي ديوان، رغم انني كتبت مئات القصائد وهي الان موجودة لدي ولكن لا املك الرغبة في ان اصبح شاعرا او إنسانا متعدد الصفات انا لا أريد ان اصبح (شاعر، روائي، او ناقد).

 

* ـ : من يقرأ رواياتك، لاسيما رواية " حارس الخديعة"، لابد  ان يتساءل لمن تكتب .. ولماذا ؟

** ـ ترتكز حياتي وتتوقف على الكتابة ولا اعرف اصلا القيام بأي شيء آخر، واراني محظوظا لأنني لا اجيد أي شيء غير الكتابة، وهي الوسيلة الأكثر عمقا للتعبير عن ذاتي.. وبالتالي التعبير عن العالم.

أما لمن اكتب .. فأنا اكتب للناس لأني أصلا ضد فكرة او نظرية ان نكون ضد الجمهور، ولكن هذا لا يعني أنني أضع الجمهور في بالي عندما ابتدأ بالكتابة، ولا اكتب حسب الموضة، فالكتابة بالنسبة الي هي العمل المؤلم والممتع جدا في ان معا .

*ـ روايتك الأولى "حارس الخديعة" نص مفتوح اقرب ما يكون الى اللوحة السيريالية منه الى الرواية ؟

** ـ كلامك صحيح، ( حارس الخديعة) عمل أحمق بشكل كامل..كتب بمرحلة الحماقة، تلك المرحلة التي تقوم بالبحث فيها عن صوتك فقط ، وبالتالي كتب بطريقة استفزازية لقوانين الأدب.. كتب تحت تأثير موجات شبابية غاضبة، كنت في الرابعة والعشرين عندما كتبت "حارس الخديعة"، ..كنا بحاجة للكتابة بأسلوب آخر، والتعبير عن هذا الغضب بأسلوب مغاير للأدب العربي الذي سبقنا، وهو بحث حقيقي تحت فكرة الحاجة لإيجاد صوتك الخاص وبصمتك المتميزة في الكتابة، هو نص فيه الكثير من الخصوصية وفكرة الذهاب في الكتابة الى الحدود القصوى، وخاصة أنني كنت في مرحلة الخروج من كتابة الشعر، حيث كنت لسنوات طويلة اكتب الشعر فكانت مجموعة اختبارات .. اختبار باللغة .. اختبار بالتخيل .. اختبار بالسرد .. وربما كان هذا شيئا ضروريا في مرحلة ماضية، اما الآن، للأسف، بت افقد تلك الحماقة، فمع التقدم في العمر لا تصبح اكثر حكمة بقدر ما تستطيع ان تتفهم تقنيات السرد الروائي بشكل افضل.. تستطيع اكتشاف عالم الرواية وعالم الكتابة، كيف تكتب.. وما هي الوسائل التي تساهم بإيصالك للهدف، ولكن الشيء المهم والمشترك بين "حارس الخديعة" والأعمال الأخرى هو فكرة التخيل، فلا يوجد عمل مهم من غير تخيل، لذلك لا أستطيع البت في نجاح الرواية أو فشلها، ولكن أستطيع القول بأنه مازال نصا طازجا حتى الان.. وهذه ميزة او طموح لأي نص أدبي بان يبقى طازجا بعد مرور عشرين سنة على كتابته. 

* ـ  كيف تم تقبل هذا النص من قبل النقاد؟

** ـ للأسف فان النقاد العرب ينتبهون دوما للأعمال بعد فترة متأخرة ، وباعتقادي انهم ( النقاد ) سوف يلتفتون الى رواية " حارس الخديعة " في ظل رواية "مديح الكراهية" وذلك بعد ترشيح الاخيرة لجائزة  "البوكر " العربية ، فهناك الان طبعة جديدة للرواية عن دار الآداب في بيروت، واعتقد بأنه أيضا كان هناك توزيع محدود لهذه الرواية ..

* ـ  في روايتك الأولى كنت مجربا.. وفي الثانية كان هناك نوعا من التجريب ايضا..ولكن راينا في الروايات اللاحقة اختلافاً كبيراً في القواعد والتقنية. ماهو مفهومك للنص المفتوح.. وللتجريب   ؟

** ـ لست مع مصطلح النص المفتوح لاني شخص كلاسيكي في تسمياتي احب ان يقال (قصة، شعر، او رواية)، مفهوم النص المفتوح في اللغة العربية انه تهويمات لغوية، وانا شخصيا احب كوني روائيا كما احب كتابة نص مفتوح واعتقد ان "حارس الخديعة" هي عمل روائي بامتياز، قد تكون رواية جديدة فيها الكثير من التجريب كما تقول،  والتجريب بالنسبة لي هو ان تذهب الى النص دون قوانين مسبقة او دون ان يكون لديك نظرة مسبقة ان تجرب بقوانينك، ففي الرواية التخيلية في العالم هناك دوما قفزات ، بينما لانجد في الرواية العربية كتاب كتبوا عن الذات بشكل مباشر ، كان هناك دوما حامل ايديولوجي وحامل اجتماعي وحامل فني و كان هناك دائما خوف من كتابة الذات او انتقاد الذات او ان تكون تلك الاخيرة مسرح في روايتهم ..فكان التجريب على مستوى التقني ، وكانت الحماقة هنا ان تتجاوز الخطوط الحمراء وتكتب نصا مثل "حارس الخديعة" ، هذا لايعني انني تجاوزت الخطوط الحمراء ولكني تطرقت الى موضوع معروف لدى العالم الاجمع، فالتجريب هو الحامل الأساسي لأي كتابة سأقوم بكتابتها الان ومستقبلا.

 

* ـ : أسماء اعمالك ملفتة فكل عنوان يحمل نقيضه .. "حارس الخديعة"، "مديح الكراهية"، "دفاتر القرباط" ؟

** ـ العنوان جزء أساسي في الرواية لا استخف به على الاطلاق، وعادة لااضع عنوانا مسبقا للرواية فاالكتابة هي التي تعطيني العنوان، الرواية الوحيدة التي وضعت لها عنوانا مسبقا هي روايتي الجديدة " "حياة موازية" رغم معرفيتي بانه قد يتغير بعد الانتهاء من الرواية، ولكن يجب ان استقر على العنوان، على الاقل، بعد اتمام الفصل الاول من العمل،  هناك عناوين مؤقتة قبل الاستقرار على العنوان النهائي، وبعد هذا الاستقرار يصبح العنوان هو اساس العلاقة بيني وبين النص، وقد اؤجل طباعة رواية سنة كاملة اذا لم اجد عنوانا يتناسب ومضمون الرواية، العنوان هو بحث عن اللغة والضمائر المستخدمة والتقنيات..هذا جزء طبيعي من عملك كروائي، اعتقد بان العناوين كانت تشكل صدمة للجمهور، لاننا تعودنا على تلك العناوين الانشائية او السهلة اوقد لاتكون جزءا اساسيا من الرواية،  ولكن لفت نظر القارئ ضروري جدا.

* ـ يلاحظ ان المكان في اعمالك الثلاثة هو البطل الاساسي ؟

 

** ـ اذا وصل الأمر بهذه الطريقة فهذا يسعدني جدا، ففكرة توضيح أو تأكيد الزمان والمكان في العمل الروائي هي أحد طموحاتي، وغالبا ابحث عن أفكار لكيفية تناول المكان، يقوم البعض باعتماد أماكن يسبق لهم معرفتها فيحسنون وصفها، وما يحدث معي عندما اصف أماكن سبق لي معرفتها اكتشف أنني اصل في الرواية الى أماكن مختلفة ومغايرة لتلك التي اعرفها، وبالتالي تستطيع هنا  الابتعاد عن فكرة التدقيق او الفوتوغراف والتفاصيل حتى يكون المكان مقدس، بمعنى اخر ان روايتي هي من توحي الي بالمكان، وما يميز روائي عن اخر هو قدرته على تفكيك الأمكنة وإعادة تركيبها .. فالمكان جزء أساسي من اي مشروع إبداعي الى جانب الزمان والسرد والحوار.

* بالاشارة الى الزمن الروائي .. لفتني ذلك التداخل بين الماضي والحاضر والمستقبل  في رواياتك ؟

** ـ الزمن الروائي هو عمل مهم جدا، وهو ايضا من ميزات الروائي، فهناك اليوم في العالم الاف الروائيين ولم يعد من السهل اضافة شيء جديد وخاصة في الرواية،  وبالتالي يبقى التميز في امكانية تفكيك المكان واعادة تركيبه وفي الوقوف على زمن الرواية ، وبصراحة انا لا اعرف فعليا كيفية صناعتي لزمن الرواية، ولكني اشعر بانني اخلق زمني الروائي بهذا التلاعب بين الماضي والحاضر والمستقبل، ومن الجميل والضروري الا يكون لديك زمن ثابت .. بل يجب ان يكون زمنا متحركا، وهذه هي فكرة بناء لوحة الأرابسك، كما يقول الناقد إحسان عباس، ..فأنت تضع قطعة من الماضي واخرى من الحاضر لتكتشف في النهاية انها لوحة منسجمة .. في رواياتي اتجول بحرية وطلاقة ..لا اخشى ان افقد البوصلة التي تحرك شخصياتي ، قد انجح مرة وقد افشل مرة اخرى.

* ـ : كم لعبت السيرة الذاتية لـ "خالد خليفة" دورا في " حارس الخديعة"، و"دفاتر القرباط"؟

** ـ لا اعتقد انني كتبت شيئا من سيرتي الذاتية، قد يكون هناك اشخاص تعاملت معهم وعايشتهم، "دفاتر القرباط" مثلا تمثل صور الطفولة المبهمة ..هناك "جدتي " وقد تحدثت عنها لانها سيرة غنية فعلا، فهي واحدة من اكثر النساء اللواتي أثرن في حياتي، ايضا هناك شخصيات قريبة بعض الشيء من اشخاص تعاملت معهم في طفولتي، وقد تكتشف بعد حين بان هناك اماكن تحمل جزء كبيرا من الطفولة.. فهذه الاماكن تحفر لذاتها مكانا في الروايات ولكنها تبقى أماكن غامضة وصور مبهمة..

* ـ : عندما تقوم بكتابة رواية .. هل تكون " الحكاية " بكامل شخصياتها وتفاصيلها حاضرة في ذهنك ؟

** ـ  عادة ما أكتب دون افكار مسبقة، بالطبع لابد ان يتبادر الموضوع الى ذهني، ولكنه يبقى غائما، عندما انتهي من كتابة الصفحات الاولى اشعر بانني ملكت أولى خيوط روايتي، فالصفحات الاولى، وهي ليست ثلاث او اربع فقط، هي ما يقلقني في كتابة الرواية، بعدها تأتي الاشياء من تلقاء ذاتها .. وغالبا الشخصيات التي لم تكن واردة في ذهني هي من يحول مسار الرواية ، في "دفاتر القرباط" كتبت عن المكان والشخصيات التي شكلت جزءا اساسيا من طفولتي، .. ولكنك تكتشف بأنك تتكلم عن مجموعة من الشخصيات الاخرى مثل(محمد الجمل) (ابو الهايم) وتراهم يمتلكون العمل ليصبحوا ابطاله، وفي " مديح الكراهية" هناك (عبد الله اليمني) الذي كان واحد من ابطال العمل الاساسيين وباعتقادي انه من انقذ العمل واستطاع ان يقوده الى امكنة اخرى، واصبح يحمل حكاية جديدة لم تكن موجودة في ذهني مسبقا، ولكن عندما اتى دورها كنت مستعدا لها بل واعرف بان هذا مكانها الطبيعي، فانا في النهاية كاتب اتعاطى مع الشخصيات فالشخصية عندما يحين موعد موتها لا اعيد احيائها ، وبالعكس عندما اتعامل مع شخصية ما تريد الحياة هي من تكلمك عن ذاتها، ان فكرة الحياة والموت هي من يقودوني اثناء العمل، وقد يجعل هذا مسار الحكاية يختلف كليا فانت تبدا بحكاية لتنتهي بحكاية اخرى.

* ـ : ماهي الأسئلة التي يطرحها خالد خليفة في رواياته أو يريد منها الإجابة عليها ؟

** ـ ليس هناك فن يجيب عن الأسئلة، وليس مطلوبا من الفن ان يجيب على الأسئلة، اما التساؤلات التي تدور في ذهني فهي تتعلق بفكرة الموت.. الهزيمة الشخصية.. كيفية تدمير الآخرين.. الأسى.. هذه الأفكار تقلقني كثيرا، ويمكنني القول أنني بدأت اقرأ هزائم من حولي بطريقة مختلفة، ولا يستطيع أحد يجزم بصدق الروائي بشكل عام.. وهو بدوره لا يستطيع ان يجزم بصدق احد في الوقت نفسه،  فالكاتب يتناول روايته بطريقته الخاصة وكيفما يريد وليس كما يريد هذا او ذاك، وهذا شيء أساسي في الروائي، في أعمالي بشكل عام أسعى كي أكون اكثر قربا من الناس، ليس فقط في همومهم فهي كلمة استهلاكية، بل بمعنى الاقتراب من العمق الانساني للناس .. فالشخصية جزء أساسي من مشروع الموت، ولما كان المجتمع الذي يهمني حقيقة هو المجتمع الذي أعيش فيه فأنا اعتبر نفسي كاتبا سوريا بامتياز، وأجدني معنيا بهذا المجتمع .. بأسئلته .. تاريخه .. حاضره  ومستقبله، لذلك قلت أنني لا أريد ان أكون شخصا ذهنيا أقيم في اللغة وانما أقيم في الحياة، المشروع الذي يخصني هو فكرة الموت.. او فكرة الهزيمة الشخصية كي تستطيع فجاة ان تشعر بذاتك وبان كل ما مررت به لا شيء يذكر، وتعيد بالتالي أسئلة حياتك مرة ثانية الى موقع السؤال، فأنت لا تملك القدرة على المتعة.. ماهي المتعة أساسا..ما هو الشعور.. وما هو الموت او ماهي الحياة.. هذا كله ما انت مشغول به طوال الوقت، وروايتي جزء أساسي من مشروعي لهؤلاء الناس الذين اعرفهم.. والذين هم بالنهاية جزء اساسي من العالم.

واعتقد ان أسئلة الرواية تطرح أسئلة الفنون كاملة فهي تطرح أسئلة المسرح والسينما.. فالرواية هي المشروع الأكثر جرأة في الوطن العربي، وهناك عدد كبير من الكتاب و هذا شيء رائع بعكس ما يراه الآخرين انه استسهال، لا فهو ليس استسهال وطالما انك تجلس على الطاولة وتكتب فانت تملك الحق لتقول ماتريد.. وفي النهاية هناك تاريخ يقول.. وقارئ يقول ..ودور نشر تقول.

 

* ـ : أشرت الى كونك خارج الأيديولوجيا.. هل يعطيك هذا هامشا اكبر من الحرية.. وهل يمكن للكاتب ان يكون خارج الايديولوجيا فعلا؟

** ـ يمكنني القول بأنني خارج الأفكار الثابتة .. وتلعب الرواية دوما دورا في تعليمي الأشياء الأساسية، فقد علمتني ان ارى الأشياء من زواياها الأربعة .. ومن ثم أعود إليها لأراها مرة أخرى من زواياها الثمانية.. لأعود مرة أخرى لرؤيتها من زواياها الستة عشر ..وهكذا ،  أي يجب ان أكون قادرا على رؤية الاشياء في الرواية كما هي والا فأنني افقد فكرة حريتي ككاتب، ففي روايتي الأولى كان هناك حماقة وكان هناك وقوف في مكان غير ثابت ولكنه تحول لاحقا الى مكان ثابت.. فنقدك للأيديولوجيا يحيلها الى ايديولوجيا أيضا.

* ـ : الى أي مدى يستطيع الكاتب ان يكون حياديا في تسيير شخصيات روايته؟

** ـ هذا تمرين إنساني، ولا اعتقد أننا نحسد عليه كروائين، فأنا احب دوما ان اترك للشخصية هامش للدفاع عن ذاتها، وهذا ما تعلمته من الاساتذة الكبار، (دستويفسكي) في"الجريمة والعقاب"،  وكي تكون حياديا لايعني محبتك للشخصية او كراهيتك لها ولكنه مرتبط بشعورك ان هذه الشخصية يجب ان تعيش، لان الشخصيات الميتة مكروهة بالنسبة إلينا كروائيين فهي تضعف النص..وموت شخصيتك يعني موت نصك، وبالتالي عليك ان تكتب شخصياتك من منطقة البرود وليس من منطقة الحرارة، فعندما تقول الشخصية باني ارغب بهذا فلا مانع بان نترك لها حرية القول.. فالرواية في النهاية هي فن ديمقراطي بامتياز ..وهي فعلا اكبر تمرين على الديمقراطية.

  • ـ : هل تتقصد ان يعيش قارئ رواياتك حالة من القلق، كما حدث معي أثناء قراءتي لأعمالك الروائية ؟

** ـ لا.. لا أتقصد هذا، فأنا كاتب حيادي في الرواية، ولكن ليس مطلوب منك ان تكون حياديا كقارئ.. القلق شيء أساسي والفنون هي من يجمل حياتنا لأنها تساعدنا على إعادة شحن ذاتنا بشكل او بآخر، وباعتقادي ان فهم الذات شيء إيجابي وكلما استطاع الإنسان ان يغوص في أعماقه ويكتشف ذاته يكون إنسانا إيجابيا، انت لا تستطيع ان تحيا بدون القلق .. مجرد طرحك للأسئلة معناه القضاء على المسلمات، فالقلق شيء أساسي لنعرف كيف نعيد ترتيب حياتنا وترتيب أساسياتنا وأولوياتنا.

* ـ : تناولت روايتك الأخيرة ( مديح الكراهية ) الصراع بين السلطة وبين جماعة الإخوان المسلمين في مرحلة الثمانينات. وسؤالي ما هو الحد الفاصل بين المؤرخ والاديب ؟

** ـ بداية أقول ان هناك حدودا فاصلة عديدة بين المؤرخ والأديب، في " مديح الكراهية"  لم اكن أتحدث عن أحداث الثمانينات في سوريا كما يعتقد الجميع، بل تحدثت عن أشياء ربما حدثت منذ مئتي سنة او أشياء قد تحدث مرة أخرى في المستقبل، وبالتالي مرحلة الثمانينات لم تكن سوى ذريعة لتناول الموضوع بهذا الاتساع، فالرواية عمل يؤرخ لصراع الاصوليات ، ولكن حتى هذا المفهوم هو ضيق جدا بالنسبة لي، لان طموحي ان أقدم عملا يرسخ في ذاكرة اكبر عدد من الناس، وإذا عدنا الى التاريخ سنجد ان هذه الحوادث وقعت فعلا في فترة ما.. التاريخ يكرر ذاته بشكل أو بأخر، أي ان ما حدث سيعود حتما بعد فترة زمنية طالت او قصرت مادام هناك ديانات مختلفة واناس متعصبون لا يستطيعون تقبل الاخر، الموضوع واسع جدا، وكل إنسان يكتب التاريخ من وجهة نظره، وانا كتبت وجهة نظري ولكن بمستوى من النزاهة، أي أنني أعطيت لجميع الشخصيات حق الدفاع عن ذاتها، و بالنهاية، كما أسلفت، طموح أي كاتب ان يحتاج الناس العودة الى كتبه في أزمنة مختلفة.. لا ان يقال بان هذا الكتاب قد انتهى بانتهاء الزمن .. لان  الرواية اكثر رحابة من هذا بكثير .. أوسع من أحداث الثمانينات .. أوسع حتى من حصر الموضوع في سوريا فقط، والا لما تطرقت الى أفغانستان واليمن وغيرها ..ولكن المؤرخ يقف مع مصالحه دائما.. لا يوجد مؤرخ حيادي عربي أو أجنبي ..وحتى اذا وجد مؤرخ حيادي فهو يكتب من وجهة نظره فقط .. وبالنهاية هو ينتج نصا ميتا لانه من غير تخيل، والذي شكل جزءا أساسيا من "مديح الكراهية " فأنا لا اعرف صدق المعلومات ، وقد سألني الكثير عن مصدر معلوماتي التي أوردتها في الرواية، وبصراحة أقول لك ان التخيل كان المصدر الأساسي لمعلوماتي.. وما زلت اسمع الان ما يحدث في افغانستان والصومال العراق .. وما يحدث في الولايات المتحدة نفسها.. وفي كل مكان .. البشرية اليوم بحاجة ماسة الى إعادة طرح الأسئلة نفسها التي كانت مطروحة منذ الفين سنة  أي منذ الحروب الصليبية .. أسال هنا ما هو الوعد الالهي المفروض ان يعيدك الى تلك الطائفة والى هذا الدين وذاك الحزب أو التنظيم.. وبأي حق تصادر الأفكار الأخرى..ولهذا أقول ان الرواية لا تتحدث عن أحداث مرت في فترة معينة على الإطلاق.. لأنني على ثقة بان هذه الأحداث تكررت في التاريخ من قبل وقارئ التاريخ يعرف جيدا ان هذه الصراعات قد حدثت من قبل وأنها سوف تحصل من بعد .. هناك دوما اشخاص يتقاتلون من اجل السلطة.

* ـ : كيف ترى علاقة المثقف  بالسلطة؟

** ـ علاقة المثقف بالسلطة هي علاقة شخصين على طرفي نقيض.. وخاصة المثقف الكاتب، فالمثقف بشكل عام له مصالح عديدة مع السلطة، بينما الكاتب يتميز باستقلاليته.. بالتالي هو شخص دائم الانتقاد، هذه إحدى مهام الكاتب الأساسية .. إضافة الى طرح الأسئلة .. في العالم العربي اليوم ضاعت الحدود وأصبحت العلاقة بين الكاتب والمثقف والسلطة ملتبسة بشكل غير معقول، ودعني أتساءل معك بدهشة هنا عن معنى قيام عدد من رؤساء الدول بكتابة روايات( ؟! ) .. فهم لا ينقصهم المجد ولا الشهرة ولا الأضواء ولا النساء، ولكن يبدو ان ما ينقصهم فعليا هي سلطة الروائي .. فهي سلطة تغري الآخرين حتى لو كانوا  أصحاب السلطة ذاتها، في حين أني لا اعتقد  بوجود روائي قد تغريه السلطة بمفهومها الدنيوي.

 

ـ  في  "دفاتر القرباط" لماذا جعلت الطفل اعمى في نهاية الرواية؟

** ـ  بصراحة لا املك جوابا شافيا لهذا السؤال، فأنا لا أعود لقراءة رواياتي بعد طباعتها، قد يبتدع القراء مجموعة من التفسيرات قد أراها مقنعة، قد املك جوابا ولكنه وحيد وانا لا أستطيع إرغامك على قبول هذا الاقتراح .. قد يكون لك انت اقتراح اخر فالرواية خرجت مني وانتهت.

 

* ـ: ولكن في " مديح الكراهية " أيضا كان لـ " الأعمى " دوراً رئيسياً .. أضف إليه انك كتبت مرة مسلسلاً عن العميان ؟

** ـ بصراحة انا قريب من جو العميان واحبهم كثيرا.. حتى اني كتبت اوديب للمسرح ولكن لم اقم بنشر النص، فكرة العميان هي إحساس .. أراهم أناس فاقدين مباهج الدنيا ، طريقة حياتهم و العيش في الظلام هي ميزة قد تمنحهم احاسيس صعب علينا التعايش معها او فهمها، وقد كنت قريبا منهم لفترة حيث ان عمّ والدتي كان أعمى ولكنه كان شخصا رائعا وذكيا جدا.. هناك العديد من الاشخاص الذين كنت اراقبهم واستلطف حضورهم لاني اعتقد بانهم غير قادرين على ارتكاب جرائم.. وكثيرا ما أرى ذاتي تتجه نحو أماكن وجودهم.. اشعر بان لديهم حياة مختلفة.. ولديهم دوما ما يحتاجون للتعبير عنه اذكر طه حسين وابو العلاء المعري، واكيد بان العمى هو من ساعدهم.. وقد تكون لهذه الخلفية دورا في جعل بعض الشخصيات عندي عميان..

 

* ـ : يلاحظ اتجاه الرواية الجديدة السورية نحو الغوص في المحرمات الجنس والسياسة.. هل تراها موضة ام ضرورة، و ما لفتني في أعمالك توظيفك للجنس بطريقة لا تثير القارئ  ؟

** ـ قلت مسبقا أنني لا اكتب موضات ولا أريد استعارة شيء لروايتي من الخارج... الجنس كان دوما مسار اهتمام القراء، ومن المؤكد انه سيبقى محط اهتمامهم لانه لغز أساسي وشيء أساسي في حياة البشرية، وبالتالي انا مع توظيفه في الرواية بكل الأشكال .. وانا شخصيا أقوم بكتابته وتوظيفه بهذه الطريقة ويأتي في سياق الحدث، وبالتالي فهو يصل الى القارئ بشكل صحيح أو كما أريد فعلا ان يصل، ولو أني كنت اكتب موضات أو استعير من الخارج (جنس أو سياسة) فلا بد ان يكتشف القارئ هذه الاستعارات وبالتالي سوف يسقط نصي ويموت ، في حين أنني أسعى لحماية نصي وعدم تركه يموت .. مثلما يحاول كل إنسان يحاول حماية نفسه من الموت .. أشير الى أنني لست ضد ان يستعير الآخرين ما يرونه مناسبا لهم ،ولكني شخصيا لا ارغب بالاستعارة.

* ـ :هل تستطيع القول بان خالد خليفة ينتمي للرواية السورية الجديدة او للرواية العربية الجديدة مثلاً ؟

** ـ انا انتمي للرواية السورية الجديدة وبالتالي للرواية العربية الجديدة واعتقد انه من الظلم ان لا يرى هذا المشهد بهذه الطريقة، ولكن مشكلتنا في المشهد القافي العربي ان ما نعتبره جديدا يكون منسيا من قبل الآخرين.

* ـ ماهي سمات الرواية السورية او العربية الجديدة ؟

 ** ـ السمات الأساسية  لهذه الرواية هي فكرة كتابة الذات والعمل على مواضيع كانت هامشية في الرواية السورية والعربية في فترات ماضية، والامر الثاني هو النبش في المحرمات سواء السياسية او المحرمات الاجتماعية منها الجنس والدين، وباعتقادي ان هذا لصالح الرواية الجديدة، فهي الرواية الوحيدة التي تنبش بهذا المجتمع .. والا اذا كان وضعنا جيد جدا ومجتمعاتنا بالف خير فلماذا كل هذا التخلف وهذه الاصوليات.. ولماذا كل هذا الموت والدمار في المنطقة .. هناك أسئلة يومية عند الناس، وجاءت الرواية الجديدة لتعيد صياغة وطرح هذه الأسئلة مرة أخرى بهذه الطريقة عبر الذات وهذه هي السمة الأساسية للرواية العربية الجديدة.

* ـ  أين تتقاطع الرواية السورية الجديدة مع بقية الروايات الجديدة العربية..؟

** ـ يمكن القول ان سمات الرواية الجديدة التي أشرت إليها متقاربة في العالم العربي بشكل عام، البحث عن الذات .. إعادة طرح الأسئلة من جديد. والتجريب في الرواية الجديدة اصبح اكثر جدية .. هناك تجارب جديدة ملفتة على الساحة المصرية ، وهي الساحة الأساسية لانتاج الرواية حتى اليوم، عبر كتاب مثل( ابراهيم فرغلي - حمدي الجزار)، فقد استطاعوا ان يعيدوا إنتاج وكتابة نص جيد وجديد , بعد ان تم الترويج خلال فترة لنصوص اعتبرها هزيلة جدا. 

* ـ  كيف ترى تقبل الجيل السابق من الروائيين السوريين لهذه الرواية الجديدة؟

** ـ للأسف أقول ان تلقي الرواية الجديدة والروائيين الجدد من الجيل الذي سبقنا كان سلبيا في كثير من الحالات ..هناك مشكلة أساسية في مجتمعاتنا العربية بشكل عام وهي أننا لم نعتد على الحوار وعلى تقبل الاختلاف ..حيث يرى البعض ان المطلوب منا كروائيين شباب ان نكون تلاميذ وليس شركاء، وهذا ما دفعنا الى إعلان الغضب بصوت مرتفع لنؤكد للجيل السابق بأننا لسنا هواة.. فكل واحد منا لديه ثلاث الى خمس روايات ولديه اهتماماته وحضوره وقراءه .. ويجب ان يفهموا ان الرواية اليوم فن تسلط عليه الأضواء، وبالتالي هناك اهتمام اكبر بالروائيين الجدد بشكل او بأخر، هناك أشياء لصالحهم ..وأمور أخرى ضدهم ، أتمنى لو كان بيننا وبينهم نقاش وحوار، وبالطبع هناك دائما استثناءات لان عددا من الروائيين الكبار يحاوروننا ويناقشوننا بل وكانوا فخورين بنا .. وهناك قطاع كبير نظروا بسخرية واستهزاء لهذا الخروج، ولعل السبب هو اعتقادهم أننا نهدد مصالحهم بكتابتنا كتابة مختلفة، وبالتالي عليهم ان يدافعوا عن وجودهم،ولكن هل صحيح ان هذه الكتابة تعني تهديدا لثبات الكتابة العربية (؟! ). واقول صراحة أنني بعد مؤتمر الرواية في القاهرة وفي سوريا، وهما المرتان الوحيدتان التي شاركت فيهما يف مؤتمر عربي للرواية ، اتخذت قرارا بعدم الانشغال بهذه الأمور أو المشاركة في أي مؤتمر قادم.. لان النقاش كان عقيما جدا .. وكان هناك ضجيج وكلام كثير دون معنى.. انا لم اقل رأيي كاملا واعتقد أنني لا أريد قوله لان لا يوجد من يسمعه.

* ـ : لمن تقرا حاليا .. ومن هم الكتاب الذين تركوا اثروا فيك ؟

** ـ انا مشغول حاليا بالروايات الجديدة التي صدرت مؤخرا ..كما اني أعيد قراءة الكلاسيكيات.

اما بالنسبة للكتاب الذين تركوا اثرا بالغا في فهم :( ويليام فوغنار - ديستويفسكي – غابرييل ماركيز) ومن الكتاب العرب (نجيب محفوظ) الذي اعتبر ثلاثيته عملا كلاسيكيا بامتياز ، كذلك الكاتب (عبد الرحمن منيف) بفكرة القلق التي تحملها شخصياته، وفكرة اختراقه للمحرم السياسي العربي.. وباعتقادي انه رائد من رواد هذه المدرسة، فهناك دائما شيء يثيرني بعملهم ويجعلني أقوى، فعندما يكون عندك نص عظيم تقوم بتفكيكه فهذا يجعلك افضل وأقوى..

*ـ : هل تعتبر ترشيحك لجائزة " بوكر" العربية عن " مديح الكراهية" اعتراف بالرواية الجديدة..ام ان الموضوع فرض نفسه ؟

** ـ برأيي انه اعتراف بالادب السوري الجديد.. فخلال السنوات الثلاث الماضية كانت الرواية السورية موجودة .. حيث تم ترشيح  الكاتبة (روزا ياسين حسن) السنة بالسادسة عشر وقبلها كانت رواية " مديح الكراهية " وسبق ذلك ترشيح رواية كل من (فواز حداد) و(محمد ابو معتوق)، صحيح ان الكاتبين حداد وابو معتوق يمثلان الوسط ما بين الرواية الجديدة و"الرواية لقديمة" ولكن فوزهما كانا تمهيدا للاعتراف بالرواية الجديدة التي كانت تعاني من التغييب والتعتيم خلال السنوات الماضية.. ولهذا فأنا اعتبرها جائزة للرواية السورية الجديدة قبل كل شيء ، كما اعتز باختيار " مديح الكراهية" من بين 134 نصا لكتاب كبار ومعروفين في العالم العربي..  .

* ـ لماذا بقيت " مديح الكراهية ممنوعة من التداول في سورية حتى الان ؟

** ـ بصراحة أقول انه لا يوجد منع حقيقي للرواية بمعنى المنع، فالرواية موجودة في الأسواق السورية وتباع علنا، أي هناك غض نظر، وباعتقادي ان الموظف الذي عليه اتخاذ قرار السماح بتداول الرواية لا يستطيع اخذ هذا القرار.. وفيما لو اتخذ القرار فلن يحدث أي شيء .. لذلك لا أريد البكاء على أشياء غير صحيحة او تضخيم أمور لغايات إعلامية او أي شيء اخر.

* ـ : بالمناسبة كم بقيت تكتب في " مديح الكراهية" ؟

** ـ  قد لاتصدق اذا قلت انها أخذت حوالي ثلاث عشْرة سنة حيث نشر الفصل الأول من " مديح الكراهية" في عام 1993 في مجلة ألف.

* ـ : أشرت الى انشغالك في رواية جديدة؟

** ـ هذا صحيح . اعمل حاليا على مشروع الحب فبعد " مديح الكراهية" ومسلسل " هدوء نسبي"  اشعر بان الحروب شوهتني، ولابد لي من الخروج الى حالة أخرى، اعمل على رواية جديدة تدعى"حياة موازية" واظنها ستكون جاهزة في عام 2012.

المصدر: 
جريدة " الوطن" العمانية