أخيراً سيعود معرض الجزائر الدولي للكتاب، بعد غياب محتوم دام عامين، تبعاً لمخلفات الكوفيد وطفراته، ومع الإعلان عن اقتراب فتح أبوابه في مارس/آذار المقبل، شرعت عجلة المطابع في الحركة من جديد، بعد عطالة وركود، أخذت دور النشر المكرسة، تنقب عما بوسعها إتاحته للقارئ، بينما الدور المغمورة لم تضع الفرصة، وزعت منشوراتها على مواقع التواصل في الإعلان عن أسعارها، وعن تهيئها لطبع أعمال شباب أو كهول طامعين في شهرة الأدبية، فكل مرة، الرهان كله على معرض الكتاب، بحكم أن سوق الكتاب يعيش خريفاً، ويدخل حقلاً مقفراً بقية أشهر العام، الكتاب الأدبي لا يُباع ولا يُشترى والمكتبات في عداد المهددة بالانقراض، ولا طوق نجاة سوى في معرض الكتاب، فهو جنة الناشرين والكتاب الحالمين، والحق أن معرض الجزائر يشهد إقبالاً محترماً من طرف الناس، يتهافت عليه القارئ وآكل الشاورما والراغب في اختلاس النظر، أو في مغازلة عابرة، البشر كلهم يتقاطرون على أروقته، والإعلام يروج له، فهو الواجهة الثقافية في بلد يكاد يصير بلا ثقافة، رائحة الورق تملأ جنباته، الداخلون إليه والخارجون منه في هرج، لحد الساعة لسنا نعلم سوى أرقام زوار المعرض، الذين يسهل عدهم كل يوم، لكن لا أحد تجرأ على البوح برقم أعماله، وهل هو مناسبة جيدة في صناعة الكتاب، أم مجرد بريستيج؟ هل هذا المعرض الجزائري الأهم يصنع كتاباً؟ هل كان سبباً في ظهور أسماء، أم أنه لا يعدو أكثر من مناسبة موسمية لا انعكاسات لها في الحياة الأدبية؟
فالقارئ الجزائري ما يزال تائهاً، ضحية ما تشاهده عيناه على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك لا نجد موطأ قدم للكتب الأدبية، فالناشر، كما أسلفنا، يتكل على سمعة الكاتب بين الناس، لا على حرصه على الترويج، أليس من واجبات إدارة المعرض مساعدة الناشرين في الترويج لكتبهم؟
السيلفي أهم من الأرقام
حين بدأ وباء كورونا في الانتشار، أغلقت المكتبات وألغي معرض الكتاب، سمعنا ناشرين في الجزائر يتحدثون عن خيبتهم من كساد سلعهم، إن الكتب لم تجد قارئاً لها، وأكلت الجرذان ورقها في المخازن، لكن لم يخبرنا أي واحد من الناشرين عن حجم خسائره، مثلما لم يخبرونا عن رقم أعمالهم في الحالات الجيدة، حين كان الناس يقبلون على الكتب في المعرض، وحين قدمت وزارة الثقافة مساعدات للناشرين، قبل حوالي العام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، التزم الناشرون مرة أخرى الصمت، ولسنا ندري كم كسبوا أم خسروا، كما لو أن التصريح بالأرقام من التابوهات، من حق الناشر الجزائري أن يشتكي حين يسوء حاله، لكنه لا يصارح القراء، حين يتحسن الوضع. في انتظار أن تتغير هذه الذهنية، وضمن هذا التهافت على معرض الكتاب، الذي بات يشبه عرساً، حيث العرسان أكثر من الضيوف في بعض الأحيان، نتساءل: هل سبق أن كان هذا المعرض سبباً في بزوغ نجم كاتب؟ ما يُطلق عليها دور نشر كبيرة تكتفي بملصقات ترويجية في أجنحتها، وأحيانا تستغني عنها، مكتفية بنقل الخبر شفوياً، قد تستضيف الكاتب إلى طاولة وكرسي من أجل توقيع عمله، وهو لا يدري هل سيأتي إليه قراء، أم أن الخبر لم يصلهم؟ يعتمد على نفسه في الترويج لكتابه، مستنجداً بأصدقائه وعشيرته على مواقع التواصل الاجتماعي، كما إن إدارة المعرض أيضاً تتغاضى عن هذا الدور، لا يعنيها سوى تسيير الندوات المرافقة، وحفظ الأمن في الداخل، لا يهمها أن يسمع الناس عن كاتب بعينه، بل المهم أن يملؤون المكان صخباً، نشعر كما لو أن العلاقة بين ناشري الكتاب الأدبي، وإدارة المعرض في أسوأ حالاتها، فالناشرون معزولون، ينتظرون ضربة حظ في أن يلج قراء إلى جناحهم، فيقتنون عناوينهم، هكذا لم يسبق أن سمعنا عن اسم كاتب ظهر في هذه المناسبة، فالكتاب مطالبون بتكريس اسمهم خارج المعرض، بحكم أن هذا الحدث صار أشبه بالكاستينغ، لا يهم فيه من نجح، بل المهم أن يشارك فيه أكبر عدد ممكن من المرشحين، لا يهم حجم المبيعات، بل الأهم عدد صور السيلفي التي تُلتقط وتُنشر على الفيسبوك والأنستغرام، بات الكاتب يُبرهن على نجاح عمله أو فشله، حسب عدد الرؤوس التي تظهر في السيلفي، الذي يتحين ميعاد التقاطه لحظة توقيع كتابه.
بحثاً عن كتاب محلي
معارض الكتاب، في مجملها، ليست أكثر من مناسبة تجارية، تضاعف فيها دور النشر من أرقام أعمالها، وتضمن تسويقاً لها، فزوار معرض الجزائر ليسوا فقط قراء، بل أيضاً أصحاب مكتبات يقتنون كميات من أحدث الإصدارات، هذا ما يبدو بالعين المجردة، لكن الناشر المحلي ليس في رواق حسن، بحكم أنه لم يوطد علاقته بالقارئ المشغول بدور أجنبية، فالعلاقة بين ناشر وقارئ محليين، ليست في أفضل أحوالها، الثقة مهتزة، والجزائري يقبل على الأجنبي أكثر من إقباله على ناشر من بلده، يثق في سلعة الآخر أكثر من سلعة موطنه، بالتالي لا يمكن أن نتحدث عن نجاح دورات معرض الكتاب، من خلال حساب أعداد الزوار، ونغفل عن دونية الناشر المحلي إزاء الأجنبي، إلا في حالات نادرة، وهذا الوضع لا يخص الكتاب وحده، فالجزائري يفضل كل ما يأتي من خلف الحدود، من ملابسه إلى عطوره وأدويته، يميل إلى منتج يحمل اسم بلد أجنبي، فالقول إن معرض الكتاب كان ناجحاً، يبدأ من التفكير في إنجاح الرابطة بين الناشرين الوطنيين والقراء، من تذويب جبل الجليد في ما بينهم، وفتح باب تعاون جديد، كما أن النجاح لا يعد في أرقام المبيعات الإجمالية، حيث أن كتب الدين والتنمية البشرية، تحتل مرتبة متقدمة مقارنة بكتب الأدب أو التاريخ أو السياسة، فالقارئ الجزائري ما يزال تائهاً، ضحية ما تشاهده عيناه على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك لا نجد موطأ قدم للكتب الأدبية، فالناشر، كما أسلفنا، يتكل على سمعة الكاتب بين الناس، لا على حرصه على الترويج، أليس من واجبات إدارة المعرض مساعدة الناشرين في الترويج لكتبهم؟ إلى حد الساعة كل واحد منهما في واد يهيم، والمعرض المقبل لن يشذ عن القاعدة، ما لم نفكر في ترقيع سقطات السنوات الماضية.
القدس العربي