شابة عراقية ماتزال في عقدها الثالث من العمر، دفعها اليأس من الحصول على فرصة توظيف حكومية إلى إيجاد ذاتها وتنمية قدراتها في مجالات الحياة، بعد أن وجدت شهادتها المعطلة في الهندسة المدنية خارج سوق العمل العراقي.
ساقتها الحياة صدفة خلال دراستها الجامعية، إلى العيش ما بين رفوف المكاتب ومراكز النشر، بعد عرض قدمته لأحد اصحاب تلك الدور بالعمل مجاني للترويج الالكتروني للمطبوعات والمؤلفين.
كانت البداية عند "دار سطور"، في شارع المتنبي وسط بغداد، الذي يعد المعقل الرئيس للكتب وشاطئ الثقافة والمثقفين في العراق، حيث انطلقت الشابة براء البياتي من ذلك المكان، الذي قادها فيما بعد أن تكون مصدر إلهامًا للشبابن وإيقونة إرادة ونجاح يحتذى بها من قِبَل الآخرين.
عملت "براء" على نشر "الاقتباسات" للكتب الصادرة عن المركز عبر صفحات متعددة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال تسليط الضوء على مضامين تلك المؤلفات، وسير المؤلفين بإطار مشوق يشد القارئ لاقتناء الكتاب.
استطاعت "براء" من خلال ذلك العمل إثبات قدرتها ومهاراتها في تحقيق النجاح، واكتساب الثقة من قبل المحيطين بها وكل من تعامل معها، ولكن طموحها كان يأبى أن يكون حبيسًا ما بين السطور، أو الاكتفاء عند ذلك الدور والمكان.
رغبتها في مواصلة المشاور، أخرجها من دار سطور إلى رصيف المتنبي هنالك، حيث تقف وسط زخم جموع الحاضرين عند بسطة لبيع الكتب في مشهد غير معتاد، بعد أن ظل ذلك السوق حكرًا على الرجال لأمد بعيد.
لكن ذلك لم يكن نهاية المطاف إن لم تكن بدايات متدرجة نحو الصعود، إذ أقدمت الشابة فيما بعد على استئجار محل لبيع الكتبن حتى تطور الأمر لاحقًا بإنشاء دار نشر حمل اسمها "براء".
تقول "البياتي" عن تلك الرحلة الممتدة لخمس سنوات، إنها "خلال الدراسة الإعدادية كانت ترغب بدخول كلية الإعلام، ولكن والدها الذي يعمل قاضيًا عارض رغبتها، خوفًا عليها جراء الظروف السياسية التي تعيشها البلاد عام 2006، وخطورة الكلمة والصحافة".
بعدها وكما تتحدث "براء" لـ"العين الإخبارية"، واستسلامًا لإرادة الوالد، اختارت الهندسة المدنية لإكمال مشوراها الدراسي، قبل أن ينتهي بها المطاف بعد التخرج برقم ما بين صفوف العاطلين في العراق.
تقف براء البياتي اليوم على ناصية المتنبي عند دار النشر وهي تنشغل في متابعة المؤلفات والكتب ومجاراة الزبائن ممن يبحثون عن المراجع العلمية والادبية واخر الإصدارات.
وتلفت "البياتي" إلى أن دار "براء للطباعة والنشر"، جاء كثمرة جهود طويلة أسهم فيها الأهل بتقديم الدعم المعنوي والمادي حتى تكللت بالنجاح.
استطاع دار "براء" منذ تأسيسه عام 2016، من إصدار أكثر من 35 كتابًا توزعت ما بين الرواية والقصة ونصوص وخواطر وكتب قانونية ونقدية، فضلًا عن بعض الإصدارات المترجمة.
ذلك العمل الدؤوب والإصرار على تقديم الأفضل من خلال التمييز والتفرد ما بين دور النشر، أسهم في نيل براء البياتي جائزة "ماكس هيرمان"، الألمانية التي تمنح لأول امرأة عراقية وعربية.
عن ذلك التكريم تقول "البياتي": "تليقت حينها رسالة على بريدي الإلكتروني، لكني توقعتها مزحة أو قضية لا تخل من التندر ساقها البعض".
ولكن بعد ذلك جرت الإجراءات من خلال الحصول على الفيزا وتأشيرة السفر إلى ألمانيا، مما لا يترك مجال لأدنى شك بأن ما يحصل حقيقة واقعة وأمر بالغ الأهمية، بحسب البياتي.
"ماكس هيرمان" هو مؤرخ، وعالم اجتماع ألماني، وُلد في برلين، وتوفي في معسكر تريزنشتات، عن عمر يناهز 77 عامًا، واستطاع خلال الحرب العالمية الإسهام في إنقاذ آلاف الكتب والوثائق من الدمار والسرقة.
وعادة ما تُمنح هذه الجائزة لشخصيات لامعة ومتقدمة في العمر ممن يعملون في مجال الكتاب والنشر ولهم ممارسة ممتدة وطويلة. تقول "البياتي": "عند منصة التكريم في ألمانيا فوجئ الجميع بحصدي جائزة هيرمان وأنا في ذلك السن".
وتختم المهندسة والكتبية، براء البياتي حديثها في كلمة توجهها للشباب: "تطوير الذات وعدم تعليق الأماني على فرص توظيف حكومية.. الحياة فيها فرص كثيرة وكبيرة تستحق البحث وبذل الجهد وكذلك هي فرصة لتقديم شيئًا يعودة بالفائدة الشخصية والسمعة الطيبة للبلد".