تخطي إلى المحتوى
هل ما زال الكتاب الورقي يستهوي القارئ في زمن الالكترونيات؟ هل ما زال الكتاب الورقي يستهوي القارئ في زمن الالكترونيات؟ > هل ما زال الكتاب الورقي يستهوي القارئ في زمن الالكترونيات؟

هل ما زال الكتاب الورقي يستهوي القارئ في زمن الالكترونيات؟

يشهد الكتاب الإلكتروني انتشار واسع على الشبكة العنكبوتية، حتى يخيل للمرء أن القارئ للكتاب الورقي يضمحل، وأن مصير الكتاب الورقي إلى زوال. اشكالية القراءة الالكترونية ليست مطروحة عربيا فقط، بل وحسب مجلة “لوفيغارو” الثقافية فإن اقبال الفرنسيين على القراءة الكترونيا تزايد من عام 2014 إلى 2016 إلى 36%، مما يجعل من فرنسا ثاني دولة تعترف بهيمنة الكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي بعد سويسرا ..

في وطننا العربي، اشكالية القراءة نفسها ظلت هي المطروحة، حيث أن الدراسات العربية أكدت بمجملها أن نسبة القراءة في البلاد العربية لا يتجاوز ال5% وأن “الأمية” لم تعد مرتبطة فقط بعدم إجادة القراءة والكتابة فقط، بل توسعت حتى بين المتعلمين أنفسهم. المجلة الثقافية الجزائرية بالتنسيق مع موقع “الفنر نيوز” اقتربت من المعنيين بالكتاب ووجهت الأسئلة التالية: هل مازال للكتاب الورقي خصوصيته وقدسيته بعد انتشار الكتاب الإلكتروني؟ وأين يقف المؤلف إزاء الكتاب الورقي والإلكترونية من جهة وإزاء الناشر من جهة أخرى؟

د. الناقدة شادية شقروش كلية الآداب واللغات جامعة تبسة بالجزائر: في اعتقادي أن سلطة الكتاب الورقي أقوى  من سلطة الكتاب الإلكتروني لأن الورقي يتسم بالديمومة  وعلى الرغم من أن البحث فيه يكون بطيئا لكنه ضروري جدا ولا يمكن أن يندثر
في حين أن الكتاب الإلكتروني على الرغم من تسهيله  لعملية البحث وسرعته إلا أن مخاطر الإلكتروني كثيرة ،أولها أنه مرتبط بجهاز قد يتلف ومرتبط بالكهرباء الذي قد ينقطع في لحظة حاجتنا للمعلومة ،لذلك  من الضروري أن تكون لدينا مكتبة إلكترونية ولكن بالمقابل لابد تكون لدينا مكتبة ورقية نلجأ إليها لأنها هي الأصل وهي الثابت، لذلك تظل قدسية المكتوب الملموس أقوى من سلطة الإلكتروني الافتراضي مهما قدمت  من فوائد.. وأما عن الشطر الثاني من السؤال، فيختلف الناشر الورقي  باختلاف الأشخاص ومقاصدهم ونظرتهم للكتاب وللمعرفة بصفة عامة ،فمنهم البراغماتي الذي يبحث عن الربح ولا تهمه المعرفة  وهذا الناشر ينشر بمقابل مادي دون تمحيص وهذا الناشر في اعتقادي يكرس للرداءة ومنهم من تهمه المعرفة لذلك يركز على تحكيم الكتب  ومعرفة آراء المتخصصين بشأنها، وتدقيقها لغويا ولذلك يكون هذا الناشر قد استفاد استفادة كبيرة فهي من ناحية استمرارية لمبيعاته ومن ناحية أخرى استفادته ماديا ومعنويا أي أن دار نشره ستكون مشهورة ومميزة، وأما عن المؤلف: يختلف المؤلفون فمنهم من يريد أن ينشر كتابه ورقيا وأنا شخصيا أحب الورقي لأنه أثر مادي يدل على صاحبه مثل بطاقة الهوية أما الإلكتروني فهو مفيد للباحث لذلك أنصح كل المؤلفين أن ينشروا كتبهم إلكترونيا بعد أن تُطبع ورقيا من أجل نشر العلم والمعرفة فالباحث المعاصر يجد صعوبة في اقتناء الكتاب الورقي لذلك يحاول البحث عنه إلكترونيا

 

الكاتب والصحفي المصري اللامع “إيهاب الحضري”: شخصيا أعتبر أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بخصوصيته لدى عشاق القراءة، فهو مرتبط بطقوس تختلف من إنسان لآخر، والطقوس غالبا ما تحكم عاداتنا ومن بينها القراءة، ربما يكون الكتاب الإلكتروني قد اجتذب شريحة أخرى من القراء غير التقليديين ممن ينتمون لأجيال جديدة، وفي ظني أنهم ليسوا محسوبين على شريحة القراء العاديين، بل اجتذبتهم موضوعات بعينها وجعلتهم يقبلون على قراءتها رغم انهم ليسوا من هواة القراءة. وبالتأكيد يظل التعميم آفة أرفضها، لأن وجهة نظري السابقة لها استثناءات، فالارتفاع المبالغ فيه لأسعار الكتب جعل عددا من هواة القراءة يلجأون للكتاب الإلكتروني باعتباره المنقذ لجيوبهم من عملية استنزاف باتت مستفزة، لكن حتى هؤلاء لم يطلّقوا الكتب الورقية طلقة بائنة، فلا زالوا جميعا يقبلون على شرائها، وكل ما في الأمر أنهم يحاولون أن يمنحوا المعادلة توازنها، بين هواية كانت الأرخص يوما ما، لكنها أصبحت مكلفة في زماننا، هنا يمكن لهم أن يستعينوا على قضاء هوايتهم بالكتاب الإلكتروني، لكن ليس دائما. وأرى أن المأزق الحقيقي الذي يشترك فيه الكتاب الورقي ونظيره الإلكتروني هو تناقص عدد القراء، فالأجيال التي كانت تقرأ تتناقص بفعل تعرية الزمن! بينما يجمع بين غالبية القراء من جيل الشباب إقبالهم على نوعية معينة من الكتب لا تندرج غالبا فى مصاف الأدب الجاد، ورغم أننا في صغرنا انطلقنا من النقطة نفسها إلا أن القراء الجدد وقفوا عند نقطة بدايتهم، وظنوا أنها النهاية. بالنسبة للناشرين: لا يزال الغالبية العظمى من الناشرين ينتمون إلى أجيال قديمة، ويمارسون مهنتهم وفقا لما اعتادوا عليه، غير أن بعضهم حاولوا اقتحام آفاق جديدة، إما بحكم عقليتهم التجارية التى تحاول مواكبة الجديد، أو لوجود امتدادات جديد من أبنائهم الذين شاركوهم عملهم فى سنوات لاحقة، لكني أرى أنه حتى فى حالة لجوئهم إلى التجديد يظل ذلك قاصرا في معظم الأحوال على التسويق الإلكتروني، غير أن بعضهم -مثل دار الشروق- اقتحموا دائرة الإنترنت، فقد اختارت هذه الدار نصوصا كانت الأكثر رواجا فى المدونات وحولتها لكتاب مقروء، وهنا نلاحظ أن الإلكتروني كان فى خدمة الورقي لا العكس، كما أنها ظلت محاولات قليلة، كما أن قيمة مضمونها كمنتج ثقافي حقيقي مختلف عليها، وعلى مستوى النشر الإلكتروني تظل الخدمة في الأغلب إعادة إنتاج لما هو ورقي، بينما تبقى تجارب النشر الإلكتروني المنفردة نادرة. ورغم شكاواهم المتكررة من ضعف الإقبال على الكتب إلا أن الناشرين يصرون على طرح كتبهم الورقية بأسعار مبالغ فيها، كما أننا نادرا ما نواجه بمن تركوا النشاط نهائيا. هنا لابد أن نشير إلى حلقة وسيطة تلعب دورا أساسيا فى ارتفاع سعر الكتاب الورقي، وهو الموزع الذي يتقاضى نسبا عن البيع تتراوح بين 30 و 50 %، مما يرفع سعر الكتاب بصورة مبالغ فيها، أما عن المؤلف ف: يظل المؤلف هو الحلقة الأضعف فى هذه الدائرة، رغم أنه بطلها الرئيسي، فهو يعانى كى ينشر عصارة أفكاره، ليس هذا فقط، بل يضطر أحيانا إلى دفع تكاليف إصدار كتابه خاصة إذا كان مضمونه إبداعيا، فإذا كان اسمه معروفا فإن الناشر يتلقف كتابه ليظل هو بعد ذلك يعيش حالة معاناة ليتقاضى حقوقه، وغالبا ما يعتبر المؤلف النشر الإلكتروني نشرا ناقصا، لا يروى عطشه للانتشار، لهذا يكون اللجوء للكتاب اللإلكتروني مرحلة تالية للنشر الورقي، لكن نادرا ما نجد مؤلفين يعتمدون على الوسائل الإلكترونية فى عملية النشر الأول لكتبهم.

الدكتور الأديب والناقد “حسين مناصرة”: الكتاب الورقي كتاب ثقافي تاريخي، ترسخ في الذهن البشري منذ اكتشاف الورق، وإصدار الكتب المخطوطة به. وهو غير قابل للانتهاء والدمار، لذلك عاش  في عصور  عديدة. من هنا تكمن قدسية الورق أولاً، ثم قدسية الكلام المكتوب عليه ثانيًا؛ إذ إن الورق قد حوّل الثقافة العالمية من ثقافة شفاهية إلى ثقافة  كتابية واسعة الانتشار. ولا أظن أنّ لدينا قدسية ما لأية كتابة رقمية أو إلكترونية؛ فهي تقنية تحتاج إلى وسائل عديدة  حتى تعمل؛ وإذا تعطلت تحت أي ظروف فإنها سنفقد كلّ شيء. ومن هنا يمكن القول بأن لهذا الكتاب خصوصيته التكنولوجية التي لا تكون من خصوصية مؤلف الكتاب أو قارئه، بعكس الكتاب الورقي الذي يصبح  مباشرة في خصوصية الإنسان قارئًا وكاتبًا. مأساة دولنا العربية أنها  الآن تعيش في حالة من التحولات ” التشرذمية” ، وهي تحولات بكل تأكيد  ستضعف  انتشار الكتاب الورقي  من جهة،  وستقوي انتشار الكتاب الإلكتروني من جهة أخرى؛ إذ إن نتيجة الفتن والحروب  وعسكرة كل أوضاعنا في العالم العربي ، لا بدّ أن تجعل أداء الناشر الورقي في مأزق كبير جدًا، وفي دائرة الخسارة شبه الكاملة في بعض البلدان، إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض بلداننا التي دمرت كالعراق وسوريا وليبيا واليمن…إلخ. فالناشر في هذه البلدان وغيرها تعطل أو تعوق.. وعمومًا  بعض الناشرين تحولوا إلى النشر الإلكتروني؛ لأن هذا التحول  ربما يكون هو الأسهل في هذه المرحلة، إضافة إلى نشأة دور نشر إلكترونية بالكامل  في بلدان عربية عديدة. أما عن المؤلف: إذا  أراد لكتابه أن يكون إلكترونيًا ،فالأمر سهل جدًا، وهو لا يحتاج إلى ناشر، إذ بإمكانه أن ينشر كتابه بنفسه، أو أن يحيله على جهات نشر إلكترونية تطوعية عديدة.. وفي كل ذلك  هو بلا حقوق  مادية؛ بمعنى  أن الكتاب  في هذه الحالة لا يكون سلعة تعوّض المؤلف بعض جهوده، أو أن يكون سلعة ربحية، ولا أظن أن الناشر الإلكتروني  في عالمنا  العربي سيربح  كما يربح مثيله في الغرب. لذلك  يبقى الكتاب الورقي  هو الأصل، وهو المركز، وأظن أن أي مؤلف  لا بدّ أن يشعر في داخله بأن كتابه الإلكتروني  ليس كتابًا حقيقيًا، كما هي حاله لو كان ورقيًا.  من هنا لا بد لكل مؤلف من ناشر، وأن يكون هذا الناشر ورقيًا في الأساس، ثم لا مانع لدى المؤلف من أن يتحول الكتاب لاحقًا إلى كتاب إلكتروني ، خاصة بعد نفاد كمية الكتاب الورقية.  

من جهتها ترى الأديبة اللبنانية صونيا عامر أن الكتاب المطبوع ستبقى أهميته دائماً، فقيمته تكمن بعدم ارتباطه بالإنترنت والتغطية التي قد تنقطع في بعض الظروف. إلى جانب قيمته المادية المكلفة عن الإلكترونية، كأن تهدي صديقا كتابا بالطبع سيكون ورقيا كاختيار أول إلا إذا تعذر ثمنه، أضيفي إلى ذلك متعة القراءة التي يفضلها الكثيرون على القراءة الإلكترونية. أما قدسية الكتاب فهي مرتبطة بقيمته المعنوية حيث أن القدسية ارتبطت حتى تاريخه بالكتب المقدسة المنزلة، ومن  تجربتي مع العديد من دور النشر لمست معاناة مشتركة بين تلك الدور، التكلفة العالية لسعر الورق والمشاركة في المعارض وعدم تشجيع المكتبات لبيع ما ينشر. أما المتغيرات التي تشهدها الدول العربية فهي من ناحية ضيقت الخناق على السيولة  وقللت عدد القرّاء، فالناشر يحتاج لقارئ . ولكن تحاول بعض دور النشر الاهتمام بالنشر الإلكتروني  عن طريق مواقع  إقليمية وعالمية للتوزيع و هذا جيد، أما عن المؤلف، فعليه إيصال مؤلفاته بكافة الوسائل المتاحة، إنما المشكلة مادية، نحن في زمن صعب، زمن حرب والمؤلف بالنهاية إنسان، لديه هموم كثيرة أخرى، أحيانا تفوق هم التأليف والنشر. علينا ككتاب أن نعمل معا كفريق واحد مع دور النشر وأن نتكاتف على أن نلقي اللوم بالاتجاهين،  وعلى المؤلف أن يجاري التطور التكنولوجي، الأهم أن نكتب بصدق عن مشاكلنا و أن نجد قراءنا بمساعدة دور النشر العربية والعالمية إن أمكن، بثبات و مثابرة. 

وترى الروائية القطرية “سمية تيشة” أن في ظل التكنولوجيا الحديثة، أصبح أغلب المثقفين والقراء يتجهون للكتاب الإلكتروني، لسهولة الحصول عليه، فبضغطة زر يقتني القارئ ما يريده من الكتب، بعيداً عن تكاليف الشحن والانتظار لفترة طويلة، في حين أن هناك متاجر إلكترونية أصبحت توفر الكتب مجاناً وعن طريق “App Store ” مما أسهم ذلك في لجوء الكثير إلى الكتب الإلكترونية، إلا أن بالرغم من ذلك التحديات نجد القارئ الحقيقي يفضل الكتب الورقية، ويحرص على شرائها والحصول عليها سواء عن طريق المكتبات أو معارض الكتاب لإيمانه بقدسية الكتب الورقية وأهميتها في نشر ثقافة القراءة وثقافة الكتاب الورقي، التي قد يجهلها البعض في الوقت الحالي، بالنسبة للناشر هناك جهود كبيرة من قبل ناشري الكتب الورقية، (وهنا أقصد الناشر الحقيقي الذي لا يبحث عن المادة بقدر ما يسعى لنشر ثقافة القراءة) إذ انهم أصبحوا يتعاونون مع متاجر ومواقع إلكترونية لتوفير الكتاب ورقياً، وهذا ما أصبحنا نلاحظه في الآونة الأخيرة حيث أن هناك متاجر إلكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي توفر الكتب ورقياً وليس إلكترونياً وبأسعار مناسبة للجميع، فأنا لديّ ثلاثة إصدارات أدبية جميعها ورقية ولا يمكن تحميلها عن طريق المواقع الإلكترونية لأن دار النشر التي اتعامل معها (دار سما الكويتية) ترفض سياسية نشر الكتب إلكترونياً. 

وقال الكاتب السوري “بسام محمد محمود” المقيم في كندا أن” لا يزال للكتاب الورقي حضوره رغم التقدم الحثيث الذي يحرزه نظيره الالكتروني، وهذا الحضور يعزى إلى الجانب النفسي أكثر من الدور المعرفي الذي كان يؤديه الكتاب الورقي تقليدياً. لقد وفر الكتاب الالكتروني حلولاً عبقرية لكثير من المشكلات التي كان يعاني منها سلفه الورقي، فقد تمكن من تخطي حواجز الحدود والرقابة والانتشار برشاقة لا يمكن أن يطمح لها الكتاب الورقي. كما وفر امكانيات خيالية تتعلق بالبحث عن كلمة محددة وحصر تكرارها وأعدادها وكذلك الأرشفة والتخزين مما وفر الجهد والعناء والوقت. أما عن الناشر فلا شك أنه يواجه تحديات لا يستهان بها في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم ولا سيما الدول العربية من انعدام الاستقرار والفوضى الأمنية والفكرية الضاربة بالإضافة الى العوائق الجمركية والرقابية. أظن ينبغي على الناشر أن يطور امكانياته وطريقة تعامله مع جمهور الكتاب والقراء إن أراد أن يحافظ على دوره وسيطاً بين الطرفين. هذا الدور أدى تاريخياً خدمة كبرى في نقل المعرفة ونشرها، لكنه أيضاً كان في بعض الأحيان عقبة ووسيلة لتضييق حرية الرأي. أتصور أن دور الناشر الورقي يتعرض لتهديد جدي يتطلب شجاعة وابتكار في اجتراح الحلول لا سيما أن وظيفته الأساسية كوسيط مهددة بالاندثار في ظل توفر بدائل أخرى أكثر عملاتية وأسرع انتشاراً وأجدى اقتصادياً..

يرى الأديب والقاص الجزائري: هواري حاجي، أن الكتاب الورقي كان ولازال محافظا على ذلك الطعم الخاص (الهيبة والقدسية)،فالورقة واليراع هما جوهر الإبداع، فقد نستوعب قراءة رواية معينة الكترونيا، لكنها تكون خالية من ذلك الذوق الجمالي الذي تستطعمه الحواس، والناشر الورقي  يقوم بطرح عمل على شاكلة كتاب  للقارئ الذي بدوره يعيش كل يوم متغيرات تؤثر فيه ويؤثر فيها. هنا دائماً ما يكون (حريصاً منتقيا متطلعا) لما يخدم القارئ ويستهويه فكرياً وثقافياً، أما المؤلف فيسعى دوماً نشر ما يكتبه إلى أكبر عدد ممكن من القراء.   أمر مسلم به بأن يكون هدف المؤلف هو تجسيد عمله سواء كان رواية، قصة، سيناريو، ويوضع في قالب مزخرف ويقدم للجمهور، وقد يحبذ أن يكون مجهوده في كتاب ورقي لما فيه من خصوصية وقدسية، وخاصة عندما ترى جهدك يقتنيه القارئ في معرض الكتاب والشعور الجميل  الذي ينتابك في خضم تلك  الأحداث، ويبقى المؤلف دوما يرى الناشر همزة وصل بينه وبين القارئ وهذا ما يجعله يحرص كل الحرص على أن تكون المادة المطروحة في مستوى النشر. وبين الناشر والمؤلف علاقة (فكرية ثقافية) يستوعبها القارئ.

أما الكاتب “حسام رزيق” من السعودية فرأى أن السؤال هنا لماذا يلجأ البعض الى استخدام هذه الكتب المقرصنة؟ في نظري أن هناك أسباب رئيسية لذلك أولها سهولة حمل هذا الكتاب على الأجهزة الذكية وقراءتها في أي مكان، ثانيا غلاء أسعار الكتب الورقية وغلاءها الفاحش عند بعض دور النشر مما يثقل كاهل القارئ، سوء التوزيع والترويج للكتاب الورقي من قبل دور النشر حيث أننا نجد كتب المشرق العربي لا تصل إلى المغرب العربي والعكس، بالإضافة إلى الرقابة والمنع التي مازال مستمراً في دولنا العربية. في ظل كل هذه الظروف لماذا لا تتجه دور النشر إلى الكتاب الإلكتروني؟ مع الاحتفاظ بالنسخة الورقية لمن يريدها. نجد أن هذه الطريقة ناجعة في العالم الغربي ومن أشهرها موقع أمازون حيث أنها توفر الكتب ورقياً، وبسعر أقل بكثير أو بعض الأحيان مجاناً للنسخة الإلكترونية مع توفير قراءة الكتاب صوتياً أيضا ليصبح كتاب إلكتروني مسموع مقروء. وأول من عرفت قام بهذا العمل عربياً هو دار سيبويه حيث أنها توفر نسخة إلكترونية بسعر أقل عن الورقية. فبهذا التوجه تقضي دور النشر على القرصنة التي إحدى أسبابها غلاء الكتاب الورقي. أما فيما يخص الناشر، فنستطيع أن نرد على دور النشر التي تخاف ان إصدار نسخاً الكترونية قد تؤثر على مبيعاتهم الورقية بأن هناك تجارب تثبت عكس هذا الادعاء، ومن التجارب الناجحة تجربة الدكتور عبدالله الغذامي والذي يوفر جميع كتبه على موقعه الإلكتروني مجاناً، حيث أنه يكرر دائماً بأن ذلك لم يؤثر على مبيعات كتبه ورقياً. من المواقع الرسمية والتجارب الجميلة التي توفر الكتاب الإلكتروني الأصلي مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة والتي توفر جميع كتبها بصيغة PDF وبصيغة الكندل (القارئ الإلكتروني الخاص بأمازون) والتي أيضا لو كان الكتاب الإلكتروني أثر على مبيعاتهم لما وفروها مجاناً على موقعهم الرسمي. وهذا يعطي مؤشر آخر ان الكتاب الورقي مازال يحتفظ بقدسيته والكثير يرغب باقتنائه وهذا لا يجعله في تضاد مع الكتاب الإلكتروني، وعن نفسي أنا عندما اقرأ كتابا إلكترونياً و يعجبني يجب أن أوفره ورقياً لمكتبتي ولا اكتفي به إلكترونياً.

أردنا معرفة رأي الناشر أيضا، وهو المسئول الثاني بعد الكاتب في عملية صناع الكتاب، حيث أردنا مغرفة وجهات نظرهم في هذه الاشكالية الخطيرة، حيث سألناهم عن مستقبل الكتاب الورقي إزاء التحديثات الرقمية وانتشار الكتاب الالكتروني، وهل يملك الناشر آليات لإعادة مجد الكتاب الورقي؟

 يقول الأستاذ صلاح تلاوي مدير دار الأيام للنشر والتوزيع الأردنية أن دور النشر الاجنبية (العملاقة) هي اول من انتجت الكتب الالكترونية منذ سنين. وحتى يومنا هذا، لا استطيع ان اقول بأن الكتاب الالكتروني لم يؤثر على الكتاب الورقي، وهنا اقول ( يؤثر ) بنسبة قد تكون حاليا 25 الى 35 % وقد ترتفع مستقبلا، ولكن استمرار الكتاب الورقي باق وبتحدي، حيث ان الكتاب الورقي له رونقه الخاص للقارئ، واكبر اثبات على ذلك كبار دور النشر العالمية ما زالت تنتج الكتاب الورقي وبكميات كبيرة، وبخصوص الشطر الثاني من السؤال، فهذا هذا الموضوع شائك حيث من الصعب على الناشر وحده ان يعيد الكتاب الورقي الى مجده دون دعم المؤسسات الثقافية والمؤلف من جهة اخرى، حيث مهنة النشر مهنة صعبة وتتجه الى الاصعب، من حيث التمويل والامكانيات، وتحديدا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الدول العربية في هذه السنوات من تقشف وتراجع بالميزانيات … الخ . فيجب ان يكون هنالك دعم مادي ومعنوي ايضا ، كمشروع تحدي القراءة، مشروع مهم جدا اذا تم اتخاذه من ناحية شفافة وتم تنفيذه بعيدا عن الفساد والمفسدين والمحسوبيات، فإذا طرحنا مشروع مثل هذا المشروع في كل دولة عربية، وضم الفئات الجامعية، ويكون من سن 5 سنوات حتى 25 سنة، سنخرج بعد عشر بجيل سنوات مبدع مثقف وبعيد عن التطرف والعصبيةـ وسيكون داعم كبير لدور النشر والمكتبات وداعم قوي للكتاب الورقي ويكون في اوج العطاء لهذه الشعوب، فكما آثرنا منذ تأسيس الدار ، كان شعارنا   ( أمة تقرأ .. أمة تتقدم ).

من جهته ترى الأستاذة “حياة بن عثمان” مسؤولة منشورات” الكتابة” بقسنطينة الجزائر أن الكتاب الالكتروني صار منافسا لدور النشر شئنا أم أبينا، ولا شك أن العديد من دور النشر لا تستوعب خطورة المنافسة التي تصنعها الشبكة الالكترونية، ليس في توفير الكتاب ككتاب، بل في حجم القرصنة التي تسيء بشكل مباشر إلى المؤلفين، وبالطبع تمس كثيرا الاصدارات الورقية، على اعتبار أن القارئ لن يشتري كتابا ورقيا يجده على الانترنت مجانا، والحقيقة أنا من الذين يرون في القرصنة الالكترونية خطرا كبيرا على الكتاب الورقي، وأسميها قرصنة لأنها تتحدى العقد المبرم بين الكاتب والناشر، وبالتالي تتحدى حق الكاتب في توزيع كتابه ورقيا، ونسخه دون إذن من الكاتب والناشر هو اعتداء على جهود الجميع، حتى لو كانت نية صاحب القرصنة توفير الكتاب. أما عن الآليات، فدعم الثقافة جزء من دعم الكتاب، والدول التي لا تهتم بالثقافة كنتاج فكري وإنساني لا يمكنها أن تهتم بالكتاب، كوني أؤمن أن دور النشر تحتاج إلى دعم مادي لصناعة كتاب جيد، ولدفع مستحقات المدققين، والمخرجين الفنيين في الدار..

الناشر الأستاذ “عمر الجنديري” مدير منشورات ال”الكتاب العصري” بفاس/ المغرب، فيقول أن الكتاب الورقي يظل قائما بذاته، ليس لأهميته فحسب، بل لأنه جزء لا يتجزأ من ديمومه القراءة نفسها، فطالما هنالك من يقرأ، فستظل دور النشر تطبع وتوفر الكتب الورقية للمكتبات، وفيما يخص الآليات، فبالنسبة لنا، كوننا تجربة جديدة في عالم الكتاب، لكننا ارتأينا أن نتجه إلى الكتاب الشباب بشكل خاص، لقناعتنا أن الطاقات الإبداعية الشبابية باللغتين العربية والفرنسية يجب استيعابها، كما تفعل دور النشر الغربية التي تحترم نفسها، ولا تضع فوراق غير مبررة بين الكاتب المخضرم الذي قد يتجاوزه الزمن وبين الكاتب الشاب بدماء شابه وطاقات ابداعية قد تتجاوز توقعاتنا من حيث قيمتها وجمالياتها، والعملية لا شك تحتاج إلى الدعم الاعلامي والجمعوي لدفع عملية صناعة الكتاب نحو الأمام، ولنصنع فعاليات تهتم بالقراءة ليس بمناسبات ضيقة بل في كل الأوقات.

المصدر: 
المجلة الثقافية الجزائرية