تخطي إلى المحتوى
الجوائز العربية... تكريم مستحق أم حصاد مرّ؟! الجوائز العربية... تكريم مستحق أم حصاد مرّ؟! > الجوائز العربية... تكريم مستحق أم حصاد مرّ؟!

الجوائز العربية... تكريم مستحق أم حصاد مرّ؟!

يوشك موسم الجوائز العربية أن ينتهي. وعلى كثرة الجوائز إلّا أنّها ما زالت مثيرة للجدل والبغضاء والمعارك. كانت البداية الصاخبة مع منح الكاتب شادي لويس جائزة ساويرس لأفضل رواية عن "تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة" الصادرة عن دار العين.

وفاجأ الجميع بقبولها ثم رفضها في نفس ليلة إعلانها، مع إبداء امتنانه للتهاني التي تلقّاها. وعبّر شادي عن رفضه لما أسماه الاقتصاد السياسي للثقافة أو ما يُفهم منه تحفّظه على توجّهات الجوائز.كما أشار لويس- وهو مقيم في لندن- إلى أنّ الكتابة بالنسبة له "هواية"، وليس لديه طموح مهني فيها.

وكالعادة، انقسم المثقفون في مصر بين مؤيّد لموقفه الذي يفضح آليات منح الجوائز، وحقّه المطلق في القبول والرفض، وبين معارض، لأنّه لطالما وافق على الاشتراك كان عليه احترام قواعد الجائزة، أو لا يشارك ويضيّع فرصة الفوز على غيره من الزملاء.

وقبل أسابيع، أُعلنت في مصر جوائز الدولة بكل ما يصاحبها من لغط حول جدارة بعض الفائزين، وتجاهل أسماء مهمّة. وكان من اللافت فوز ثلاثة كتّاب رحلوا عن الحياة، وهم الكاتب والمترجم الكبير محمد عناني الحائز جائزة النيل، أرفع جائزة مصرية، رغم رحيله في كانون الثاني (يناير) الماضي، والناقد والأكاديمي عبد الرحيم الكردي الذي نال التقديرية، رغم وفاته في شباط (فبراير) الماضي، وكذلك الناقد والمسرحي مصطفى سليم الفائز بجائزة التفوّق، بعد رحيله بستة أشهر. وبالطبع القانون يجيز ذلك طالما رُشحّوا قبل وفاتهم.

وكان من اللافت أنّ أحد عشر فائزًا هم من خريجي جامعة القاهرة أو أعضاء الهيئة التدريسية فيها. بينما انتقد كثيرون غياب أسماء مهمّة مثل صنع الله ابراهيم، الذي قاطع أو قاطعته جوائز الدولة بعد موقفه الشهير، ومن الشعراء عبد المنعم رمضان وابراهيم داود وأحمد الشهاوي، ومن النقّاد حسين حمودة وخيري دومة، ومن الروائيين جار النبي الحلو وسيد الوكيل ومحسن يونس وعادل عصمت.

ومعظم التعليقات كانت حول آليات وجهات الترشيح و"التربيطات" ومدى قانونية لجان الفرز التي تقوم بتصفية المرشحين للتصويت لهم.

وفي تدوينة له، رأى الناقد والأكاديمي أحمد سالم، أنّ الثقافة تراجعت في مصر، ومن أسباب ذلك الفساد في منح الجوائز وتجاهل قامات مثل المؤرّخ خالد فهمي، والأكاديمي عاطف معتمد. وأضاف سالم: "حين تنظر للاختيارات القائمة على الشللية والتربيطات تجد أنّ هذه الجوائز تفقد صدقيتها في كثير من الأحيان، فما زلت أذكر أنّ نصر حامد أبو زيد كتب ما كتب وأثّر في أجيال ولم يحصل على أي جائزة من مصر".

تتويج عماني

إذا كانت الجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة باسم "البوكر" شهدت العام الماضي صخباً ودعماً مصرياً قوياً على أمل أن يفوز بها الروائي المصري طارق إمام، فإنّ الأجواء هذا العام كانت هادئة إلى حدٍ كبير، وكان هناك قبول لفوز الكاتب العماني زهران القاسمي عن روايته "تغريبة القافر". 

صحيح كانت هناك تمنيات مصرية في "السوشيل ميديا" لفوز الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي عن روايتها "أيام الشمس المشرقة"، لكن التعليقات لم تتسّم بالحدة والسجال كما حدث العام الماضي.

وهكذا مرّت جائزة "البوكر" هادئة، واعتبرها كثيرون فوزاُ وتتويجاً مستحقاً للأدب العماني الذي لفت الأنظار عربياً وعالمياً خلال السنوات القليلة الماضية.

رصانة "الشيخ زايد"

تُمنح جائزة الشيخ زايد في فئات عدة، وكان الفوز من نصيب جليلة الطريطر (تونس) في الدراسات الأدبية عن "مرائي النساء"، وفي الآداب فاز الشاعر العراقي علي جعفر العلاق عن كتابه "إلى أين تنتهي القصيدة"، وعن روايته "نهاية الصحراء" فاز الكاتب الجزائري سعيد خطيبي في فئة المؤلف الشاب، وفي الترجمة فاز التونسي شكري السعدي عن "العبارة والمعنى"، وفي فرع النشر فازت "دار العين" المصرية، كما فاز الموسيقار المصري عمر خيرت بجائزة شخصية العام الثقافية.

بطبيعة جائزة الشيخ زايد لا يُثار حولها الجدل، وتبدو خياراتها رصينة ومقبولة، لكن اللافت في دورة هذا العام، حجب فئة أدب الطفل والناشئة، رغم إعلان القائمة الطويلة في تلك الفئة، وغياب الأسماء الخليجية.

قائمة طويلة جداً

فاجأت جائزة "كتارا" الجمهور بالإعلان عن قائمة من 60 مرشحاً في فئة الرواية المنشورة ومثلها في غير المنشورة، وكالعادة، هناك من أيّد تلك القائمة الطويلة جداً والتي لا مثيل لها في الجوائز العربية، واعتبرها نوعاً من التقدير الأدبي وتسليط الضوء على تجارب وأسماء متنوعة، بغض النظر عمّن سيفوز في النهاية.

ومن الأسماء المرشّحة من مصر في الرواية المنشورة: أشرف العشماوي، أدهم العبودي، رشا عدلي، حارس كامل يوسف، وعلاء فرغلي، وكمال رحيم، ومحمد موافي، ومينا عادل جيد، ونهلة كرم. ومن لبنان أربع كاتبات: علوية صبح، وهالة كوثراني، وهدى عيد، وميرنا الشويري.

أما في فئة الرواية غير المنشورة فضمّت أسماء معظمها من مصر والعراق وسوريا وتونس والجزائر، وبدا الحضور الخليجي أكثر خجلًا في القائمة غير المنشورة، ومن أبرز الأسماء: عمار علي حسن (مصر)، عدنان أحمد، وعلاء سالم، وارد بدر السالم (العراق)، عثمان لطرش، وعقيل الخطيب، ومحمد الحباشة، ومحمد حامدي (تونس)، محمد تركي الدعفيس (سوريا). 

 

أبرز الانتقادات لا تتعلّق بالأسماء ولا تقييم النصوص لأنّها كثيرة وتنتمي إلى أجيال وتجارب متباينة، وإنما على "طول القائمة" المرتبة أبجدياً كأنّها قائمة فصل مدرسي.  واعتبروا ذلك إحراجًا للكُتّاب، وكأنّهم في طابور لتلقّي العطايا. ومن الصعب عملياً في "السوشيل ميديا" أن تجد نفسك مضطراً لتهنئة 120 زميلًا عن ترشّح غامض، سوف يُختزل في نهاية الأمر إلى 10 فائزين!

 من الصعب التسليم بأنّ كل هذه الروايات "ممتازة" وجديرة بالتتويج. ربما هي "جيدة" وتتوفّر فيها أساسيات كتابة، لكن ليس إلى درجة التميّز، ومن المفترض أن دور لجان التحكيم الفرز والتركيز على قائمة محدودة من 10 روايات مثلًا.

 نحن أمام نموذج متكرّر لثقافة "حشد" ترشيحات بالجملة، وندوات شعرية يشارك فيها 20 شاعرًا، حيث الاهتمام بالكمّ لا الكيف، والتقاط الصور الجماعية وليس الإنصات بعمق إلى التجارب. وهو ما يجعل معظم الجوائز العربية تعبّر عن قيمتها المادية فقط من دون أن تكتسب أو تُكسب قيمة "معنوية"، لأنّه أحياناً يفوز بها أسماء ونصوص تخسف بقيمة الجائزة وتُخجل من يفوز بها. وقد يُترك أمر تحكيمها إلى أسماء أقلّ في خبراتها الأدبية من المتقدّمين لها!

 ما يفتح الباب لأسئلة كثيرة تتعلّق بتوسع الجوائز العربية: هل حقاً أنعشت سوق الأدب وقاعدته الجماهيرية؟ هل كرّمت الأسماء المستحقة أم جاملت الأصحاب و"الربع"؟ ولماذا تُثار الشبهات والأقاويل بشأنها كل عام؟ وإذا كان الغرض ترويج الأدب، فلماذا لا يُشرك الجمهور نفسه في عملية تصويت شفّافة وعدم الاكتفاء بثلاثة أو خمسة محكّمين؟ وإذا كانت الأعمال المرشّحة لجائزة مثل "كتارا" فقط تقترب من 1500، رواية فهل يعُقل أنّ 5 أو 10 محكّمين قرأوا كل هذه الأعمال في ثلاثة أشهر؟

ولماذا التوسّع في عطايا الجوائز بدلًا من السعي لتحسين حياة المبدعين في العالم العربي عموماً، من خلال استضافةٍ بأجر في البرامج، ومحاضرات في الجامعات، وورش ومنح تفرّغ، وضمان نيل حقوق التأليف والترجمة؟

 إنّ الجوائز - حتى وإن تغاضينا عن تحيزاتها المعلنة والمضمرة- تذهب إلى بضعة أفراد وفق ذائقة بضعة أفراد، بينما آلاف المبدعين العرب يعيشون أوضاعًا اقتصادية متدنية، ويظلّون يحلمون بالجائزة كأنّها "اليانصيب" لإصلاح حياة معطوبة. 

 وبدلًا من الفرح بتتويج زملائهم تُدور سجالات حول الأحقاد و"النفسنة". والعجيب أنّ النصوص نفسها تختفي ولا ينشغل بها، بينما الإنشغال كله بالدولارات وحصادها المرّ  المرتبط بالتباهي والاستهلاك، وكل ما هو ضدّ فعل الكتابة نفسه.

المصدر: 
النهار العربي