تخطي إلى المحتوى
الحروفية تفرُّد يواكب روح العصر تمزج بين صرامة قواعد الخط وتجريدية التشكيل الحروفية تفرُّد يواكب روح العصر تمزج بين صرامة قواعد الخط وتجريدية التشكيل > الحروفية تفرُّد يواكب روح العصر تمزج بين صرامة قواعد الخط وتجريدية التشكيل

الحروفية تفرُّد يواكب روح العصر تمزج بين صرامة قواعد الخط وتجريدية التشكيل

انتقالات الخطاطين العرب إلى فن تشكيل الحرف العربي، كانت من العلامات المهمة في إطلاق مخيلة هؤلاء الخطاطين للدخول في محراب جماليات وقيم ورؤى بصرية يمكن للخط العربي أن يضيفها حال استخدامه ضمن فضاء جديد أطلق عليه المختصون الحروفية العربية.

 

والحرف لغة يطلق على ما يتركب منه اللفظ، وقد كتب الكثير من النقاد عن الحرف العربي وماهية الحروفية ومتى بدأت؟، ومن هو الفنان الأول أو رائد الحروفية وغيرها .

 

ويلاحظ أن فترة نهاية الأربعينيات من القرن الماضي شهدت بداية نشوء الحروفية العربية، وهذا ما يؤكده الشاعر اللبناني شربل داغر، في إحدى مقالاته التي يقرن فيها ما بين الحروفية العربية وحداثة القصيدة العربية .

في هذا السياق يرد اسم اللبنانية سلوى شقير التي قدمت لوحة حروفية تحت عنوان يا ليلفي عام 1947 وأيضا اللبناني وجية نحلة ولوحته المحارب،1954 في السودان يرد ذكر البروفسور أحمد شبرين وعثمان وقيع الله وإبراهيم الصلحي وفي المغرب العربي، كان هناك تأثر باستلهام الحرف من الإطار التاريخي لصفحات المخطوطات العربية والزخرفة مع تجاوز الشكل الصريح للحروف، وهذا ما يؤكده محسن الذهبي الذي يستعرض أعمال التونسي نجيب بلخوجة الذي تبرز لديه قدرة التعاطي مع الحرف بايقاعات هندسية مميزة والمغربي محمد المويلحي الذي اقتبس انسيابية الحرف ومطاوعته لتخطيط أشكال تجريدية متفردة، كما هو حال تجربة الأخوان محمد وعمر راسم والفنان سيد علي في الجزائر الذين قربهم الخط من الفن التجريدي، وهناك مصر وتجربة الرائد حامد عبدالله (المتوفى عام 1986) الذي يعتبر من رواد الحروفية في الخمسينات من القرن الماضي، والأمر نفسه ينطبق على تجربة شاكر آل سعيد في العراق وأعماله المستمدة من تنظيرة لجماعة (البعد الواحد) وتأويلاته الصوفية في نسج العمل الفني، في فلسطين يرد ذكر الفنان كمال بلاطه، وفي سوريا عبد القادر الارناؤوط ومروان قصاب باشي وغيرهم .

المهم في الأمر هو ارتباط الحروفية بالخط العربي وهذه الصلة التي تبرز استفادة كثير من الحروفيين العرب من رشاقة وجمال وحركة وقيم الحرف العربي وتوظيفه في اللوحة الفنية التي تقترب من حدود اللوحة التشكيلية بالإفادة من نماذج الخط الكوفي الهندسي والنسخ، إضافة إلى المزاوجة ما بين الصرامة الاتباعية للخط العربي وبين تجريدية الخلفيات التشكيلية ودمجها مع مقومات الخط العربي وأبعاده الفكرية والروحية . وهذا ما سبق وأشار إليه الناقد باهل قدار الذي درس اللوحة الخطية الحروفية في سوريا، وقال تتوزع تجربة اللوحة الخطية الحروفية في سوريا على أساليب متعددة اشتغل عليها الحروفيون منها ما ركز على وجود الكلمة في اللوحة، دون أي معنى، فلا تكون مقروءة، ومثاله الفنان عبد القادر أرناؤوط الذي اعتنى بشكل الحرف، وجماليته واستخدامه في اللوحة ومزج بين بعدين زمنيين للوصول إلى صياغة عمل تشكيلي يعكس رغبات التأصيل والتحديث، بتجاوز الدلالات المقروءة حيث أعطى لجمالية الشكل والتلوين الفني الأهمية الأولى بغض النظر عن العلاقات القائمة بين الكلمات.

أصبحت الحروفية العربية من العلامات المهمة في سياق الفن العربي الذي يشارك في المعارض والملتقيات العربية، ومنها على سبيل المثال ملتقى الشارقة للخط الذي أبرز في أحدى دوراته جناحا خاصا بهذا اللون الفني وشارك فيه نخبة من الأساتذة المختصين مثل: الحروفي الإيراني أحمد محمد بور الذي قدم مستويات خطية ملونة في بناء متماسك، يحتل القسم الأكبر من لوحته ذات المظهر الحروفي الذي ينتمي للتيار التشكيلي المعاصر وهناك السوري أكسم طلاع الذي توصف أعماله بتقديمها لقيم جمالية من خلال المسارات الدائرية والمنحنية، لسبر أغوار المسطحات البصرية، وايجاد معادل بصري جريء والعراقي اياد القاضي الذي طرح موضوعات انسانية من الوجوه البشرية على هيئة البرقع المرتبط بالثقافة العربية بفكرة الاحتشام وإخفاء ملامح وجه المرأة، كما يمكن الإشارة للسوداني تاج السر حسن بوصفه يحاكي رباعيات الخيام لتحقيق جمالية بصرية معاصرة في أعمال حروفية الطابع تمتاز بتفردها ومكونها التشكيلي التجريدي اللوني الذي يواكب روح الشعر، أما اللبناني جمال نجا فيمزج بين الاتجاهين الأصيل والمعاصر محققا بناء قائما على التوافقية ما بين مفردات ووحدات الشكل المتكررة ضمن المساحة المحتشدة بالأحرف والكلمات .

المصدر: 
جريدة " الخليج"