تأتي دعوة الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وحلفائها الغربيِّين لإقامة تحالف دوليٍّ بزعم تأمين الملاحة في الممرَّات المائيَّة في الشَّرق الأوسط، وعلى رأسها البحر الأحمر، في وقتٍ شديد الخطورة يدفع المنطقة إلى سباق تسلُّح يدخل المنطقة في اقتتال داخليٍّ، يقضي على البقيَّة الباقية من الاستقرار والأمن. فبجانب ما يرتكبه حليف واشنطن الاستعماريُّ الصهيونيُّ من جرائم حرب ضدَّ الفلسطينيِّين العُزَّل بدعمٍ أميركيٍّ واضح وحماية لا تخطئها عَيْنٌ، يسعى الغرب إلى بسط نفوذه على تلك المنطقة الحيويَّة ذات الأولويَّة القصوى لمُعْظم الدوَل الكبرى في العالَم، حيث يمرُّ مِنْه خلالها نسبة كبيرة من حجم التجارة العالَميَّة، فهناك إدراك بأنَّ الحروب القادمة في العالَم هي حروب بحريَّة، وبالتَّالي الوجود في منطقة البحر المتوسِّط والأحمر ومضيق باب المندب ذو أهمِّية استراتيجيَّة، خصوصًا للدوَل ذات التوجُّه الاستعماريِّ.
إنَّ المُضيَّ وراء تلك الدَّعوات الأميركيَّة، والاستماع لَها سيكلِّف دوَل المنطقة الكثير من الوقت والجهد والمال والمقدَّرات التنمويَّة، فالمنطقة لا تحتمل مزيدًا من التصعيد العسكري والدخول في سباق تسلُّح، وبالتَّالي فإنَّ الحديث عن تحالفٍ يؤمِّن خطوط الملاحة، وغير ذلك من المزاعم، لَنْ يؤدِّيَ إلَّا إلى تفجير المنطقة وإدخال دوَلها وشعوبها في اقتتالٍ يُحقِّق الأهداف الاستعماريَّة، الَّتي سيدفع فاتورتها المشارِكون في تلك التحالفات وسكَّان المنطقة. وللأسف هذا ما لا تستوعبه أو لا تريد أنْ تستوعبَه بعض الأنظمة، بأنَّ المستعمر الغربي لا يعمل إلَّا من أجْلِ مصالحه الاستعماريَّة، فهو ليس حليفًا ولا صديقًا إلَّا بالقدر الَّذي يدعم استعماره وهيمنته على مقدَّرات هذه المنطقة الحيويَّة من العالَم.
ولا يخفى على أحَد الدَّوْر الَّذي يؤدِّيه الغرب، بقيادة أميركيَّة، في دعم حرب الإبادة الَّتي يَشنُّها كيان الاحتلال الصهيونيِّ على الشَّعب الفلسطينيِّ والَّتي تهدف بقوَّة لتصفية القضيَّة الفلسطينيَّة، وإعطاء المزيد من المساحة المكانيَّة والزمانيَّة لِترسيخِ بقاء الحليف الصهيونيِّ في منطقتنا؛ لِيؤدِّيَ دَوْره المرسوم الَّذي يدعم التوجُّه الاستعماريَّ الغربيَّ. ولحينِ تحقيقِ ذلك يعمل المستعمِر الجديد على بناء تحالفات في البحر الأحمر توفِّر غطاءً دوليًّا لعمليَّاته في هذه المنطقة الحيويَّة، الَّتي تُعدُّ شريانًا حيويًّا لحركة التجارة العالَميَّة، وممرًّا استراتيجيًّا يستقطب اهتمامًا وتنافسًا دوليًّا متصاعدًا، في ظلِّ وجود الكثير من القوى البحريَّة والقواعد العسكريَّة بمنطقة القرن الإفريقيِّ، والَّتي سوف تجلب حربًا باردة دوليَّة إلى تلك المنطقة الَّتي يسعى الجميع إلى السَّيطرة عَلَيْها.
إنَّ محاولة الربط الخبيثة بَيْنَ إقامة هذا التحالف وحماية حركة التجارة، هي التفافة استعماريَّة على رفض دوَل المنطقة سابقًا لعسكرة ممرَّاتها المائيَّة والإخلال بسيادتها. فالعديد من الدوَل في المنطقة تمتلك قدرات بحريَّة كبيرة تستطيع توفير الحماية المطلوبة للحركة التجاريَّة، ولكن ليس للكيان الصهيونيِّ وأهدافه وأهداف حلفائه، وما يؤكِّد ذلك أنَّ المنطقة تعرَّضت سابقًا لأخطار أكبر مِثل خطر القرصنة، الَّذي لَمْ يستدعِ هذا التحرُّك العاجل والمُكثَّف من جانب واشنطن، لكنَّه يأتي الآن لحماية الكيان الصهيونيِّ وأهدافهما الاستعماريَّة، وما يؤكِّد ذلك هو تحرُّك القِطَع العسكريَّة الأميركيَّة مع انطلاق العدوان الصهيونيِّ الغاشم على قِطاع غزَّة.