كان ممكنًا أن يمر كلام السياسي المصري، الدكتور مصطفى الفقي، حول أحقية توفيق الحكيم بجائزة نوبل من نجيب محفوظ، من دون إثارة ذلك الجدل الكبير لو أنه تحدث كقارئ يُفضل كتابات الحكيم على كتابات محفوظ، ويرى أحقيته، غير أن تصريح الفقي حمل ما يشبه المعلومات، إذ قال: "توفيق الحكيم كان أحق بجائزة نوبل من نجيب محفوظ، ولكنهم لم يمنحوها له لأنه كتب في الإسلاميات". والذي يشبه المعلومات هنا ليس الأسباب التي طرحها الفقي لعدم فوز توفيق الحكيم بنوبل، فهذا قد يتعلق بتلقيه لكتابات الحكيم وطبيعتها، وتصوره الشخصي لسياسات نوبل. جميعنا يتصور ويعلن تصوراته باطمئنان في مسألة الجوائز. لكن المعلومة التي تستدعي المراجعة هي ترشيح توفيق الحكيم من عدمه للجائزة، والتي بناء عليها نضع احتمالات استبعاده، وإن كانت معاييرها فنية أم لا، الأمر الذي لا يقلل، أو يزيد، من قيمة توفيق الحكيم الأدبية.
ولا بأس مما أثير من جدل، علها فرصة لاستعادة بعض التوضيحات التي تمر على كثيرين رغم طرحها مرات عدة في مناسبة إعلان نتيجة نوبل سنويًا، وما تثيره من مناقشات حول المرشحين، وإن كنا هذه المرة نناقش ذلك في غير موعده السنوي. هي، أيضًا، فرصة لاستعادة سيرة نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وبعض حكايات تخصهما في علاقتهما بجائزة نوبل.
في عام 2010، نشرت جريدة "الشروق" المصرية حوارًا صحافيًا أجراه الكاتب والصحافي سامح سامي مع كارولا هرملين، مساعدة أمين لجنة نوبل بالأكاديمية السويدية وقتها، أكدت فيه أن: "الترشيحات للجائزة تخضع للسرية الكاملة، سواء من الشخص الذي يتولى الترشيح، أو لجنة نوبل التي تتلقى الترشيح، وأن حق اعتماد الترشيح يسقط إذا تسربت الترشحات قبل المدة المحددة، وهي 50 عامًا".
هنا أيضًا فرصة لاستعادة أحد أهم وأمتع الكتب، وهو "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، الصادر عن دار الشروق، والذي حرره الناقد والصحافي رجاء النقاش، بعدما عقد مع نجيب محفوظ جلسات حوارية طويلة، وصاغه بما يشبه السيرة الذاتية للرجل. وفي الفصل الخاص بجائزة نوبل يوضح محفوظ: "بعض الناس يقعون في سوء فهم نتيجة لعدم معرفتهم بالفرق بين التزكية والترشيح لجائزة نوبل، فالتزكية تأتي بناء على تواصي الجامعات. فجامعة الإسكندرية، مثلًا، زكت الدكتور طه حسين، واللجنة السياسية العليا زكت توفيق الحكيم. وهذه التزكية ليست سرًا. وبناء على هذه التزكية فإن لجنة نوبل تقوم بترشيح عدد من الأسماء بعد أن تسأل مجموعة من المتخصصين، وتطلب من كل واحد منهم كتابة تقرير علمي عن أديب معين. وهؤلاء المتخصصون أقسموا على عدم إفشاء أسرار الترشيح حفاظًا على كرامة الأدباء".
ويرى محفوظ أن هذا الخلط هو ما وقع فيه يوسف إدريس، في إشارة لما أثير وقتها حول أحقية إدريس: "فيبدو أنه علم أن جهة معينة زكته لنيل جائزة نوبل، فظن أنه مرشح لها". ويكمل: "بعد حصولي على الجائزة، عرفت من سكرتير اللجنة أن المعلومات والتفاصيل الدقيقة عن أي أديب فاز لا تعلن إلا بعد مرور خمسين سنة من تاريخ فوزه، عندها يكشفون عن أسرار الترشيح، وأقوى المنافسين للفائز، وعدد الأصوات التي حصل عليها، ووجهات نظر المعترضين على ترشيحه".
الأسماء التي نقرأ أنها في قائمة التوقعات سنويًا، إذًا، تظهر نتيجة لاجتهادات الصحافة، أو أنها مجرد تزكية من جهات لها ذلك الحق مثل الجامعات واتحادات الكتاب، بالتالي تأتي علامة استفهام كبيرة أمام تصريحات الدكتور مصطفى الفقي حول أسباب توفيق الحكيم من قبل مسؤولي نوبل، ذلك أنه ليس مؤكدًا كونه تم ترشيحه بشكل فعلي.
وبافتراض أن تصريحات الدكتور مصطفى الفقي لا تعتمد على معلومة مؤكدة، وإنما على تصور ورأي شخصي، فهو افتراض يحيل إلى سؤال حول موضوع كتابة توفيق الحكيم في ما أسماه الفقي "الإسلاميات"، ذلك أنه تجب الإشارة إلى أن كتابات الحكيم في هذه المساحة كانت كتابة تأملية إنسانية قلبًا وقالبًا، وليست كتابة من منطلق ديني، أو دعوي، مثلًا، بالأحرى كانت كتابة مشتبكة مع ثوابت الأمور داعية للتفكير لدرجة أنها أثارت حفيظة عدد من الإسلاميين والمتدينين والدعاة بشدة، خصوصًا عندما نشر توفيق الحكيم في جريدة "الأهرام" سلسلة مقالاته الشهيرة: "حديث مع وإلى الله"، والتي وجدت ردودًا عنيفة من أسماء، مثل عمر التلمساني، مرشد الإخوان وقتها، ومحمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين، والكاتب الإسلامي أنور الجندي، والشيخ الشعراوي.
وبالعودة لكتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، تأتي مفارقتان ربما تكونان طريفتين في سياق هذا الموضوع، الأولى كانت مع إعلان فوز نجيب محفوظ بنوبل، وقد انهالت عليه الزيارات، وضاق بها منزله، وصارت مشكلة سمع بها إبراهيم نافع، رئيس تحرير ومجلس إدارة "الأهرام" وقتها، فأصدر قراره بفتح مكتب توفيق الحكيم، الذي كان قد رحل قبلها بشهور، ليستقبل فيه محفوظ طوفان الزوار والضيوف. يقول: "ولولا قرار إبراهيم نافع لأصبح الأمر فضيحة أمام العالم، لأنني كنت سأعجز عن استقبال الوفود الأجنبية من صحافيين ومراسلين ومصورين وأدباء".
المفارقة الثانية هي رأي نجيب محفوظ في من يستحق نوبل بين أشهر الذين تم تزكيتهم إليها وقتها، إذ رأى أن الكاتب المصري الذي كان يستحق نوبل هو توفيق الحكيم نفسه، وفي حيثيات رأيه هذا خلاصة رفيعة في ما أثارته تصريحات الدكتور مصطفى الفقي. يقول: "في اعتقادي أن توفيق الحكيم كان أحق من الدكتور طه حسين بجائزة نوبل، لأسباب موضوعية. أهمها أن إنتاج الدكتور طه حسين الفني محدود، في حين أن إنتاج توفيق الحكيم الفني غزير، ويميل إلى الناحية الإنسانية العالمية".