صدر مؤخرا عن منشورات دار الفكر بدمشق ، كتاب مشترك للباحثين علاوة عمارة و رياض شروانة، يحمل عنوان «وثائق مالك بن نبي في الأرشيف الوطني الفرنسي»، وهو عبارة عن تقديم 201 وثيقة أرشيفية، أقدمها تعود إلى سنة 1939، و تستعرض في مجملها جوانب جديدة و غير معروفة من شخصية المفكر، كما تميط اللثام عن حقائق أغفلتها مذكراته الخاصة.
يتطرق العمل المكون من 304 صفحة، إلى علاقة مالك بن نبي بألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، و يقدم تفاصيل عن حادثة سجنه على خلفية ذلك، كما يثير موضوع نشاطه ضمن حزب الشعب الفرنسي و عضويته خلال ثلاثينيات القرن الماضي في حزب سياسي محسوب على التيار اليميني، و يتحدث العمل أيضا عن محاولة الجهاز الاستخباراتي الاستعماري، تجنيد الرجل لصالحه من أجل استغلاله لاختراق صفوف العمال و المثقفين الجزائريين، في الفترة ما بين 1951و 1952.
فكرة العمل ولدت، كما أوضح الباحث علاوة عمارة للنصر، سنة 2016، عندما وقع رصيد أرشيفي هام بين يديه هو وزميله الباحث رياض شروانة، و يتعلق الأمر بملف أمني يخص مالك بن نبي، كان محفوظا في مصلحة الاتصالات الشمال إفريقية، التابعة لجهاز الاستخبارات، إذ يضم الملف 60 وثيقة قدمت معطيات جديدة حول نشاط المفكر، لينطلق بعد ذلك مسار بحثي طويل انتهى بحصول المؤرخين على ثلاثة ملفات أرشيفية أخرى، بينها ملف قضائي مكون من 294 صفحة، تفصل في حيثيات فتح تحقيق يتهم بن نبي بالتآمر على الأمن الخارجي لفرنسا و التعاون مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية وهي قضية انتهت بسجنه في 9 أكتوبر 1945، للمرة الثانية بعدما كان قد اعتقل إداريا قبل ذلك رفقة زوجته في أوت 1944، بتهمة التعامل مع النازية و الألمان.
تفاصيل التحقيقات و ما تضمنته الوثائق الأرشيفية قدمت، حسب علاوة عمارة، الكثير من المعطيات الجديدة التي تكشف عن جوانب أكثر عن شخصيته وحياته الخاصة، من خلال ما صرح به هو و زوجته و حماته و كثير من المقربين منه، بما في ذلك نشاطه ضمن حزب الشعب الفرنسي، أين كان مسؤولا عن القسم الجزائري للحزب بباريس، وكذا حقيقة عودته إلى الجزائر و تدريسه في جمعية العلماء المسلمين و كيف تقرب من الألمان خلال الحرب و اشتغل في مقر قيادة القوات الألمانية في مدينة ترو الفرنسية، ناهيك عن انتقاله إلى ألمانيا و شغله صفة مندوب العمال الفرنسيين هناك.
تغطي الوثائق بالإضافة إلى ذلك، جانبا آخر يتعلق بمرحلة ما بعد إطلاق سراحه سنة 1946، و دخوله عالم الكتابة و النشر و من ثم التحاقه بحزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، رفقة فرحات عباس، المرحلة التي أعقبها انضمامه إلى الوفد الخارجي للثورة سنة 1957، وكلها، كما أوضح الباحث، محطات سياسية متضاربة، تعكس جانبا آخر من شخصية مالك بن نبي .
أشار الباحثان في تقديم كتابهما، إلى أنهما بصدد البحث عن وثائق أرشيفية أخرى، تخص مالك بن نبي، خصوصا ملف وضعه رهن الاعتقال الإداري بمعتقل»بتيفيي»، الواقع بمقاطعة «لواري» في الفترة الممتدة من أوت 1944 إلى غاية 16 أفريل 1945، و هو المعتقل الذي أصبح مخصصا للمتعاونين مع الألمان، بعدما كان خلال مرحلة التواجد الألماني مخصصا لليهود والشيوعيين. كما بحثا عن ملفه في المدرسة المختصة في الميكانيك و الكهرباء بباريس، وكذا الوثائق المتعلقة بدراسته و نشاطه في جمعية الطلبة المسلمين الشمال إفريقيين، أو حتى في نادي الشبيبة المسيحية، لتكتمل التغطية الوثائقية الخاصة بهذه المرحلة الدراسية.
كما عادا من خلال البحث إلى أرشيف الحالة المدنية في قسنطينة و باريس، للتأكد من المعلومات الخاصة بالحياة الشخصية لمالك بن نبي من حيث مولده و اسمي والديه، ورجعا أيضا إلى السجل الخاص بميلاد زوجته الفرنسية، لمقارنتها بالمعطيات الواردة في محاضر التحقيق القضائية.
و اطلعا على الملفات الأمنية للأشخاص الذين ذكرهم مالك بن نبي في مذكراته، أو الذين ذكرتهم الوثائق، على غرار الشيخ العربي التبسي و الدكتور عبد العزيز خالدي و الشيخ محمد الزواني، المعروف بالفزاني، و أوجان باتستيني و موريس سعدان.
جريدة النصر