شبكات ممتدة، استغلت حالة التفلت الأمني والإداري، وعززت ممارساتها بمزاج شعبي يرى في التبني الدولي إنقاذاً للطفل\ة، على رغم أن دراسات كثيرة تؤكد أن 60 في المئة من حالات التبني الدولي يكون مصيرها الفشل المتمثل بالتخلي مجدداً عن الأطفال لصالح المؤسسات الرعائية في بلد التبني.
خلال تغطيتها الإعلامية لأضرار الزلزال، تروي الصحافية مهى حطيط، مشاهداتها في منطقة كهرمان مرعش. كانت هناك تجمعات كثيفة وقريبة من المباني المهدّمة، فسألت مهى أحد العاملين بالإنقاذ عما إذا كان هذا الوجود يشكّل خطراً على الناس. قال بلى هناك خطر، لكن الأهالي والأقرباء يرفضون الابتعاد خوفاً من وجود أشخاص قد يقومون بسرقة الأطفال. وكانت الأجهزة الأمنية في تركيا وسوريا قد حذرت من وجود عصابات تعمل على خطف الأطفال غير المصاحبين\ات من ذويهم.
تشير تقارير صادرة من المقلب التركي، أن الحكومة نقلت الكثير من الرضع الذين وُجدوا من دون أهلهم إلى اسطنبول، حيث وضعوا تحت رعاية المؤسسة الحكومية. علماً أن المصادر الرسمية تحدثت عن 21 رضيعاً، لكن يكون هذا الرقم غالباً هو رأس هرم الجليد. وفي المقلب الآخر، أعرب كثيرون عن رغيتهم في تبني الرضع، ما يشرع الأبواب على إتجار مفتوح لا ضوابط أخلاقية تحكمه.
تاريخياً، لقد عرّضت الحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة والركود الاقتصادي… المزيد من الأطفال لخطر التبني الدولي غير الشرعي. في مقالته بعنوان “التبني على المستوى الدولي بعد هايتي؛ الإنقاذ أم السرقة؟” المنشور عام 2012، انتقد الباحث بيتر سلمان، تسهيل التبني كإجراء إنقاذي للأطفال. كانت عمليات رفع الأنقاض من الزلزال الذي بلغت قوته 7.0 درجات، والذي ضرب هايتي في عام 2010، ما زالت مستمرة حين نُقل أطفال لأغراض التبني جواً إلى كندا وفرنسا وألمانيا وهولندا، ليتم الكشف في ما بعد عن أن عدداً كبيرا من أهالي هؤلاء الأطفال كانوا يبحثون عنهم.
آنذاك، ألقت الشرطة الهايتية القبض على 10 مواطنين أميركيين ضُبطوا وهم يحاولون إخراج 33 طفلاً من الدولة التي ضربها الزلزال، وذلك في إطار خطة تبنٍّ غير شرعي. ونفت واحدة من المشتبه بهم، والتي تقول إنها رئيسة جمعية خيرية تسمى New Life Children’s Refuge ، أنهم لم يرتكبوا أي خطأ عبر تهريب الأطفال في سياراتهم عبر الحدود البرية، مستغلّين حالة الفوضى في هايتي وفتح الحدود لتسهيل مرور المساعدات. وقالت السلطات حينها، إن الجمعية لم تكن لديها أي وثائق تتيح لها تسهيل تبني 33 طفلاً – تتراوح أعمارهم بين شهرين و12 عاماً – ولا يوجد أي دليل على أنهم أصبحوا أيتاماً بفعل الزلزال.
وفي عام 2004، استجاب عدد كبير من المتطوعين والمنظمات من جميع أنحاء العالم، للمساعدة في عمليات الإنقاذ بعد التسونامي الهائل الذي ضرب جنوب شرقي آسيا والساحل الشرقي لأفريقيا. كارثة مهولة أودت بحياة أكثر من 170000 إنسان وتشريد ما يقدر بحوالى 1.5 مليون شخص. آنذاك أيضاً، نُقل أطفال كثر بطريقة غير شرعية لأغراض التبني، ليتبين بعد ذلك أن الكثير من الأهالي كانوا يبحثون عن أطفالهم المفقودين.
تؤكد التقارير الدولية، أن هذه الظاهرة نفسها ترافقت مع زلزال إيران عام 2003 وكل الحروب والنزاعات المسلحة التي شهدها العالم على مر العصور. وهنا لا بد من التذكير بأن أكثر من 10 آلاف طفل\ة تم تبنيهم بطريقة غير شرعية خلال الحرب في لبنان، في إطار عمل منظّم تورط فيه محامون وأطباء ومستشفيات ومخاتير ،وصولاً إلى تزوير أوراق ثبوتية ووثائق سفر. شبكات ممتدة، استغلت حالة التفلت الأمني والإداري، وعززت ممارساتها بمزاج شعبي يرى في التبني الدولي إنقاذاً للطفل\ة، على رغم أن دراسات كثيرة تؤكد أن 60 في المئة من حالات التبني الدولي يكون مصيرها الفشل المتمثل بالتخلي مجدداً عن الأطفال لصالح المؤسسات الرعائية في بلد التبني.
للأسف، تشكل حالات الطوارئ – لا سيما الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة – فرصة متاحة لمدعي العمل الإنقاذي لتسهيل الإتجار بالأطفال لأغراض التبني، في ظل فوضى عارمة وتصدّع البنى التحتية الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، فضلاً عن الاتصالات. هي أوضاع تضعف قدرة الحكومات على إدارة الأزمة. نتيجة لذلك، تزداد الأخطار على الأطفال بشكل كبير بسبب تعرض البيئة الحامية للأسرة والمجتمع والحكومة للخطر. هي أوضاع يكون الأطفال غير المصحوبين بذويهم و / أو المنفصلون عن مقدمي الرعاية الأساسيين، أكثر عرضة للإتجار والاستغلال الجنسي. والمخيف في هذا كله، أن بعض من يسهّلون التبني عاملون في المجال الإنقاذي.
في عودة الى الوضع المأساوي الراهن في سوريا وتركيا، فهناك دلائل كثيرة تشير إلى نشاط متزايد لشبكات الإتجار بالأطفال لأغراض التبني. ووسائط التواصل الاجتماعي حافلة بدعوات لتبني الأطفال وأشخاص يعربون عن استعدادهم لدفع مبالغ طائلة للتبني. وربما هناك أشخاص صادقون وراغبون في المساعدة، لكن وللأسف فهناك أيضاً من هم متربصون بفرص الكسب المادي كحد أدنى ومن هم غير صالحين لرعاية طفل، بل يسعون وراء الاستغلال الجنسي على سبيل المثال. وتؤكد الدراسات المتخصصة، خطورة التبني الناجم عن الإتجار بالأطفال، وأن نسبة كبيرة من العائلات التي تعتمد هذه المقاربات، هي غير صالحة للتبني في بلدها الأصل. وتلجأ هذه العائلات غالباً إلى ما يسمي بشركات التبني Adoption Agency للحصول على أطفال من بلدان معظمها تعاني من الكوارث أو الحروب أو الفساد. وتؤكد الدراسات والتقارير الدولية أن غالبية حالات التبني الدولي غير شرعية وتتقاطع مع الإتجار بالأطفال في بلد الأصل، إلا أن دول التبني تشرع هذه المسارات عند دخول الطفل\ة المتبن\اة إلى حدودها.
وهنا لا بد من طرح الكثير من الأسئلة حول عمل المنظمات الدولية المعنية بحماية الأطفال، أين هي من وضع استراتيجيات تدخل إنقاذي خلال الكوارث تحمي الأطفال من هذه الأخطار؟ لماذا هذا الغياب وكأنها الكارثة الطبيعية الأولى؟ أين ملايين الدولارات التي تنفق على سياسات الحماية في حالات الطوارئ؟
وكيف تسمح دول الشمال والتي تصنف نفسها حارسة لحقوق الإنسان، بشرعنة التبني الدولي مع يقينها أن المسارات المؤدية إلى انتقال الأطفال من بلد الأصل تتقاطع مع أعمال الخطف والتهريب والتزوير والإتجار.