– عزيزة الطائية : الرقمية غزت كل مجالات الحياة المعرفية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية
– سعيد السيابي : التنوع صفة أصيلة فـي الإنسان والقراءة نموذج لفيسفساء العالم ومصدر من مصادر إشعاعه الفكري
– أمل المغيزوية : الواقع الرقمي أخذ مكانة سامقة فـي عصرنا وذلل الكثير من الصعوبات
– سالم البويقي : الكتاب الورقي شريك فـي هذه الطفرة المعلوماتية الرقمية
الثورة الرقمية الهائلة قامت باستلاب ذائقة عدد كبير من البشر، في العديد من المجالات الحياتية والعلمية، ولو حصرنا محورنا حول العلاقة بين الإنسان والكتاب الورقي التي كانت عميقة وأصبحت اليوم نوعا ما أقل، وذلك يعود إلى مزاحمة الكتاب الرقمي للورقي، ومؤخرا تزايد عدد مستخدمي الكتب الرقمية والملاحظ أن هناك نموا لمعدلات الأقبال الإكتروني، ومن هذا المنطلق تتولد لدينا الكثير من الأسئلة ومنها : إلى أي مدى لا يزال هناك متسع للقراءة في زمن الفضاءات المفتوحة والتدفق المعلوماتي، وخاصة فيما يتعلق بالرقمي منه ؟ وهل الواقع الرقمي سيحل محل الفضاء الواقعي في شأن التفاعل مع الكتاب؟، عبر هذا الاستطلاع تشاركنا أقلام عمانية لهم صولات وجولات؛ في الميادين الثقافية سواء داخل سلطنة عمان أو خارجها وأيضا يملكون ذائقة أدبية تجعل من المتلقي يبحر في مساحات النور والمعرفة.
في هذا الشأن قالت الناقدة الدكتورة عزيزة الطائية : أمام عالم التقنية الذي لامس فضاء المعرفة على كافة الأصعدة، وبالأخص القراءة برزت قضية هامة كثر حولها الجدل والحجاج بين مؤيد ومعارض، متخوف وجسور، رافض ومتحفظ، وهي قضية مصير الكتاب الورقي أمام انتشار الكتاب الرقمي الذي عززته ثورة التكنولوجية المعرفية. فهناك من يبدي انزعاجه من تقلص حضور الكتاب الورقي أمام سطوة الكتاب الرقمي الذي أصبح الحصول عليه بسهولة دون أن يكلف مريده أي جهد بحثي أو مقابل مادي، أو تعب ذهني ، ناهيك أن هناك من يرى أن الكتاب الرقمي اختصر العديد من الجهود التي تتطلب من طالب المعرفة مدة طويلة للوصول إليها.
وأضافت : أمام هذا الجدل أصبحت الحوارات والبرامج تتداول بين مؤيد ومعارض ومتخوف من سيطرة سوق الكتاب الرقمي، وتراجع مستوى سوق الكتاب الورقي. بل أصبح الحديث المتداول بين المربين والباحثين والمفكرين عن مصير الكتاب الورقي أمام ازدياد الإقبال على الكتاب الرقمي. وانفتحت أسئلة كثيرة تحيل إلى هذا التوجس المعرفي، لعل أبرزها في برامج كثيرة وندوات عقدت على مستوى دولي وعامي، هل سنشهد ذات يوم غياب معارض الكتب، والمكتبات العامة التي تتأسس على بيع الكتب وتوفيرها لمرتاديها؟! وما مميزات الكتاب الورقي التي جعلت القارئ يحيد عن الكتاب الورقي؟ وما أبرز المعضلات التي يواجهها الكتاب الورقي وتؤدي إلى تراجعه؟ علاوة على ذاك القلق الذي يتجدد كل عام عند الناشرين مع معارض الكتب سنويا.
وأكدت (الطائية): إننا في مرحلة معيشية نواجه فيها إشكالية معرفية وعلمية كبيرة أمام تقادم التقنية وسرعة حضورها والاستئناس إليها من قبل الكبير قبل الصغير نظرا لإجادة هذه الأجيال الحديثة المتمثلة بأبنائنا لكل ما هو تقني وتكنولوجي، بل لا نبالغ إذا قلنا أن الرقمية غزت كل مجالات الحياة المعرفية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأصبح قوام التعليم وفلسفته قائمين على توجيه الطلبة إلى الكتاب الرقمي، حتى أننا نلحظ بعض المدارس المحلية الخاصة تبنت هذا النوع من التعليم، وأصبحت حقيبة الطالب هي جهاز اللابتوب ((Laptop دون إدراك الأبعاد السلبية لهذه الخطوة التعليمية والمهنية، وما يترتب عليها من غياب تعميق الوئام والألفة والحميمية بين الكتاب والطفل، وأثر ذلك صحيا ونفسيا على المتعلم ذاته، علاوة على ما يقوم عليه الاقتصاد والاستثمار من تأثيرات هامة عند توجيهه إلى الاستثمار الرقمي في الثقافة والمعرفة والفكر بشكل عام. وأوضحت : لسنا هنا بصدد الحديث عن الثقافة الرقمية وتأثيرها على الإنسان، بل بصدد تأثيرها على الكتاب والخوف من انحسار قيمة الكتاب الورقي أمام حضور الكتاب الرقمي الذي أصبح بضغطة زر نتمكن من الحصول على معلومة دون جهد، وأصبحت أجهزة عديدة تحمله لنتصفحه بيسر وتنزيله بسهولة ، وأخذ معلوماتنا منه دون جهد وعناء من خلال أجهزة متنوعة سهلة الحمل والاستعمال والخاصية كـ(الآي باد Ipad، الكندل Kindle، وغيرها…) حتى كدنا أن نفقد ملامسة الورق، وشم الحبر، والنظر إلى الكلمات، وتأمل التعابير، وتصفح الأوراق، والعودة بسهولة إلى الصفحة التي نريد، بل كدنا أن نفقد خصوصية ذكرياتنا وصورنا الورقية، وأشياء أخرى كثيرة تحفظها ذاكرة هذه الأجهزة، وقد نفقدها بلمسة، أو ضغطة زر، أو دخول فيروس((Computer Virus ليمحو كل المخزون الاجتماعي والفكري والقرائي والكتابي؛ الأمر الذي يحيلنا إلى الدهشة والألم من الخسران الذي حلّ بكل مخزون احتفظنا به. ناهيك عن عمليات الاختراق / الهكر ((Hacker التي صارت تقلق الجميع عبر الهواتف المحمولة، وقنوات التواصل.
وفي ختام حديثها قالت : لا شك أن للكتاب الرقمي مزاياه المتنوعة في عالم أصبح -لا أقول- قرية صغيرة، بل كبسولة في متناول اليد، كما لا نستطيع أن نقصي أيّا من النوعين الرقمي والورقي. فهناك كثيرون لا يزالون يقرأون الورقي ويحبون ملامسة الورق ويتأملون التعابير بين الصفحات، لذلك الاستغناء عن الكتاب الورقي، خاصة في مجالات الفكر والبحث والدرس مسألة صعبة، ناهيك عن الاحتفاء بالكتاب – وإن قلت مقروئيته ورقيا- متمثلا في معارض الكتب وتزايد دور النشر وإقبال الزوار والقراء عليها، والبحث عن المكتبات التي توفر للقارئ الكتاب، غير غافلين أهمية الكتاب الرقمي وما يحمله من مزايا تعين الباحث والدارس، وطالب المعرفة والمعلم. لذلك نرى أن كل منهما يتمم وظيفة الآخر بشكل متآزر متكامل لتصبح المعرفية الرقمية معينة للمعرفة الورقية، والعكس صحيح.
وحول ما تم طرحه أعلاه يقول الدكتور والكاتب سعيد السيابي: القراءة خريطة حياة وأحد الخيارات المتوفرة للإنسان أي كانت ثقافته وفكرة ومعتقدة وهويته فبالقراءة سجل الإنسان تفاعله مع الورق والتصقت يده بحبرها وعينه بتأمله وتلمسه والإنبهار بما هو وجود في بطن الورق من كلمات مفردة إلى جملة مجتزئه إلى مقاطع كتابية مختصرة إلى أن ظهر الفكر الذي يطرح وجهات النظر وتسجيل الأحداث العامة والخاصة ومن ثم التحول إلى الارشيف المكتوب لكل مناحي الحياة. القراءة مادة تعلق بها الإنسان وتفاعل معها حسيا ووجدانيا وارتبطت الاجيال بتناقل حب القراءة وتوارثت الشغف بها، فهي قديمة قدم المعارف والإنتاجات الكتابية في كل الحضارات وتطور القراءة ليس مقصورا على زمن بعينة فما هو متوفر حاليا لم يكن موجودا في السابق ولكن القراءة هي القراءة والورق يفعل سحره للعيون والعقل للفهم.
ويضيف (السيابي): من وجهة نظري نحن نستفيد من كل تطور ويتفاعل الإنسان مع تنوعه المعرفي ولكن تبقى للقراءة مكانتها هي ذاتها مع وجود المخلصين في المؤسسات الرسمية والخاصة التي يؤمنون بدور القراءة وما تنجزه للفكر والحرية الإنسانية والتطور الحضاري فكل الأمم دون استثناء كانت لها خياراتها في القراءة وبقت القراءة معادلة موضوعية لكل الإنسانية وبأنها خيار مفتوح على كل الاحتمالات ولا يزيح اكتشاف أو اختراع أو تقنية مكانت القراءة في قلوب العاشقين لها والمؤمنين بأهميتها والساعين إلى تجويدها واستمرارها، وهذا هو الفكر المستنير الذي نشجع عليها فالتنوع صفة أصيلة في الإنسان والقراءة نموذج لفيسفساء العالم ومصدرا من مصادر إشعاعه الفكري.
وحول هل الكتاب الرقمي سيحل محل الفضاء الواقعي يقول: التطور صفة حميدة ومتوفرة في معظم الحضارات وواقعنا الحالي الرقمي ما هو إلا وسيلة للمساعدة للوصول إلى عالم به التكامل والتسهيل في انتقال المعارف والتكامل بين شعوب الأرض فالكرة الأرضية شاسعة في إنتاجها وكبيرة في معارفها وعلومها ومختلفة في لغاتها ويبقى الإنسان هو الوسيلة الرئيسة في تطورها والمكسب له بالوصول الحر للمعارف والعلوم والتراكم الذي ينشدها يستمر عنصرا رئيسا في البناء فلا يوجد انفصال بين ما ينتج سابقا والآن إنما هو صعود في سلم كل الاتجهات الفكرية والمعرفية الإنسانية وعلينا نحن أن نتبنى كل جديد ونأخذ بالمفيد ونتعلم ممن سبقونا ونوصل أجيالنا لطريقهم الذي يعرفونه ووصل إليهم فلا نفرض خيارتنا ولا نقصي أحد من التطور والأخذ بالأسباب فالقراءة مكانتها ستبقى ما بقيت الإنسانية الصادقة مهتمة بالعيش المشترك والتبادل والتعاضد فلا نعيش بدون القراءة ولا تطور بدونها وبدون أدواتها العصرية.
فيما قالت الكاتبة أمل المغيزوية: إن البحث عن مساحة للقراءة في ظل التطور الرقمي الذي أصبح يحتل مكانة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها يعتمد بالدرجة الأولى على القارئ نفسه، وعلى رغبته الجادة في البحث المستمر عن المعلومة والمتعة من مصادرها الصحيحة، فالكاتب على سبيل المثال قد يُسهّل عليه التدفق المعلوماتي الهائل حصوله على المعلومة في وقت قياسي قصير، بيد أنه يشعر برغبة كامنة لا يمكن كبحها تدفعه لإيجاد مساحة يستظل تحتها، فيقرأ وينهل من منابع العلم والمعرفة، وتصبح تلك الفترة التي يقضيها في الاطلاع فترة مقدسة، لا يستطيع تركها أو الإفلات منها ومن جاذبيتها، لأهميتها الجوهرية في تطوير وتجويد إبداعه.
وأضافت : كما أن رغبة البحث المتغلغلة في نفس الكاتب تجبره على الانفصال في لحظات كثيرة عن العالم الرقمي والافتراضي؛ ليعيش لحظات واقعية خاصة مع الكتب، وتصبح تلك اللحظات محاولات لخلق نوع من السعادة التي تكمن في التحليق مع عوالم الكتب بكل تجلياتها وشخصياتها المتباينة.
وأكدت (المغيزوية): مما لا شك فيه أن الواقع الرقمي قد أخذ مكانة سامقة في عصرنا، وذلل الكثير من الصعوبات في مجال المعرفة والاطلاع، نظرا لتوفر الكثير من المصادر والكتب والمراجع بصيغة رقمية ميسرة في مواقع متباينة على شبكة الإنترنت، غير أنه من وجهة نظري سيظل الكتاب الورقي يحمل جمالية خاصة لا يمكن إنكارها، فالكتاب بجمالية غلافه، وتفاعل الحواس مع ملمس الأوراق المصقولة، وحروف الإهداء التي تكتب في صدر الصفحة الأولى، والإحساس برائحة الحروف الخارجة من المطبعة، والشعور بأوراق الكتاب بين يديك، والإحساس بتنقل الكتاب (كشخص من لحم ودم) بين غرفتك، وحين تشرب القهوة، أو تنتظر صديقًا، كل هذه المميزات التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، والتي تشكل الكتاب ككيان حي يتحدث ويثرثر وينصت ويسمع، فتضفي عليه طابعًا آسرًا جذابًا يسلب العقول والأرواح، ويجعله مُشاركًا فاعلا يضفي على الحياة حياة، ويشارك الإنسان تفاصيل كثيرة تبقى مطبوعة بين جنبات ذاكرته. وعليه سيظل للكتاب الورقي مكانة عميقة لا يمكن للعالم الرقمي بكل تفاصيله طمسها أو القضاء عليها، وسيظل الكتاب يحتل مكانته المعهودة بين رفوف المكتبات، وفي المعارض، وفي قلوب عشاقه وبين حنايا أرواحهم.
كما قال المهندس والكاتب سالم البويقي نائب رئيس فريق روافد الثقافي التابع لنادي المصنعة : كانت لي زيارة لمعرض مسقط للكتاب في نسخته الأخيرة والملاحظ أن هناك إقبالا كبيرا على الكتاب الورقي وهذه دلالة واضحة أن الكتاب الورقي مازال يتصدر المشهد في ظل زمن العالم الرقمي والتدفق المعلوماتي، والكثير من الناس يعتبر الكتاب الورقي هو المرجع الثابت الذي يمكن أن تعتمده أي دراسة تأخذ من ذلك الكتاب وتبني عليه، وتلكم هي طبيعة العلوم تأخذ من بعضها وتبني على ما سبق. وأضاف: الكتاب الورقي شريك في هذه الطفرة المعلوماتية الرقمية وليس بخصم أو منافس، بحكم إنّ الكاتب اليوم وهو يصيغ أفكاره، يصيغها بداية على شكل كتاب، ثم ينشرها في تلك القنوات الرقمية المختلفة.