تحافظ مدينة عدن اليمنية على تقاليدها وعاداتها في شهر رمضان. تضفي الأجواء الرمضانية سحراً خاصاً من التنوع مع احتضانها جاليات مختلفة. وتشعر الأجواء الروحانية الخاصة الزائر للبلدة القديمة في عدن، "مدينة كريتر"، بعظمة الشهر ومدى تمسك الأهالي بعاداتهم رغم ما مرت به المدينة من حروب وما عانته من ويلات.
يبدأ استقبال شهر رمضان بخروج الأطفال في مساء آخر يوم من شهر شعبان وبدء الشهر المبارك، للتجمع في حافة حسين بـ"كريتر" وإطلاق الأهازيج والأناشيد التي ترحب بمجيء شهر الصوم والرحمة.
سالم حسين طفل عدني كغيره من الأطفال يفرح بحلول رمضان، لا لشيء سوى مشاهدة الاحتفالات الرمضانية وسماع أناشيد الترحيب وتنوع موائد الإفطار التي قال إنه لا يراها إلا في رمضان.
"مرحب مرحب يا رمضان" هذه العبارة الوحيدة التي كان يرددها سالم وهو يدور مع رفاقه في الحي.
ولا تخفي الأسر اليمنية كذلك فرحتها بهذا الشهر، من خلال تزيين المنازل وتحضير طبخات رمضان المختلفة والمتنوعة التي تتوزع على طاولات الإفطار اليومية.
تقول ريم وهي ربة بيت في عدن لـ"النهار العربي": "نحن الأسر العدنية نحضّر سفرة إفطار رمضانية متنوعة تتألف من خمسة أصناف يومياً". وتضيف أنه "بعد صلاة الظهر تتوجه أغلب النساء العدنيات الى المطبخ ويبدأن بالتفنن في إعداد الوجبات الخفيفة والسريعة تحضيراً للإفطار".
وتابعت أنه "رغم كل المنغصات وارتفاع الأسعار بشكل جنوني إلا أننا متمسكون بتنوع موائد هذا الشهر وتوفير متطلباته".
أطباق متعددة
ومساء كل يوم يخرج عقيد محمد لبيع اللحوح (نوع من الخبز) الذي تصنعه أمه. يقول لـ"النهار العربي": "تعوّدت في شهر رمضان منذ نعومة أظافري أن أخرج لبيع اللحوح في شارع خليفة بمدينة المنصورة للصائمين". ويضيف: "تقوم والدتي بتحضير الخبز وأنا أبيعه، هكذا نتشارك في توفير متطلباتنا ونؤمن دخلنا اليومي خصوصاً أن اللحوح الذي تخبزه والدتي مميز ويطلبه عدد كبير من الزبائن في أماكن متفرقة".
في نهار رمضان تكاد لا ترى إنساناً في الطرقات حتى ما قبل وقت العصر، ومن ثم يبدأ الازدحام في الأسواق لشراء اللحوح الذي تُعدّ به وجبة "الشفوت" الرئيسية على الإفطار، وبعض العناصر الرئيسية للسفرة الرمضانية العدنية، كالسنبوسة والباجية والمدربش.
اللحوح بأساليب مختلفة
وتختلف طرق صنع اللحوح ومكوناته في مناطق اليمن، منه ما يُعجن فيه الدقيق بماء كثير مع قليل من الملح، ويوضع في المقلاة سائلاً ويفرش على مساحة المقلاة حتى ينضج، ويُقطّع بعدها إلى قطع صغيرة ويوضع عليها مسحوق من السكر والسمن. ومنه ما تكون عجينته رقيقة سائلة تترك لساعات حتى تتداخل مكوناتها. وأكثر ما يستخدم اللحوح في الزيارات والمناسبات بالنسبة لجزء من سكان اليمن خصوصاً قاطني المرتفعات، لكن أغلب المدن اليمنية لا تستخدم اللحوح إلا في رمضان ومناسبة الصيام، ومن بين أهم استخداماته، "الشفوت" وهو عبارة عن خلط اللحوح مع اللبن (الحقين) أو المرق.
وتشتهر السفرة العدنية أيضاً بالزربيان، وبعض الأطباق الهندية واليمنية، مثل: الكدر، والصيادية، والمطفاية، والربيس، والجبيز، والكُبن، والهريس، والكاتليس، والمخلم، والوجبة وغيرها.
مبادرات اجتماعية
واعتاد الناس في شهر رمضان على إطلاق مبادرات مجتمعية وشبابية يشارك فيها الجميع، وترتكز على تقديم الإفطار الجماعي للناس في الشوارع العامة وإفطارات جماعية أخرى تقيمها مبادرات شبابية تضم العديد من شباب المدينة، كما يقيم المجلس العزابي إفطاراً جماعياً كل عام في العاشر من رمضان يضم مئات الشباب على كورنيش جعفر محمد سعد.
ويقيم أهالي البلدة القديمة (كريتر) إفطارات جماعية يومية في الحوافي، تتوزع كل يوم على حافة محددة يُخرج فيها الناس كل ما تجود به أنفسهم وما تطبخه أسرهم، ويتجمعون حول سفرة واحدة تختلف وجباتها باختلاف ثقافة الأسر.ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، يبقى رمضان شهر الخير، كما يقول الشيخ عمر البيتي، وهو أحد المسؤولين عن إفطار الصائمين في مسجد الإمام الشافعي في عدن، مشيداً بإسهام بعض التجار ورجال الأعمال "الذين يتصدقون لوجه الله تعالى، ولا يريدون ذكر أسمائهم، ويمدون السُّفرات في تجمعات كثيرة في بعض حواري ومساجد عدن".