تخطي إلى المحتوى
محمد عدنان سالم: كتاب واحد لكل 12 ألف عربي.. الكتاب يعيش أيامه الأولى.. وهو باقٍ ولن يموت محمد عدنان سالم: كتاب واحد لكل 12 ألف عربي.. الكتاب يعيش أيامه الأولى.. وهو باقٍ ولن يموت > محمد عدنان سالم: كتاب واحد لكل 12 ألف عربي.. الكتاب يعيش أيامه الأولى.. وهو باقٍ ولن يموت

محمد عدنان سالم: كتاب واحد لكل 12 ألف عربي.. الكتاب يعيش أيامه الأولى.. وهو باقٍ ولن يموت

عرف الكتاب العربي حقبتين مميزتين من ازدهاره وهما ما أطلق عليهما بعض المفكرين العرب النهضة العربية الأولى التي انطلقت خلال النصف الثاني من القرن الماضي، والثانية التي انطلقت مع مطلع الخمسينيات حتى العام 1967 أما اليوم فيعاني هذا الكتاب أزمة كساد سببها العزوف عن القراءة من جهة، ومنافسة الوسائل الإعلامية من جهة أخرى، ففقد الكتاب الكثير من أصدقائه الذين استبدلوه بجليس آخر أكثر إغراء وأشد جاذبية وقد أصبح محاطاً بالمنافسين وهو اليوم يعيش مرحلة انتقالية قد تطول أو تقصر من الكتاب الورقي إلى الكتاب الالكتروني لأن الكتاب لا يستطيع أن يعيش وحيداً في ظلال المتغيرات التي يعيشها العالم في جميع المجالات.. وللوقوف على واقعه الحالي بكافة أشكاله التقت "البعث" محمد عدنان سالم رئيس اتحاد الناشرين السوريين وكان الحوار التالي:

 

*ـ كيف تجد واقع صناعة الكتاب في سورية في ظل نفي البعض وجود صناعة حقيقية في هذا المجال؟! وفي حال عدم وجود هذه الصناعة برأيك ما أسباب ذلك؟ وما الصعوبات التي تحول دون ذلك؟!

لا يستطيع أحد نفي وجود صناعة الكتاب في سورية.. فعلى صعيد دور النشر يضم اتحاد الناشرين السوريين حوالي مئة وخمسين ناشراً؛ تصدر ما يقارب خمس مئة كتاب جديد سنوياً، على تفاوت كبير بينها في نصيب كل منها من هذه الإصدارات؛ إذ يستأثر بضعة ناشرين بالنصيب الأوفى منها، وتتراوح إصدارات الباقين بين كتاب وعشرة كتب لكل منها..

وعلى صعيد النشر العربي تتنافس مصر ولبنان على المرتبة الأولى في صناعة النشر العربي، وتتنافس سورية مع السعودية والأردن على المراتب التالية، على قدر حرية النشر المتاحة في كلٍّ من هذه البلدان، ومدى تحررها من قيود الرقابة..

ذلك أن الكتاب إبداع، والإبداع لا يزكو إلا في مناخ الحرية، والحرية تبعث على التعدد، والتعدد يثير الاختلاف، والاختلاف حراك ثقافي يؤجج النقد، والنقد يثري الأفكار ويغنيها، والأفكار كائنات حية لا تتكاثر إلا بالتزاوج؛ وبارقة الحقيقة لا تنبثق إلا من احتكاك الأفكار وتصادمها، والحقيقة شرود لا تكاد تمسك بها، حتى تفلت منك لتتراءى لك وراءها حقيقة أنصع بياناً وأكثر إقناعاً لتلهث وراءها..

أما الأحادية والتفرد واحتكار الحقيقة، وما يترتب عليها من المنع والقمع ونفي الآخر المختلف.. فإنها عقيم لا تنجب، مهما حاولت أن تتظاهر بالتعدد، فتعدد الجنس الواحد شذوذ مآله الفناء..

وعلى الرغم من التفاوت في إنتاج الكتاب بين الأقطار العربية، فإن الناشر العربي ككل ينتج كتاباً واحداً لكل اثني عشر ألف عربي، بينما ينتج الناشر البريطاني كتاباً لكل 500 بريطاني وذلك حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2007.

*ـ  كيف تصف حال النشر وواقع دور النشر على العموم: (الصعوبات والتحديات)؟!

يحظى الناشر في البلدان المتقدمة باحترام كبير في المجتمع؛ تفتح له فيها قاعات الشرف في المطارات، بوصفه الممسك بزمام الإنتاج الثقافي؛ والحلقة الأولى الضرورية التي لا يمكن تجاهلها أو حذفها من دورة إنتاج الكتاب، فهو الذي يقف في مركز الرؤية الشاملة التي تمكنه من تقدير الحاجات الثقافية لمجتمعه، وحشد الطاقات العلمية اللازمة لتلبيتها، وموقعه المركزي هذا هو الذي يؤهله لأخذ زمام المبادرة؛ يخطط ويكلف ويراجع ويدقق ويعدل ويختار العناوين، وفق ضوابط ومعايير محددة تكفل إخراج الكتاب في مستوى لائق ومتميز.

ولم يكن تعدد الناشرين في البلدان المتقدمة عبئاً على المجتمع، بقدر ما كان انطلاقاً من حاجته إليها، فقد استطاعت دور النشر المتعددة أن تتكامل عبر التخصص، وأن تتعاون عبر التنافس؛ فكان لكل ناشر مشروعه وبصمته التي يعرف بها.

ولم يحظ الناشر العربي بمثل هذا الاحترام بعد، لدرجة أن النشر لم يكن إلى عهد قريب معترفاً به بوصفه مهنة مستقلة تدون في جواز سفره، حتى سعى اتحاد الناشرين في ترسيخها.

ومن طريف ما حصل لناشر عربي في أحد المطارات حين أبرز جوازه الذي دونت فيه مهنته ناشراً، فسأله ضابط الأمن: هل عندك منشرة خشب؟!

ولا تزال علاقة المؤلف العربي بناشره مختلفة كلياً عن علاقته مع ناشره غير العربي، ففي مقالة كتبها محمد حسنين هيكل في مجلة وجهات نظر تحدث فيها باحترام شديد عن ناشره البريطاني الذي نصحه بتغيير عنوان كتاب له، استشاره حوله، كما قرأت حواراً مماثلاً بين مالك بن نبي وناشره الفرنسي.

ومرد ذلك في نظري إلى أن الناشر العربي لم يرتق بعد إلى مستوى موقعه المركزي في عملية النشر، ولا يزال يقوم بدور الوسيط بين طرفي عملية إنتاج الكتاب المؤلف والمطبعة.

ولقد عانيت طويلاً – في تجربتي الشخصية- قبل أن أتمكن من ترسيخ دوري المحوري كناشر في دار الفكر صاحب مشروع ورؤية وأهداف ومعايير واضحة، استحقت احترام كل من المؤلف والقارئ معاً.

*ـ  هل يعيش الكتاب فعلاً أيامه الأخيرة ليحل محله ما يسمى بالكتاب الإلكتروني؟! وما واقع الكتاب الإلكتروني؟! ما المكانة التي يمثلها، أو يمكن أن يمثلها مستقبلاً؟!

إنني أرى الكتاب يعيش أيامه الأولى، وأن البشرية كلها – ونحن جزء منها- سوف تنعم بالعيش مع الكتاب، بوعائه الإلكتروني الجديد، الذي هو جوهر ثورتي المعلومات والاتصالات؛ أخطر منعطف حاد في تاريخ تطورها المعرفي والفكري..

والكتاب الورقي- في نظري- إن هو إلا وعاء استوعب حصاد المعرفة الإنسانية في مرحلة من مراحل نموها، قد تمتد آلاف السنين منذ اكتشاف الورق في الصين، أو مئات السنين منذ اختراع غوتنبرغ للمطبعة التي أنهت عصر النساخة اليدوية، ويسرت المعرفة للملايين..

إن شوق الإنسان للمعرفة غير محدود، وهو شوق متنامٍ، فبعد أن كانت الإنسانية تحتاج إلى آلاف السنين لكي تضاعف معلوماتها، وهي تتقلب من عصر الحجر إلى عصر الصيد إلى الزراعة إلى الصناعة، ها هي المعلومات تتفجر بين يديها في عصر المعرفة الذي نعيشه مثل سيل العرِم، وطوفان نوح..

كانت الإنسانية، كلما فاضت معلوماتها عن قدرة أوعيتها على الاستيعاب، بحثت لها عن أوعية جديدة.

فبعد أن نقشت معلوماتها على الصخور في العصر الحجري، أودعتها جلود الحيوانات وعظامها في عصر الصيد، ثم كتبتها على سعف النخيل، وورق البردي في عصر الزراعة، ثم طبعتها كتباً زاهية على الورق في عصر الصناعة..

وفي عصر المعرفة الذي نتعطف إليه الآن بسرعة مذهلة، وأخذت فيه معلوماتنا تتضاعف أكثر من مرة في العقد الواحد؛ لم يعد الورق قادراً على استيعاب هذه المعلومات، فكان لا بد من وعاء جديد يستوعبها..

لقد سبق لي أن نبهت منذ حوالي خمسة عشر عاماً، إلى أن الكتاب الورقي الذي قدم للإنسانية خدمات جلى في عصر الصناعة، لم يعد قادراً على تلبية احتياجاتها في عصر المعرفة، وأنه ذاهب لا محالة إلى متاحف التاريخ، لكي يحكي للأحفاد كيف كان يقرأ الأجداد. وأثار كلامي هذا حفيظة عشاق الكتاب الورقي.. لكنني أرى نبوأتي أخذت تتحقق أسرع مما كنت أتصور، ورأيت بأم عيني جيل الأبناء الذي أتقن العزف على الأجهزة الإلكترونية لتَمْثُل المعلومات بين يديه كالمارد كأنها خاتم سليمان، وسيكون جيل الأحفاد أكثر قدرة على التعامل مع الأوعية المعلوماتية الجديدة لأنها أدوات عصره التي ستغير أساليب القراءة ومفاهيمها وأطرافها، لتصبح القراءة تفاعلية يشترك فيها القارئ مع المؤلف في إنتاج المعلومة وتطويرها وتنميتها، ولتطفو المعلومات على السطح عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك والتويتر، وعبر الكتب الإلكترونية الجديدة ( الكيندل) و (الآي باد) التي أخذت أيدي الشباب تتلقفها فتتيح لهم الاستمتاع بكل ما تذخر به من ألوان وأصوات وحركات وإمكانيات بحث وتعليق.. الكتاب باقٍ لن يموت، لأنه هو المضمون والمحتوى، وإنما تتغير الأوعية، وما لم يدرك الناشرون هذا التغير، ويمسكوا بزمام الكتاب الإلكتروني، فإن الزمن سيتجاوزهم ليضعهم في عداد المهن المنقرضة..

 

*ـ  في ظل أزمة القراءة التي نشهدها؛ ما المطلوب لتطويقها والخروج منها؟ ما المطلوب من الجهات كلها، وما مشاريع دار الفكر لذلك؟!

سأجيب على السؤال من آخره، فقد بدأت دار الفكر تطلق مشاريعها لاحتواء أزمة القراءة منذ عام 1996: بنك القارئ النهم، فمكتبة الإعارة المجانية، ومكتبة الاستبدال، والكتاب أفضل هدية، فخدمة التوصيل للمنازل (كتابك بين يديك)، ووضعت لكل من هذه المشاريع أنظمته وبرامجه، وحصدت ثمارها.

وعلى صعيد المجتمع قامت حملات لتنشيط عادة القراءة؛ نهض بها أفراد في بيوتهم، وجمعياتٌ ونوادٍ ومؤسسات، وانعقدت لها ندوات ومؤتمرات، وابتكرت لها أساليب متعددة؛ منها مبادرة (اقرأ على الطريق)، لقضاء وقت ممتع في وسائط النقل، ومبادرة (الكتاب في كل مكان)، لإحياء أوقات الانتظار المملة في عيادات الأطباء، أو المصارف، أو غيرها.

ومبادرة (تبادل الكتب المقروءة)؛ يبسط الشباب الكتب التي قرؤوها أمامهم، ليستبدل كل منهم كتابه المقروء بآخر يختاره.

وفي اتحاد الناشرين السوريين، قام مشروع (خذ الكتاب بقوة) بتقديم كتيبات مجانية؛ مدعومة من بعض الناشرين ورجال الأعمال، لمن يتعهد بقراءتها، وتقديمها بعد فراغه منها لصديق يحثه على قراءاتها؛ في محاولة لبناء مجتمع قارئ، وتم توزيع مئات آلاف النسخ ضمن هذا المشروع.

أما عن أزمة القراءة وسبل الخروج منها، فأغلب ظني أن ثورة المعلومات وعصر المعرفة الذي نعيش، سوف يتكفل بتجاوز الأزمة التي أفرزتها مناهجنا التربوية، وأنظمة الرقابة الأحادية على الفكر؛ ليتحرر الحرف والكلمة والكتاب من سائر القيود والحدود، وسوف تسال المعلومات إلى الإنسان كما يسال الماء والكهرباء، ولن يكون الكتاب يومها خير جليس للإنسان، لأنه سوف يكون هو ذاته الإنسان.

*ـ  كيف تجد إنجازات اتحاد الناشرين السوريين حتى الآن، وأنتم على أبواب انتخابات جديدة؟!

كانت هذه هي الدورة الأولى لاتحاد الناشرين السوريين؛ بذل المكتب التنفيذي خلالها جهوداً كبيرة لتحقيق الأهداف التي عهد بها إليه قانونه الصادر برقم 14 لعام 2005.

كان في مقدمتها اضطلاعه بأعباء الترقيم الدولي للكتاب ISBN الذي تفرد به بين اتحادات النشر العربية، والذي سيفضي إلى رصد حركة الكتاب السوري، وتقديم البيانات الوافية عنه، وكذلك إصداره الوراقة السورية لهذا الغرض، واهتمامه بترسيخ اليوم العالمي للكتاب في ذاكرة الأجيال، وإقامة معرض ربيع الكتاب 7-17 نيسان كل عام. إلى جانب خدماته الاعتيادية الرتيبة التي يقدمها لأعضائه الناشرين. 

 

*ـ  حقق معرض ربيع الكتاب لاتحاد الناشرين السوريين في دورته الأولى 2010 نجاحاً كبيراً وقد تأجلت دورته الثانية التي كان من المقرر إقامتها من 7 إلى 17 نيسان بسبب الأحداث الأخيرة.. حبّذا لو تحدثنا عن خصوصية هذا المعرض والهدف منه؟

أردنا لمعرض ربيع الكتاب أن يكون عرساً ثقافياً بامتياز، فللثقافة عندنا مفهوم أوسع من العلم والمعرفة.. إنه عادات وتقاليد وقيم وأخلاق تستقر في ضمير المجتمع وتطبع سلوك أفراده وتصرفاتهم وتضبط نشاطاتهم وإبداعاتهم وتميزهم عن ثقافات المجتمعات الأخرى، تعبّر عنها فنونهم واحتفالاتهم وقصصهم وحكاياتهم وسائر مظاهر حياتهم إلا أن الظروف الصعبة التي نمر بها حالت دون إقامة هذه الدورة حتى الآن.. أما أهداف هذا المعرض فيمكن تلخيصها بما يلي:

1-ترسيخ اليوم العالمي للكتاب في 23-4 من كل عام في ذاكرة المجتمع أسوة بأعياد الأم والحب والمعلم.

2-ربط الكتاب والثقافة بحدثين تاريخيين بارزين في حياة أمتنا هما 7 و17 نيسان من كل عام.

3-الإسهام في بناء مجتمع قارئ يرمم الفجوة في إنتاج الكتاب وقراءته التي تظهرها تقارير التنمية البشرية بيننا وبين الشعوب الأخرى.

4-تلبية أشواق المجتمع العربي السوري للكتاب والعودة إلى عالم القراءة التي أكدها الإقبال الشعبي غير المتوقع على معرض ربيع الكتاب الأول.

5-توثيق الصلة المباشرة بين الناشرين وبينهم وبين الجمهور القارئ وتنمية ثقتهم بأنفسهم وباتحادهم وبالرسالة الثقافية التي يضطلعون بها.