تخطي إلى المحتوى

كتاب الصين المقدس

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $10.00
السعر الأصلي $10.00 - السعر الأصلي $10.00
السعر الأصلي $10.00
السعر الحالي $8.00
$8.00 - $8.00
السعر الحالي $8.00
يعتبر كتاب " التاو " أهم الكتب المقدسة في الصين على الإطلاق؛ ويذهب الكاتب إلى اعتباره أهم كتاب ديني بعد القرآن والإنجيل؛ فقد تناوله منذ آلاف السنين الباحثون بالبحث والمترجمون بالترجمة، وقد اثر هذا الكتاب كثيرا في كل أديان الشرق الأدنى، بما فيها البوذية والطاوية والكونفوشيوسية والشنتوية. كما تبنت هذا الكتاب عدة مدارس غربية. وقد قام الكاتب بترجمته ، للمرة الأولى، للغة العربية، ليطلع المفكرون العرب على أسراره لفهم عقلية ودين وفلسفة جزء كبير من البشر عبر آلاف السنين..

المؤلف
التصنيف الموضوعي
806 الصفحات
24×17 القياس
2016 سنة الطبع
9789933360009 ISBN
0.5 kg الوزن
أمازون رابط النسخة الإلكترونية على أمازون
نيل وفرات رابط النسخة الإلكترونية على نيل وفرات

مقدمة كتاب الصين المقدس لم يستطع أحد أن يجيب عن سؤال: أين أنبياء الصِّين واليابان والشَّرق الأقصى؟ نحن نعرف قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} [غافر: 40/78] ، فمن هم أنبياء هؤلاء الأقوام؟ نحن نعرف كثيراً عن أنبياء منطقتنا المدعوَّة اليوم بالشَّرق الأوسط، من خلال الكتب المقدَّسة للأديان السَّماوية الثَّلاثة المعروفة، ولكنَّنا لا نعرف شيئاً عن أيّ أنبياء غيرهم في مناطق جغرافيَّة مختلفة! والمشكلة تزداد عندما نعرف أن تاريخ الصِّين واليابان موثَّق إلى حدٍّ كبير منذ آلاف السِّنين، من خلال عدَّة مؤلَّفات تاريخية، ولكن لا يوجد ذكر في هذا التاريخ لأيِّ نبيٍّ بالمفهوم الذي اعتاد عليه المسلمون، وبالشَّكل الذي يمكِّنهم من القول صراحة: إن هذا المصلح أو ذاك أهو نبيٌّ أم لا؟ والوثنيَّة الواضحة لمعظم الأديان القديمة السائدة في الشرق الأقصى، أدت إلى رفض كلِّ ما لديهم واعتباره شرك وضلال؛ مما أدى إلى إبقاء أدبيات وطبيعة تلك الأديان مجهولة لدى المسلمين إلى حدٍّ كبير، ولم يجرؤ إلا قلَّة من الباحثين المسلمين على محاولة دراسة كتب وفلسفة تلك الأديان؛ خشية أن ُيتَّهموا بأنهم قد ابتعدوا عن الصِّراط! ولم يحاول أحدٌ معرفة فيما كانت هذه الأديان قد بدأت؛ وثنيَّة منذ الأصل، أم أنها كانت ديناً سماوياً ثم حُرِّفت تدريجياً، لتصل إلى درجة كبيرة أو صغيرة من الشرك والضلال؟ هذا الكتاب جاء كمحاولة لحلِّ جزءٍ من هذه التساؤلات. مفهوم الله جل جلاله هو مفهوم مجرَّد مطلق (التَّنزيه)، يُبنى على أساس من الوحدة المطلقة (التوحيد)، ولكن من الصعب على الإنسان أن يعبد ما لا يرى، ومَن ليس كمثله شيء، لوجود نزعة عند الإنسان تميل للتشبيه أو التمثيل أو الترميز. فالعقل والروح قبل أن يصلا إلى مرحلة النضوج والتهذيب، ينزعان إلى وضع رموز تشير إلى الإله المعبود؛ ليَسهُل على الإنسان تصوُّره وعبادته والاتصال به، ومع الوقت ينسى الناس أن الرموز تشير إلى الإله المعبود، ليسهل عليهم تصوره وعبادته، وينسى الناس أن الرموز رموز لا قيمة لها، وتبدأ عبادة هذه الرموز والصور، كأنها هي الإله، ليصل الناس بعد ذلك إلى مرحلة تصور الألوهية بشكل مادي مكثف، وهذه هي الوثنية ذاتها. فتركيب العقل البشري يصعب عليه استيعاب أو فهم التجريد، ويحنو إلى التمثيل والتشبيه لتسهيل الاستيعاب. كذلك توجد عند الإنسان نزعة أخرى تدعوه إلى تجزيء الواحد أو الكل أو الشامل؛ ليتمكن من استيعابه، فالعقل وآلية التفكير فيه تفضِّل دوماً التعامل مع أجزاء يسهل التعامل معها، وفكرة الإله الواحد المهيمن المحيط، عقيدة التوحيد، تحتاج إلى نضوج فكري كبير لاستيعابها؛ لذلك نرى أن الإنسان يحنُّ ليس فقط إلى ترميز وتمثيل الإله المجرد، بل هو كذلك يسعى إلى تجزيء وحدانية الألوهية، بادِّعاء وجود آلهة كثيرة مما يصل به إلى الشرك الكامل. إن نزعتي الترميز والتجزيء؛ هما من أهم الأسباب الفكرية التي أدَّت إلى تشويه نقاء الرسالات السماوية، أينما كانت وفي أي وقت جاءت. كذلك يجب أن لا ننسى عامل المصلحة والمنفعة وحبّ الدنيا والحكم والتنافس، خاصة من قِبَل القادة والكُهَّان، والتي أدت أيضاً إلى تشويه نقاء الرسالات السماوية بعدة وسائل. يقول المسلمون اليوم: إن كل الرسالات السماوية قد شوِّهت وحرِّفت، ولم يعد باقياً سوى رسالة محمد ? كدين حنيف نقي من الانحرافات. هذا صحيح طبعاً، ولكن الواقع العملي للمسلمين اليوم يشير إلى أنهم هم أيضاً قد شوَّهوا وحرَّفوا وابتعدوا كثيراً عن دينهم الحنيف الحق. الحمد لله جل جلاله على قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} [الحجر: 15/9] ، فهذه ضمانة للمسلمين على أنه رغم واقعهم التطبيقي السيئ والمحرَّف للدين الحنيف؛ فإن الله جل جلاله قد حفظ أصل هذا الدين ومبادئه، من خلال حفظه لأدبيات ونصوص هذا الدين في القرآن والسنة المشرفة، ومن خلال سيرة الصحابة الطاهرين والعلماء الصادقين. لكن الحفاظ على النصوص هو أسهل أنواع الحفظ، فالمهم هو حفظ التطبيق الصحيح، وضمانة هذا هو قول نبينا ?: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك» أخرجه مسلم (6/ 52 - 53)، وأبو داود (2/ 202)، والترمذي (2/ 36)، وابن ماجه (2/464 - 465)، وأحمد (5/278 - 279). وهو حديث صحيح؛ مما يؤكد لنا الحفظ التطبيقي لهذه الرسالة، من خلال بعض الأشخاص ولو كانوا قلَّة، وهم المعول عليهم في حفظ هذا الدين وإعادة المسلمين لسواء الصراط، وتخليصهم من الضلال والانحراف. إن النزعة التجزيئية لدى الإنسان، والتي أدَّت دوماً إلى النزوع إلى الشرك، قد اتَّخذت شكلاً آخر عند بعض المسلمين، وذلك بنسيانهم في حياتهم العملية أن الله عز وجل هو الفاعل الأوحد لكل أمر، وباتِّكالهم على الأسباب والتعامل معها، وكأنها هي فاعلة ومؤثرة بذاتها، وربما نستطيع أن نقول: إن هذا هو الشرك الأصغر. أما نزعة الترميز والتمثيل لدى الإنسان فقد أوصلته إلى الوثنية، فإنها عند المسلمين اتخذت شكل تقديس بعض الرموز المادية أو الشخصية إلى حدّ زائد. ومن أمثال هذا عبادة الأولياء التي وصلت أحياناً إلى درجة الوثنية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم. من المهم أن أضيف أيضاً إلى أن النزعة التجزيئية أيضاً قد اتخذت شكلاً آخر في العصر الحديث، وذلك بفصل الدين عن الحياة - فكثير من المسلمين يؤدُّون فرائضهم بشكل ظاهري، ويُؤمِّنون لهم بذلك طلاءً برَّاقاً من التقوى يخدعون فيه أنفسهم وغيرهم، ولكنهم في حياتهم العملية هم بعيدون كثيراً عن الدِّين الحق في بيعهم، في مواعيدهم، في أمانتهم، في أعمالهم، وفي كلامهم، وذلك ربما لاعتقادهم أن الدين ينحصر فقط في ممارسة الشعائر، وبذلك يستطيعون إرضاء ربهم وضمان الجنة والنجاة من النار من خلال ركعات، أما باقي نواحي الحياة فليس لله جل جلاله علاقة مباشرة بها، وهذا ممَّا أدى إلى زيادة سوء الواقع العملي للمسلمين إلى حدٍّ كبير، وما هذا إلا شكل واضح من أشكال تحريف الدين الحنيف، ولكن مع الإبقاء الظاهري على مبادئ التنزيه والتوحيد.وبما أنه أتيح لي أن أعيش طويلاً في اليابان، فإنَّني أستطيع القول: إن التحريف والتشويه للدين الأصلي الذي لديهم كان من خلال تحريف مبادئ التنزيه والتوحيد الأساسيين لكلِّ دين سماوي؛ فاليابانيون قد حرَّفوا الجانب العبادي والاعتقادي، أما الجانب العملي فإنَّني أجرؤ على القول بأنهم قد حافظوا عليه دون تحريف أكثر من المسلمين إلى حدٍّ كبير، فهم مخلصون في عملهم، صادقون في وعودهم، متفانون في حبِّ أوطانهم، يتفاهمون ويعملون بشكل جماعي رائع، وهم على درجة جيدة من التضامن الأُسَريِّ الاجتماعي، وهذا مكَّنهم من تحقيق نجاح كبير على مستوى الحياة المادية. ذلك على الرغم من أن تحريف معتقداتهم الأصلية أفقدهم طلاء التقوى الشعائري؛ الذي تمسَّك به بعض المسلمين الذين نسوا أن التقوى هي تقوى الحياة كلها، وليست تقوى العبادات والمظاهر فقط، نسوا قول رسول الله، ?: «الدين معاملة»، وكذا قول الله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 107/1-7] ؛ فالتكذيب بالدين ليس تكذيباً لوحدانية الألوهية أو تنزيهها، بل هو ظلم لليتيم، ومنع للخير عن المسكين، وكذلك فالسهو عن الصلاة ليس هو تركها، أو التفكير بغير الله تعالى فيها، بل هو النفاق في الحياة، ومنع المحتاج عن حاجته، وهذا حقيقة هو معنى السهو الحقيقي عن الصلاة. المسلمون ظنوا أن تكذيب الدين هو فقط أن نكون مشركين، أو أن نهدم ممارسة العبادات، وظنوا أن ترك الصلاة هو السهو فيها، أو عنها فقط، في تجاهل واضح أو عدم فهم للسورة القرآنية السابقة الصريحة. والشواهد الأخرى كثيرة، لكن هدفي ليس عرض الموضوع، بل برهنته لإجراء مقارنة سريعة بين حالنا وحالهم من أجل نقض ذاتنا ومعرفة مرضنا، حتى نستطيع تشخيص العلاج، والله ولي التوفيق. تحليلي السابق بالإضافة إلى قناعتي بأنه لا يمكن شرح الإسلام لأهل تلك البلاد بدون فهم عقليَّة وروحانيَّة أهل البلاد ذاتهم؛ الأمر الذي يتضمن فهم دينهم وفلسفتهم وكتبهم، مما دعاني لمحاولة قراءة بعض نصوصهم الأصلية المقدسة لمختلف أديانهم، لعلِّي أكتشف فيها شيئاً مفيداً لنستفيد منه في دعوتهم لطريق الله الصحيح. وأتاحت لي فترة إقامتي الطويلة في تلك البلاد أن أفهم تاريخهم ومجتمعهم، وأربط ذلك باعتقاداتهم وبطريقة تفكيرهم. وقادتني دراستي ومحاولة فهمي لهم إلى قراءة أحد أهم كتبهم المقدسة على الإطلاق؛ والذي يعتبر اليوم أهم كتاب ديني بعد القرآن والإنجيل؛ فقد تناوله منذ آلاف السنين الباحثون بالبحث والمفسِّرون بالتفسير والمترجمون بالترجمة، رغم صغر حجمه، حتى أصبحت المؤلَّفات التي حوله تملأ مكتبات بأكملها! وقد أثر هذا الكتاب كثيراً في كل أديان الشرق الأدنى، بما فيها البوذية والطاوية والكونفوشيوسية والشنتوية. ومنذ نحو مئة عام بدأ اهتمام الكتَّاب الغربيين بهذا الكتاب، وأثَّر تأثيراً كبيراً في حياة شخصيات فكرية غربية مشهورة أمثال تولوستوي وغيره. وتبنت هذا الكتاب عدة مدارس غربيَّة، والغريب هنا أن بعض الرهبان الصينيين القدامى قد تنبؤوا بأن الغرب سيبدأ بالاهتمام بهذا الكتاب في القرن التاسع عشر، وأنه سيذيع صيته كثيراً بعد ذلك، وبالفعل فقد صدقت نبوءتهم رغم أنهم قالوا ذلك قبل مئات السنين. وقد فكَّرت بأن ترجمة هذا الكتاب للغة العربية، وبمنطق مفهوم للقارئ المسلم العربي، وبمصطلحات إسلامية تعكس بالفعل حقيقة المعنى حسب ما فهمناه ووعيناه؛ أعتقد أن محاولتي المتواضعة أمر هامٌّ يميط اللثام عن أسرار هذا الكتاب؛ ليطَّلع المفكِّرون المسلمون والعرب عليه ليكتشفوا الأثر الذي صاغ حياة مئات الملايين من البشر منذ عصور سحيقة.


يعتبر كتاب " التاو " أهم الكتب المقدسة في الصين على الإطلاق؛ ويذهب الكاتب إلى اعتباره أهم كتاب ديني بعد القرآن والإنجيل؛ فقد تناوله منذ آلاف السنين الباحثون بالبحث والمترجمون بالترجمة، وقد اثر هذا الكتاب كثيرا في كل أديان الشرق الأدنى، بما فيها البوذية والطاوية والكونفوشيوسية والشنتوية. كما تبنت هذا الكتاب عدة مدارس غربية. وقد قام الكاتب بترجمته ، للمرة الأولى، للغة العربية، ليطلع المفكرون العرب على أسراره لفهم عقلية ودين وفلسفة جزء كبير من البشر عبر آلاف السنين..


لم يستطع أحد أن يجيب على سؤال أين أنبياء الصِين واليابان والشَّرق الأقصى؟! نحن نعرف قوله تعالى: ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ ? [غافر: 40/78] فمن هم أنبياء هذه الأقوام؟ نحن نعرف كثيراً عن أنبياء ما يدعى اليوم بالشَّرق الأوسط؛ من خلال الكتب المقدَّسة للأديان السَّماوية الثَّلاثة المعروفة، ولكنَّنا لا نعرف شيئاً عن أي أنبياء غيرهم في مناطق جغرافيَّة مختلفة! والمشكلة تزداد عندما نعرف أن تاريخ الصِّين واليابان موثَّق منذ آلاف السِّنين، من خلال عدَّة مؤلَّفات تاريخية، ولكن لا يوجد أي ذكر فيها لأيِّ نبيٍّ بالمفهوم الذي اعتاد عليه المسلمون، وبالشَّكل الذي يمكِّنهم من القول صراحة إن هذا المصلح أو ذاك هو نبيٌّ؟ الوثنيَّة الواضحة لمعظم الأديان القديمة السائدة في الشرق الأقصى؛ أدت إلى رفض كلِّ ما لديهم، واعتباره شركاً وضلالاً، مما أدى إلى إبقاء أدبيات وطبيعة تلك الأديان مجهولة لدى المسلمين إلى حدٍّ كبير، ولم يجرؤ إلا قلَّة من الباحثين المسلمين، على محاولة دراسة كتب وفلسفة تلك الأديان خشية من أن يُتَّهموا بالابتعاد عن الصِّراط! ولم يحاول أحدٌ معرفة ما إذا كانت هذه الأديان قد بدأت وثنيَّة منذ الأصل؛ أم أنها كانت ديناً سماوياً ثم حُرَّفت تدريجياً لتصل إلى درجة كبيرة أو صغيرة من الشرك والضلال. هذا الكتاب جاء محاولة للإجابة عن جزءٍ من هذه التساؤلات. إنه نتاج جهد وتأمل وبحث استمر سنين طويلة تمكنا بعدها من ترجمة أهم كتاب مقدس في الشرق الأقصى؛ إلى لغة ومصطلحات يفهمها القارئ العربي؛ على وجه أقرب لما أراده المؤلف الأصلي لهذا الكتاب. وهذا الكتاب احتل مكانة دينية وفلسفية عالية عبر ثلاثة آلاف عام، لأكثر من ثلث سكان المعمورة. أفلا يهمنا بعد ذلك أن نقرأه لنفهم عقلية ودين وفلســـفة جزء كبير من البشرية عبر آلاف السنين؟!


الخاتمة هذا الكتاب المقدس يمثل جانب البعد الروحي والفلسفي للمنهج؛ إنه الباطن الذي تفهمه وتُعنى به الخاصة، وهو موجَّه إليها. أما علم الظاهر فكان من نصيب كونفوشيوس الذي درَّسَ الشريعة للعامة. إن لاوتزو وكونفوشيوس يمثلان علم الباطن وعلم الظاهر للمنهج الذي اختاره الله عز وجل للإنسان في ذلك الوقت والمكان. إنهما يعكسان في تعاليمهما الآية القرآنية: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 4/36] ، نجد هذا التقسيم بين هذين الوجهين المتلازمين للمنهج منعكساً في قصة النبي موسى والخضر، عليهما السلام، فعبارة الخضر عليه السلام: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}؛ هي نفس العبارة التي كان يرددها لاوتزو حين كان يلتقي بكونفوشيوس. نفس القصة تتكرر بين ابن رشد والشيخ محيي الدين بن عربي، وبين الناسك الفضيل بن عياض وهارون الرشيد. يبدو أنه كان لابد من هذه التجزئة التكاملية الانعكاسية للعالَمَينِ لتحقيق قانون القطبية الثنوية الكوني؛ لأن هذا هو ما يلائم الإنسان وطبيعته في كل دقائقها. إن قصة الخضر - عليه السلام - مع موسى نبي الله وكليمه، قصةٌ مغرقة في الرمزية، ولها معانٍ عظيمة يجب أن نتبحر فيها ونختتم فيها هذا الكتاب. قصة الخضر لها علاقة مباشرة، وتثبت كثيراً، ما تطرقت إليه في ترجمتي للكتاب السابق. هذه القصة تمثل قصة لقاء بين منهجين إلهيين متقابلين في الصلة مع من خلق؛ فالمنهج الذي يُمثله موسى عليه السلام، والذي يمثل أقوى وأظهر علاقة مباشرة بين الله - عزّ وجلّ - وبين مخلوقاته المكلفة، وذلك بالحديث المباشر معهم في كل وقت يقتضيه ذلك {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 4/164] . والمنهج الآخر هو منهج الخضر - عليه السلام - والذي يمثل الوجه الآخر للصلة؛ وهو منهاج الإيحاء والإلهام الباطنيين دون وجود ظهور مباشر للذات الإلهية، أو لأي وسيط من الملائكة الكرام، وطبعاً يوجد بين هذين النوعين من الصلة الإلهية بمخلوقاته مراحل أخرى كثيرة، ولكن ورود ذكرهما في سورة الكهف جاء بحالته الحدية القطبية لإظهار حقيقة أنهما مذهبا {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 92/1] (الخضر)، {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 92/2] (موسى)، {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 93/3-5] ؛ فنستنتج من آية {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 93/3] أن ما سبقها يتحدث عن أنواع الصلة بين الله - عز وجل - وبين عباده، ورموز الليل والنهار الواردة في القرآن الكريم دوماً لها معانٍ باطنية عميقة بالإضافة إلى معانيها الظاهرة المعروفة. وإذا قمنا بالتعمق في قصة الخضر وموسى - عليهما السلام - {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 18/60-62] ؛ فبتركيز شديد أقول: إن مجمع البحرين هنا إشارة إلى مكان الصلة بين عالَمَين مختلفَين من عوالم الصلة مع الله - عز وجل - عالم الصلة المباشرة، وعالم الصلة غير المباشرة؛ اللذين يمثلهما موسى والخضر، عليهما السلام، ونقطة لقائهما هي نقطة اجتماع البحرين. أما الحوت فهو رمز للمعرفة الإنسانية القائمة على المنطق والعقل والشريعة، وأنه لابد من نسيانهما في مثل هذا اللقاء الأسطوري بين قطبي الباطن والظاهر، واتخاذ الحوت لسبيله في بحر الظاهر سرباً دليل على أن لكل بحرٍ وجود مشروع، ولا يلغي أحدهما الآخر، وليس أحدهما بأفضل من الآخر. ومحاولة الشيطان أن يُنسي الفتى أن يذكر لموسى - عليه السلام - أنه في مكان مجمع البحرين إشارة إلى أنه لابد من نسيان علم الظاهر حتى يحدث اللقاء، وهذه محاولة من الشيطان لإفساد هذا اللقاء الأسطوري بين العالمين. أما الصخرة فهي رمز للدنيا وشهواتها وللنفس وأهوائها، وأنه حين يأنس الإنسان بهما ويأوي إليهما؛ فهو بذلك ينسى مبادئ علم الظاهر {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 45/34] . وحين يحدث اللقاء الأسطوري بين القطبين، عند مجمع بحرَي الصلة الإلهية، يقول قطب الباطن لقطب الظاهر: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: 18/67-68] ؛ فيجيبه قطب الظاهر: سأحاول أن أصبر {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 18/69] ، والإمامة في لقاء القطبين هي لعالم الباطن وليس لعالم الظاهر، وهذا له أهمية كبرى في فهم الكون وحكمته، وفي حال اجتماع العالمين بعضهما مع بعض؛ فيجب عدم الاعتراض من عالم الظاهر على عالم الباطن مهما حصل {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} [الكهف: 18/70] ، ولكن حين ينفد صبر عالم الظاهر يحدث الفراق، وحينها: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 18/78] ؛ لأن الإنباء بسر عالم الباطن هو نقله من عالم الباطن إلى عالم الظاهر، وهذا يجب ألا يحدث أصلاً، إلا حين حدوث الافتراق بين العالمين؛ فالإنباء تغيير مباشر لقوانين عالم الباطن التي لا إنباء فيها. أوردت السورة ثلاث حالات بشرية - كونية تعتمد في اختلافها على عامل الوعي وأنواعه: أولاها: قصة السفينة التي ترمز للتخلي عن سننية عالم الأسباب الظاهرة؛ أي تجاوز ما هو محيط بالنفس من وهم الظاهر العقلي {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 54/3] ؛ أي تجاوز حجاب الاستقرار الظاهر للنواميس والميزان لوعي حقائق أسمى. وثانيها: قصة الغلام التي ترمز للتخلي عن النفس بقتلها حتى تصفو «موتوا قبل أن تموتوا» الحديث، أو القول المشهور، وذلك حتى يزول حجاب الأنا، ويصفو القلب ليعكس الحقائق الكلية العليا، وحينها سيسع هذا القلب عرش الرحمن حسب الحديث القدسي «لم تسعني السموات والأرض ووسعني قلب عبدي المؤمن». وثالثها: قصة الجدار التي ترمز إلى التخلي عن كل العلائق بين المحيط وبين النفس؛ أي بأن لا يكون لنا علاقة مع أحد من الخلق مهما كان، وأن يكون اعتمادنا فقط وفقط على خالق الأكوان والأسباب، وعند تجاوز هذه المرحلة الأخيرة يصل السالكون إلى التجلي والمعرفة اللدنِّية، {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 42/13] . وما كتابنا الذي نحن بصدده الآن إلا عرضاً مشابهاً للحقائق السابقة، ولكن بلون مختلف مع توحد النهايات والأهداف. وعالم الباطن له ثلاثة أنواع من الصلة الإلهية، مشار إليها في كلام الخضر عليه السلام: (فأردت) للسفينة، و (أردنا) للغلام، و (فأراد ربك) للجدار. فتوجد إرادة ذاتية وإرادة مشتركة وإرادة إلهية، وهذا لا يفهمه حقّ فهمه إلا من كان له حظّ في عالم الباطن. ونلاحظ هنا أنه مع قصة الجدار، عندما كانت الإرادة الإلهية منفردة، حصل الافتراق {هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 18/78] ، والذي قرر الفراق هنا هو قطب الباطن لأنه الأمير، ولأنه علم أنه لم يعد هناك صبر من قطب الظاهر عليه، ولأن الحكمة من القصة قد انتهت واتضحت بكل أبعادها، فلم يعد هناك حاجة للمزيد، فكل المعاني والصلات قد بانت. وأقول هنا أن عدم ذكر أنبياء الصين واليابان وكوريا وغيرها، في القرآن الكريم، حدث بشكل مباشر؛ لأنهم كانوا يعتمدون في طريقة الصلة بهم على القطب الباطن؛ الذي لا فائدة من إظهاره للقطب الظاهر {هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 18/78] ، فالكل متوحد في النهاية والمآل والهدف، ولكن له طريقة خاصة ألهمها في الرجوع إليه جل جلاله، قد اختارها الله له {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 5/48] ، فالاختلاف ليس فقط بالشريعة؛ بل بالمنهج الذي ليس سوى طريقة الصلة به جل جلاله. وجاءت قصة اجتماع البحرين، في سورة الكهف، لتوضح ماذا يحدث عند لقاء العوالم، حيث لا يفهم أحد على أحد لاختلاف الوعي والأهداف، فتأملوا يا أولي الألباب لعلكم تعقلون. إن آية {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 31/20] - تدل على أن نعم الله - عز وجل - على الإنسان نوعان؛ نوع من الممكن إظهاره، ونوع باطن لا يمكن إظهاره. وهل من نعمة أكبر من نعمة صلة الله - عز وجل - بعباده المصطفين؛ منهم من تظهر له الصلة بشكل واضح، ومنهم من تأتيه بشكل باطن لا يمكن إظهاره، وهذه هي حال سيدنا موسى وحال سيدنا الخضر - عليهما السلام -. وفي الختام أدعو الله - عز وجل - أن يتقبل هذا العمل، ويجعله في صحائفي، وأستغفره من كل خطأ أو ذنب اقترفته، راجياً منه القبول. وأختم بقول الشاعر الذي يلخص بأبياته كل ما سبق: والله ما طلعت شمس وما غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولا خلوت إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيال منك في الكأس ولو قدرت على الإتيان جئتكم سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس ما لي وللناس كم يلحونني سفهاً ديني لنفسي ودين الناس للناس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الدكتور المهندس مسلم سقا أميني