يبحث الكتاب فيموضوع الحوار في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وكيف كان يدعو الناس ويتعامل معهم على اختلاف طبقاتهم وعقائدهم.حيث يفرض الحواراليوم نفسه كعلم مستقل وكفنّ قائم بذاته له آدابه وحدوده وشروطه ونتائجه وهو غير موجود كعلم في تاريخ العلوم الإسلامية لكنه مبثوث في ثنايا السيرة وأسفار التاريخ كأي علم آخر تطور وتدرج في مراحله حتى صار علما قائما بنفسه كعلم التاريخ وأصول الفقه وعلم القراءات مثلا .
الحوار حول آدم عليه السلام بين الله تعالى والملائكة؛ كان قبل خلق آدم نفسه.. ثم جرّ هذا الحوار إلى طاعة الملائكة المطلقة، وتمرّد إبليس الذي طال حواره!! هذا الكتاب يجنح إلى حوار من نوع آخر.. حوار النبي صلى الله عليه وسلم على مدى حياته مع من حوله، وهو على أنواع؛ حوار مع الأقرباء.. وحوار مع المؤمنين من الصحابة كل بحسب مستواه؛ شباباً وعجائز ونساء وصغاراً، وحوار مع اليهود، وحوار مع الخصوم والمشركين!! والحوار النبوي عموماً منهج سديد؛ يتعلم المؤمن وغير المؤمن منه طريقة مناقشة الآخرين، والتفاعل معهم، وعرض الحجج للوصول إلى الحق، وإقناع الطرف الآخر، وبيان ما قد يلتبس عليه!! أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم.. وبهذا تفوق النبي صلى الله عليه وسلم، فكان حواره الذروة التي لحق بها كبار الصحابة؛ حين فتحوا العالم القديم!!
يحاول هذا الكتاب تقديم نماذج تاريخية تعكس سماحة الإسلام وانفتاحه على الآخر دون تشدد؛ متمثلة في مواقف رسول الله ? مع شتى فئات الناس واتجاهاتهم إذ إن الاختلاف طبيعة في الإنسان وفطرة فيه. ينقسم البحث إلى عشرة فصول متسلسلة غالباً حسب المراحل التاريخية: بدأ المؤلف بالتعريف بالحوار، ثم ذكر مشاهد من حواره ? مع أقربائه وخصومه من أهل مكة، ثم قدم صوراً لحواراته مع أهل الكتاب. ثم عزز البحث بحوارات من مرحلة المدينة، وكيف كان ? يعامل أصحابه في تلك المرحلة التي تميزت بميزة العفو عند المقدرة؛ كعفوه عن عمير بن وهب الذي أراد قتله، أو كعب بن زهير الشاعر الذي جاءه تائباً. وتميز الفصل الخامس بمحاوراته ? مع يهود المدينة، ثم في الحديبية، ثم مراسلاته ? مع الملوك والزعماء ثم مع المنافقين. وكان أجمل تلك المواقف -حين فتح مكة - عفوه ? عن خصوم الأمس الذين أرادوا قتله مراراً، بل زحفوا على المدينة في أُحد والأحزاب ليقضوا عليه وعلى دعوته، ثم عفوه عمن أساء إليه كهبار بن الأسود الذي أساء لابنته زينب، وفضالة الذي عزم على قتله ? ، وابن الزبعرى الشاعر الذي كان يسيء للمسلمين. لم يكتف المؤلف في كل ذلك بتقديم الرواية التاريخية، بل علق عليها، منبهاً إلى جوانب الحوار النبوي التربوي بأنواعه المتعددة، مشيراً للحكمة النبوية التي تجعل الحوار يصطبغ بالموقف ويتوافق معه؛ ليضع النبي ? بذلك اللبنات الأولى للمجتمع المسلم؛ وليكون مثالا يحتذى للأجيال القادمة.