وهنا تكمن المشكلة التي تواجه الإدارات الاقتصادية في معظم الدول النامية في العودة إلى اقتصاد السوق مباشرة دفعة واحدة، هي عدم إمكانية تلاؤمها النفسي مع هذا النوع من الاقتصاد الذي طالما رفضته فكرياً ونفسياً، بل ودأبت لمدة ثلاثة أو أربعة عقود من الزمن على رفضه باعتباره رمزاً لكل ما هو مقيت نفسياً وغير عادل، إن هذه المشكلة بالضبط هي التي حفزت الأمم المتحدة على عقد ندوة حول التخصيص في البلدان العربية في الكويت في شهر شباط 1989، ونشرت مجلة الاقتصادي الكويتي التي كانت تصدرها غرفة تجارة وصناعة الكويت موجزاًعن الآراء التي توصلت إليها الندوة وكانت في الواقع آراء في غاية التطابق مع الواقع والحقيقة، إلا أن التخصيص بمختلف مفاهيمه كدفع القطاع الخاص إلى النماء على حساب سائر القطاعات الاقتصادية الأخرى، واعتباره العمود الفقري للاقتصاد بدلاً من القطاع العام والمشترك، وإعادة مؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص عن طريق البيع، وفتح الأبواب على مصاريعها للاستثمار الخاص، بغض النظر عن جنسيته، لم تستطع حتى عام 1998 أية دولة عربية من الدول التي كانت من أنصار القطاع العام كقطاع رائد ورئيسي سوى مصر ولحد ما الاردن والمغرب وتونس أن تفعله رغم مرور أكثر من عقدين من الزمن على بدىء التفكير به بصوت عال، لقد كان ولا يزال بالنسبة لمعظم الدول النامية قفزة نوعية كبيرة لم تستطع الضغوط الدولية الكبيرة في دفعها إليها، وهذا هو بالضبط ما توصل اليه الأستاذ التركي نوري إيرين في بحث نشره عام 1993 في جريدة ديلي نيوز التركية تحت عنوان الاستثمار الأجنبي حيث أنه لا يمكن للدول النامية التي بنت اقتصادياتها على أساس فلسفة اقتصادية معينة كالماركسية والاشتراكية أن تقيم اقتصاد سوق دون التعرض لكثير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزعجة . و المشكلة أن الأنجلو ساكسون واليونان والإيطاليون شعوب تجارية الطابع، والألمان واليابانيون شعوب صناع وتجار، وكل هؤلاء ألفوا اقتصاد السوق وعاشروا معظم تاريخهم مزاياه كماوتعايشوا مع سيئاته، بل وحاولوا بشكل أو بآخر تحسينه وتطويره، أما الشعوب التي كانت تعيش في أفريقيا والشرق الأوسط في أوضاع أقرب إلى البداوة والرعي والذي يمثل فيه التاجر ومعه التجارة أيضاً كل ما في هذه الدنيا من استغلال وجشع وقهر، فإن اقتصاد السوق الحرة يبدو لمعظم هذه الشعوب رغم مرور كل هذه السنوات التي سيطرت فيه النخب الريفية الأصل مجرد سيطرة للمدينة المتخمة على حساب ريف فقير مقهور ومستغل، ولا تثير فيها - مجرد الإشارة إلى اقتصاد السوق - إلا كل لواعج الألم والشكوى والتذمر التاريخي بالاضافة لكل مشاعر الحسد وان شئت فسمه مشاعر الحساسية التقليدية .
عانت تجارب التنمية العربية جميعها ظروفاً جعلت اقتصاديات الدول العربية عاجزة أمام التحولات غير المواتية من الاقتصاد العالمي. وأصبح مطلوباً إعادة تقويم المسيرة السابقة، والقيام بإصلاحات شاملة للخروج من الأزمة، والانطلاق في تنمية اقتصادية اجتماعية شاملة.
هل الخصخصة هي الحل لكي نحقق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي؟
وما الخصخصة أصلاً؟ وما المكاسب التي يمكن أن نحققها؟ وما العواقب التي يمكن أن يتركها تطبيقها؟
كيف ينظر المفكرون الاقتصاديون والاجتماعيون للخصخصة؟..
هذه التساؤلات. والكثير غيرها، يطرحها هذا الموضوع الكبير.
في هذا الكتاب يحاول المؤلفان، وهما من الخبراء الاقتصاديين، أن يبرزا موضوعهما بأسلوب علمي موضوعي قل نظيره.
الخصخصة آفاقها وأبعادها - حوارية - د. محمد رياض الأبرش - د. نبيل مرزوق
يتناول هذا الكتاب حوارية بين خبيرين اقتصاديين في موضوع الخصخصة وآفاقها وأبعادها، ويبرزان بأسلوب علمي وموضوعي، قل نظيره، الزوايا المتعددة للخصحصة، ويكتب كل منهما بحثه وتعقيبه على بحث الآخر مستقلاً.
ويتناول أولاً تصنيف الاقتصاديين واتجاهاتهم، والفرق بين العام والخاص، وإمكانات القطاع الخاص، ومهام القطاع العام التقليدية، وأهمية القطاع الخاص اقتصادياً وغربياً ودولياً.
ويعرف الخصخصة وأسباب العودة إلى القطاع الخاص، ويعرض صعوبات الخصخصة العقائدية والفكرية والنفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ويدرس الخصخصة في البلاد العربية وأسباب مقاومتها، ويبين ما تفرضه الظروف الاجتماعية لكل دولة من تصرفات تجاه المشكلات الاقتصادية.
ويقدم ثانياً الخصخصة وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية بموضوعية وعلمية، فيعرفها ويبين أسبابها وأساسها النظري والعملي الذي تستند إليه، وكيف يتم تطبيقها.
ويوضح نشأة القطاع العام ومراحل تطوره، والعوامل المرافقة لإقامته في البلاد العربية.
ويبحث في الاستراتيجية والتخطيط والفساد البيروقراطي، وغياب المشاركة الديمقراطية والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ومنشأ النظرية الاقتصادية السائدة ومفاهيمها الأساسية، وبرامج التصحيح الهيكلي، والخصخصة، ودوافعها وأسبابها وأشكالها ومراحلها وتكاليفها ومردودها المادي ومقوماتها ونتائجها، وآثار نقل الملكية في الدول العربية.
ويورد بعد تعقيب كل باحث على الآخر، تعاريف بمصطلحات الكتاب.