تشومسكي يثبت بالوثائق أن أميركا هي أول دولة خارجة على القانون
4- ((النظرية الحمقاء)) أسلوب ردع جديد
اتفق الاستراتيجيون الأميركيون على أن انهيار الاتحاد السوفياتي قد أصاب السياسة الأميركية بحالة من فقدان التوجه، وربما كان هنتنغتون أكثرهم صراحة في الإعلان عن ذلك عبر مقالته ((تآكل المصالح الأميركية)). لكن تحليلات عديدة أكثر جرأة وواقعية كانت قد نشرت في الصحافة الأميركية دون أن تلقى اهتماماً يذكر. مع أنها قد طرحت أسئلة في غاية الحساسية والخطورة. حيث إن غالبيتها بقي حتى اليوم من دون أجوبة.
ولعل واحداً من أهم هذه الأسئلة هو السؤال عن مستقبل العلاقة الأميركية - الإسرائيلية. بعد أن فقدت إسرائيل موقعها الوظيفي بسقوط الشيوعية. فهي لم تعد قاعدة استراتيجية متقدمة في مواجهة الشيوعية. كما إنها فقدت دورها في حماية المصالح النفطية الأميركية في المنطقة. حتى يمكن القول بأنها لم تعد تجد لنفسها وظيفة في الرؤى الاستراتيجية الأميركية للمنطقة، حتى وصل الأمر ببعض المتفائلين العرب إلى الاستنتاج بأن الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة للتخلي عن دعمها لإسرائيل عاجلاً أم آجلاً. وتدعمت هذه الطروحات عندما تولى الجمهوري جورج بوش الرئاسة فراح يعمل (وفق سياسة حزبه) على تقليص النفقات وخصوصاً منها التي كانت مخصصة لمواجهة الشيوعية ومحاربتها. ورأى بعضهم في حرب الخليج الثانية محاولة أميركية لتولي شؤونها بنفسها دون وسطاء. مما يضعف موقع إسرائيل كوسيط. وبذلك استطاع بوش أن يخسر أصوات اليهود ودعم بعض أصحاب المصالح فخسر بذلك معركته الثانية للرئاسة. ليعقبه الديمقراطي كلينتون الساعي (وفق سياسة حزبه أيضاً) إلى زيادة الموارد الأميركية. وهي زيادة تجلب الصراعات. لكن كلينتتون خاض هذه الصراعات وفق مبدأ قوامه أن التهديد بالقوة أجدى وأكثر ربحية من استخدامها الفعلي. لذلك كان هذا الرئيس يسعى لتوليد الصراعات شرط أن تكون محدودة، أي أن لا تصل إلى حدود الثمن السياسي. لذلك كانت حروب كلينتون كلها رمزية ومقسطة (بالتقسيط). وهذا السلوك أدى إلى نوع من الفوضى الاستراتيجية. لأن الضحايا لا يتصرفون جميعهم وفق السلوك ذاته. فقد دفع ميلوسوفيتش مثلاً الأمور باتجاه مواجهة اقتضت القصف الجوي الدموي مع الحصار. في حين تنازل الأندونيسيون عن تيمور الشرقية دون إثارة أية مشكلات. وهكذا باتت السياسة الأميركية غامضة ومثلها الاستراتيجية. وهذا الغموض كان شديد الإزعاج بالنسبة لإسرائيل التي وجدت نفسها تتحول من شريك إلى تابع عليه تنفيذ الأوامر وأصعبها شرب كأس السلام مع جيرانها. وهو كأس لايزال كلينتون يضغط عليها كي تشربه.
لكن هذه الفوضى وجدت بعض التفسير عبر دراسة استراتيجية سرية صدرت في العام 1995م (ضمن قانون حرية المعلومات) وتسربت بعد ذلك. قوام هذه الدراسة تحويل الردع من الاتحاد السوفياتي المنهار إلى ما تسميه بـ((الدول الخارجة على القانون)). وبذلك تكون هنالك فرص عمل جديدة لأولئك المتعطلين من العمل بعد سقوط جدار برلين (ومنهم إسرائيل) كما أنه لا يعني أن الولايات المتحدة تواصل الإفادة من الأموال التي تنفقها على هؤلاء الأصدقاء! ولكن من هي الدول الخارجة على القانون؟ إنها الدول الموضوعة على لائحة الحصار الأميركي. حيث تأتي كوبا والعراق وكوريا الشمالية وليبيا (ترجمت العداوة تجاهها بعد تعديلات الناتو الاستراتيجية). ثم تليها الدول الداعمة للإرهاب وقائمتها طويلة ومتغيرة. ويمكن ضم وإخراج أعضاء جدد إلى نادي الدول الخارجة على القانون. وبذلك أعادت الولايات المتحدة ترتيب موقعها بوجود أعداء بدلاء عن العدو الذي فقدته فراحت تسعى لاهثة عن بديل له. وها هي قد وجدت ضالتها!
لكن هذا الطرح ينطوي على جانب مثير للسخرية. وهو هل يمكن للمجرم أن يتحول إلى شرطي ينفذ القانون ويتستر بذلك كي يتابع إجرامه! وكان من الطبيعي أن يتبنى نعوم تشومسكي هذا الجانب الساخر وأن يتولاه بالتوضيح. فهذه الموضوعات باتت حقل اختصاصه المميز.
وهو قد أصدر بهذا الخصوص كتاباً بعنوان: Rogue states the Role Force in World Affairs وفيه محاولة جادة وموثقة لإثبات أن أميركا هي أُولى الدول الخارجة على القانون. ولإثبات ذلك يستعين تشومسكي بالوثائق المنشورة كما بالوثائق التي أفرج عنها حديثاً فلم تعد سرية.
وكان تشومسكي قد تطرق للموضوع في كتاباته السابقة فكان ماركسياً غير مختبئ في الخزانة (أي أن ماركسيته صريحة). لكن تناوله لهذا الموضوع يختلف في هذا الكتاب من حيث مستوى الدحض. فهو كان في السابق يناصر المواقف الماركسية في وجه الآلة الإِعلامية الأميركية. أما اليوم فهو يفاضل بين المخالفات القانونية الأميركية ومخالفات بقية الدول. وهو يقارن بين هذه المخالفات وينحاز للطرف الأضعف فيها. بحيث نلمح عقائدية هذا الانحياز في مواقفه من كوبا وكوريا الشمالية. إلا أن موقفه من الدول الأخرى المصنفة أميركيا كخارجة على القانون، فهو أقل حماسة.
وينطلق تشومسكي في اتهامه للولايات المتحدة من مخالفاتها الصريحة والمتكررة للقوانين الدولية. منوهاً بزيادة حجم ووضوح هذه المخالفات في الفترة الأخيرة. فيتوقف عند ضغوطاتها على الأمم المتحدة وتدخلها المباشر في شؤون هذه المنظمة الدولية ويعرج على التدخل الأميركي في كوسوفو ساخراً من وصف هذا التدخل بأنه يعود إلى دواع إنسانية. ولا يفوته توصيف التدخل الأميركي في جنوب شرق آسيا على أنه مقدمة لمخالفات جديدة للقانون الدولي.
ويركز تشومسكي على موضوع (العراق) وأزمته الإنسانية بعد أن اتفقت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا على تصنيفه كدولة خارجة على القانون. باعتبار أنه يهدد جيرانه ومعهم العالم الحر (الجديد) وذلك بقيادة (هتلر جديد). وهذه الأمور تبرر لهاتين الدولتين الدعوة لاحتواء ذلك البلد. وهي دعوة يرى تشومسكي أنها تحتاج لإعادة النظر فيها وللتعمق والتدقيق بصحة ادعاءاتها.
وهنا يعود المؤلف إلى الدراسة الاستراتيجية المشار إليها أعلاه فيجد أنها تهدف فقط إلى تحقيق الفائدة الأميركية من توظيفاتها الاستراتيجية القديمة (أزلام الحرب الباردة) وإلى استغلال ترسانتها العسكرية والإفادة منها وهذا هو الأهم في هذه الدراسة. وكما لو كان أسلوب الردع الجديد (القائم على تحديد أعداء بديلين وتسميتهم بالخارجين على القانون) غير كافٍ، فإن أميركا تتصرف وكأنها مستعدة للانتقام من أي تهديد لمصلحتها. حيث يذكرنا تشومسكي بالنظرية الحمقاء التي قال فيها نيكسون: ((يجب على أعدائنا أن يدركوا بأننا سنصبح حمقى (إذا ضربت مصالحنا). بحيث سيصعب التنبؤ بما قد نقوم به بما لدينا من قدرة تدميرية غير تقيليدية. وعندها فإنهم سوف ينحنون لنا خوفاً...)).
ويرى المؤلف أن الهدف من هذا التحالف هو الإيحاء بأن هنالك عناصر حكومية أميركية خارجة على السيطرة وقابلة للتصرف بحمق. وهذا الإيحاء من شأنه أن يربك صناع القرار في العالم وأن يصيبهم بالشك والخوف.
هنا نتساءل عما إذا كان وجود هذه العناصر هو مجرد إيحاء؟ أم أنه وجود فعلي؟ فالكتاب لا يقدم ما يدحض وجود مثل هذه العناصر، خصوصاً وأن المتابع يلمح وجود مثل هذه العناصر حتى يكاد يجزم بهذا الوجود وبفاعليته. بل هو يسأل عن الجهات التي يمكنها أن تكون متحكمة بمثل هذه العناصر. وعما إذا كان حمق هذه العناصر آحادي الاتجاه أم أنه متعدد الاتجاهات؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تعتبر مقررة في صناعة السياسة الدولية. حتى يبدو تشومسكي في هذه النقطة بالذات مستهدفاً ولا مبالياً إلى حد بعيد. إلا أنه في المقابل يقدم عروضاً جيدة ومقنعة يستخرجها من الملفات الأميركية المعلنة حديثاً. ومنها مسألة أندونيسيا. حيث كان مجيء سوهارتو إلى الحكم العام 1965م إيذاناً بتحولها إلى صديقة للولايات المتحدة بعد سنوات طويلة من العداء أيام صداقتها لعبد الناصر ولدول عدم الانحياز. وعندها تغاضى الغرب عن المذابح التي وقعت على يد صديقه سوهارتو. حيث قدّر مراسل صحيفة بروسبكت اللندنية عدد الضحايا بعشرة آلاف قتيل. كما يذكر الكتاب بقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 1975م، والقاضي بانسحاب أندونيسيا من تيمور الشرقية دون تأخير. في المقابل زادت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة لسوهارتو، ثم عادت فزادتها أيام جيمي كارتر. وذلك بوصف أندونيسيا دولة يحكمها صديق للولايات المتحدة! وبالطبع فقد تدخلت الولايات المتحدة في حينه لإيصال قرارات الأمم المتحدة بشأن تيمور الشرقية إلى طريق مسدود. ويستشهد تشومسكي على هذا التدخل بمذكرات السفير الأميركي في الأمم المتحدة (في حينه) دانيال باتريك موينهان. أما عن خلفيات هذا الدعم فهي لا تقتصر على الصداقة بل هي تقترن مع مشاركة شركة أميركية في الإفادة من نفط تيمور الشرقية.
وهنا يعقد تشومسكي مقارنة بين هذا السطو الأميركي على نفط تيمور الشرقية وبين محاولة العراق السطو على النفط الكويتي لكنه يميز تفوق وحشية السطو الأميركي.
ونحن نتساءل هنا عن مستويات المقارنة؟ فهل تعني هذه المقارنة تبرئة الولايات المتحدة من التورط في الكويت أو في العراق أو في الخليج إجمالاً؟ أم أن علينا الانتظار قليلاً ريثما يتم الإفراج عن الوثائق التي تبين أزمة أثرياء النفط في تكساس أواخر الثمانينيات، ورغبتهم العارمة بوقف تدفق نفط الخليج بأية وسيلة ممكنة؟ حيث يبدو أن انتظارنا لن يطول لأن جورج بوش الابن كان أحد هؤلاء الأثرياء المهددين بالإفلاس، وهو قد لجأ إلى إدمان الكحول وتعاطي الكوكايين تحت ضغط هذه الأزمة.
وبالانتقال إلى كوبا يعود تشومسكي لأسلوبه المعهود في نقد السياسة الأميركية. حيث لا تعود المسألة موضوع مقارنة بل تصبح مسألة ظالم ومظلوم. فقد أرسلت كوبا قواتها إلى أنغولا لصد هجمات الحكومة العنصرية في جنوب إفريقيا (المدعومة من الولايات المتحدة) حين تسببت جنوب إفريقيا بدعم أميركي بمجازر راح ضحيتها مليون ونصف المليون من البشر وخسائر مادية لجيرانها الأفارقة تجاوزت الستين مليار دولار وذلك وفق إحصاءات الأمم المتحدة كما يقول تشومسكي. وهنا يدعنا المؤلف نستنتج بأن المقارنة غير واردة بين الدولة المحاصرة على مدى أربعين عاماً (وهي كوبا) التي تدعم شعوباً مقهورة في وجه حكم عنصري مدعوم أميركياً.
وبذلك يخلص تشومسكي إلى تعريف الدولة الخارجة على القانون بأنها ليست بالضرورة إجرامية ولكنها متمردة على أوامر الولايات المتحدة.
لقد كان للهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول 2001 وقع الصاعقة على المجتمع الأمريكي والدولي.
ذلك أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها الولايات المتحدة إلى هجوم على رموزها الاقتصادية والعسكرية المتمثلة في مركز التجارة الدولي والبنتاغون وكادت طائرة من الطائرات المهاجمة أن تصل إلى البيت الأبيض لولا أنها أُسقطت قبل وصولها إلى واشنطن.
والغريب أن وسائل الدفاع الجوي والاستخبارات الأمريكية وقفت عاجزة عن التنبؤ مسبقاً بهذه الضربات.
هذه الحادثة المروعة لم تحدث من فراغ وإنما سبقها توتر أمريكي داخلي وتصدير لفوضى سياسية على الصعيد الخارجي.
وقد استطاع الدكتور محمد أحمد النابلسي الخبير بالتحليل السياسي التنبؤ بما جرى نتيجة تحليله لما سبق من تحولات وتغيرات سياسية على الصعيد الأمريكي، والدولي.
وهذا الكتاب دراسة بانورامية لمجمل العوامل التي لعبت دوراً في الوصول إلى وقائع الثلاثاء الأسود.
لقد كان للهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول 2001 وقع الصاعقة على المجتمع الأمريكي والدولي.
ذلك أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها الولايات المتحدة إلى هجوم على رموزها الاقتصادية والعسكرية المتمثلة في مركز التجارة الدولي والبنتاغون وكادت طائرة من الطائرات المهاجمة أن تصل إلى البيت الأبيض لولا أنها أُسقطت قبل وصولها إلى واشنطن.
والغريب أن وسائل الدفاع الجوي والاستخبارات الأمريكية وقفت عاجزة عن التنبؤ مسبقاً بهذه الضربات.
هذه الحادثة المروعة لم تحدث من فراغ وإنما سبقها توتر أمريكي داخلي وتصدير لفوضى سياسية على الصعيد الخارجي.
وقد استطاع الدكتور محمد أحمد النابلسي الخبير بالتحليل السياسي التنبؤ بما جرى نتيجة تحليله لما سبق من تحولات وتغيرات سياسية على الصعيد الأمريكي، والدولي.
وهذا الكتاب دراسة بانورامية لمجمل العوامل التي لعبت دوراً في الوصول إلى وقائع الثلاثاء الأسود.
الثلاثاء الأسود، خلفية الهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية - د. محمد أحمد النابلسي
يعرض هذا الكتاب دراسة بانورامية لمجمل العوامل التي لعبت دوراً في الوصول إلى وقائع الثلاثاء الأسود، ولخلفية الهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية.
ويضم الكتاب مقالات كانت قد نشرت منذ عام 1997 ولنهاية عام 2001م، تتضمن تحليلاً مستقبلياً وتوقعات مسبقة قد تحققت وأثبتت صحتها، مما يحفز لاعتماد النظريات المستقبلية المؤدية إليها، وانتظار بعض الوقت لحدوث توقعات متأخرة فيها.
وتبدأ الاستقراءات المستقبلية بتوقع زمن الفوضى الأمريكي، وليكون العرب والمسلمون أقرب كبش تقدمه المخابرات الأمريكية الباحثة عن عدو.
وتتنبأ بتهديد العولمة بالانهيارات المالية في البورصات الفردية، وبتسلم بوش الرئاسة في الزمن الأمريكي الصعب، وتجاهله ما بعد مدريد وعمله على إلغائها.
ويحلل الكتاب الولايات المتحدة من الداخل، ووضعها العالم على حافة الهاوية، ويحلل نفسياً لشخصية بوش الابن وفريقه، ولهوس التسلح الأمريكي وظاهرة القتل الفردي، وأسلوب الردع الأمريكي الجديد، وكابوس هيروشيما وصدمة كوسوفو.
ويعرض للتدخل الأمريكي في الشرق، ولابن لادن الذي أعلن الحرب على أمريكة، والحروب غير المقدسة في أفغانستان، بحجة الإرهاب الدولي، وخرافة المواجهة بين الإسلام والغرب، والحروب المقدسة بين المسيحيين والإسلام، وعودة الأمريكيين للشرق الأقصى، وحروبهم الرمزية المقسطة.
ويدرس اللوبي اليهودي وانبثاق الفوضى الأمريكية، وتقسيط الحرب في ثعلب الصحراء وسياسة الانتخابات الأمريكية والإدارة العرجاء.
ويقرأ الكارثة الأمريكية الجديدة وانعكاساتها، وأوضاع الولايات المتحدة في الزمن الصعب.