تخطي إلى المحتوى

حكايا من حارات دمشق

مباع
السعر الأصلي $3.00
السعر الأصلي $3.00 - السعر الأصلي $3.00
السعر الأصلي $3.00
السعر الحالي $2.40
$2.40 - $2.40
السعر الحالي $2.40

حكايات متنوعة من التراث الدمشقي الشعبي مما يتناوله العامة في أحادبثهم المنقولة عن بعضهم بعضاً، وفيها طرائف وغرائب.

المؤلف
التصنيف الموضوعي
120 الصفحات
20×12 القياس
2010 سنة الطبع
978-9933-10-165-7 ISBN
0.12 kg الوزن

المقدمة
تحوم أكثر أحداث هذه القصص حول أشخاص ولدوا وعاشوا في دمشق المدينة الخالدة على مر الدهر.
دمشق الحبيبة التي تعيش في روحي وتتغلغل في دمي منذ أن وعيت الدنيا، وفتحت عيني على دروبها ودورها وأزقتها وأرباضها ومنتزهاتها، ونهرها وقاسيونها وأسوارها، ومنذ شممت أريج ياسمينها وورودها..
ويشاء الله أن أكون أعددت بعض القصص لإصدارها في كتاب عاش أكثر أبطاله في هذه المدينة العزيزة، ولم أكن، حين أعددته، على دراية بما قُدِّرَ لدمشق أن يحدث فيها، ومن البدهي والعالمُ كله مقبل على الاحتفال بهذه المدينة وتكريمها عاصمةً للثقافة العربية في عام 2008 أن يكون حديث المقدمة- وبكل فخر- عنها..
من هذا المنطلق أحببت أن أدلي دلوي في هذا المضمار ولو بنبذة صغيرة قد لا تشعر بها دمشق، ولكنها بعض الوفاء لمدينة رعت طفولتي وشبابي، وهي اليوم ترعى شيخوختي بعطف وحنان وقد لا ترعاني بمثلِهِما مدينة أخرى..
إذن فهذه لمحة صغيرة عن دمشق؛ أقدمِ مدينة مسكونة على وجه الأرض، وستبقى تاريخَ الزمان، وسجلَ الحضارة الإنسانية على مدى الدهر، تطوي العصور أجيالاًً بعد أجيال؛ لأنها عمود ضياء، وشجرة كرم وعطاء، حملت لواء العروبة منذ أيام الأمويين، معبرة عن أصالتها العربية بصمودها على مر الأحداث المتعاقبة؛ إذ أبقت آثار جميع الحضارات والعهود التي مرت بها ماثلة للعيان، محفورة بالصخر على كل الدمار والخراب اللذين لحقا بأوابدها ومعالمها التاريخية من قبل الغزاة الطامعين في الاستيلاء عليها، يطل عليها جبل قاسيون من عليائه ليحتضن ربوعها ودورها وحدائقها وجداولها وأشجارها؛ لتبقى حية معطاءة كريمة كأكرم كرماء العرب.
دمشق حبيبة متواضعة تنسى بتاريخها العريق الإساءة، ولا تنسى الإحسان، غازلها الأدباء والشعراء قديماً وحديثاً، وأبدعوا في إطلاق أحلى الأسماء عليها فكانت: جلق والفيحاء والشام، وإرم ذات العماد.
بيد أني من جميع هذه الأسماء وجدت أن كلمة (دامسكين) التي تعني الوردة الجورية هي أجمل معنى خليق بها.
كانت دمشق عاصمة الدولة الأموية؛ وهي أول دولة إسلامية عربية قوية رفرفت راياتها على الصين شرقاً وامتدت إلى بحر الظلمات غرباً؛ فكانت بكل فخر تحكي مجد الأمة العربية وزهو حضارتها، وموسوعة تاريخية تسجل تاريخ الإنسانية منذ آلاف السنين.
شهدت دمشق تطوراً عمرانياً كبيراً في عهد الأمويين حين جعلوها عاصمة لملكهم، ولكن مع الأسف الشديد لم يبق من آثارهم إلا قليل؛ ولعل المسجد الأموي يكفي وحده للتعبير عن هؤلاء العمرانيين المبدعين، وإن وفاءنا لدمشق يحتم علينا إيلاءها مزيداً من الرعاية والعناية لما لها من أهمية حضارية بالغة؛ فهي رمز العرب وعنوانهم عبر التاريخ؛ تعرف بهِم ويعرفون بها، فهي سليلة مجد الماضي والحاضر، تعرضت لهزات لا تحصى، ومع ذلك بقيت في رسوخها وصبرها وشموخها علامة بارزة واضحة على أصالة الأمة العربية، وفيةً للعهد، مؤكدة خلود الحضارة وعظمة الإنسان.
دمشق جَدَّةُ المدن التي تحدثت عنها الكتب المقدسة، زارها كثير من المؤرخين الجغرافيين والرحالة والشعراء والعلماء؛ وتحدثوا عنها بكل إعجاب وتقدير..
ولو استعرضنا كل من كتب عن دمشق لوجدنا أن الجميع يعدُّونها رفيقة الزمن ودوحة الإنسان، وقلب العروبة، وعقل الإنسانية المفكر، وصوت التاريخ وموطن الإبداع والحضارة، وبلد الترحيب بالغريب، فعلى أرضها اصطرعت مختلف المدنيات وتركت وراءها أوابد تحكي قصة الإنسان الذي عاش في أرضها قبل التاريخ؛ لأنها نقطة التقاء الشرق والغرب، وهذا ما جعلها تشهد ازدهار المعرفة واندثار الحضارات منذ فجر الحياة..
وإذا كان لنا أن نذكر، على سبيل المثال، من طاف بها من الرحالين فإنه يتبادر إلى ذهننا (ابن جبير) صاحب الرحلة المشهورة التي طاف بها بلاد الله الواسعة، وجاء بعده (عبد الله اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة) صاحب كتاب (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)؛ وقد دفعه إلى زيارتها - كما ذكر - فَرْطُ الشوق ودافع الرغبة، واتفق في وصفها مع ابن جبير بأنها جنة المشرق، وعروس المدن التي اجتليناها؛ فقد تحلت بأزاهير الرياحين، فهي ذات ظلٍّ ظليل، وماء سلسبيل.. وقد امتدت بشرقها غوطتها الخضراء امتداد البصر.. إلى أن قالا: إذا كانت الجنة في الأرض فدمشق لا شك فيها، وإن كانت في السماء فهي تُساميها وتحاذيها..
ولا يمكنني في هذه المقدمة أن أحيط بالكتب التي تحدثت عن مدينة دمشق فهي أكثر من أن تحصى أو تستوعبَها هذه العجالة، ويكفي دمشقَ فخراً أن أبا القاسم علي بن الحسين الملقب بعد وفاته بابن عساكر ألف كتاباً عن تاريخ دمشق استوعب ثمانين مجلداً؛ اختصره الإمام محمد بن مكرم المعروف بابن منظور في تسعة وعشرين جزءاً قامت بنشره مشكورة دار الفكر بدمشق بحلة وطباعة أنيقتين، وهذا الكتاب يعد موسوعة عن دمشق جدير بأبنائها أن يزينوا مكتباتهم بها..
كما أن أبا بكر بن عبد الله البدري الدمشقي ألف كتابه المسمى (نزهة الأنام في محاسن الشام) ضمنه أجمل ما قيل في دمشق، وعدّه نزهة لطيفة يقضيها القارئ بين صفحات كتابه المذكور الذي استوعب محاسن دمشق قديماً، تلك التي اندثرت بعد القضاء على غوطتها الغناء حديثاً، حيث كانت في يوم من الأيام من أعاجيب الزمان، ونضبت مياه بردى التي تغنى بها الشعراء ونظموا القصائد الجميلة فيها.
فدمشق كانت دائماً وستبقى عشق العرب، فمن أحبها أحب العرب، ومن رأى تاج المجد الناصع على جبينها فقد تعلم صناعة المجد؛ لأنها سليلة مجد الماضي والحاضر، وستبقى كذلك مهما أصابها من هزّات؛ لأنها تتطلع إلى العُلا وتسعى إليه.
وممن تحدث عن فضائل الشام ودمشق الحافظ أبو الحسين الربعي، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه مناقب الشام وأهله، ومما هو جدير بالذكر أن أهل دمشق يسمونها الشام فدمشق في عرفهم هي الشام، والشام هي دمشق.
أما في تاريخنا الحديث فإن الموسوعة الأدبية الدمشقية التي تحمل عنوان (يا مال الشام) بأجزائها الثلاثة الضخمة للأديبة الدكتورة سهام ترجمان، عاشقة دمشق بامتياز، هي سجل تاريخي عصري لدمشق وأوابدها لم تترك صغيرة أو كبيرة من أحوالها إلا وأبدعت في سردها بأسلوب رشيق وعبارة أنيقة، وزادت على كل ذلك بالصور الفوتوغرافية التي ستبقى شاهداً معاصراً على دمشق ومعالمها.
فإذا كان ابن عساكر صوَّر دمشق في القرن السابع بالقلم؛ فهي قد صورتها بالريشة والقلم ونبض الحياة..
وبعد؛ فهذه اللمحة الخاطفة عن مدينة دمشق دفعني إليها حبي لها فآثرتُ ألاَّ يبدأ القارئ بقصص الكتاب قبل القيام بنزهة لطيفة؛ يشم من خلالها رائحة ياسمينها وفلِّها ووردها عبر أزقتها المتعرجة، وحاراتها الضيقة، التي لا يعادلها أي أريج سوى عبق زهر النارنج والكَبَّاد الذي تنتصب أشجاره حول بَحراتها التي كانت تموج فيها مياه بردى الخالد..
أستميح القارئ عذراً لإطالتي، بيد أن حب دمشق أذهلني عما أنا فيه؛ وأنا الذي يفخر بما يكتب من قصص فيها روح دمشق، وعطر دمشق، وفواكه دمشق، وياسمين دمشق، وأهل دمشق.
فإلى محبي دمشق أقدم هذا الكتاب
سعيد

حكايا من حارات دمشق
أختلف القوم الذين يسكنون ويعملون في سوق القوافين بدمشق حول هذا الهابط عليهم منذ فترة غير طويلة، يجوب سوقهم بخطوات بطيئة، ويطرق الأرض بعصاه الغليظة ولا يستثني الجدران أيضاً، وهو نحيل الجسد يلتف بمعطف سميك يلبسه شتاء ولا يغادره صيفاً، يمشي الهوينا وهو يردد بصوت أجش كلمتين (كله منه) ولا يزيد. كما تعب الناس في معرفة من هو /سهلان/ ولا من أطلق عليه هذا الاسم، وحار العقلاء في استكناه دخيلته، وكشف أمره، فهو يطوف نهاراً ولا يملّ من تكرار عبارة (كله منه) حتى إذا سأله سائل من أنت..؟ فلا يزيد عن الكلمتين المذكورتين شيئاً..