أوكل أبو جعفر المنصور للمفضّل الضّبّيّ، مهمة تدريب المهدي بأجود قصائد المقلّين. وراح الرواة يروونها ويعلّقون عليها. وكان النصيب الوافر للأصمعي. الشيء الذي جعل الرشيد يوكل للأصمعي تأديب الأمين واختيار عيون الشعر القديم له. فجمع الأصمعي ما يحلو له من القصائد.
ولما وصلت هذه المختارات إلى الأخفش الأصغر. جمعها في كتاب واحد ووضع عليها شروحه وتعليقاته.
حوى الكتاب ستّ عشرة ومائة قصيدة وكان للدكتور فخر الدين عناء التحقيق في نسخ الكتاب المتعددة والمتباعدة. وامتاز عمله بدقة التوثيق ورجوعه لمصادر اللغة والأدب والتاريخ، ذاكراً تراجم شعراء الاختيارين.
يتناول هذا الكتاب اختيارات المفضل الضبي لأجود قصائد المقلين، ليدرب بها المهدي بن أبي جعفر المنصور، ويعلمه روائع الشعر وخالصه، فنسبت إليه وسميت (المفضليات).
كما يتناول اختيارات الأصمعي لقصائد عيون الشعر القديم، ليتعلمها الأمين بن الرشيد ويتدرب بها، فنسبت إليه، وسميت (الأصمعيات).
ويأتي الأخفش الصغير ليجمع بين المفضليات والأصمعيات، في كتاب واحد، هو هذا، ويعلق عليها شرحاً، ويفسر بعض الغريب، ويوضح بعض المعاني البعيدة، ليكون ما يسمى بـ (الاختيارين).
ويضم هذا الكتاب الذي ننشره، ست عشرة ومئة قصيدة، منها ثلاث وعشرون في المفضليات، ومنها أربع عشرة قصيدة هي في بقية الأصمعيات، ومنها سبع، هي في زيادات الكتابين، الملحقة ببقية الأصمعيات. ومنها أربع عشرة قصيدة هي في نسخة المفضليات بالمتحف البريطاني، والباقي، وهو ثمان وخمسون قصيدة، ليس فيما يعرف من روايات اختيار المفضل والأصمعي.
ويجمع الكتاب بوضوح في اختياراته بين المذهبين البصري والكوفي، بين اختيارات المفضل الكوفي، والأصمعي البصري، وينقل كثيراً من الشروح عن علماء البصرة، وعلماء الكوفة معاً.
ويدل التحقيق على أنه استفاد مما نشر من المصادر والمراجع حول الاختيارات، وأنه رجع إلى كتب اللغة والأدب والتاريخ، يستقي منها تراجم شعراء الاختيارين، وما يحتاج إلى تعريف من الأعلام، ليجمع الكتاب بين محاسن القدماء والمحدثين.