مشتملات الشريعة:
الشريعة الإسلامية شريعة متكاملة تشمل مختلف أحوال الإنسان، في دينه ودنياه وآخرته، وأحكامها شبكة مترابطة محكمة من العقيدة، والعبادة، والأخلاق، وأنظمة المعاملات الداخلية والخارجية، وكل جانب من هذه الجوانب يكمل الآخر، ولا ينفصل عنه، بل ويكون له بمثابة الرقيب أو الراصد، أو الدافع والباعث، ويقرر مصيره صحة وفساداً أو بطلاناً، ويرتب عليه آثاراً معينة في الدنيا، أو ثواباً أو عقاباً في الدنيا أو في الأخرة. وتظل رقابة الشرع قائمة من غير إغفال ولا إغضاء ولا تعطيل، حتى يصحح العمل أو التصرف بحسب ما يرضي الشارع، ويمنع الاسترسال في إغضابه أو التبرم من صاحبه، ليعود المخالف إلى دائرة الشريعة والالتزام بضوابطها ومقاصدها وتوجيهاتها، من أجل خير الإنسان نفسه، وإقامة المظلة المحكمة لتفعيل دور الحق والعدل والإنصاف في ميزان التعامل، من غير جنوح نحو جانب دون آخر، أو استغلال غير مرغوب فيه.
أما العقيدة وإن كانت في الظاهر أمراً باطنياً أو داخلياً في قلب الإنسان ومشاعره، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخروبالقدر خيره وشره من الله تعالى، فإنها تفيد في تحقيق عامل الرقابة والخشية من الله تعالى، في السرّ والعلن، وتدفع الإنسان إلى سلوك جانب الاستقامة، لإقامة عالم التوازن والتعادل في العطاءات أو في الحقوق والواجبات التبادلية بين الطرفين المتعاقدين، فلا يبخس أحدهما غيره، ولا يلحق به جوراً أو ضرراً أو تعسفاً، أو يكون سبباً في إحداث منازعات أو خصومات أو مشكلات تهزّ بنية المجتمع المسلم الذي أراد الله له أن يكون قوياً متماسكاً، محاطاً بسياج منيع من التراحم والتعاون والتعاضد، ومحققاً لمقصد الشارع في الآية الكريمة: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران 3/102-103] .
إن الحفاظ على وحدة الأمة وقوتها وتماسكها يكون أولاً باستئصال كل عوامل النزاع والخصام بين أبنائها، لأن المنازعات والخصومات بما تعقبه من مهاترات وسباب وشتائم عادة تزرع في القلوب الكراهية والبغضاء والضغينة، وكل ذلك يفرق ويضعف الأمة، ويوهن عُراها والعلاقات الاجتماعية بينها، ومن أهم مداخل المنازعات: العقود وما ترتبه من حقوق والتزامات. ورقابة الله تعالى تحمل الإنسان على تجنب الظلم، والغش والتدليس والإكراه، والتغرير، والغرر أو الجهالة، والغبن والاستغلال، ونحو ذلك من المظالم، فلا يصح فصل المعاملات عن العقائد في الإسلام، توصلاً إلى تقويم المعاملة، وحمايتها من ألوان المفاسد، وأكل أموال الناس بالباطل.
وكذلك العبادات التي هي ذات أغراض تهذيبية، بالتحصن بتقوى الله تعالى كالصيام، وتحقيق المنافع المادية والمعنوية كالحج، والبعد عن الفحشاء والمنكر، كالصلاة بأنواعها المختلفة، تحمل المسلم على التزام ضوابط الشريعة وشروطها في المعاملات، والامتناع من الحرام أو المحظور، وعدم التلبس بفساد العقود التي تجعل الكسب حراماً، وأكل الثمرة أو المنفعة سحتاً، فهي مع أصالة العقيدة تلازم المعاملات، وتحقق غرض الشارع من تشريعها، والحفاظ على التزاماتها من غير مواربة ولا تهرّب ولا خداع، ولا انحراف عن مضمون الشرط، فيتم بذلك استقامة التعامل، وسلامة الكسب، إما من الحرام الصريح، أو من الشبهة، أو الظلم في النهاية.
مامدى الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي؟.. وكيف يمكن تخليص الفقه مما انتهى وجوده تاريخياً؟..
لقد قذفت الحياة المعاصرة بمئات المسائل والقضايا والمشكلات والمستجدات التي تحتاج كلها لرأي من منظور إسلامي.
في هذه الحوارية التي يتصدى لها عالمان جليلان، يفصّلان هذا الموضوع، ويضيفان أسسه وقواعده والبدائل المقترحة.
ما مدى الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي؟
كيف يمكن تخليص الفقه مما انتهى إليه وجوده التاريخي؟
لقد قذفت الحياة المعاصرة بمئات المسائل والقضايا والمشكلات والمستجدات التي تحتاج كلها لرأي من منظور إسلامي.
ليس في أي دين غير الإسلام من يمنح المجتهد أجرين إن أصاب وأجراً إن أخطأ، وذلك تشجيعاً للمجتهد للمضي في تجديده واجتهاده.
إن علماء الأمة وجدوا أنفسهم في مواجهة قضايا تحتاج إلى إمعان الفكر، لاستنباط أحكام ملائمة للمستجدات، توافق النص، وتقنع العقل، ويطمئن إليها القلب.
في هذه الحوارية (تجديد الفقه الإسلامي) عالمان جليلان، يفصلان الموضوع، ويضعان أسسه وقواعده والبدائل المقترحة، ويؤسسان لمشروع فقه إسلامي معاصر يراعي النواحي المتعددة لحياة المسلم المعاصر.
تجديد الفقه الإسلامية/حوارية: د. جمال عطية /د. وهبة الزحيلي
يتناول هذا الكتاب حوارية بين عالمين جليلين يفصلان موضوع تجديد الفقه الإسلامي ويضعان أسسه وقواعده والبدائل المقترحة، ويؤسسان لمشروع فقه إسلامي معاصر يراعي النواحي المتعددة لحياة المسلم المعاصر. ويكتب كل منهما بحثه وتعقيبه على بحث الآخر مستقلاً.
ويوضح أولاً ملامح التصور عن التجديد الفقهي المنشود، وبيان دواعي التجديد ومقاصده في نقلة نوعية عملية.
ويبين أنواع التجديد المختلفة، المتعلقة بالشكل والموضوع، وقيامها على أساس منهجي وغيره، والآتية من خارج النسق الإسلامي وداخله، ويحدد التجديد المطلوب في موضوعين أساسيين، هما الفقه وأصول الفقه.
ويحصر ملامح التجديد في الفقه في اثني عشر ملمحاً رئيسياً أصبح بعضها مقبولاً متداولاً ومطبقاً في بعض الكتابات المعاصرة.
ويبدي رأيه في الأعمال الفقهية المعاصرة، ويقترح صورة لتنفيذ التجديد المأمول.
ويتناول ثانياً بيان ضوابط التجديد ومدى الحاجة إليه، ومعرفة مجاله ودواعيه، وتخليص الفقه الإسلامي مما انتهى وجوده تاريخياً وفات أوانه، كمسائل الرق، والافتراضات النظرية أو المذهبية الضيقة المنافية لسماحة الإسلام ووحدة أحكامه وحاكميتها على شؤون الحياة المختلفة.
ويبحث ذلك في مشتملات الشريعة، وروابط التشريع بالفقه والعقل، والثوابت والمتغيرات في الشريعة، وأهلية المجدد والمجتهد، وما يقبل التجديد ويأباه، وضوابط التجديد وطرائقه وأمثلته وتطبيقاته.
ويورد بعد تعقيب كل من باحث على الآخر، تعاريف بمصطلحات الكتاب.