مقدمة
الأسرة الإنسانية هي قاعدة الحياة الإنسانية التي تشكل أساس بنيانها، وتحدد وجهة مسيرتها، وعلى أدائها يعتمد نوعية أداء المجتمع، وتطور بنائه ومؤسساته ومعدن أعضائه.
والأم هي قاعدة الأسرة التي ينبع منها حياتها ويلتف حولها ويقف على أكتافها ويتناول من يدها كل أعضاء الأسرة روح الحياة ومادتها.
وإذا ضيعت الأمومة بالذل والمهانة أو بالخلاعة والمجون، ضاع معنى الحياة ومذاق طعمها وراحة دفئها وأمنها.
وقد عني الإسلام بالأسرة وبالأمومة والحفاظ عليها وحماية حقوقها، وأقام علاقاتها على المودة والرحمة، وعلى البر والعرفان بالجميل.
وهذا البحث يحقق إحدى قضايا الأسرة التي تتعلق بكرامة المرأة، ومن ورائها كرامة الإنسان، من منطلق واجب الاجتهاد، لتحقيق مقاصد الشريعة، في بناء الأسرة وعلاقاتها في عالم اليوم ومتغيراته، لبناء أجيال تتحلى بالقوة والأمانة والكرامة اللائقة بالمسلم، لمواجهة تحديات العصر، وحمل رسالة الإسلام، وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
د. عبد الحميد أحمد أبو سليمان
في 5 جمادى الأولى 1422 هـ
الموافق 23 آب (أغسطس) 2001 م
كلمة الناشر
لعل هذا الكتاب مما يفاجئ القارئ بعنوانه في زمن لم يعد موضوع كهذا يطرح مع تبدل الظروف والأحوال؛ وخصوصاً في المجتمعات التي يخاطبها الباحث. إلا أن المطلع على الكتاب يرى أن كثيراً من الأسر التي ماتزال تعاني من المشكلات الصعبة؛ تتعرض فيها المرأة لحوادث العنف، من أجل حل تلك المشكلات.
ومن هنا -ولئلا يتهم الإسلام بالعنف وإباحة الضرب جزافاً- فإن المؤلف يبين رأيه في مفهوم الضرب كما جاء في القرآن الكريم ووضّحه الحديث الشريف، مادام الإسلام دين رحمة وعدالة ومادام نبي الإسلام قد وصّى بالمرأة، وكان ذلك من أواخر كلامه وهو يجود بروحه صلى الله عليه وسلم.
ولقد وافق صدور هذا الكتاب -الذي تشترك في نشره دار الفكر والمعهد العالمي للفكر الإسلامي- قيام الدار بنشاطها الثقافي السنوي بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف المصادف في 23/4، وقد خصصت احتفالات هذا العام للمرأة، وحضّرت لعقد ندوة في الأسبوع الذي يتضمن المناسبة تحت عنوان ((المرأة وتحولات عصر جديد)).
ولقد كان من جملة أعمال الدار في هذا النشاط أيضاً التركيز على إصدارات تتصل بالمرأة لتجسيد احتفالاتها بها، وعلى رأس ذلك اتخاذها شعار ((النساء شقائق الرجال)) خلال عام 2002 كله، تسم به كتبها على الصفحة الأولى.
وأخيراً فإنّ الدار لتنوه بأهمية هذا الكتاب الذي يضع النقاط على الحروف في مسألة شائكة، مادام إنسان العصر يتعرض في أسرته لظروف صعبة عليه أن يحلّها بالوسائل الإسلامية التي تقدم له الحلول الناجعة.
* * *
هل ينهي ضرب المرأة خلافات الزوجين ويقدم الحل المناسب لها؛ وإذا كانت الآية الكريمة تشير إلى هذا وتسمح به، فهل معنى الضرب هو الذي يفهمه كثير من الناس ويرونه قسوة بحق المرأة ,إهانة لها في زمن ارتفعت فيه الأصوات منادية بإعطائها قدراً أكبر من حقوقها؟!
دفع إلى هذا البحث أسئلة وجهت إلى المؤلف كانت تثار في المجتمع الغربي ومعها شبهات عن الإسلام من أهمها مسألة ضرب المرأة، رأى أنها تستحق نشر أجوبتها في هذه الأوراق.
ضرب المرأة وسيلة لحل الخلافات الزوجية؟! د. عبد الحميد أحمد أبو سليمان
يتناول هذا الكتاب بيان دور الأسرة التربوي، ويبحث في بناء الأسرة، وينظر في علاقاتها ومكوناتها المعرفية، وما يقود إلى موضوع ضرب المرأة وسيلة لحل الخلافات الزوجية وإشكالياتها.
ثم يبحث في مراعاة المنهج الإسلامي للأبعاد التشريعية الاجتماعية، ويُظْهِر ذلك في اختلاف الأحكام والفتاوى وتعدد المذاهب بين أصحاب العلم والفتوى.
ويبحث أيضاً في كون الأذى والخوف والإرهاب النفسي أموراً تورث السلبية والكره، وأن الحب والاحترام يورث الإيجابية والإقبال والبذل.
كما يتناول قضية الضرب ومعناه في ترتيب العلاقات الأسرية والإنسانية، ويعرض الضرب في عدة مذاهب، فيكون في بعضها تأنيباً وتعبيراً عن الغضب.
ثم يدرس بعض الآيات القرآنية، ويبين دقة تعبيرها وإعجازها وتوضيحها أن جوهر العلاقات الزوجية هو مشاعر المودة والرفق والرحمة والرعاية والإحسان.
كما يدرس الآية الواردة في سورة النساء في هذا المجال، والتي توضح خطوتين قبل الوصول إلى خطوة الضرب، عند النشوز والخلاف وفشل الزواج داخل نطاق الأسرة، وهما العظة والهجران.
ثم يبين أخيراً الهدف السامي من عملية الضرب غير المبرح، وهو عدم دخول عنصر أو طرف ثالث في الحياة الزوجية.