حوار الحضارات
محاضرات في مناسبات متعددة حول حوار الحضارات، تتحدث عن مفهوم حوار الحضارات، والشروط المسبقة للحوار، ومنجزات الحوار، وما يلعبه كل من العالم الإسلامي والغرب في كل ذلك.
محاضرات في مناسبات متعددة حول حوار الحضارات، تتحدث عن مفهوم حوار الحضارات، والشروط المسبقة للحوار، ومنجزات الحوار، وما يلعبه كل من العالم الإسلامي والغرب في كل ذلك.
كلمة الناشر
حين يأتي الحديث عن حوار الحضارات في غمار العدوان الهمجي المتواصل الذي تقوم به إسرائيل على الشعب الفلسطيني، مدعومة بتأييد أميركي واسع؛ يزودها بأحدث مالديه من أسلحة الفتك والدمار، ويلبِّس إعلامُه المخادع على الناس كل أعمال الظلم والعدوان والقتل والتشريد والهدم والتخريب، بأقنعة السلام والعدل والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويغض طرفه عن جرائم القتل وهدم المنازل فوق رؤوس سكانها، وعن المقابر الجماعية التي وارت شهداء نابلس وجنين، ويضيء لها شارات المرور الخضراء إلى جميع مدن الضفة الغربية لاحتلالها وإذلال من بقي حياً من أهلها ...
حين نتحدث عن حوار الحضارات في ظل الرغبة الأميركية العارمة بالتفرد والهيمنة والتسلط، مستغلة فرصة انتهاء الحرب الباردة، وغياب الآخر وما تسبب به من إخلال في الموازين، وهدر للقيم، وتغليب للمصالح ..
حين ندعو إلى حوار الحضارات، ونحن نشهد احتضار الأمم المتحدة التي شلها حق النقض (الفيتو)، فتركها عاجزة عن تنفيذ قراراتها التي أفلتت من قبضة هذا الحق الجائر، عاجزة حتى عن إيفاد لجنة لتقصي الحقائق، ولو كان غرضها طمس الحقائق والتغطية عليها، بعد أن كشفها الإعلام المرئي، وعرضَها بعريها كله على الضمير الإنساني المغيَّب المقهور..
حين نفعل ذلك فكأننا نثير الأسئلة العريضة:
ماجدوى الحوار؟! مالغته؟! مامرجعيته؟! مامنطلقاته؟! من المحاوِر ومن المحاوَر؟! كيف يحاور المظلوم ظالمه؟! وإذا انحاز الوسيط إلى الظالم فإلى من سيحتكم المظلوم؟! وإذا افتقد المظلوم الحَكَم العادل في الدنيا، فهل يمكن أن يلتمسه إلا في محكمة الآخرة؛ يخترق لها حاجز الموت، يقتاد ظالمه إليها أمامه؟!
وعلى الرغم من كل هذه التساؤلات اليائسة، فإن ثقتنا بالحوار لن تهتز:
لأن أمتنا أمة الحوار، وثقافتها ثقافة الحوار..
ولأن كتابنا العظيم يدعو للحوار: {تَعالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَواءٍ}.. هي العدل {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 3/64].
ولأن الاختلاف عندنا ضرورة للسمو بالإنسان من أجل تحقيق أهداف خلقه، وأداء الأمانة الثقيلة التي تصدى لحملها، وقد عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، ومايزال يكدح لصونها.
ولأن التعدد والتنوع في نظرنا وسيلة الإنسان للتخلص من محور الشر المتمثل في الظلم والفساد وسفك الدماء.
ولأن حوار الحضارات في ضميرنا: تعارف وتعاون وتكامل، لاتنابز وتظالم وتنافٍ.
وهاهو ذا تاريخنا زاخر بتجارب التعايش والتسامح بين الأديان والأعراق والأجناس والألسن وسائر الأضداد.
لقد قطع الإنسان أشواطاً بعيدة على هذا الطريق، وأقام الأوربيون اتحادهم -بعد حربين عالميتين مدمرتين في قرن، وقتالٍ لمئات السنين- مدركين أن العنف لايحل المشكلات بقدر مايعقّدها، وأن الإنسان يعطي بالرضا والاقتناع أضعاف مايعطيه بالقهر والإكراه.
وما تشهده الإنسانية منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، ماهو في نظرنا إلا انتكاسة عابرة على درب كفاحها المرير ضد الطغيان والفساد وسفك الدماء، ستتجاوزها عائدة إلى رشدها بعد حين..
ولن ينتهي الصراع؛ يشتد أواره تارة فيستخدم اليد وما تطاله من أدوات العنف والفتك والدمار، وتهدأ ناره تارة أخرى، فيستخدم العقل وما يقتضيه من أدوات الحوار ومعاييره ومستلزماته.
هما إذن طريقان من طرق إدارة الصراع يتجاذبان البشر؛ يردُّ أحدهما الإنسان إلى بداياته يوم أن كان يعيش مع وحوش الغاب ويتعامل بشريعتهم، ويرتقي الآخر بالإنسان إلى معارج التحضر والارتقاء اقتراباً من المثل الأعلى.
وما حوار الحضارات إلا الشكل الأسمى والأرقى من صراع الحضارات، فلينظر كلٌّ إلى أيٍّ ينتمي؟!
كلمة المترجم
في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أجرت محطة التلفاز الوطنية الأمريكية حواراً مع الرئيس محمد خاتمي خلال زيارته مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ومشاركته في اجتماعها الخامس والستين. وقد أضفى الطابع غير الربحي لهذه المحطة التلفازية جواً مميزاً في ذلك الحوار، حيث تؤمّن ميزانيتها من معونات يقدمها جمهور واسع يحرص على دعمها، نظراً لمستوى برامجها الرفيع وخلوها من الإعلانات التجارية.
يحرص (تشارلي ريز) الذي يعمل مقدماً لبرنامج يومي يبث كل ليلة من المحطة الوطنية، على استضافة شخصيات لامعة في عالم السياسة والفكر والفن، وحين خاض حواراً مع خاتمي لم يفوِّتْ فرصة الحديث عن مشروع حوار الحضارات الذي يبدي ضيفه تحمساً كبيراً نحوه، ولا سيما أن أجواء الذهول التي تركتها أحداث أيلول الماضي، كانت لا تزال تخيم على نيويورك حينئذ، بوصفها أسلوباً لم يكن متوقعاً أبداً في سياق العلاقات الحضارية، رغم العنف الذي هيمن على طبيعة المواقف طوال القرن الماضي. وتضمن الحوار العديد من الموضوعات المثيرة، فمقدم البرنامج يستثير (خاتمي) أكثر من مرة حول موقفه المتحمس جداً لحوار الحضارات والثقافات، ليلقي عليه في ضوء ذلك سؤالاً يتصل بالعلاقات الإيرانية الأمريكية:
ألا يتصور سيادة الرئيس أن ثمة ضرورة لتنظيم حوار بين إيران والولايات المتحدة في سبيل معالجة المشاكل العالقة؟
وكعادته لم يبادر خاتمي إلى تقديم إجابات سريعة تتحرك نحو علامة الاستفهام مباشرة، بل يظل قلق المثقف الذي لا أحسب (خاتمي) قادراً على التخلص منه، يدعوه إلى تقديم مقاربات لجملة من الأمور ذات الصلة بالموضوع، في محاولة لإعداد هيكل نظري يستوعب ما يمكن تقديمه من إجابات. إذ إن ثمة سؤالاً مرجعياً ينتاب سائر أولئك الذين يستهويهم خوض المخاطرة الفكرية، وهو يتصل بماهية الأسئلة بعامة بنحو قد يحيلنا إلى التعامل معها بشكل مغاير لما جرت عليه العادة. إذ ما الذي يدفعنا إلى تكوين إجابة حيال السؤال؟ هل تمثل الإجابات تصوراً نهائياً يعالج ما يتضمنه من إشكالية، أم إن الجواب لا يعدو كونه عملية إعادة إنتاج للتساؤل وصياغة متجددة للاستفهامات، توسع إطارها وتستوعب أبعاداً أكثر في موضوعها؟ وعلى هذا الأساس فهل من الضروري أن ننتظر إجابات ترضي فينا روح الحسم والنهائية حيال الأسئلة وهي تتزايد يوماً بعد آخر؟ رغم أن (خاتمي) لم يخيب ظن (تشارلي ريز)، بل راح يستعرض الموقف الإيراني التقليدي من الولايات المتحدة في إطار مبدأ نـزع التوتر الذي يعتمده منذ خمسة أعوام تقريباً، غير أنه ترك ذلك كهامش على بضعة جوانب أثارها كإجابة رئيسية لسؤال محاوِره قائلاً: إن الحوار يتطلب تغييراً في لون رؤيتنا للإنسانية، ولا يمكن لحوار الحضارات أن يتحقق إلا حين نؤمن بضرورة الإنصات للآخر، بمعنى أن نفتح عوالمنا الداخلية أمام الآخرين. يجب أن يكون الحوار شيئاً آخر يتحرك في آفاق أبعد من تلك التي تجري فيها المباحثات السياسية، وهو ما سيترك نتائج في إطار العلاقات السياسية أيضاً.
إن خاتمي يلوح في حديثه هذا إلى آفاق ذات طابع مغاير للعبة السياسية يتصل بدور الفكر في تأسيس العلاقة بين شعوب العالم. وحينما عملت في تعريب كتاب خاتمي الأول في هذه المجموعة (المجتمع المدني: مقاربات في دور المرأة والشباب) سرعان ما تبادرت إلى ذهني دعوات أفلاطون إلى منح الدور الأكبر للفلاسفة في الشأن السياسي، وبعد أن واصلت الشوط مع أعماله الأخرى وجدته يستلهم أفلاطون حقاً، ويتشبث بقوة بنموذجه للمدينة الفاضلة. فهو يعود في كتابه هذا (حوار الحضارات) إلى التأكيد على مشروعه الأفلاطوني، كما يحلو لي أن أسَمِّيَه، ولا يفتأ يردد في مناسبات مختلفة في دور الفكر والثقافة مبشراً بمشروع ضخم يطمح إليه: آمل أن يكون القرن الجديد قرن حوار للحضارات بديلاً عن صراعها وصدامها، وأن يكون قرناً للمفكرين بنحو يجعل رجال السياسة منقادين إلى رجال الفكر وتابعين لهم.
يذكرنا حديث خاتمي هذا بنص شعري لسهراب سبهري رائد الحداثة الشعرية في إيران، يقول فيه:
[بدلاً عن رجال السياسة اغرسوا الأشجار كي يتغير الهواء!]
ذلك أنه يواصل التأكيد هنا على أن حواراً حضارياً كهذا لن يكون السياسيون أبطاله، بل ذلك دور يتعين على رجال الفكر الاضطلاع به. كما أنه لا يخشى من إعلان انحيازه إلى فكرة أفلاطون، حتى لو كانت مدينته الفاضلة خيالاً أو يوتوبيا لا مكان لها في أرض الواقع حين تدعو إلى أن يكون السياسي فيلسوفاً، فخاتمي يعتقد أن السياسة لا بد أن تكون تابعة إلى الفكر منقادة نحوه من أجل تغيير العالم.
وقد تنبه إلى ذلك غير واحد من المراقبين، وحين جاء (حسن حنفي) إلى طهران، والتقى (خاتمي) نهاية شهر كانون الثاني (يناير) المنصرم، على هامش ندوة الحوار العربي الإيراني التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتنسيق مع مركز الأبحاث التابع لوزارة الخارجية الإيرانية، لاحظ أن (خاتمي) يخصص لحديث الثقافة والمثقفين مكانة متميزة بين همومه، فعنون حنفي مقالاً له في صحيفة الزمان (لندن) بعبارة (مع خاتمي تتولى الثقافة توحيد ما فرقته السياسة). ومن المثير أن (حسن حنفي) يهمس في أذن بعض أصدقائه في طهران بأن (خاتمي) وتياره في حقيقة الأمر هم جزء من تلاميذي وأنصاري. وذلك حين يقال له: إنك مفكر بلا جمهور!
غادامر وخاتمي: بعيداً عن السياسة
قال ناقد عربي شهير نهاية عام 1999م، إن مطلع القرن العشرين امتلأ عربياً وإسلامياً بتصميم على دخول العصر، لكننا نلمح في مطلع القرن الجديد تصميماً على الخروج من العصر. ورغم ما تمتلك هذه الرؤية من مبررات شتى إلا أن تياراً يحرص على استبقاء قدر ضروري من التفاؤل راح يتحدث بلغة أخرى. ونجد أن الفيلسوف الألماني الراحل جورج غادامر بوصفه شاهداً على القرن العشرين الذي عاشه من عامه الأول حتى عامه الأخير (توفي بداية العام الحالي)، لا يترك فرصة للتفاؤل أو التشاؤم بل يتناول حقيقة راحت تعلن عنها تجارب القرن الغنية بنحو استثنائي: أرى أن عالم اليوم لم يحقق تقدماً في سبيل الحوار، لكن الحقيقة القاسية للمستقبل تجبرنا على الحوار الحقيقي. . . الذي يتيح التعرف على الآخر.
يدرك خاتمي هذه الضرورة بنحو جيد فينطلق منها معتبراً حوار الحضارات بديلاً مرجعياً لأساس تقليدي قامت عليه العلاقات الدولية خلال القرن العشرين، وهو أساس القوة والهيمنة، وهكذا يطمح إلى جعل الحوار نموذج القرن الحادي والعشرين في منطلق العلاقات بين البلدان والشعوب ضرورة يقسرنا عليها المستقبل قبل كل شيء. ويبدو خاتمي هنا وهو يماشي أحياناً (موضة) النهايات التي سادت نهاية القرن، فيحاول التلويح بما يشبه لغة النبوءة: كان القرن الماضي يتحرك في مدار السيف، وفي حركته تلك خرج بعض خاسرين في حين حقق آخرون النصر. غير أن القرن الجديد لا بد أن يتحرك في مدار الحوار، وإلا فسيتحول ذلك السيف إلى حسام قاطع لا يعرف الرحمة أبداً. كثيراً ما كان الطغاة الذين يشعلون نار الحروب. . . في طليعة ضحاياها. إن هذه الحقيقة هي إحدى تبعات العولمة وإفرازاتها.
تعبر موضوعات هذا الكتاب عن استيعاب عميق يستحق التثمين للصلة الوثيقة بين الثقافة والسياسة والعناصر المتعددة التي تتدخل في تركيب جوهر الإنسانية. وليست كلمة الثقافة مقحمة بنحو شكلي ومفتعل في عناوين الكتاب، إذ إنه يخصص جانبا مهماً لرصد لقاءات عديدة بين عظماء من الغرب مثل غوته ونيتشه وغيرهما، وكبار من الشرق من طراز محمد إقبال وجلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي، بنحو يذكرنا بما افتتح به روجيه غارودي كتابه (حوار الحضارات) من لقاءات متعددة رصدها في العطاء الحضاري من وادي الرافدين ووادي النيل حتى حضارتي المايا والأنكا، ومن ديانات الهند والصين حتى اليهودية والمسيحية والإسلام.
وحين يتحدث خاتمي عن الحضارة والتاريخ فإنه يتحرك في ضوء خارطة واسعة من الهموم، ونلمح تأكيداً يلفت النظر إلى العلاقة بين الإنسان والحرية. فتاريخ الإنسان هو تاريخ الحرية صعوداً وهبوطاً، ويتحرك تاريخ العالم بأسره نحو الحرية. إن الحرية هي معطى حتمي لسنة الله في التاريخ. يكشف ذلك فيما يكشف مدى تأثير هذا المفهوم في المؤلف وحجم إصراره على ملاحقته، رغم ما تشي به التعبيرات تلك من طوباوية ومثالية إلى جانب قدر من التخييل الشعري والنـزوع الصوفي الوجودي.
حين يظل خاتمي بعيداً عن السياسة في معظم موضوعات الكتاب، فإنه يحرص على التوغل في عمق الحوار الحضاري ليحاول تجسير العلاقة بين الشرق والغرب فلسفياً. يقول: إن قصة الأنثروبولوجيا الفلسفية وحديث (معرفة النفس) و(فقه الأنا) أو الوعي بها، تمثل ليالي طويلة في (ألف ليلة وليلة من تاريخ الفلسفة). وقد جرى ترتيل بعض تلك النصوص في الشرق وبعضها الآخر في الغرب، غير أن المهم هو أن نصوص الرواية الشرقية تلقي ضوءاً على الجانب المشرقي في وجود الإنسان وجوهره، على حين تتولى الغربية منها مقاربة الجانب الغربي منهما. والإنسان هو نقطة اللقاء بين مشرق الروح ومغرب العقل، ولا شك أن إنكار أي بُعد من أبعاد الإنسان يؤدي إلى تشويه ما نحمله عنه من مفهوم وجودي.
إن (خاتمي) يحمل كلماته هذه إلى برلمان إيطالية والمفكرين الألمان وجامعات الصين وقاعات نيويورك، ليضيف إلى عالم السياسة نكهة لم نألفها سوى في حلقات النقاش الفكري وعلى الطاولة الأكاديمية المستديرة. إنه يحاول (غرس الأشجار بديلاً عن رجال السياسة)! كما يقول سبهري.
الملفت للنظر أنه وفي إطار همومه ذاتها لا يترك فرصة تمر إلا وينوه بمشروعه الإصلاحي في إيران. . . نخوض اليوم تجربة جديدة سعياً إلى بناء مجتمع مدني وتحقيق ديمقراطية تنسجم مع ما آمن به الشعب منذ فترة طويلة. ويمكن لهذا أن يستنقذ الإسلام من الدائرة الضيقة للرؤى السكونية الجامدة أو المتخلفة من جهة، وأن يصون الحقيقة الإسلامية حيال ألوان الهوس ونزعات الانزواء. إن الإصلاحات دفاع عن حرمة الإنسان وحقوقه ودعوة إلى العقلانية والتعقل. إضافة إلى أنها تسعى إلى القضاء على الفقر والتمييز والدفاع عن حقوق المواطَنة والاهتمام بالعدالة الاجتماعية.
ورغم أنه يتحدث كثيراً عن الماضي الحضاري ومجده بنحو يبدو على سبيل التغني الرومانسي الحالم الذي ينطوي على هروب من الحقيقة، إلا أنه يحرص أيضاً على توجيه نقد ذاتي عنيف أحياناً يتجلى من خلال أسئلة يبرع في صياغتها بنحو يجعلها تمس الجذور الأساسية للإشكاليات الراهنة.
أسئلة الحوار
رغم أن الكتاب يتضمن عبارات مجاملة تمتدح الغرب بطريقة ربما لا تبدو مألوفة في كلمات كهذه، بيد أنه يعمد إلى لغة مواجهة حادة وصارمة يتبدى فيها بعد راديكالي ربما في شخصيته، فهو لا يتردد حين يخاطب السفراء الأجانب الممثلين للغرب قائلاً: لماذا لا يتم في المستوى الدولي استقطاع الضرائب من تلك البلدان التي حققت التقدم بفضل استثمارها لإمكانيات الدول الأخرى، وما يتوافر فيها من طاقة ومواد خام وأيدٍ عاملة رخيصة؟ لماذا لا تسدد هذه البلدان الضرائب للبلاد التي تعاني الحرمان لقاء ما استغلته من ثرواتها وحققت بفضله التقدم في سائر المجالات؟ . . . لنغض النظر عن حديث الضرائب، خذوها فهي هبة لكم، ولكن كفّوا عن الظلم واتركونا وشأننا نتمتع بحقوقنا الطبيعية!
يشكو المقربون من خاتمي أن مشروعه هذا قد تعرض إلى الجفاء في إيران إلا أن عزاءهم في ذلك ما حظي به من ترحيب دولي واسع، كما لاحظنا أنه تحول داخل إيران أيضاً إلى موضوع أثار نقاشات واسعة، فضلاً عن المراكز البحثية التي تأسست خصيصاً لتناوله، ومن أبرزها المركز الذي يديره وزير الثقافة السابق عطاء الله مهاجراني.
حين لا أجدني راغباً هنا في الحديث عن هموم التعريب مع النص الفارسي وهو أمر يغيب في ثقافتنا العربية لندرة ما يترجم من هذه اللغة، أرى من الضروري أن أشير إلى أن موضوعات الكتاب الحالي تمثل محاضرات ألقاها الرئيس خاتمي في مناسبات مختلفة، ومن الطبيعي أن تواجه الترجمة تحدياً إضافياً في ذلك لتجريد النص من الطابع الشفهي. وقد راعينا في هذا جانب الأمانة في النقل ما وسعنا، مع الاضطرار في بعض الأحيان إلى حذف بعض الفقرات التي حملت تكراراً لا يتحمله النص المدوّن، أو التي تمثلت بعبارات تحية ومجاملة لا علاقة لها بالموضوع. وقد تطلبت طبيعة الموضوعات هنا إعداد هوامش إيضاحية بدت أكثر من المعتاد، حاولت من خلالها أن أضع القارئ في صورة بعض الأحداث أو المصطلحات العلمية التي ذكرها المؤلف ما وجدت في ذلك ضرورة، إلى جانب بعض الإيضاحات بشأن الترجمة الصحيحة التي أقترحها لمصطلح هنا ومفردة هناك، مما سيجده القارئ في هوامش المترجم. واعتمدنا في هذا على مصادر عديدة أذكر منها: قاموس المورد، وموسوعة المورد الحديث لمنير بعلبكي، وموسوعة الفلسفة لعبد الرحمن بدوي، والمعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة لعبد المنعم الحفني، ودائرة المعارف البريطانية Encyclopedia Britannica 2002 إضافة إلى معجم الفارسية للعلامة دهخدا (لغتنامة دهخدا) وغيره من المعاجم. ولم نذكر المصدر في كل هامش وذلك لتعدد المصادر في كل هامش، حيث لم نجد في الغالب معطيات جاهزة، بل احتاج الأمر إلى لون من الجمع والتلفيق والاستنتاج بحيث أصبح من غير العملي فرز المعلومات حسب مصادرها.
أجد لزاماً علي هنا أن أكرر ما حرصت على ذكره في الكتب السابقة، فأتقدم بالشكر إلى كافة الذين خرجت بفضلهم هذه الترجمة، وحيث لا يسعني الإشارة إليهم جميعاً لا أجد بداً من شكر أسرة دار الفكر ومديرها العام الأستاذ محمد عدنان سالم الذي يتبنى هذا العمل، إضافة إلى الأستاذ عبد الجبار الرفاعي الذي لم يبخل بما يتكون لديه من ملاحظات واقتراحات.
والله الموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
25/5/2002م
سرمد الطائي
ترى هل أخذت البشرية درساً من مرارة الحوادث الدامية في القرن العشرين؟! وهل سيكون الحوار بديلاً عن الصِّراع؟! هل ستترك محاولات الهيمنة مكانها للتفاهم ومحاولة استيعاب الآخر؟!
إن مالاقاه مشروع ((حوار الحضارات)) الذي اقترحه الرئيس خاتمي على هيئة الأمم موضوعاً للسنة الأولى من القرن الواحد والعشرين من ترحيب واسع لَيَعْكسُ رغبة عارمة تتملك العالم في مطلع الألفية الثالثة تتوجه به نحو التخلي عن أُنموذج الصراع وإعادة بناء الحياة في ظل أُنموذج آخر..
فكيف يرى هذا الكتاب حوار الحضارات ياترى؟!
وهل سينجح حوار الحضارات؟
حوار الحضارات
تأليف: محمد خاتمي
يتناول هذا الكتاب مفهوم حوار الحضارات والشروط المسبقة للحوار، ومنجزات الحوار، وما يلعبه كل من العالم الإسلامي والغرب.
يبدأ بالحديث على ما تضطلع به مؤسسات دولية كالأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز. ثم يتناول الشروط المسبقة لحوار الحضارت. والتواصل المباشر وجهاً لوجه بين الناس الذي هو مقدمة للحوار الذي يمثل بدوره شرطاً ضرورياً لتحقيق السلام. ثم يتحدث عن دور اليونسكو وهدفها الحقيقي المتمثل في غرس مفهوم السلام في العقل الإنساني وهو ما يخدم حوار الحضارات والثقافات بين الشعوب. ثم تحدث عن العلاقة بين الأخلاق والسياسة في حوار الثقافات. ثم التكافؤ في الاستحقاق كشرط آخر في حوار الحضارات. والإيمان الديني ودوره في تحقيق حوار الأديان الذي هو مقدمة ضرورية لتحقيق السلام الدائم بين الشعوب.
بعد ذلك ينتقل إلى الحديث عن الغرب وحوار الحضارات، وتحدث عن مفهوم (الشخص) في الفلسفة الغربية وتفسير هذه الفكرة على أساس المنهج العرفاني الإسلامي. ثم تناول حوار الشرق والغرب والمساعي العالمية المشتركة التي تستهدف تحقيق الازدهار الروحي والتنمية المادية للإنسان، ثم حوار الحضارات الآسيوية.
ثم تحدث عن العالم الإسلامي وحوار الحضارات، وتناول الحديث عن الخلافات الفقهية والكلامية فيه وضرورة تجاوز هذه الخلافات حتى تتحرك نحو المستقبل، ثم تحدث عن حوار الأديان وضرورته. ثم تناول الحديث عن السلام والمجتمع المدني العالمي ودوره الفاعل في تكريس رؤية نقدية حيال التبعات السيئة لحضارة الإنسانية.
ثم يتناول الكتاب الحديث عن الديمقراطية الدولية ودورها في نظام عالمي جديد من خلال حوار الحضارات. وينتقل إلى موضوع الهجرة وحوار الحضارات ودور المهاجرين في الوعي بالآخر وحضارته. ثم يتحدث عن الحوار ضمن الدوائر غير السياسية أي الحوار بين المفكرين والمثقفين والعلماء. ويختم الكتاب بملاحظات حول موضوع حوار الحضارات.