مدخل
ذكر تقرير للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) نشر في الأسبوع الأخير من الشهر الأول لعام (2001م)، أن محركات سبعة ستقود العالم حتى عام (2015م) تتفاعل فيما بينها وتتقاطع... تتدافع وتتوازى، وتعدُّ الموارد الطبيعية والبيئية بعد السكان محركها الثاني، وتشمل هذه الموارد الغذاء والمياه والطاقة، ويشير التقرير إلى أن نحو (80%) من النفط وَ (95%) من الغاز في العالم لا تزال كامنة في بطن الأرض.. وتتوقع دراسة لوكالة الطاقة الدولية (IEA) أن يزيد معدل استهلاك الطاقة بمعدل (60%) خلال العقدين القادمين، وعلى العالم أن يسعى بكل جهد ويحشد طاقاته للبحث عن مصادر جديدة للطاقة، ويستغل كل المصادر المتوافرة له حالياً على نحو أفضل... وتقدِّر الدراسة احتياطيات النفط بـ (1150) مليار برميل، أي ما يغطي الاستهلاك ما بين 80 إلى 100عام، أما احتياطيات الغاز الطبيعي فتكفي لنحو (80) عاماً أخرى عدا الاحتياطيات غير الرسمية، أو تلك التي لم تكتشف بعد... وترى دراسات متاحة أخرى أن الطلب العالمي على النفط سوف ينمو بمعدل (2%) سنوياً في المتوسط خلال الفترة (2000 - 2020م)، وبذلك يرتفع الاستهلاك اليومي من النفط من نحو (74) مليون برميل يومياً عام (2000م) إلى ما هو عليه في العام (2002م) والذي يبلغ نحو (77) مليون برميل سنوياً، ثم إلى (115) مليون برميل يومياً عام (2020م)، وهو ما يزيد بنحو (39) مليون برميل، أو ما يعادل (53%) عن الاستهلاك في مطلع العام (2000م).
ويتركز أكثر من ثلثي احتياطيات النفط في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي أثار دائماً قلق الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، مما يدفعها لمحاولة فرض هيمنتها على هذه المصادر بوسيلة أو بأخرى... وفي هذا الإطار ترى دراسة المخابرات المركزية الأمريكية أن على الولايات المتحدة دوراً يجب أن تؤديه في العالم من خلال استمرارها كقوة قائدة في النظام العالمي بسبب تفوقها العسكري والتكنولوجي الذي سوف يتصاعد خلال فترة الخمسة عشر عاماً، ويؤكد التقرير: ((أن نفوذ الولايات المتحدة الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي والدبلوماسي على مستوى العالم سيكون بلا مثيل بين الدول الأخرى بحلول عام (2015م)...
وتشير وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن المجموعة الصناعية الغربية سوف تعتمد على دول أوبك الواقعة في منطقة الشرق الأوسط لتوفير نحو (76%) من وارداتها النفطية بحلول العام (2020م)، وأن المنافسة قد تتقدم للحصول على النفط، وتعدد الدراسة الدول التي يمكن أن يمارس عليها ضغط غربي لزيادة إنتاجها وهي الدول الست التالية: المملكة العربية السعودية، الإمارات، الكويت، العراق وإيران ثم فنزويلا، وبذلك يرتفع نصيب الدول الست الكبار من الطاقة العالمية لإنتاج النفط إلى نحو (43%) بحلول عام (2020م) أي من حوالي (27) مليون برميل حالياً إلى نحو (50) مليون برميل يومياً عام (2020م)، أما الدول الخمس الباقية من أعضاء أوبك فلا يتوقع أن تتجاوز طاقتها الإنتاجية مجتمعة (9) ملايين برميل يومياً، وبذلك ترتفع الطاقة الإنتاجية لمجموعة أوبك من نحو (35) مليون برميل يومياً في الوقت الحاضر إلى نحو (59) مليون برميل بحلول عام (2020م)، ومن المتوقع أن ترتفع الواردات النفطية الأمريكية في الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى (65%) من استهلاكها زيادة من (36%) حالياً، بزيادة استهلاك من حوالي (12) مليون برميل يومياً إلى (17) مليون برميل يومياً، لذلك بدأت منذ حين، وفي ظل النظرة الأمريكية المتعالية على العالم، بدأت أصوات أمريكية ترتفع مطالبة برفع دعاوي ضدّ أوبك واتهامها بمخالفة قوانين الاحتكار الأمريكية، في حين يستمر آخرون بالتحريض ضدَّ الدول النفطية في أوبك واتهامها بأنها وراء المزيد من المشاكل التي يعاني منها المستهلك الأمريكي.
ويضيف السيناتور الأمريكي (هيرب كوهل) إلى ذلك قوله: ((إنه طالما تركت أوبك لكي تتحكم بالعرض والطلب العالمي على الطاقة، فإن علينا أن نتوقع المزيد من الصدمات))... وقد استغلت القوى اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية أحداث أيلول (2001م) لإطلاق صفة الإرهاب على كل من يعارض الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى كل الدول التي تعارض مصالح الولايات المتحدة، وليس بعيداً ارتباط تسمية (محور الشر) بالدول النفطية إذا استثنينا كورية الشمالية... خاصة في ظلِّ إمكانية قيام هذه الدول بتنسيق إمداداتها النفطية، أو مساندة أسعارها وحمايتها من التآكل، وذلك بدعوى أن هذه السياسة تهدد أمن المواطن الغربي والأمريكي، وتعرِّض اقتصاده للدمار، وهذا ما يتيح للولايات المتحدة التي أعلنت صراحة أنها لن تتردد باستعمال قوتها ضدَّ الدول التي تهدد مصالحها، يتيح لها استعمال أية وسيلة ضغط بما فيها الحرب ضدَّ الدول النفطية، ولا سيما أن أمريكا انتقلت مع نهايات القرن الماضي إلى عصر أحادي القطب، والذي تزامن مع احتلالها لأكبر اقتصاد عالمي (30.9%)، والأكثر تطوراً تقنياً، مع قوة عسكرية متقدمة وهائلة تعطيها سبقاً سياسياً بعيداً على ما عداها... وإدارة السياسة بعقلية تجارية استثمارية، ومن الطبيعي التفكير باستخدام كل عناصر التفوق هذه، شاملة القوة العسكرية لضمان استمرار شروط التفاوض لصالحها كقطب أوحد، وتدعم وثيقة ((استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة)) التي نشرتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في 17 أيلول (سبتمبر) 2002 الذرائع التي تقدمها الإدارة الأمريكية لتصعيد هائل للنزعة العسكرية، حيث تؤكد الوثيقة حق الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام القوة العسكرية في أي مكان من العالم، وفي أي وقت تختاره، وضدَّ أي بلد تعتقد أنه، أو ترى أنه ربما يشكل في وقت ما تهديداً للمصالح الأمريكية، ولم يحدث لدولة خلال التاريخ الحديث، ولا حتى ألمانيا النازية في ذروة جنون هتلر أن أعطت لنفسها حقاً شاملاً كهذا في الهيمنة على العالم على النحو الذي تفعله الولايات المتحدة حالياً...
وقد أتاح زوال الاتحاد السوفييتي للولايات المتحدة الأمريكية الفرصة لإقامة هيمنة دولية غير قابلة للتحدي، وكان لزاماً على الولايات المتحدة أن تستغل ما أشار إليه الكاتب الصحافي الأمريكي اليميني (تشارلز كروتشامر) عام 1991م على أنه: ((لحظة أحادية القطب لإقامة وضع دولي مسيطر بصورة مطلقة)) وأنه: ((لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتردد في استخدام القوة العسكرية للوصول إلى كل ما تبتغيه، وينبغي معاملة الأوروبيين واليابانيين باحتقار، وإجبارهم على الاعتراف بأن عليهم أن يتعاملوا مع الولايات المتحدة من موقع التوسل، وقد حان الوقت للولايات المتحدة لكي تمارس سلطتها بمفردها، وتضع دون خجل قواعد النظام العالمي، وأن تكون مهيأة لفرضها)).
والرسالة التي تبعث مثل هذه الأفكار، أو الوثيقة أعلاه بعد تجريدها من اللباقة في التعبير واضحة للغاية، فحكومة واشنطن تؤكد حقها في أن تقصف وتغزو وتدمر أي بلد تختاره، وهي في الواقع ترفض احترام سيادة أي دولة أخرى وفقاً لنصوص القانون الدولي، وتحتفظ بالحق في أن تتخلص من أي نظام آخر في أي جزء من العالم بذريعة أن هذا النظام يمكن أن يصبح ذات يوم معادياً لما تعتبره واشنطن مصالحها الحيوية. وتقول الوثيقة: ((بينما تستمر الولايات المتحدة في سعيها الحثيث للحصول على تأييد المجتمع الدولي فإننا لن نتردد في التصرف وحدنا))، والملاحظ مع مطلع الألفية الثالثة أن مصالح الولايات المتحدة في العالم والتي يمكن أن تأخذ أي منها ذريعة للهجوم على أي بلد آخر كثيرة، ودون انتظار حتى موافقة الدول الأخرى، أو المرجعية الشرعية الدولية، وهي هيئة الأمم المتحدة يأتي في مقدمتها النفط، الذي تضمن من خلال السيطرة عليه ليس تأمين طاقة رخيصة ومستمرة التدفق وفق المصلحة الأمريكية للاقتصاد الأمريكي، وتمكين المنتج الأمريكي من المنافسة وحسب، بل أيضاً إمداد العالم بالنفط، ووفق المصلحة الأمريكية، بما يعني تحكم واشنطن بالدول التي تحتاج هذه الطاقة، وهي العالم كله، وفي مقدمته الدول المنافسة من الدول الصناعية الأخرى، والضغط عليها لمصلحتها أيضاً مرة أخرى، وتأسياً على ذلك يأتي العراق هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة يجب إخضاعه في مقدمة الأهداف ذات الأهمية الخاصة، ولا سيما أن الكثير من الوثائق التي أعدها استراتيجيو الجناح اليميني في الإدارة الحاكمة في واشنطن تشير إلى أن الإطاحة بالنظام العراقي سوف توفر للولايات المتحدة سيطرة استراتيجية على النفط، وهو المورد الفائق الأهمية بالنسبة إلى اقتصاديات منافسيها الاقتصاديين والعسكريين المتمثلين في أوروبة واليابان... وقد سبق أن بشَّر بالأهمية الحساسة لمنطقة الخليج العربي بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية الكاتبان الأمريكيان (جورج فريدمان) و (ميريديث ليبارد) في كتابهما (الحرب القادمة مع اليابان) والصادر عام (1991م)، حيث ذكرا أنه: ((وبالنفط يغدو الخليج العربي أكثر بكثير من مجرد قضية إقليمية، ويصبح مفصل الاقتصاد العالمي))، ويضيفان: ((إن السيطرة على المنطقة سوف تفتح الباب لسيطرة دولية غير مسبوقة!))... كذلك فإن من أبرز ما تراه أمريكا مصلحة لها هو توسيع التجارة الحرة، وفتح الأسواق بزعم أن ذلك ما هو إلا: ((استراتيجية أمامية من أجل الحرية))، كما يرى الرئيس بوش الابن، ويعدُّ تحرير التجارة من الأولويات التي أعلن الرئيس بوش التزامه بها، بدعوى أنها ستحافظ على استمرارية الرخاء والمستوى المرتفع لقدرات بلاده التنافسية في الأسواق العالمية، وحسب الرئيس بوش وإدارته فإنه كما تدخل السلع والخدمات الأمريكية إلى الدول الأجنبية، فإن القيم الأمريكية تدخل معها... وقد نظلم الحزب الجمهوري بإدارته اليمينية المتطرفة الحاكمة الآن إذا قلنا: إن الحزب الديمقراطي لا يرى هو أيضاً في القوة وسيلة الهيمنة الوحيدة رغم ما نسمعه من اعتراضات على نظرية شن حرب على العراق، فلم يؤدّ انتخاب الرئيس الأمريكي السابق (بيل كلينتون) إلى أي تغيير مهم في موقف المخططين العسكريين الأمريكيين الذي يتسِّم بالعدوانية المتنامية، حيث إنه وتحت شعار: ((صياغة العالم من خلال الانخراط في العمل)) الذي يتفق عليه الحزبان شهدت تسعينيات القرن الماضي انبثاق إجماع سياسي داخل كليهما. على أن القوة العسكرية تعدّ الوسيلة الرئيسية التي سوف تحقق الولايات المتحدة بواسطتها الهيمنة الكونية بعيدة المدى.
والواقع أن الرئيس السابق (كلينتون) كان قد بشَّر قبل الرئيس بوش الابن بأن القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون أمريكياً... ويرى الكاتب (ديفيد نورث): أن الإصرار على الدور الحاسم للقوة العسكرية لا ينبع من قوة أمريكية، بل من الضعف الكامن في الرأسمالية الأمريكية. ويؤكد: ((في جوهر الأمر فإن النزعة العسكرية عرض من أعراض الانحطاط الاقتصادي والاجتماعي)).. كما أن التفكير بالنفط العربي بالتالي تعبير آخر عن انهيار الفاعلية الاقتصادية الأمريكية، رغم تنامي حجم اقتصادها، إذ إنه ومع استمرار استهلاك النفط بالمعدلات الحالية يتوقع أن تنتهي الاحتياطيات النفطية الأمريكية بعد عشرة أو خمسة عشر عاماً، بالتالي لا بدّ من الوصول إلى النفط العربي بعد أن تمت السيطرة بأشكال مختلفة على نفط الدول الأخرى ولا سيما منطقة القوقاز... حيث نجحت الشركات الأمريكية في إقامة أوّل مشروعاتها العملاقة لاستغلال احتياطيات النفط والغاز الهائلة في آسية الوسطى، بعد أن وقع المسؤولون في الباكستان وأفغانستان وتركمانستان في إسلام أباد اتفاقاً وصفوه بالتاريخي، وذلك أواخر شهر أيار 2002م يشكل الخطوة الأولى على طريق مد خط لأنابيب الغاز بين تركمانستان وباكستان عبر أفغانستان، ويرى كثير من المحللين أن احتياطيات النفط والغاز الهائلة في آسية الوسطى كانت السبب الرئيسي للحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان، إذ إن سقوط حركة طالبان مهَّد الطريق لمشروعات الغاز والنفط التي تمولها الشركات الأمريكية، والتي تأمل واشنطن من ورائها زيادة وارداتها من نفط بحر قزوين بشكل خاص!!..
لا يمكننا إلا أن ننظر إلى النفط بوضعه هدفاً أساسياً في كل تحركات الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية الألفية الثالثة بشكل خاص، وعلى الأقل في المرحلة الراهنة بدءاً من قزوين وأفغانستان ومروراً بالعراق، وانتهاء بالسعودية ولا ندري إلى أين يمكن أن تصل الأطماع الأمريكية للسيطرة على نفط العالم من أجل أمريكا أقوى وأكثر هيمنة وأشد بأساً وبطشاً..
ومع ما يُعلن من استعدادات للحرب على العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل فإن الأمريكيين يعلمون قبل غيرهم أنها ليست موجودة إلا في خطة مبرراتهم المزعومة للعدوان..
هذا مع أهمية الوجود العسكري المستخدم للتخويف أو التحرك من العراق نحو جاراتها إذا استدعى الأمر ذلك.
الكتاب يكشف أموراً هامة في مجاله.
قضية ساخنة تتناول النفط في العالم ، والنفط العربي في الصراع العالمي، والولايات المتحدة والحلم الإمبراطوري، والحرب على العراق ، والمستفيد من هذه الحرب.