يندر أن تجد من يعتقد أنه لا يعرف شيئاً عن أمريكة، ومن ليس عنده أي موقف تجاه هذا البلد. ولا يخفى أن غالبية الناس حين تتكلم عن الولايات المتحدة تتكلم من منظور سياسي - والسياسة الخارجية بالذات - أو تختزلها للهوها وأفلامها وتقليعاتها. وعلى هذا؛ كان الهدف العام لهذا الكتاب إعطاء فكرة شاملة ومتوازنة عن المجتمع الأمريكي بكل تراكيبّته الفائقة. وإذ يتجنَّب الطرح عقلية " إيجابيات وسلبيات " على أنه مدخل تبسيطي لا يستقيم مع التحليل الجادّ، فإنه يحاول الحديث عن المجتمع الأمريكي من خلال تتبع تفاعل العوامل المتقابلة والمتعارضة التي تُنتج نموذجاً فريداً يُدعى " أمريكة ".
يستهل الكتاب تلخيص مكثف للمفاصل التاريخية التي تركت بصماتها على كل ناحية من نواحي الحياة، ثم يحلّل تشكل القيم الأمريكية من خلال تفاعل الخلفية المسيحية والطروحات الليبرالية. ويُعير الكتاب أهمية فائقة لمسألة التعددية والعلاقات الإثنية ويجعلها خيطاً يربط فصوله باعتبارها بآن واحد مكمن قوةٍ ومصدراً رئيساً للتوتر. واستجابة لحاجة القارئ، يرصد الكتاب تطور الوجود العربي في الولايات المتحدة ويقارنه بالتجربة اليهودية وفق منهجية علمية، ثم يُتبع ذلك برصد تطور الوجود المسلم. أما الفصل الختامي فإنه يقترب من الواقع ليجيب عن أسئلة شائعة حول الولايات المتحدة؛ لتكتمل صورة هذا البلد.
التزم الكتاب منهجية علم الاجتماع التي تورد الشواهد والدلائل الحسية، ولا تقف عند التجريد والتأمل، كما استخدم أسلوب الكتب التدريسية التي توازن بين عمق الفكرة وسهولة الصياغة، بالإضافة إلى جلب الأمثلة للمساعدة على الفهم وإبعاد الوهم. وإن الأمل أن يكون في الكتاب مساهمة نوعية، تساعد على تحيُّل أمريكة وفك لغز مجتمعها المحيّر، ومادة مفيدة لمن يريد دراسة هذا البلد أو التواصل مع مجتمعه.