مقدمة الأمراض التنفسية من أكثر الحالات الطبية انتشاراً، ويبدو أن الجميع يعانون نوعاً من الشكوى التنفسية. مشكلات الجيوب الأنفية والزكام والحمى واحتقان البلعوم وتخرشه وبـحَّـة الصوت وتهيج الأنف وسيلانه وحكة العين والتحسس وضيق التنفس والربو وحمى القش وحكة الأذن؛ يعاني كل شخص بين حين وآخر من هذه الحالات. الحالات التنفسية وباء عالمي اليوم، وتحدث فوعات كبيرة في أنحاء العالم باستمرار. والحقيقة أن خطرها يستمر خلال الفصول المناسبة من السنة. وتزداد نسب الإصابة بالربو والتهاب القصبات والسعال المستمر وذات الرئة والتهاب الجيوب وانتفاخ الرئة وبنسب مخيفة. وتعود الأمراض التي اعتبرت تحت السيطرة أو أنه تم القضاء عليها للظهور الآن، حتى السعال الديكي يعود اليوم للظهور. تشكل الاعتلالات التنفسية معضلةً، ويصاب مليارات الأشخاص بها ليس سنوياً بل يومياً، لكن لا بقاء للمعاناة من هذه الحالات التي لا تنتهي، فهناك علاج وهو من الطبيعة. على العكس من هذا تخفق الأدوية في شفاء الاعتلالات التنفسية. ويعد الربو وانتفاخ الرئة مثالين ممتازين لم يظهر بعدُ دواء قادر على الشفاء منهما، بل إن الأدوية التي تستخدم لهذه الحالات تسبب تفاقمهما. أما الأدوية الطبيعية فقادرة على شفاء الاعتلالات التنفسية لأنها تساعد وظيفة الرئة، كما أن هناك عدداً من المواد الطبيعية التي يمنع تناولها باستمرار الإصابة بالأمراض التنفسية. لابد من استعراض وظيفة الرئة لفهم السبب وراء الانتشار الواسع للأمراض المعدية. الغاية من الرئة هي معالجة الهواء، وهي عضو رخو قادر على سحب الهواء، ما إن يدخل الهواء إلى الرئتين حتى يتم ترشيحه، وتقوم الرئتان هنا بفصل الجيد عن السيئ، والصحي عن السام، والنظيف عن القذر. تشبه الرئتان نوعاً من المرشِّـح الحي مع قدرة على طرد أي شيء غير مرغوب فيه، وهذا يعني أنها قادرة على تنظيف الهواء إلى حد كبير قبل دخوله إلى الدم، فإذا أخفقت عملية التنظيف هذه تطور المرض. كما تقوم الرئة بفرز غازات الهواء فتمتص غاز الأوكسجين المانح للحياة وتتخلص من غيره. لا تقوم الرئتان بترشيح الهواء بل تقوم بهذا بقية الشجرة التنفسية بما فيها اللوزتان والجيوب الأنفية وفتحتا الأنف والقصبات الهوائية. عند إنهاك الرئة بسبب استنشاق السموم والأحياء الدقيقة وغيرها من الشوائب تصاب بالتهاب، وتحفز السموم الجهاز المناعي للرئة مؤدية إلى التضخم والالتهاب، وقد يؤدي هذا إلى صعوبة في التنفس وإلى تشكل البلغم و/أو السعال. في حال عدم معالجة التضخم والالتهاب تتجذر العدوى لأن احتقان الأنسجة يساعد النمو الجرثومي. ولحل هذه المشكلة لابد من تطهير الرئة من السموم و/أو الجراثيم. وسنقدم في هذا الكتاب المقاربة المناسبة لتحقيق هذا. الرئتان هما العضو الأكبر حجماً في الجهاز التنفسي، والضحية الرئيسة للأمراض التنفسية. وتشمل الأعضاء التنفسية الأخرى الرغامى، والقصبات الهوائية والجيوب الأنفية والممرات الأنفية والفم والقنوات الأذنية. نحن اليوم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الرئة وغيرها من الأعضاء التنفسية مما كنا سابقاً؛ فالهواء الذي نتنفسه ليس نظيفاً أبداً، بل هو ملوث بشدة ولا مفر من أذية الرئة، ولا يمكن لأيٍّ كان في العالم الغربي أن ينجو من هذا. هواء المدن شديد التلوث وكذلك هو في كل زاوية من الكرة الأرضية. حتى الهواء في الجبال العالية ملوث، ومن الواضح أن بعض المناطق أكثر تلوثاً من غيرها، وأشدها تلوثاً هي التجمعات الكبيرة مثل لوس أنجلوس ونيويورك وشيكاغو وروما واسطنبول والقاهرة وطوكيو ولندن وأنقرة وأثينا. لكن ليست هناك منطقة خالية من التلوث، والحقيقة أنه لا مفر من التأثيرات الضارة للهواء الملوث. يزيد ارتفاع درجة حرارة الأرض من هذه المعضلة، وتسرِّع حرارة الغلاف الجوي من سمية الملوثات المعلقة في الهواء. كما أن الجو الجاف يزيد من مستويات الجزيئات السامة نظراً إلى أن المطر يغسلها من الهواء. قد يزيل المطر النسبة العظمى من ملوثات الهواء. وتسوء نوعية الهواء بشكل كبير في الظروف شبه الجافة. يزيد قطع أشجار الغابات من مخاطر الملوثات التنفسية؛ فالأشجار هي الوسيلة الأساسية لإزالة غازات الكربون الضارة كثاني أوكسيد الكربون وأحادي أوكسيد الكربون من الجو؛ لذلك فالأشجار هي مرشحات الهواء الطبيعية، وتعمل على إبطال سمية ثاني أوكسيد الكربون والغازات المشابهة. تصنف غازات الكربون بين السموم التنفسية، وقد سرَّع تدمير الغابات المطرية من إطلاق جراثيم محددة في الغلاف الجوي، فتعداد متعضيات العفن في الغلاف الجوي اليوم مثلاً أكبر مما وصل إليه يوماً ما عبر التاريخ. السؤال هو: كيف يمكن للرئتين وبقية الأعضاء أن تحمي نفسها من هذه السمية؟ المؤكد أن الأدوية تزيد من تسمم الأنسجة، ولا تقدم من ثم أي قيمةٍ في حماية الرئة. وعليه، فمن الضروري أن نعود إلى أدوية الطبيعة بحثاً عن الحل، لكن ما الأغذية والمكملات الغذائية والفيتامينات والمعادن والتوابل والأعشاب التي تقدم فعل الوقاية الأقوى؟ وما الأعشاب أو النباتات ومستخلصاتها القوية بما يكفي لإيقاف الأعراض التنفسية و/أو شفاء المرض؟ خلايا الجسم البشري مركبة من مواد طبيعية، وآلية عملها متناغمة مع الطبيعة. والمكونات الداخلية للخلايا - أي آليتها الحية - تعيش على المركبات الطبيعية. على العكس من هذا تـتثبط هذه الآلية وتُـدمَّـر بسبب المركبات التي يصنعها الإنسان؛ إذ تدمر المواد الصناعية الخلايا بسهولة في حين تبنيها المواد الطبيعية. الرئتان حساستان جداً، وتضرُّ المواد الكيميائية السامة بهما بسهولة، في حين تعزز المواد الكيميائية الطبيعية كالمواد الموجودة في الأغذية والأعشاب والتوابل وظيفةَ الرئة. وبذلك يعد استخدام صيدلية الطبيعة الحـلَّ المنطقي الوحيد للوقاية و/أو شفاء الأمراض التنفسية. الجهاز التنفسي مجموعة من الأعضاء التي تعمل كوحدةٍ واحدة. وهو يتكون من الرئتين والقصبات الهوائية والحنجرة والجيوب الأنفية والفم وحتى القنوات الأذنية. الرئتان بالطبع هما الأكبر والأكثر أهمية، وهما تحتويان مليارات الخلايا الصغيرة التي تعرف بالأسناخ الرئوية، وتملك هذه الأسناخ سطحاً واسعاً وتوفر من ثم أرضيةً محتملة لتكاثر الجراثيم. الشكاوى التنفسية هي السبب الرئيس لزيارة الطبيب، وهناك مئات الحالات التنفسية التي تتدرج من البسيطة إلى الخطيرة، ومن هذه الحالات الزكام والحمى وخناق (الأطفال) والربو والتهاب القصبات وذات الرئة وذات الجنب، وفشل القلب الاحتشائي والتهاب الجيوب الأنفية والسيلان الأنفي، والصداع الناتج عن الجيوب الأنفية، والتهاب الحنجرة وبحة الصوت واحتقان البلعوم والتهاب اللوزتين، وانتفاخ الحويصلات الهوائية وآلام الأذن. غالباً ما تسبب الحالات التنفسية أعراضاً مؤقتة، وقد اعتاد الناس على أن الأعراض المفاجئة كالسعال واحتقان البلعوم واحتقان الأنف والسيلان الأنفي وارتفاع الضغط في الجيوب الأنفية ونوبات العطاس ونوبات الحرارة والبرد وغيرها تختفي بسرعة، لكن عدم معالجة الحالة و/أو إهمالها قد يؤدي إلى تطور مرض مزمن. بعض الأمراض التنفسية قاتلة كالربو وذات الجنب مثلاً، وتعد ذات الجنب من الأسباب الرئيسة للموت بين مرضى المشافي وبخاصة مرضى السرطان وذوي المناعة المنخفضة؛ فيموت الآلاف من مرضى السرطان سنوياً بسبب هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه. وغالباً ما يكون انتفاخ الجيوب الهوائية قاتلاً كما هي بعض الأمراض الرئوية النادرة الاسبستية (بسبب استنشاق غبار الاسبستوس) والسَّحار البرليومي (التهاب رئوي بسبب استنشاق البرليوم) والسيليكية (السَّحار الرملي). قد يكون السرطان الأكثر إثارة للرعب بين الأمراض التنفسية، وهو مرض مدمر ويتسبب عادة بالموت السريع. قد يهاجم المرض أي جزء من الجهاز التنفسي، ومع أنه يصيب الرئة عادةً، إلا أن سرطان الحنجرة وباء ينتشر في البلدان الغربية نتيجة التدخين بشكل رئيس، وهذا مثال آخر على الدمار الذي تتسبب به السموم التي ينتجها الإنسان. سرطان الرئة سببٌ رئيس للوفاة بين المدخنين، ولا يعرف الطب علاجاً له، لكن العواقب يمكن أن تكون حميدة في حال استخدام الأدوية الطبيعية بالتوازي مع العناية الطبية. سرطان الرئة يمكن شفاؤه أيضاً في حال تقديم التغذية المناسبة ومعالجته بمحاليل عشبية مناسبة. الفكرة هي عدم اليأس، فأدوية الطبيعة قادرة على تقديم النجدة. هناك سبب آخر لزيادة حساسية الرئة هو أنها مدخل أساسي لكثير من السموم، وهي المدخل الأسهل بين المداخل الأخرى لعبور المواد الخطرة إلى داخل الجسم؛ وهذا لأن أي مادة تستنشق إلى عمق الرئتين قد يتم امتصاصها بسهولة إلى جهاز الدوران لتصل إلى الدم واللمف. ومن الأمثلة الجيدة عن هذا الجمرة الخبيثة، وهي جرثوم ممرض عادةً لا يسبب الوفاة؛ إذ تنتج الوفاة عن شكل من أشكال هذا الجرثوم تنتجه الصناعات العسكرية. هذه الجمرة العسكرية معدلة خصيصاً لتقتل ولتقوم بهذا بسرعة وتصيب أعداداً كبيرة، فإذا تم إطلاق مخزون الجمرة الخبيثة المخزونة في الولايات المتحدة في القارة الأمريكية ودون تقديم الوقاية منها فسيموت كل شخص في شمال أمريكة. تقتل الجمرة الخبيثة من خلال الاستنشاق أي من خلال الرئتين، والحقيقة أن الاستنشاق المباشر لبذيرات الجمرة الخبيثة قاتلٌ، وبخاصة النوع العسكري منها. احتمالات الموت الجماعي بسبب جرثومٍ نادرٍ كالجمرة الخبيثة هي احتمالات ضئيلة، أما الأسباب الأكثر احتمالاً لانتشار الأوبئة والتسبب بآلاف الوفيات فهي الأحياء الدقيقة الأكثر انتشاراً كفيروسات الحمى والسبحيات أو السل. وللجمرة الخبيثة وفيروس هانتا ( Hanta )[(1)] وفيروس غرب النيل وأمثالها من العوامل الممرضة النادرة حصتها من الوفيات. لكن الأوبئة الأكثر خطورة ستنتج عن الأحياء الدقيقة الأكثر انتشاراً كالأنفلونزا والعنقوديات والسبحيات والمبيضات البيض والفطور المكورة والبكتريات المكورة وفيروسات الحمى والعفن. توجد هذه العوامل الممرضة كل يوم وفي كل مكان، وتسبب أمراضاً حادة ومزمنة، وكثير منها تسبب أمراضاً مزمنة خطيرة. إضافة إلى أنها توجد على كل الأشخاص أو في أجسامهم وبشكل دائم. وهي العوامل المسببة للأوبئة العالمية التي يرجح أن تكون السبب في غالبية الوفيات وحالات العجز في المستقبل. والحقيقة هي أن الوباء العالمي أمر لا مفر منه. لا يقلل هذا من قوة الأحياء الدقيقة الأكثر ندرة؛ إذ تسبب حالاتٍ رئوية وتنفسية لا تحصى، ولابد من أخذ دورها من ثم بعين الاعتبار عند تشخيص حالة ما أو معالجتها. لابد في الحقيقة من أخذ كل الأنواع بعين الاعتبار للوقوف على السبب الحقيقي لكل مرض، ولمزيد من المعلومات حول الأحياء الدقيقة التي قد تكون سبباً في أي حالة انظر الفصل الرابع. مع ذلك لا داعي للاستخفاف بمعالجة الأمراض التنفسية. وما تحتاجه هو عوامل قادرة على تحييد العوامل الرئيسة التي تسبب مثل هذه الأمراض، وهناك من ثم حاجة إلى ترياق عالمي أو مبيد جرثومي شامل، ومثل هذا العامل يجب أن يكون قادراً على عكس الأثر السمي لهذه العوامل الممرضة والملوثات. والمذهل هو أنها العوامل نفسها التي يجب على فئة كاملة من الكائنات الحية أن تتنافس معها يومياً وهي المملكة النباتية. عملت الأشجار والشجيرات والأعشاب والنباتات الغذائية على تطوير آليات لتحافظ على بقائها وتقاوم الأحياء الدقيقة المذكورة سابقاً، وتعتمد هذه الآليات على إنتاج مواد كيميائية تعمل على تحييد أي سمية. هل تساءلت يوماً كيف تستطيع نباتات كالأشجار التي تصطف على الطرقات بين الولايات أن تنجو بنفسها مع تعرضها المستمر للملوثات؟ إنها تقوم بهذا من خلال إنتاج مواد خاصة تعرف بالمواد الكيميائية الضوئية. الغاية من هذه المواد هي مساعدة النباتات في مواجهة الضغوط، بما فيها الضغط الذي تسببه الملوثات والأحياء الدقيقة. من الممكن اليوم أن نستخلص هذه المواد الكيميائية ونستخدمها للوقاية الشخصية. هناك دواء في المملكة النباتية لكل مرض (وهو حديث ينسب أساساً إلى النبي محمد [(ص)]). وهذه مقاربة إيجابية تماماً ومعاكسة تماماً للموقف الطبي النموذجي، القائل أنه لا علاج. تشير المقاربة النبوية إلى أنه في حال مرض الشخص فليس عليه أن يفقد الأمل أبداً فهناك علاج ما في الطبيعة، ولا يحتاج إلا لمن يكتشفه. التحدي إذن هو في إيجاد (الدواء) الملائم وتحديد طريقة استخدامه. هو تحدي إيجاد الشخص القادر على تقديم التوجيه المناسب أو الوسيلة لتطبيق مثل هذا العلاج. تفيد المعلومات التي يقدمها هذا الكتاب في حل هذه المشكلة فيقدم الأدوية النباتية المناسبة والمطلوبة للتخلص من المشكلات التنفسية ووقاية الرئتين وغيرها من الأعضاء من السمية و/أو الهجمات الميكروبية.
كتاب في أمراض وصحة الجهاز التنفسي ومشكلاتها وحلولها، مترجم عن اللغة الإنكليزية. ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول بعد المقدمة التي ذكر فيها المؤلف انتشار الأمراض التنفسية في العالم وخطرها وأسبابها، ووظيفة الرئة والتأثيرات الضارة عليها. خصص المؤلف الفصل الأول لموضوع ((آلية التنفس))، ووظيفة الرئة وعملها، وتحدث في الفصل الثاني عن ((مكامن الأمراض التنفسية)). في حين بحث في الفصل الثالث ما يخصُّ ((الجراثيم، والجراثيم في كل مكان)). وفصل الحديث في الفصل الرابع عن ((الاعتلالات التنفسية ومعالجاتها الطبيعية))؛ فذكر عدداً من الأمراض الرئوية، كالجمرة الخبيثة، وداء الفطر الشعاعي، والتلوث بالصوف الصخري، والربو، وجلطات الدم، والتهاب القصبات الهوائية، والتوسع القصبي، وسرطان الرئة، والزكام، وهبوط الرئة، وقصور القلب الاحتقاني، والسعال، والتليف الكيسي، وداء رئة العاملين في الهدم، وانتفاخ الرئة، وحمى القش، والناميات الأنفية، وذات الرئة، واستنشاق الدخان، والتهاب اللوزتين، والسل، والسعال الديكي، وغيرها.. وأنهى الكتاب بالفصل الخامس عن ((الحفاظ على الصحة))؛ فقدم فيه نصائح هامة، منها الرياضة الشاملة، تحسين وضعية الجسم واستقامته، التنفس العميق، التهوية المناسبة، تقوية غدتي الكظر، تجنب السمية الدوائية، الحفاظ على الهواء الصحي.. ثم ألحق بالكتاب حديثاً عن الأغذية والإضافات الغذائية التي قد تتصرف بصفتها سموماً تنفسية. ذُيِّل بفهرس عام.