حوارات لقرن جديد
تحاول هذه السلسلة وهي تتناول القضايا الهامة الراهنة تأسيسَ أرضية معرفية لحوار علمي أوضحَ منهجاً، وتواصلٍ ثقافي أكبرَ فائدةً، يُخرج الفكر من الصراع إلى التمازج، ويُنضج الخلاف، ليغدو اختلافاً يرفد الفكر بالتنوُّع والرؤى المتكاملة.
كما تهدف السلسلة إلى كسر الحواجز بين التيارات الفكرية المتعددة، وإلغاء احتكارات المعرفة، وتعويد العقل العربي على الحوار وقبول الآخر، والاستماع لوجهة نظره، ومناقشته فيها، واستيلاد أفكار جديدة تنشط الحركة الثقافية وتنمي الإبداع.
تتكون كل حلقة في السلسلة من رأيين لكاتبين ينتميان إلى تيارين متباينين، يكتب كل منهما بحثه مستقلاً عن الآخر، ثم يُعطى كل من البحثين للآخر ليعقب عليه. ثم تُنشر إسهاماتهما في كتاب واحد، ليشكل حلقة من سلسلة هذه الحوارات في مطالع هذا القرن الجديد.
صراع القيم بين الإسلام والغرب
هل صحيح أن جملة من القيم تيسر سبل التعارف بين البشر مهما اختلفت ثقافاتهم أو لغاتهم؟
هل يشعر الناس عموماً بمعاناة بعضهم بعضاً مهما تباينوا في العرق أو اللون أو العقيدة؟
هل يبقى مع ذلك اختلاف في النظر إلى العديد من القيم؟ فيما يراه قوم حربة ينظر إليه آخرون على أنه فجور.. وما يبدو ديمقراطية عند شعب يعتقده شعب غيره استبداداً وتحكُّماً.. وربما يظهر التدين لدى طائفة تعصباً عند طائفة أخرى.
والسؤال الآن:
إلى أي حد يكون التباين في النظرة للقيم بين الغرب والإسلام؟ هل يقدّر الغرب الحرية أكثر مما عند المسلمين؟ هل يحرم الإسلام الاستمتاع بالملاذّ؟
هل يلتزم المسلمون بالتدين أكثر من الغربيين؟
هل يتمسك المسلمون بالروابط الأسرية في حين يتفلت منها الغربيون؟
قضايا كثيرة شائكة يعالجها الكتاب بين الإسلام والغرب يحتاجها كل قارئ أكثر من أي وقت مضى لفهم كلٍّ حقيقة الآخر.
في هذه الحوارية يحاول أحد المؤلفين في مداخلته ((صراع القيم – الصراع على القيم الكونية)) أن يقدم في البداية تعريفاً لمعنى القيم من الناحية اللغوية، ويبين كيف فهمها العرب، ثم كيف ترجمت إلى اللغات الأجنبية، وكيف تكونت القيم، وصنفت من حيث هي دينية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو جمالية، وينتقل بعدها لاستعراض المنطق الفلسفي للقيم ومعالجة الفلاسفة لإشكالاتها من كونها معيارية أم علمية أم إنسانية؟
انتقل بعدها للقيم الكونية وذكر ماذا تعني؟ وكيف تحدد سماتها؟ وما علاقتها بالنظام الثقافي للأمم والشعوب؟ وهل ((القيم الكونية)) ذاتها في الحضارات المختلفة؟ وما مدى ثباتها في الثقافة الواحدة؟ بعد ذلك عالج فلسفة القيم في إطارها الإسلامي، ووضّح كيف تم التأسيس النظري للأخلاق في التراث العربي الإسلامي، وتساءل هل نعيش اليوم صراع قيم بين الإسلام والغرب؟
أما مداخلة كيفين جيه أوتول المعنونة بـ ((الإسلام والغرب - العقيدة المطلقة والشك)) فقد حاول فيها أن يتحرى الاختلاف في القيم بين الإنسان الغربي، والإنسان المسلم، في سياق تحديد ماهية الإنسان الغربي بالاستناد إلى مبادئ مجلس أوربة وأهدافه، في حين تتحدد ماهية الإنسان المسلم عبر مبادئ منظمة المؤتمر الإسلامي وأهدافها، باعتبار أن هاتين المنظمتين تضمان أكبر ممثلين عن كل جماعة (الإنسان المسلم، الإنسان الغربي) من حيث الدول وعدد السكان.
لهذا يحاول المؤلف أن يحدد أماكن الاحتكاك التي حصلت بين الإسلام والغرب، ثم ينتقل بعدها لدراسة نشأة منظمة المؤتمر الإسلامي، والتجارب التي سبقت للتأسيس للوحدة الإسلامية، والمعايير التي وضعها المؤتمر للقيم الممثلة للإنسان المسلم، وبعدها يدرس الوضع القيمي للإنسان الغربي من خلال منظمة ((مجلس أوربة)) ويعود بالتاريخ للصراع الذي كان دائراً بين الشعوب الأوربية، ودواعي تأسيس ((مجلس أوربة))، وما القيم الغربية التي شكلت الفضاء الأخلاقي لأوربة الحالية؟