كلمة من الناشر .. بل من القلب
شيء عن العمري وله
في ذات يوم هادئ حمل البريد إلى دار الفكر كتاباً عُرض على لجنة النشر بعنوان "البوصلة القرآنية" لمؤلفه أحمد خيري العمري.. أحالته إلى أكثر من قارئ فأثار جدلاً من نوع خاص، وفي زاوية خاصة، وفي أسلوب خاص.. حارت اللجنة وقتذاك بين القبول والاعتذار، لأن في الكتاب أفكاراً هامة، ولكن فيه كذلك أشياء جديدة، تحتاج إلى إعمال نظر لما يثيره في النفس..
وجادل أعضاء اللجنة بعضُهم بعضاً، وطال انتظار المؤلف حتى ترجّح لدى الدار إصدار الكتاب، وتبنَّته، كشأنها في كل عمل تصدره؛ تشارك المؤلف مسؤولية ما يقدّم.. ثم صدر.
ومع حصول ما توقعت الدار بعد ذاك اليوم الهادئ الذي وصلها فيه الكتاب جاءت أيام صاخبة، عالية الصوت، وكثرت التعليقات عليه.. وراجت سوقه.
كانت تلك بداية أحمد خيري العمري، الطبيب الذي قدم بعدئذ من العراق، فدخل على استحياء المؤمن، وعرَّف بنفسه.. فاستقبلته الدار بالترحاب.. وسكن دمشق مدة وسكن إليها، وأحبها، وألف فيها كتباً راجت، وكان له قراؤه الذين عرفوه على المواقع، وأحبوا أسلوبه في الكشف عن الأفكار التي يعرضها على نحو جديد.. يجدد المعروف ويرمم القديم..
كان العمري كاتب الشباب؛ يأخذ الموضوع الذي تعرفه أنت، ويعرفه الناس كلهم في الصلاة مثلاً، أو في قصة مشهورة كقصة نوح أو إبراهيم عليهما السلام أو في حديث شريف محفوظ، فيسكب عليه من ذاته، من آفاقه، من تطلعاته، ما يحلله ثم يحضِّره كما يحلل الصائغ المادة الخام من اللؤلؤ أو الذهب، ثم يصوغها حَلْياً يزين عنق الحسناء، فإذا هو جديد كل الجدة من قديم كل القدم.. فيضيف إليه ما يحافظ على روعته.
استقطب أحمد خيري العمري جيلاً من الشباب واعداً، تواصلوا معه من خلال المواقع.. حاوروه.. سألوه.. كتبوا له.. وأجابهم. ولم يكن لهؤلاء وطن واحد، كانوا من بلاد متناثرة، اجتمعوا عليه.. وسرّ دارَ الفكر اجتماعُهم؛ لأنها تريد أن تجمع الناس على القراءة وخاصة من الشباب.
ولم يكن قرّاء العمري قرّاء عاديين، كانوا من الشباب الواعدين أو القراء النهمين، أو من أصحاب الأفكار، ينظرون إلى الدنيا بعين أُخرى، ويستشرفون المستقبل بقلب مفتوح. ولمثل هؤلاء تتطلع دار الفكر، ولمثلهم تعمل، ولمثلهم تحمل رسالتها بصدق وأمانة وإخلاص.
ولهؤلاء كلهم أقامت الدار أسبوعها الثقافي الحادي عشر تحت شعار "شباب لعصر المعرفة". وكان الدكتور أحمد خيري العمري زعيم هؤلاء الشباب، وهو الأليق بالتكريم لهذا العام وبهذه المناسبة خصوصاً من بين عدد من المؤلفين المرشحين الذين تختار أحدهم في كل عام تقدُر له قدْرَه، وتعرف له مكانته، وتصطفيه في احتفاليتها تلك المتجددة..
ودار الفكر بهذه المناسبة لا تخصص للشباب عاماً تحتفل بهم تحت ذلك الشعار وينقضي همها بعدئذ لتنساهم في سائر الأعوام؛ بل إنها تراهم بعين قلبها، وتشجعهم، وتحرص عليهم.. وتفتح لهم ذراعيها وتُشرع لهم الأبواب.. وكم نشرت لهم أعمالهم من قبل، فأصدرت رواياتهم وكتبهم، وبعضُهم كان في عامه الثامن عشر أو ما بعده بقليل، وانتقت من مؤلفاتهم ما قدمته إلى القراء، فكان اختيارها موفقاً، فأقبل عليهم القراء، وأثنوا على أعمالهم، وعُرفت أسماؤهم، فكانت الدار منبراً لكل قلم واعد، وكل صوت جديد، وكل فكر نيِّر، لا تخاف التجديد، ولا تخشى أن تكشف عن الصغار الذين سيكبرون يوماً ويكونون ذوي شأن.
وبعد ..
فدار الفكر تقدم تحيتها الخالصة إلى الدكتور أحمد خيري العمري وتقدمه مكرماً في هذا العام إلى قرائها من خلال هذا الكتاب الذي يهديه إليه قراؤه ومحبوه في مقالاتهم المسرودة فيه، ليكون كتاب التكريم الجديد، كما دأبت الدار في كل عام من كتاب لابد أن يكون هدية التكريم منها..
كرَّمت من قبل الدكتور نور الدين حاطوم والدكتور مازن المبارك والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والدكتور وهبة الزحيلي والدكتور شوقي أبو خليل والأستاذ جودت سعيد والدكتور محمد عزيز شكري والدكتور هاني رزق، وهؤلاء كلهم من سورية، ثم كرمت الدكتور حسين العمري من اليمن، والدكتور عبد الوهاب المسيري من مصر..
وها هي ذي اليوم تلتفت إلى العراق فتختار الدكتور أحمد خيري العمري.. صانع الأنفاق
تقدم له أطيب المنى
وتشدّ على يديه
وترجو له المزيد من العطاء.. عطاءً غير مجذوذ..
محمد عدنان سالم
أحمد خيري العمري
صانع الأنفاق
هكذا أطلق بعض أصدقاء الدكتور أحمد خيري العمري عليه. فلماذا أطلقوه؟
وإن كان ذلك كذلك.. فلماذا يصنعها؟
وأين يصنعها؟ ولمن يصنعها؟ وكيف يصنعها؟
إن صناعة الأنفاق في هذا الزمن قد تكون ضرورية في مكان، خطرة في مكان آخر، غير لازمة في مكان ثالث.. فأي هذه الثلاثة يصنعها العمري؟
هل صنعها صعب عليه أم يسير؟
هذا الكتاب وقفات معه كتبها أصدقاؤه من بلدان شتى، وبأقلام مختلفة، وبألوان متباينة، من أعمار متفاوتة.
هل نغوص في أنفاقه؟
أم نحذر منها؟
أم نتحدث عنها؟
اقرؤوا هذا الكتاب، واحكموا.. وخبرونا.