مقدَّمة
الحمد لله رَبِّ العالمين، والصلاة والسلام على سَيِّد الأولين والآخرين نَبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
هذه مقالات سبق أن نُشِرت أسبوعياً - إلا ما ندر منها - في صحيفة الجزيرة الغَرَّاء طوال عام شهد أحداثاً مأساوية حدثت لأُمَّتنا. وكان من أفظع تلك الأحداث - إن لم يكن أَفظعها - ذلك العدوان الصهيوني الإجرامي على غَزَّة المُؤيَّد تأييداً واضحاً من المُتصهينين الغربيين وفي مُقدَّمتهم قادة الولايات المتحدة الأميركية.
وكنت قد بدأت الكتابة الأسبوعية المتناولة لقضية فلسطين.. قضية أُمَّتنا المحورية.. والقضايا المرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً في مُستهلِّ عام 2001م. وكانت أول مقالة من تلك المقالات بعنوان "أميركا وإسرائيل". وقد تَكوَّن من مجموعها طوال عقد من الزمن الشيء الكثير. فَأَصدرت منها ما أَصدرت في خمسة كتب أولها عنوانه خواطر حول القضية ، وآخرها مقالات عن قضايا عربية . ومما أُشِير إليه في مُقدَّمة الكتاب الأول إثبات المقاتل العربي مقدرته في حرب 1973م، التي لم تُؤتِ ثمارها المَرجوَّة؛ إذ تلاها - بعد ست سنوات - تَحقُّق حلم الكيان الصهيوني الكبير؛ وهو خروج مصر بكل ثقلها المُختلف الوجوه من ميدان المُواجَهة مع ذلك الكيان. ثم توالت الكوارث. وكان من أفدحها احتلال جيش صدام للكويت الأمر الذي كان من نتائجه المُدمِّرة انفراط عقد التضامن العربي أكثر فأكثر، وإطلالة الإقليمية المقيتة برأسها أسوأ فأسوأ، وتَرسُّخ الهيمنة الغربية - وفي طليعتها الأميركية - في أقطار أُمَّتنا أعمق فأعمق.
أما كتاب مقالات عن قضايا عربية فَمما أُشِير إليه في مُقدَّمته استهداف أعداء أُمَّتنا لها؛ ديناً وحضارةً ووجوداً. وهو أمر يَتجدَّد مع مرور الأيام وتوالي السنين. على أن الإشارة إلى ذلك الاستهداف في العصر الحديث وحده كافية للتدليل على فداحته. وكانت الغزوات الغربية العدوانية ضد هذه الأُمَّة متزامنة مع ما كان يبذله اليهود الصهاينة من جهود تهدف إلى تكوين دولة صهيونية لهم في فلسطين. ولقد تبلورت تلك الجهود بشكل لم يسبق له مثيل أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. ثم شهد القرن العشرون نجاحهم في إنشاء الدولة التي كانوا يسعون إلى إنشائها كما هو معلوم. ومما أُشِير إليه، أيضاً، في مُقدَّمة ذلك الكتاب - وإن باختصار شديد - اتِّضاح التَّصهين لدى بعض المسيحيين بحيث أصبحوا كما قال المؤرخ اليهودي لي ليفنجر: " أكثر يهودية من اليهود". ولذلك رموا بثقلهم مع الصهاينة، واندفعوا اندفاعاً غير محدود في تأييد جرائمهم وتبريرها.
وتأتي المقالات التي بين دفَّتي هذا الكتاب، حلقة في سلسلة ما كتبه مُدوِّنها عن قضايا أُمَّتنا؛ عرباً ومسلمين. وهي تتناول أحداث عام شهد جرائم صهيونية بشعة، كما شهد مَواقف مُخزية لكثير من زعماء أُمَّتنا مع الأسف الشديد؛ منها ما طابعه تَقبُّل الذُّل والإهانة، ومنها ما طابعه يصل إلى التعاون مع أعداء هذه الأَمَّة بشكل من الأشكال. ولا يملك كاتب هذه السطور إلا أن يختتم هذه المُقدَّمة القصيرة بما اختتم به مقدَّمة آخر كتاب أصدره حول القضايا المُتحدَّث عنها؛ وهو هَيَّأَ الله لأُمَّتنا من أَمرها رَشَداً.
عبد الله الصالح العثيمين
ها قد مضى على العدوان على غزة عام كامل.. من الذل والانخداع
أصلاها الصهاينة جحيم صواريخهم، فدمروها بتأييد المتصهينين الغربيين.. وصمد القطاع أياماً طويلة قاسية
ثم حوصر بشتى أنواع الحصار، من أجل القضاء عليه..
والعالم من بين متآمر أو متفرج أو نائم
لم يأت ذل على العرب مثل هذا الذل..
وخدعهم عدوهم
وما أكثر ما يخدعهم عدوهم فينخدعون!
***
هذا الكتاب يتناول أحداث عام شهد جرائم صهيونية بشعة.
وشهد مواقف لزعماء من الأمة.. مخزية
مواقف من الذل والإهانة والتآمر..
فكيف تناول المؤلف موضوعه؟
وكيف كشف اللثام عن دقائق الأمور؟
إنه كتاب جدير بالقراءة، ليفتح العيون، وليملأ الأسماع، ويوقظ الضمائر.
مجموعة مقالات أسبوعية عالج كاتبها أحداث العام المنصرم التي شغلت بال المواطن العربي. عرض في البداية كتاباً حول تاريخ الولايات المتحدة، مبيّناً ارتباط عقيدة الجماعات الأنجلو ساكسونية بالفكرة القيامية وبالدولة اليهودية، وعملهم على إنشائها ابتداءً بإسقاط الدولة العثمانية وإجهاض مشروع الدولة العربية، مروراً بسياسة (الخطوة خطوة) التي أتاحت لقادة الصهاينة الفرصة لتهويد ما احتلوه عام 1967م، ثم اتفاقية كامب ديفيد، وانتهاء بمؤتمر مدريد وما تلاه من اتفاقيات، ومفاوضات تتم في ظل استمرار إسرائيل في تهويد الأرض وإعلان العرب السلام خيارهم الاستراتيجي الوحيد، معتمدين على قرارات مجلس الأمن الذي لا يعلو على أن يكون تابعاً للولايات المتحدة.
بشكل مستفيض ناقش المؤلف خطاب أوباما في القاهرة، وقارنه بخطاب نتنياهو في القضايا الأساسية: اللاجئين، والحدود، والدولة الفلسطينية، وطبيعة الدولة الإسرائيلية، مبيّناً التطابق بين الخطابين وإن اختلف الأسلوب، مؤكداً أن قادة العرب والمسلمين هم المسؤولون عن هذا الواقع المزري؛ فتماديهم في التنازلات يغري قيادة الكيان الصهيوني بالمزيد من الغطرسة والتكبر.
حرب غزة وما جرى فيها وما حدث بعدها عرّج عليه المؤلف مبيناً أن الهدف منها هو القضاء على المقاومة الفلسطينية ومن ثمَّ تصفية القضية الفلسطينية، ولذا فمن الوهم تحميل حماس المسؤولية عنها، وأبدى تعجبه من أصحاب هذا الموقف، مؤكداً أن هناك من غير أمتنا من هم أكثر إنصافاً ومعقولية من هؤلاء.
وأمام ما يقوم به الصهاينة من تهويد شامل للقدس؛ في الأرض والإنسان والعمران تساءل المؤلف أكان اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية تكريماً للقدس أم توديعاً لها؟
وفي النهاية يؤكد المؤلف أن الأمة التي تلقي بمسؤولية حل قضاياها على عاتق غيرها أمة غير جديرة بالاحترام، وما لم تصلح الأمة نفسها معتمدة على الله ثم على ذاتها، فإن الإخفاق سيكون دائماً حليفها.