المقدمة
بعد انتهاء الحرب الباردة لوحظ في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة، فتور الاهتمام بروسيا بصفتها أحد اللاعبين الرئيسيين على الصعيد الدولي. طبعاً إن روسيا ليست الاتحاد السوفيتي الذي مارس بلا ريب دوراً قيادياً في السياسة العالمية. كما يمارس تأثيره تحرك الصين بوتيرة سريعة، ويعار لها - وهذا شيء مفهوم - اهتمام متزايد، لكن غالباً ما يتم ذلك على حساب التقليل من شأن "العامل الروسي". كما تجري مقارنة ليست في صالح روسيا بين رصيدها الحالي في الاقتصاد العالمي ورصيد عديد من البلدان الأخرى في فترة ما بعد النهضة الصناعية.
ومما يساعد على التقليل من مكانة روسيا في العالم المعاصر وتشويه دورها فيه، بلا ريب، أنه ما زالت على قيد الحياة وتمارس عملها بنشاط أجيال الناس التي شاركت في المواجهة بين العالم الغربي والاتحاد السوفيتي، أو وقعت تحت تأثير انطباعاتها. إن هذا العامل النفسي يقود إلى تولد مشاعر الريبة الحالية، وأحياناً المشاعر المعادية لروسيا التي تمارس تأثيرها في التقييمات التي نشأت أيام الحرب الباردة. بالمناسبة إن هذا يحدث أيضاً في موقف الرأي العام الروسي حيال الولايات المتحدة وحليفاتها الغربية.
لقد أضافت أزمة أوسيتيا الجنوبية في آب/ أغسطس عام 2008 المزيد من المواقف السلبية في الولايات المتحدة والغرب عموماً حيال روسيا. وفي الوقت نفسه تناقص كثيراً عدد الذين كانوا يعتقدون أن من الممكن تجاهل روسيا، وعدم أخذ مصالحها بنظر الاعتبار. وكتب مايكل سبيكتر أحد الخبراء الأمريكيين في شؤون روسيا، الذي ينشر مقالاته على صفحات مجلة (نيويوركر) عادة، بعد الأحداث في أوسيتيا الجنوبية يقول: لقد انتهت الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة تتعامل مع روسيا مثل تعاملها مع جامايكا. و"يجب التعامل معهم كبشر كبار لديهم من الرؤوس النووية أكثر مما لدى أي أحد آخر باستثنائنا نحن".
فهل انبثقت هذه البصيرة فقط لأن روسيا أصبحت مرغمة، والشيء الذي لا يقل أهمية، أنها صارت مستعدة لاستخدام القوة من أجل حماية مصالحها؟
وتخالجني القناعة بأن روسيا بعيدة عن الإقدام على تثبيت أهميتها في الشؤون العالمية عبر المواجهة مع أي أحد، كما يخطئ أولئك السياسيون في الغرب الذين ينطلقون من هذه الرؤية. ولا يمكن أن يفسر إلا بقصر النظر السياسي الاستعداد لشطب روسيا من قائمة الدول الكبرى، والتقليل من شأن قدراتها ووتيرة وآفاق تطورها. إذ تبقى روسيا حتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي من أكبر البلدان مساحة في العالم. وتوجد في بواطن الأرض فيها قرابة 50 بالمئة من جميع الموارد الطبيعية المستثمرة في الكوكب، ولا ريب في أن روسيا تمتلك قدرات ذهنية كبيرة. وفي نهاية المطاف؛ فإن روسيا تعادل الولايات المتحدة من حيث ما تمتلكه من السلاح النووي وإمكانيات إيصاله.
إن جميع ما أوردته آنفاً يدل على نفسه بنفسه. كما يجب أن يضاف إلى ذلك النهج الداخلي الذي اعتمدته روسيا في القرن الواحد والعشرين، إنه يساعد، بالرغم من جميع تعقيداته وبعض الأخطاء، على إعطاء بلادنا مكانة رفيعة في الاقتصاد العالمي وفي العلاقات الدولية.
لقد حاولت في هذا الكتاب تحليل المشكلات الحادة، التي تفصل روسيا عن الولايات المتحدة، وإظهار كيف ينظرون في موسكو إلى استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية. كما يستطيع القارئ أن يجد في الكتاب العديد من الانتقادات الموجهة إلى ممارساتنا. بيد أن الفكرة الرئيسية لكتابنا هي أنه توجد مجالات واسعة للمصالح المتطابقة موضوعياً في العالم المتعدد الأقطاب الناشئ.
وقدم لي مساعدة فنية لا تقدر بثمن في إعداد مسودة الكتاب للطبع كل من مساعدتي يلينا بوبوفا ومساعدي دميتري شيمانسكي. كما أقدم الشكر إلى الخبراء، وبالأخص فلاديمير بارانوفسكي وجيورجي بتروف، اللذان توليا قراءة المسودة، لما أبدياه من ملاحظات وتعليقات تستحق الشكر الجزيل.
كلمة الناشر
مرة أخرى يطل علينا الأكاديمي والمستعرب المشهور يفجيني بريماكوف بكتابه الموسوم (العالم بدون روسيا؟ قصر النظر السياسي وعواقبه) وقد تجاوز الثمانين من عمره، وهو يحدثنا بالتحليل عما يدور في روسيا من تطورات وصراعات، وإخفاقات ونجاحات، وهو كما عهدناه لا يجامل ولا يداهن في تحليلاته التي تصل في بعض الأحيان إلى حد عض الأصابع. في هذا الكتاب يستطيع أن يطلع القارئ على جوهر العلاقات الروسية - الأمريكية في فترة كان يظن البعض بأن روسيا قد غادرت الساحة الدولية إلى غير رجعة، وأن عصر التفرد الأمريكي سيسود العالم إلى الأبد. وفي هذا المجال يسلط السيد بريماكوف الضوء على أسباب عدم قيام روسيا "بأخذ الثأر" من الولايات المتحدة الأمريكية على "فعلتها" التي قامت بها أثناء وجود القوات السوفيتية في أفغانستان، وتحدث السيد بريماكوف أن الساحة العراقية ووجود القوات الأمريكية في هذا البلد كان من الممكن أن تكون ساحة تصفية حسابات، لكن روسيا لم تفعل ذلك؟
أما بخصوص العراق واحتلاله من قبل القوات الأمريكية فيقوم السيد بريماكوف بإعطاء تحليلاته وتوقعاته بشأن هذا الاحتلال الذي يعد أحد أخطر نتائج التفرد الأمريكي على الصعيد الدولي، بل يصف هذا الاحتلال بالمأزق الخطير الذي وضعت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها والعالم فيه. عندما تقرأ تحليلات السيد بريماكوف، خاصة بشأن العراق، تجد هناك مرارة وحزناً على ما حل بهذا البلد، الذي ربطته به الكثير من العلاقات، بل ساهم حتى في رسم بعض الأحداث فيه، عندما عمل مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين والقائد الكردي مصطفى البرزاني في تهيئة الحل للقضية الكردية في شمال العراق، والتي انتهت ببيان آذار المعروف.
لقد كان لي الشرف بالعمل مع السيد بريماكوف أثناء جهوده في حل أزمات العراق الساخنة منذ الحرب العراقية - الإيرانية، واحتلال الكويت، وانسحاب القوات العراقية من الكويت، وما رافق ذلك من تعقيدات، وبعد ذلك فترة الحصار على العراق، وانتهاء بآخر لقاء جمع السيد بريماكوف مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فعرفته وعرفت تحليلاته بخصوص الكثير من الشؤون العربية والدولية مرة أخرى.
أود أن أقول إن هذا الكتاب هو مصدر مهم لمن يريد أن يتعرف على الوضع في روسيا وعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك للتعرف على آراء وأفكار السيد بريماكوف بخصوص الوضع في العراق وأفغانستان.
واليوم لي الشرف بأن أكون ناشراً لكتاب السيد بريماكوف، وهو الكتاب الثاني بعد (حقول ألغام السياسة).
الناشر
د. عباس خلف
العالم بدون روسيا
يستطيع القارئ في هذا الكتاب المهم أن يطّلع على جوهر العلاقات الروسية – الأمريكية في فترة كان يظن فيها بعض المتابعين أن روسيا غادرت الساحة الدولية إلى غير رجعة، وأن عصر التفرد الأمريكي سيسود العالم إلى الأبد.
بريماكوف الرئيس الأسبق لحكومة روسيا الاتحادية - وهو أكاديمي مستعرب معروف - يسلط الضوء الكاشف على أسباب امتناع روسيا عن أخذ ثأرها من الولايات المتحدة على فَعْلتها التي فَعَلتها في أثناء وجود القوات السوفيتية في أفغانستان.
كما يحلل الوضع في العراق حين احتلته القوات الأمريكية؛ الأمر الذي يعد أحد أخطر نتائج التفرد الأمريكي على المستوى الدولي.. ورأى فيه مأزقاً خطيراً ، وضعت الولايات المتحدة نفسها والعالم فيه.
الكتاب مصدر مهم لمن يريد الاطلاع على الوضع السياسي المعاصر في روسيا، وعلاقتها بالولايات المتحدة.. وعلى آراء بريماكوف فيما يتصل بالعراق وأفغانستان.